كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3826 - 2012 / 8 / 21 - 23:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الخطاب الذي ألقاء رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السيد نوري المالكي في 6/8/2012 أثناء لقاء له بالقادة والضباط والمراتب الذين أحبطوا محاولة اقتحام سجن التاجي أشار " .. مؤكداً إن المعركة مع الإرهاب قد انتهت ، وأن المتبقي هو خلايا تبحث هنا وهناك عن فرصة أو ثغرة تقف خلفها إرادات من دول أخرى تستغل الظرف الحاصل في المنطقة ، لكن ذلك لن يحصل في العراق مع استمرار الضربات لحين القضاء عليهم من خلال تفعيل الجهد الاستخباري والتعاون مع المواطنين." (راجع : الموقع الإلكتروني لرئيس وزراء العراق).
وبعد أيام قليلة "أعلنت قيادة عمليات بغداد ، يوم الأربعاء عن انتهاء المعركة مع تنظيم (القاعدة) الإرهابي , مؤكدة إنها تبحث عما تبقى من فلولها الإرهابية. وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد ضياء الوكيل إن المعركة مع تنظيم القاعدة انتهت بصورة كاملة وأن القوات الامنية تبحث عما تبقى من فلولها الارهابية. وأضاف الوكيل أن القوات الامنية تجري عمليات استباقية ونوعية وفقاً لمعلومات استخبارية ضد المتبقي من فلول تنظيم القاعدة الإرهابي." (راجع : شبكة الثقافة العراقية ومواقع عراقية وعربية أخرى كثيرة).
والسؤال الواجب طرحه هنا هو : هل انتهت المعركة مع الإرهاب حقاً ؟ وإذا كانت قد انتهت كيف وقعت هذه العمليات النوعية الكبيرة والكثيرة قبل العيد مباشرة وبعد خطاب رئيس الوزراء بفترة قصيرة جداً , وهي العمليات التي أودت بحياة العشرات من الناس الأبرياء إضافة إلى العشرات من الجرحى والمعوقين؟
لقد كان جواب قوى الإرهاب سريعاً وشديد القسوة على بنات وأبناء الشعب العراقي. وكان الإرهابيون القتلة يريدون بذلك البرهنة على إنهم ما زالوا في الساحة العراقية ويعملون ويضربون متى شاؤا ذلك وأينما قرروا توجيه الضربات الإرهابية.
إن الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء والتي كررها كالببغاء الناطق الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد عبرت عن تفاءل لا يستند إلى أرضية الواقع العراقي ولا إلى الصراعات السياسية الدائرة رغم محاولات التهدئة , ولكن السيد المالكي هو أحوج ما يكون إلى مثل هذه التصريحات الجوفاء في مثل هذا الظرف المعقد والمتشابك والصعب الذي يمر به. ولكن هل هذا التفاؤل يساعد على مواجهة الإرهاب والتصدي للإرهابيين حقاً؟ جاء في دراسة نشرتها منظمة (Iraq Body Count) غير الحكومية يوم الاثنين ان عدد المدنيين الذي سقطوا في اعمال عنف بالعراق في عام 2011 سجل ارتفاعا ضئيلا مقارنة بالعام الذي سبقه.
وجاء في التقرير الذي تنشره المنظمة سنويا ان 4095 مدنيا قتلوا جراء اعمال العنف في عام 2011 مقارنة بـ3976 في عام 2010. وبذا يرتفع عدد المدنيين الذين قتلوا جراء اعمال العنف في العراق منذ الغزو والاحتلال الامريكي عام 2003 الى اكثر من 144 الف قتيل..
إن تصريحات نوري المالكي لا تصمد أمام الواقع العراقي وليست واقعية لأن الإرهاب لم يهزم حتى الآن رغم النجاحات النسبية التي تحققت خلال الفترة المنصرمة, بل ما زال يقتل الكثير من البشر. فعلى سبيل المثال جاء في دراسة نشرتها منظمة (Iraq Body Count) غير الحكومية يوم الاثنين ان عدد المدنيين الذي سقطوا في اعمال عنف بالعراق في عام 2011 سجل ارتفاعا ضئيلا مقارنة بالعام الذي سبقه. وجاء في التقرير الذي تنشره المنظمة سنويا ان 4095 مدنيا قتلوا جراء اعمال العنف في عام 2011 مقارنة بـ3976 في عام 2010. وبذا يرتفع عدد المدنيين الذين قتلوا جراء اعمال العنف في العراق منذ الغزو والاحتلال الامريكي عام 2003 الى اكثر من 144 الف قتيل..". (راجع: تقرير: ارتفاع عدد القتلى المدنيين في العراق في عام 2011. BBC موقع الإلكتروني أخذ المقتطف بتاريخ 20/8/2012). وعلينا أن نشير إلى إن عدد الجرحى والمعوقين أكثر من ذلك بكثير , كما إن عام 2012 لا يقل دموية عن العام 2011.
إن هذا الواقع يتطلب رفع اليقظة الشعبية بدلاً من إضعافها بمثل تلك التصريحات وكذلك رفع الحيطة والحذر لدى أجهزة الشرطة والجيش والأمن , لكي لا تسهم في تشجيع الإرهابيين على ممارسة القتل الواسع أو الاغتيالات أو تنفيذاً لأوامر بعينها. كما إن تأكيده على ضرورة تنشيط العمل الاستخباري والتعاون مع المواطنين على أهميته لن يغير ولا يضعف من قوة تصريحه الفارغ بأن المعركة مع قوى الإرهاب قد انتهت. إن الصيحات التي انطلقت المطالبة بإقالة الناطق الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد كان ينبغي لها أن تتصدى لتصريحات رئيس الوزراء وتطالبه بالتنحي إذ كان المبادر لها ولم يكن ضياء الوكيل إلا الصدى الباهت لتصريحات رئيس الوزراء
إن المشكلة التي تواجه العراق هي بالأساس سياسية قبل أن تكون أمنية , فالأمن المفقود يشكل تعبيراً صارخاً عن غياب السياسة الصحيحة وغياب التفاهم والتعاون والتعاضد إضافة إلى الثقة المتبادلة المفقودة بين أطراف العملية السياسية في البلاد. ولأن رئيس الوزراء لا يمارس السياسة الصائبة الملتزمة بالدستور , فأن القوى والأحزاب الأخرى بدأت هي الأخرى تمارس سياسات غير صائبة ساهمت كلها في إدخال العراق في دوامة من الفوضى الفعلية والخراب وعدم إنجاز ما هو ضروري للشعب العراقي , سواء أكان في مجال التنمية أم مكافحة الفقر والبطالة أم في توفير الخدمات , ومنها الكهرباء حيث لا يحصل المواطن في المناطق العربية من العراق لأكثر من 6 ساعات في اليوم الواحد في هذا الصيف اللافح المعطل للقدرة على التفكير والعمل.
ولأن السيد رئيس الوزراء لا يتعامل مع القضية العراقية سياسياً بل أمنياً فقد نشأ لدينا الوضع التالي:
1. تفاقم دور أجهزة الأمن والقوات الخاصة في العراق وسيطرت فعلياً , إذ تسنى لها من خلال سياسة رئيس الوزراء السيطرة غير المباشرة ولكن الفعلية على مفاصل الدولة والعمل السياسي.
2. وأصبح دور العيون والجواسيس كبيراً في المجتمع العراقي بحيث لم يعد يطمئن الإنسان للكثير ممن يفترض فيه أن يطمئن لهم.
3. وراح جهاز الأمن يغلغل أتباعه وعيونه في الأحزاب السياسية العراقية التي كلها لا تعمل على وفق القانون , إذ لا وجود لقانون يحكم تشكيل وعمل الأحزاب السياسية , وبدأت التقارير من داخل هذه الأحزاب تصل إلى قيادة الأمن وقيادة عمليات بغداد ومنها إلى مكتب رئيس الوزراء مباشرة.
4. ثم اتسع عمل العيون والجواسيس وأجهزة الأمن ليشمل جمع المئات من الملفات الخاصة بعمل ودور وفعاليات وعلاقات الشخصية والرسمية للسياسيات والسياسيين العراقيين , وهي ملفات محفوظة في مكتب رئيس الوزراء. إلا إن الأحزاب السياسية التي تساهم في السلطة تمتلك هي الأخرى أجهزة أمن خاصة بها وتمتلك ملفات للقوى المضادة لها وللبعض من اتباعها أو تصل إليها ملفات السياسيات والسياسيين العراقيين العاملين في أجهزة الدولة أو في الأحزاب السياسية من أجهزة الأمن الحكومية عبر من يعمل لها لتكون أداة بأيديهم ضد خصومهم. ومن تابع الصراعات الأخيرة والتهديدات التي تفاقمت أدرك بأن الجميع يمتلك ملفات ضد الجميع العامل في العملية السياسية والتي يمكن أن تظهر في الفترة المناسبة لرئيس الوزراء أو لقادة الأحزاب السياسية. ومنها بدأت معركة التهديد بالكشف عن تلك الملفات السرية والتي لم يظهر منها إلا النزر اليسيير.
5. والجدير بالذكر إن الأجهزة الأمنية العراقية والأجهزة الخاصة العاملة في الكثير من المجالات تعمل اليوم على وفق الأساليب التي كانت أجهزة أمن صدام حسين تمارسها وخاصة محاولة الإيقاع ببعض السياسيين أو السياسيات والتقاط افلام لهم أو تصويرهم في حالات غير طبيعية لكي تستفيد منها في ابتزاز الآخر.
6. يضاف إلى كل ذلك ممارسة أساليب الإغراء بالمال والمناصب والسفرات والمكاسب الكثيرة الأخرى التي يمتلك الحكم أو حتى بعض القوى السياسية إمكانية ممارسة ذلك مع الآخرين.
نحن أمام هذه الأوضاع غير الطبيعية البعيدة كل البعد عن العمل السياسي المطلوب انتهاجه في العراق , وهي ناشئة عن طبيعة النظام السياسي القائم في العراق , نظام المحاصصة الطائفية والأثنية الذي لا يجوز أن يدوم وإن دام دمر لا محالة.
فما العمل أيها الأخ السيد رئيس الوزراء لمواجهة هذا الواقع الذي لكم حصة كبيرة جداً فيه؟
ليس أمامي الكثير من الاحتمالات لتقديم المشورة لكم للخلاص من هذا الواقع المعاش غير الإنساني الذي يكلف العراق خسائر بشرية ومادية واستمرار التخلف والأوضاع المزرية والمزيد من اتساع الفجوة في مستوى الدخل والمعيشة وظروف الحياة اليومية للناس. أمامي ثلاث احتمالات مترابطة لا خيار آخر سوى الاستمرار في الوضع القائم الذي يخدم الاستمرار في الحكم لفترة ولكنه على المدى المتوسط والبعيد يشكل المقتل السياسي لمن في السلطة:
1. الاحتمال الأول : تخليكم عن الطائفية السياسية فكراً وممارسة , سواء أكان بالنسبة لكم أم لحزبكم الذي يقود السلطة في هذه المرحلة. وهذا يعني تحولكم صوب المواطنة العراقية التي تبتعد عن مسائل الأديان والمذاهب في تحديد هوية الإنسان , إذ إن هويته الأساسية هي كونه عراقي الهوية والهوى.
2. الاحتمال الثاني : تخليكم عن السلطة السياسية وفسح المجال لمجيء غيركم للسلطة من داخل التحالف الوطني , وهو الأمر الذي رفض من جانبكم حتى الآن.
3. الاحتمال الثالث والأخير : توجهكم نحو تأمين مستلزمات إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومبكرة على أن يتم ترتيب الأمور الضرورية التي تسبق الانتخابات. وأعني بذلك ما يلي : إصدار قانون ديمقراطي للأحزاب , إصدار قانون الانتخابات بتعديلات ديمقراطية ضرورية , تشكيل المفوضية المستقلة للانتخابات على اسس الاستقلالية والحيادية لأعضائها , وأخيراً إجراء الإحصاء السكاني الذي يمكن أن ينتهي بمدة شهرين حسب تصريحات السيد وزير التخطيط والسيد رئيس الجهاز المركزي للإحصاء. وحسب تتبعي لتصريحاتكم وافقتم على هذا المقترح , فما عليكم إلا الدعوة له شريطة التحضير لذلك بالإجراءات التي أشرنا إليها.
إن الاحتمال الأخير يسمح على التخلص من تلك المسائل التي أعاقت تشكيل الحكومة الحالية بعد انتخابات 2010 بسبب الاختلاف في عدد النواب ... الخ , إذ يمكن أن تنهي الانتخابات هذه المشكلة وتخلق أرضية لحكم الأكثرية ووجود أقلية تمارس دور المعارضة السليمة والسلمية الديمقراطية. ويمكن أن تتوفر للمجلس النيابي الجديد إمكانية تحديد السياسات التي يفترض ان تمارسها الحكومة الجديدة على وفق البرنامج الذي تطرحه وتحصل على موافقة مجلس النواب عليه.
لست مقتنعاً بقدرتكم على ممارسة المقترحين الأول والثاني , وما كتبته في السابق يكفي لتوضيح الأسباب , ويهمني أن تأخذوا بالمقترح الثالث والأخير. إنها عملية إنقاذ للعملية السياسية وللصراعات الدائرة والمحتدمة رغم محاولات البعض التهدئة , إذ تحت الغطاء الخفيف نيران مشتعلة. ليس بالضرورة أن تضمن الانتخابات القادمة تغييراً في السياسات الجارية ما لم يجر التغيير المنشود في الرؤية الواقعية للعراق الراهن , عراق الوطن والمواطنة الحرة والمتساوية.
أتمنى عليكم أن تدركوا بأنكم بهذه الخطوة تمارسون سياسة إطفاء الحرائق وبعكسها ستبقى النيران تحرق الأخضر بسعر اليابس , ويبقى المسؤول الأول هو رئيس ومجلس الوزراء مع عدم إعفاء بقية المشاركين في الحكومة عن المسؤولية, سواء أكانت أحزاباً أم كتلاً سياسية أم شخصيات مستقلة.
20/8/2012
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟