|
يخطأ المطالبون بجعل الشريعة الاسلامية مصدرا وحيدا للدستور
خالد عيسى طه
الحوار المتمدن-العدد: 1116 - 2005 / 2 / 21 - 10:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دردشة على فنجان قهوة يخطأ المطالبون بجعل الشريعة الاسلامية مصدرا وحيدا للدستور
اخواننا الشيعة اخطأوا وأبتعدوا عن ما يجب ان يطرح من قبلهم وان لايزيد البلبلة السياسية من حيث التوقيت والمطالبة بأسم المرجعية .. اذ عليهم ان يلاحظ ان للعراق تركيبته الاجتماعية والسياسية الخاصة ويعيش فيه فئات وأديان وعناصر مختلفة ومتعددة .. مثل هذا البلد هو غير مؤهل الان للدعوة في حصر مصدر التشريع للدستور المرتقب بألدين الاسلامي .
ان هذه الدعوة وأصحاب هذه النظرية .. نظرية حصر الدستور بألشريعة وجعل الدين الاسلامي مصدرا وحيدا لصياغته .. ليسوا فقط من الشيعة .. بل هناك الغير من افراد طوائف اخرى تذهب في نفس الطريق سواءا كانوا من سنة العرب او الاكراد او غيرهم .
ولكن الخطر في هذه الدعوة وفي هذا الوقت متأتي من تأثيرات ايرانية على اتباعها من الشيعة الايرانيين في تبني نظرية ولاية الفقيه . وهذا ما يدفعنا بألاعتراض عليها وعلى توقيتها.
ان حاملي هذه النظرية .. نظرية حصر الدستور المرتقب بأحكام الشريعة الاسلامية وجعل الاسلام المصدر الوحيد لصياغته .. ليسوا فقط من الطائفة الشيعية .. بل هناك من افراد متعصبين للدين من السنة .. سواء كانوا عرب ام اكراد .. ولكن كانت القيادة في هذه المطالبة للمرجعية الشيعية عن طريق آية الله العظمى .. السيستاني .. هذا حسب ماذكرته الانباء المتواترة الواردة خلال الفترة القصيرة الماضية . نحن :
اولا: مع جعل الدين الاسلامي هو الدين الرسمي للعراق بكافة الوانه وأطيافه
اذ ان الاكثرية في العراق هي اكثرية اسلامية .. اذ يجب ان يكون الدين الرسمي للعراق هو الدين الاسلامي ولا غضاضة في ذلك . بل ان دساتير العراق منذ تكوينه في عهد فيصل حتى الان تتصدر جملة ان الدين الرسمي هو الاسلام .. وهذا مايتفق عليه كافة العراقيين بما فيهم الغير من الاديان الاخرى .. اذ ان الكل يعلم روعة الاسلام كدين ومتعة من يتبعه ويتمسك به وقوة مخافة الله في التعامل مع الغير .. فألأدين الاسلامي .. دين معاملة وتصرف .. وهو الرادع الاقوى للاخلاقيات الواردة فيه قد تفوق القوانين الوضعية احيانا ..!
اذا اعتبرنا ان الشعب هو مصدر السلطات .. وان الاساس في التعامل القناعة والتعارف وما توازن من عادات حميدة تلطف جو التعايش بين افراد الشعب .. وهذا هو السائد .. وقد يجد المرء ان القوانين شيء وتصرف الشعب شيء اخر .. ويكون الغلبة للتمسك الديني اكثر من اطاعة القانون السائد .. ومثال ذلك :-
عندما اقدم الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم على خطوة تقدمية في نظره .. بمساواة المرأة بألرجل في الارث .. وألغاء نص الاية القرآنية (وللذكر مثل حظ الانثتين ) فجاء تعديل قانون الاحوال الشخصية بأن المرأة تأخذ من مورثيها ايا كان مصدره كما يأخذ اخيها الشقيق اي لاب وأم .. وقد امتنعت نساء العراق المؤمنات بألاسلام والقرآن ونصوصه وماجاء فيه .. ومنهم والدتي .. اذ رفضوا المؤمنات ان يستلمو اكثر مانص عليه القرآن من حقوق .. وأقتنعوا بأخذ نصف حصة الرجل .
ان ام فاضل الرافضة لتطبيق القوانين هي زوجة لشخصية مهمة اشتركت في تشريع التعديل القاسمي .. ومع ذلك اصرت على الرفض . ان هذا التعديل غير الضروري وألمخالف للشرع الديني احد اسباب استقواء معادي نظام عبد الكريم قاسم .. كحزب البعث والقوميين والمتدينين .. داعين الى تكفير الزعيم قاسم وتجاوزه على ارادة الله وكلام الله .. وكان في هذا احد اسباب تبليط طريق ازالة الحكم وأجراء محاكمة للزعيم وقتله بعد المحاكمة الصورية في دار التلفزيون في صوب الكرخ ..!!
والعجيب ان الامين العام للحزب الذي عمل بكل قوة وشراسة للآطاحة بألزعيم قاسم .. كان يذكر بأدبياته وتنظيراته ايمانه بألاسلام كدين وتمسكه بهذا الدين .. وقد اشهر اسلامه بشكل علني وواضح .. وأصبح ميشيل عفلق اسلامي الدين ويطلق عليه ابو محمد بعد ان ابدل اسم ولده .. وهكذا نجد قوة الطموح السياسي وشهوة السلطة لاتخرب السلوك فقط .. بل تبدل حتى الدين وتجعل مثل هذا النوع من البشر قائدا ومنظرا وواعظا من وعاظ الاسلام .
ثانيا : ان شعار آية الله السيستاني .. وهو فصل الدين عن الدولة .. شعار سليم جعل مجموع العراقيين الاخذ به وأصبحوامن مريدي هذا المرجع الديني الاسلامي .. هذا الذي تبناه المرجع .. يقع ضمن مصلحة العراق (الاكيدة ) .. ويجمع شملهم وشمل مكونات شعبه .. سواء كانوا اسلام او غير اسلام .. من مسيحيين .. وصابئة .. وشبكيين .. وغيرهم في هذا التلون الفسيفسائي الديني المذهبي .. وألذي عاش في ظل الاسلام الاف الاف السنين بكل اخاء ورخاء .. فألشعب ليس جميعه مسلم والشعب ليس جميعه شيعي .. او كردي او عربي .. بل شعب متعدد المذاهب والعناصر وهذه التعددية ضرورية في مسيرة الشعب وعلى المرجعية التمسك بها وجعلها قانونا لفتاويها .
والا ..
سينقسم العراق عاموديا وبعنف .. بين دعاة العلمانية الذين يعتبرون علاقتهم بالله وألخالق علاقة عامودية .. تقتصر على العبادة والايمان .. وتؤمن ان دور المرجعيات ينحصر على الوعظ والارشاد المتحلقين في حلقات تثقيفية اسلامية في غرف المراقد والائمة الكرام وبين المتدينين المؤمنين بولاية الفقيه وأن الاسلام اتى بشريعة .. هي نظاما سياسيا لمفردات الحياة تفصيلا .. وحتى بأدق الامور .. سواء بأحكام الارث او الزواج والطلاق وبكل شيء .. نصوصه عامرة لامجال فيها للاجتهاد وألتفسير الا ضمن نصوص القرآن والسنة .
ثالثا : ان تجربة جعل الشريعة مصدرا وحيدا للقانون .. تجربة لم يكتب لها في غير العراق .. هاهي السودان .. يوم اقدم الترابي والبشير على تطبيق الشريعة الاسلامية وعلى الجنوب المسيحي بقوة السلاح .. فكان نتيجة هذا التطبيق بالقوة قيام ثورة مسلحة بقيادة جورج كرنك المسيحي .. ودام هذا العصيان والتمرد الحربي اكثر من بضع سنين وانتهى بفشل التجربة الاسلامية .. وانتهت معه اجتهادات الدكتور الترابي وذهب الى السجن وذهبت معه دعوته لتطبيق الاسلام على الكل وحتى على غير المسلمين حتى اصبح السودان تجاه امر واقعي والغت قيادته الاسلامية دعواتها في جعل الاسلام مصدرا وحيدا للدستور والتشريع بعد ان خرج السودان يترنح
ضعفا وتدميراوكان ذلك نتيجة لرفع شعارا .. ليس واقعي وغير مناسب في التوقيت . والان فان السودان اضطرت على مشاركة بقية الاديان في السلطة والمياه والثروة .. وأصبح جورج كرنك نائبا لرئيس الجمهورية .
هذا لايعني ان هناك عيب في الشريعة الاسلامية .. بل على العكس .. الاسلام قوة والدين الاسلامي دين وسطي .. وهو لايؤمن بألتسلط الديني وألاخذ بألحديث النبوي .. لااكراه في الدين . عكس مايردده المستشرقون بأن الاسلام اتى بقوة السيف والمال وتقسيم الغنائم .. وهذا غير صحيح .. اذ ان الكثير من الدول الافريقية لم يذهب اليها جيش اسلامي للفتح ولنشر الدين بقوة السلاح .. بل ان التجار الاسلاميون هم الذين قاموا بنشر هذا الدين في تلك البقاع .. وألتاريخ حافل بأسماء قواد اتوا الى العراق بحملاتهم العسكرية وقسما منهم وصل الى دجلة وجعل مياه النهر تختلط بألدم وحبر الكنوز التاريخية من الكتب .. ومع ذلك يروي التاريخ ان بعض القادة منهم اعلنوا اسلامهم .
ان المرء العراقي وخاصة العلماني لايستطيع قبول دعوة ايران في تصدير المذهب الشيعي الى العراق رغم وجود اكثرية شيعية .. فالى الان برأيي ان نظام الملالي في ايران .. ليس نظاما مستقرا .. فشوارع طهران وخاصة جامعاتها تمر بصراعات وأشتباكات دموية احيانا بين خطي النظام المعتدل والمتعصب المتطرف .. المعتدل تيار رئيس الوزراء الخاتمي .. والمتطرف هو خط خامنئي .. الذي يفرض قوته عن طريق التسلط الديني الواقعي حسب نظرية الامام الفقيه .. فكيف للعراق ان يحتذ مثل هذا النظام الذي لم يستقر رغم الفترة الطويلة ..
ان التطرف في تطبيق الاسلام من اي طائفة يأتي .. هو عمل غير مقبول في عصرنا هذا .. سواء كان في ايران من الشيعة .. او من الطالبان في افغانستان .. وهم سنة .. هذا التطرف الذي يدخل المرأة في تابوت اسود واقف اسمه الحجاب .. فألمرأة شرعا لها الحق في الكشف عن وجهها وكفيها .. هذه التفسيرات والرجعة الى عصور قديمة .. لاتخدم المجتمعات الاسلامية ولا تخدم حتى الدين .. وهو دين ذو وسطية وشفافية .
ان المتعصبين من الشيعة ذوي الولع في نظرية الامام الفقيه .. لهم محاولات سابقة في فرض الشريعة كنظام وقانون بألنسبة الى الاحوال الشخصية للعراقيين كافة .. اذ ان اقدام الشخصية الدينية المرموقة عبد العزيز الحكيم في تبني تمرير قانون يلغي قانون الاحوال الشخصية .. الذي جاء في نصوصه بعض الانصاف للمرأة .. منها حقها في البقاء في دار الزوجية لمدة سنتين بعد الطلاق ومنها رفع قيمة المال المدفوع كنفقة عدة للمرأة المطلقة .. وحقوق اخرى كلها في الواقع لاتعارض الشريعة الاسلامية بل على العكس .. تنصف المرأة وهي ام الكل وزوجة الرجل .
وقد عارض العلمانيون هذا القانون .. وكانت معارضتهم في جنوب العراق اكثر من شماله ووسطه .. رغم ان هناك اكثرية شيعية .. لان ليس كل الشيعة يؤمنون بولاية الفقيه .. سيما الشيعة العرب .. على عكس الشيعة الايرانيين الذين يعتبرون ايران نموذجا لمذهب ينتمون اليه ويحتمون به .
مما اضطر الحاكم المدني بول بريمر .. رفض هذه القانون ووضعه على الرفوف العالية .. ولم ير النور الى الابد .. اما في حالة تطبيق الشريعة الاسلامية كمصدر وحيد للدستور .. فان الدستور القادم سيكون السبب في سن قوانين فيها اجحاف للبعض وتسلط البعض الاخر .
ان التشدد في الاسلام وقلوب نظريات الامام الفقيه .. وبألتالي الغاء ارادة الطوائف الاخرى والاديان المتعددة .. ماهي الا غيوم محملة تنذر بمطر اسود .. ليس في مصلحة العراقيين مطلقا ويؤدي الى حالات احتراب طائفي كارثي يمزق العراق ويقسمه .
رابعا : ما احوج رجال المرجعيات الدينية كافة للتأني حين تطالب بجعل الشريعة مصدرا وحيدا للدستور وألقانون.. وهل هذا يكون ملائما مع نمط العيش في الوقت الحاضر وفي ظل الاحتلال الامريكي .
ان المواقف المعتدلة للسيستاني واصراره على عدم التدخل في السياسة وألعمل على الفصل بين الدين وألسلطة .. اضافة الى موقفه الرائع يوم طالب بوجوب قبول مبدأ الانتخابات .. هذه المواقف هي التي تجعل حالة الاحترام والولاء لهذه المرجعية .. تتسع وتتسع .. هذه المرجعية في رأيي .. هي القلعة الصلدة للدفاع عن الوطنية العراقية .. وهي تستطيع ان تفرض بقوة نفوذها وارادتها كل شيءا على المحتل .. مهما كانت قوته ..
ان امريكا استراتيجيا .. لاتسمح مثل هذا الطرح السياسي .. واذا اغمضت العين فسيكون في حساباتها .. هو اشعال نار الفتنة بين تياري المجتمع .. الديني وألعلماني .. فألديمقراطيون واليساريون وغيرهم شيعة وسنة .. اكرادا وعرب .. سيحاربون بأسنانهم وبكل طاقاتهم .. لعدم فسح المجال بكنس مكاسبهم الديمقراطية عن طريق تطبيق الاسلام حرفيا .. وألمتدينون بطوائفهم ايضا سيحاربون وبكل شراسة لمن يقوي سيطرتهم وشكيمتهم في الاستحواذ على العراق ارضا ونظاما .
اخيرا .. برأينا ان الاصرار على الاتجاه هو تأكيدا على تدخل السلطة الايرانية في شؤون العراق .. رغم كل تصريحات النفي المتكرر .. والعراقيون مزمعون على استقلالية القرار وأبعاد الدين عن السياسة .
فألدين لله والوطن للجميع .
ابو خلود
خالد عيسى طه المستشار القانوني رئيس محامين بلا حدود Email:[email protected]
#خالد_عيسى_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق بنى قصورا من الرمال وجاء الاحتلال ليهدمها
-
دردشة على فنجان قهوة - كيف استطاع صدام حسين تجاوز واحتواء قد
...
-
الطريق الامثل في معاملة البعث في العراق
-
شروق أم غروب للحركة النقابية
-
صوت من أجل العدالة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|