السبت 28 سبتمبر 2002 23:19
ربما بدت كمفاجأة، أن يجتمع عدد من النساء النشيطات في منظمات تعمل من أجل السلام والتنمية في شرم الشيخ يومي21 ـ22 سبتمبر2002 ليدرن حوارا حول إمكان تأسيس حركة نسائية تعمل من أجل السلام، فالذي عقد في شرم الشيخ بمبادرة وبدعوة من السيدة الفاضلة سوزان مبارك رئيسة المجلس القومي للمرأة كان حوارا بين مائة قيادة نسائية لمناقشة فكرة تأسيس حركة نسائية تتشكل مما هو موجود الآن من عشرات الآلاف من المنظمات النسائية النشيطة والعاملة من أجل السلام بجانب ومع مايمكن أن يوسس من منظمات في المستقبل، وكذلك من الشخصيات والعامة الوطنية، نساء أو رجالا، القادرة علي العطاء في هذا المجال في كل بلد.. والهدف هو تفعيل دور المرأة وتنشيطها في كل مكان سعيا للتعبير والضغط من أجل أن تتحول كل تلك القرارات والتوجهات العالمية المقررة من المجتمع الدولي إلي تطبيق حقيقي للدفاع عن حق النساء في عالم وفي مناخ خال من النزاعات التي تتسبب في كل ما يقع عليهن من القهر والعنف بكل أشكالهما.
الذي جري في شرم الشيخ لم يكن مؤتمرا بقدر ما كان تجمعا لتنظيم الحوار والخروج به، في حالة الاتفاق، إلي إعلان بيان في شكل رسالة تدعو إلي منظمات وشخصيات أخري في لقاء أوسع، هو المؤتمر، في وقت لاحق، بعد عامين.. والهدف، هذه المرة الثانية، هو الإعلان عن قيام هذه الحركة النسائية السلامية.
قد التقي هذا الجمع النسائي برعاية من جهتين هما المجلس القومي للمرأة في مصر من جهة، ومن الأمم المتحدة ممثلة في عدد من وكالاتها المتخصصة من جهة ثانية.. ورفع شعار الحوار من أجل العمل.
في خطابها الافتتاحي، أشارت السيدة الفاضلة سوزان مبارك إلي التناقض الذي تعيشه المرأة الآن والذي يدعونا إلي الحركة فقالت: لقد عملت الحروب المحلية وانتهاكات حقوق الإنسان علي تفاقم أزمة اللاجئين فضلا، عن الفقر والمرض والمجاعة والاضطهاد والإحباط، وأسهم هذا كله في هجرة جماعية للناس ـ منهم75% نساء وأطفال ـ داخل حدود أوطانهم أو خارجها.. ومع هذه المعاناة النسائية المفرطة في أوقات الحروب والصراعات، فإن دور المرأة المحدود تقليديا في مجال الدفاع عن السلام وتعزيزه والمحافظة عليه يبدو ضئيلا.
لقد عانت ملايين النساء في مواقع الصراع المختلفة، وكانت معاناتهن أكبر وأفظع مما يتصورها العقل البشري ولكن لم تجد هذه الملايين طريقا لرفع صوتها للتعبير عن معاناتها لأنها للأسف الشديد كانت أضعف الحلقات الإنسانية في كل مجتمع، كانت الأفقر والأكثر أمية والأكثر مرضا وحاجة والأبعد تهميشا.
وبالرغم من أنها كانت لاتزال الحلقة الضعيفة في التركيبة السكانية والواقع الاجتماعي، إلا فإنها مسئولة، بشكل مباشر ويومي وفي ذات الوقت، عن حياة الحلقات الأخري التي تشاركها الضعف والتهميش وهم الأطفال وكبار السن.. مما جعل معاناتها أكبر.. لقد باتت هذه الملايين من النساء في أشد الحاجة إلي أن تتقدم اخوات وأخوة لهن ممن يملكن الأصوات العالية للدفاع والتحدث عن حقوقهن الضائعة ومن أجل تحقيق حياة أكثر أمنا ورخاء لهن.. ومن هنا جاء حديث السيدة سوزان مبارك مذكرا، إن أملنا المنشود في اجتماع شرم الشيخ هو أن نبدأ حوارا من أجل العمل يمهد السبيل لميلاد حركة حيوية لانخراط المرأة في المشاركة في صنع السلام في جميع أنحاء العالم. وستكون هذه الحركة عملية لبناء إئتلاف يركز علي إرساء علاقات بين المنظمات العاملة من أجل السلام.. وبهذا سنعتمد علي مجموعة كبيرة من المؤسسات والاتفاقيات والجهود العالمية المكرسة لدعم سيادة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان العالمية وليس أقلها قرارامجلس الأمن رقم1325 لعام2000 الذي أكد مجددا الدور المهم للمرأة في بناء السلام.
ومن المؤكد أن الرأي العام العالمي أصبح الآن أكثر حساسية تجاه حقوق المرأة الإنسان إبان تفاقم الصراعات والنزاعات المسلحة.. سواء كانت صراعات داخلية بين طرفين إاجتماعيين في بلد واحد ـ كما في الصراع القبلي بين التوتسي والهوتو.. وكذلك في الصراع في صربيا وفي كوسوفا ـ أو الصراعات الناجمة عن الاعتداءات الخارجية كالصراع الدائر الآن علي الأرض الفلسطينية بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة التحرر الفلسطينية فبالرغم من التوافق المستمر لقضية المرأة مع اشكاليات العنف، فإن أشكال العنف الواقعة علي المرأة في الوقت الحالي باتت الآن تتخذ منظورها الشمولي.. لقد ارتبطت قضية المرأة منذ البدء في مناقشتها بالعنف.. كانت دائما تعاني من عنف أطراف أخري عليها لكنه في البداية كان في الأغلب العنف المنزلي المحدد بالاعتداء عليها وعلي جسدها وعلي حقوقها في إطار علاقات الأسرة سواء كانت أسرة الأب أو أسرة الزوج.. أي قبل الزواج أو بعده.. ثم امتد العنف إلي المستوي الاجتماعي والقانوني عندما تم التمييز ضد المرأة بحيث استمرت تتعلم أو تعمل أو تمارس العمل العام في إطار من حدود مرسومة بالتشريع وبالإطار القانوني، يصعب تجاوزها أو اختراقها. ولكن ظهرت في العالم تحولات كبري أخري خاصة في الفترة التي صاحبت الحرب العالمية الثانية ثم ما تلاها من سنين من الصراعات قد نسمي هذه التحولات الأخيرة بالجيل الثالث من إشكال العنف الموجهة ضد المرأة، خلال الحرب العالمية الثانية تم استخدام المرأة كدرع بشرية أو كأداة لإذاء مشاعر أبناء الوطن فلا يمكن للإنسانية أن تنسي أن الجيوش اليابانية قد استخدمت عشرات الآلاف من الفتيات والشابات الكوريات في بيوت الراحة وهي الأماكن التي خصصتها الإدارة العسكرية اليابانية للترفيه عن الجنود اليابانيين بشكل منظم ومؤسس وقد يقال إن هذه الأشكال من العنف ضد النساء تحدث دائما في الحروب هذا صحيح، لكن في الحالة اليابانية ـ الكورية كانت أشكال العنف تقع بتنظيم من السلطة العسكرية المحتلة أي تبعا لسياسات تضعها السلطة الحاكمة للإقليم في وقت الحرب. كما أنها كانت تنظم علي أساس قهر نساء وفتيات الجانب الآخر أي العدو.
الذي حدث أن خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين أحدثت الوقائع، من أشكال العنف الموجه للمرأة إبان النزاعات المسلحة، أكبر الصدمات القيمية والأخلاقية للرأي العام العالمي، فالأشكال الأخيرة هذه اتسمت بالقسوة البالغة ثم الانتشار الواسع في زمن تدعي فيه الإنسانية أنها تضع أقدامها علي أعتاب عصر جديد وحضارة عالمية جديدة.. وتدعي أنها وضعت الأساس لاحترام الإنسان وحقوقه المدنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. كما أن هذه الأشكال من العنف المنظم باتت وكأنها ممنهجة أي أنها تقع حسب برنامج ومنهاج واضحين وجاءت الصدمات من أوروبا الشرقية ومن حيث كانت يوجوسلافيا القديمة.. كما جاءت من إفريقيا من الصومال ومن رواندا في المواقع الثلاثة كانت المرأة الفريسة الأولي للنزاعات المسلحة ثم الهدف الأول لإذاء مشاعر الوطن أو القبيلة أو العشيرة أو المعتنقين للدين، كانت أداة للنيل من كرامتهم وشرفهم.
المشكلة أن هذه الأشكال من العنف قد تتزايد إن لم نتعاون من أجل وقفها
من الارقام التي جاءت في الحوارات التي جرت في شرم الشيخ أن النزاعات المسلحة التي جرت في القرن العشرين بما فيها الحربان الكبيرتان العالميتين الأولي والثانية أفقدت الانسانية مائة مليون انسان. حتي نهاية الحرب العالمية الثانية كان العسكريون يشكلون نسبة80% من القتلي، أما الآن فان النزاعات غير العالمية أو الكبيرة أي تلك المحلية التي تحدث في كل قارة فإن نسبة80% من قتلاها هم من المدنيين، كما أن عشرين دولة تعد من أفقر34 دولة في العالم تعاني الآن من هذه النزاعات التي تتخذ إشكالها أو طابعها المحلي. ومن هنا تأتي الاعداد التي ذكرت عن اللاجئين والذين تشكل النساء والاطفال نسبة75% منهم.
الحروب لم تعد حروبا بين جيوش بقدر ما أصبحت حروبا بين شعوب.
في عام1987 كان عدد اللاجئين بسبب النزاعات المحلية سواء الداخلية أو بسبب الاحتلال كاحتلال الاسرائيلي لفلسطين13 مليون لاجئ، ارتفع العدد الي26 مليون لاجئ عام1994 بعد أن زاد عدد النزاعات او اتساع نطاق بعضها ثم ارتفع مرة أخري عدد اللاجئين عام2002 الي50 مليون لاجئ واذا كان النساء والاطفال يشكلون نسبة75% من العدد الاجمالي للاجئين فان النساء وحدهن يشكلن نسبة تتراوح بين45% و60% في كل موقع.
ولايمكن ان ننسي الارقام الشهيرة التي خرجت لنا كل من الصراع في البوسنة ورواندا، في الأولي تم اغتصاب عشرين الف امرأة بوسنية عام1992 وفي الثانية أي في رواندا تم اغتصاب كل امراة نجت من حملة الابادة الجماعية التي تعرض لها أبناء القبائل المتصارعة.
أما في الصومال فكان الاذاء أكثر عنفا لان اغتصاب النساء أو ذبحهن أو تعذيبهن كان يجري امام أعين آبائهن وأزواجهن مما دفع العديد ممن اغتصبن إلي الانتحار خجلا من الابناء وهروبا من الاباء والازواج.
فأعمال الاغتصاب والتشويه الجسدي والتهجير والاختطاف من أجل الاتجار بالفتيات أو تجنيدهن ثم التعذيب المنتظم والذبح كما أشارت السيدة نانا رولنجز قرينة رئيس جمهورية غانا السابق عندما تحدثت عما يحدث في افريقيا عامة وفي ساحل العاج اخيرا باتت كلها أعمالا مستمرة ممنهجة لاتتوقف في هذه النزاعات المسلحة المعاصرة، لقد اعترف المجتمع الدولي بعد كل هذه التجارب الأليمة التي حدثت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين بأن تأثيرات النزاعات المسلحة علي النساء تختلف كثيرا عن تأثيرها علي الرجال لأنها تذهب الي مدي بعيد.. همجي وبربري ومتوحش. انها تستغل مايتصور أو ما تعتقد خطأ بأنه أضعف مافي المرأة الجنس ومشاعر الأمومة.
لذلك يقال الآن إن النساء خاصة الفقيرات والمعدمات منهن اللاتي لا يملكن امكانت الهروب المكلفة والغالية التكاليف بتن الضحايا الأولي في النزاعات المسلحة. وبدرجة امتياز هكذا وصفت الحالة الحزينة النسائية في الصراعات السيدة مني الهواري قرينة رئيس الجمهورية اللبنانية سابقا.
وجاء هذا اللقاء في شرم الشيخ ليمسك بالخيوط التي امتدت علي الساحة العالمية وتحديدا من عام1974 عندما اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها الخاص بشأن حماية النساء والاطفال في اثناء الطوارئ والنزاعات المسلحة وهو القرار الذي رعاه حينذاك الوفد المصري في اجتماعات المنظمة الدولية حول الاعمال التي تناولت بشكل مباشر قضية النساء والاطفال في الحروب والمنازعات ثم تلاه مؤتمرات عقد المرأة بدءا من مؤتمر المكسيك عام1975 مرورا بمؤتمري كوبنهاجن عام1980 ونيروبي عام1985 الي مؤتمر بكين عام1995 في كل هذه المؤتمرات ربطت قضية المرأة بالسلم وبالتنمية ثم بالمساواة، الي ان المشاركة الفعالة للمرأة في صنع القرار واحلال السلام والأخذ بمنظور يراعي الفروق بين الجنسين في النزاعات الدولية كما يدعو الي عمل الجميع من حكومات ومنظمات وأفراد من أجل الالتزام بالمواثيق وبالاعراف الدولية والانسانية ومن أجل حماية النساء والاطفال في النزاعات المسلحة.
أما السلام الذي ننشده وينشده البيان الختامي، فهو السلام الذي تحتضنه وتتبناه نساء العالم لتشكيل قوة ضغط علي حكوماتها، مجموعاتها الاجتماعية لوضع النهايات لصراعات الحدود والصراعات الداخلية والاحتلال الاجنبي والإرهاب وهي الصراعات التي تتعاظم في ظلها مشكلات الفقر والتعطل وانتهاكات حقوق الانسان، اي السلام العادل الذي يعيد لهذه الحلقة الاجتماعية الضعيفة للمرأة حقوقها ويفرض الحماية حولها في النزاعات المسلحة اذا استمرت في الحدوث.. في البيان الختامي تم تسجيل هذا النوع من السلام بالنص وتمت الموافقة عليه.
وعندما انهي لقاء الحوار والمناقشة في شرم الشيخ أعماله كان قد وضع أسسا لعمل مستمر حتي عام2004، العام الذي سيجتمع فيه العدد الأكبر من ممثلات المنظمات القديمة وتلك التي ستستجد علي كل ساحة وطنية من أجل الإعلان عن الحركة.
فهل تلعب منظمات المجتمع المدني المصرية دورها في فهم هذه الرسالة الإنسانية السلامية إعداد واستعدادا لمؤتمر عام2004 ؟
الأهرام المصرية