|
القمع ومسلسل الصراع الطبقي بالمغرب
من اجل بديل ثوري
الحوار المتمدن-العدد: 3825 - 2012 / 8 / 20 - 15:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تتوجه هذه المساهمة الى مناضلي شعبنا الصامدين بكرامة وشجاعة في وجه الدكتاتورية، الى الذين يضحون بحياتهم وحريتهم ويخوضون بشجاعة اضرابات عن الطعام صمودا في وجه القمع المسلط على الشعب المغربي. ليس هدفنا هو "رصد" انتهاكات حقوق الإنسان او "فضح" الاحكام الصورية الصادرة عن قضاء التعليمات، بل نحاول من من خلال هذا المقال تسليط الضوء على العوامل التي تفسر خلفيات وأهداف تكثيف الحملات القمعية في ظل موازين القوى الحالية من اجل استخلاص بعض المهام السياسية التي نضعها موضوعا للنقاش. نهاية "الانتقال الديمقراطي" و"الحوار الاجتماعي" واستراتيجية الحروب الوقائية بعد سنوات الرصاص الطويلة والمظلمة، انتقل النظام الى سياسة الاحتواء عبر ادماج المعارضة في المؤسسات وتدجين "المجتمع المدني" وإفراغ المطالب الديمقراطية والاجتماعية من محتواها بهدف تجفيف منابع المقاومة تارة بعزل النضالات وقمعها وتارة بتفكيكها عن طريق تنازلات شكلية. وإذا كان النظام قد نجح في تدجين المعارضة واراشائها من خلال اليات الواجهة الديمقراطية والحوار الاجتماعي، فانه لم كان يدرك اكثر من معارضيه، ان ليس بوسعه القضاء على الاحتجاجات الشعبية والنضالات الاجتماعية. وهذا ما جعله يبقي على استراتيجيته الدائمة قائمة على القمع الانتقائي والموجه لإجهاض كل امكانيات ومحاولات اعادة تشكل قوة اجتماعية وسياسية متجدرة شعبيا وقادرة على لحم النضالات وتوحيدها حول اهداف مشتركة وافق سياسي موحد. لكن مفعول هذه الاستراتيجية (الارشاء من فوق والقمع من تحت) بدأت تفقد مفعولها وفاعليتها. فهناك اكثر من مؤشر على مخاض ولادة حركة شعبية مستقلة عن احزاب الواجهة الديمقراطية ونقابات الحوار الاجتماعي. فخلال العقد الاخير وقبل حركة 20 فبراير عرف عدة مناطق من المغرب اندلاع حركات احتجاجية اشبه بانتفاضات شعبية متفرقة (افني، بوعرفة، صفرو) وبداية تشكل حركة شعبية مستقلة (الحركة ضد الغلاء حركة شباب 20 فبراير). لازال هذا المسلسل النضالي مستمرا (بني بوعياش، اشليحات...) رغم حملات القمع لإجهاضه. وبغض النظر عن محدودية هذه الحركات الاحتجاجية (المرتبطة بعوامل ذاتية) فإنها تبقى معطى موضوعيا يطبع هذه المرحلة وهي مرشحة للتصاعد وذلك لثلاثة اسباب على الاقل: أزمة الرأسمالية العالمية: لا تملك البرجوازية "الكمبرادورية"، التي يشكل القصر الملكي ذراعها السياسي، من خيارات لمواجهة تداعيات هذه الازمة غير تعميق سياسة النهب والاستنزاف والاستغلال المكثف للطبقات الشعبية (الزيادة في اسعار المواد الاستهلاكية الأساسية التفكيك التدريجي والممنهج للتعليم العمومي، تجميد الاجور...) وهي اختيارات لا يمكن تطبيقها دون مرافقتها بسياسة وتدابير قمعية تستهدف تجريم مقاومة الجماهير لمخلفات الازمة (منع الاضراب وتقييد الحريات وقمع الاحتجاجات...). فبالنظر الى عمق الازمة وطولها وطبيعة الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية وبالنظر الى الطابع الكمبرادوري للبرجوازية المخزنية، لم يتوقف النظام عن تعبئة اجهزته القمعية وتدريبها وتسليحها كمكون من سياسة عامة لمواجهة تداعيات الازمة. وخلال كل حركة احتجاجية ولو معزولة كان النظام يزج بمختلف اجهزته القمعية وكأنه في مواجهة تمرد شعبي. يتعلق الامر بالتحضير لحرب استباقية تستهدف قمع النضالات الشعبية وردع انخراط الفئات الشعبية المفقرة وصحوة العالم القروي الذي بدأ يتحرر من قبضة وتحكم الجهاز المخزني وشبكاته. وبما ان القمع هو الوجه المباشر للعنف الطبقي، فسيكثف النظام من حملاته القمعية كلما كان مقدما على تطبيق سياسات او تدابير لا شعبية. وبما ان الهجوم الطبقي يستهدف تجريد الطبقات الشعبية من كل حقوقها ومكتسباتها، فقد تحولت هذه الحقوق والمكتسبات الى ساحة لمواجهة محتملة بين النظام والطبقات الشعبية (السكن، التطبيب، الأسعار الخدمات الأساسية الشغل، النقل...). وبما ان مطالب الاغلبية الشعبية تتناقض مع منطق الرأسمالية التابعة القائم على النهب والاستغلال الفاحش، فان النظام يدرك عجزه على تلبية المطالب الشعبية والاهم من ذلك ادراكه لعجز النقابات والأحزاب الاصلاحية على احتواء النضالات والحركات الشعبية التي تتشكل على قاعدة هذه المطالب. وهذا ما جعل الهدف الرئيسي للحملات القمعية هو اجهاض تشكل مسلسل نضالي شعبي على قاعدة هذه المطالب خارج تحكم وتوجيه احزاب ومؤسسات الواجهة الديمقراطية. ان القمع الذي نحن بصدده ليس مجرد "مقاربة أمنية" او "انتهاك" لحقوق الإنسان، بل هو عنف سياسي تمارسه طبقة سائدة مصالحها المادية والسياسية مرتبطة بنظام اقتصادي تتوسع تفاوتاته الطبقية باستمرار وهو مكون عضوي من سياسة عامة لمراكمة الثروة واعادة انتاج السيطرة الطبقية. لهذا السبب تزداد حدة العنف والقمع كلما اتخذت النضالات شكلا ينحو نحو ارباك شكل التراكم والسيطرة الطبقية (احتلال الشارع والإدارات وقطع الطرق والمواصلات). وتقدم تجربة رفاقنا المعطلين في خريبكة واسفي واليوسفية وحملة القمع والاعتقالات التي رافقتها، والتي وصلت الى حد اغتيال الرفيق محمد بودروة احد ابرز منظمي حركة العصيان في مدن الحوض الفوسفاطي مؤشرا دالا على المدى الذي يمكن ان تصله الحملات القمعية التي يشنها النظام على النضالات الشعبية. أزمة الواجهة الديمقراطية: لم تعطي حكومة حزب العدالة والتنمية اي نفس جديد. فدعم هذا الاخير للسياسات اللاشعبية ومحاولة اضفاء شرعية على الحملات القمعية علاوة على خطابه السياسي والإيديولوجي الرجعي جعله عاجزا عن تدبير اليات الحوار الاجتماعي لفرض سلم اجتماعي . ولم يعد بإمكان القصر الملكي اخفاء مسؤوليته المباشرة عن الفساد والنهب وحماية اقلية مافيوزية تتحكم في الموارد والاقتصاد. وإذا كان من فضل لتجربة حكومة العدالة والتنمية، فهو كونها قد أكدت، في سياق سياسي تتهاوى فيه قمم الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، ان السلطة الاستبدادية سلطة واحدة، وهي غير قابلة للتوزيع او التداول. كما وضعت هذه التجربة حدا نهائيا لكل الاوهام التي رافقت "العهد الجديد" (الانتقال الديمقراطي المفهوم الجديد للسلطة التنمية الاجتماعية، الشفافية...) وأسقطت عن الملك قناع حب الفقراء ودعم الديمقراطية والإصلاح، لتكشف عن مدى حب الملك للثروة وتشبته بالسلطة، حتى لو كان ثمن ذلك دعم الفساد وقمع احتجاجات الفقراء وتكبيل الحريات ورعاية اشد القوى رجعية ويمينية في المجتمع. بدل تشكيل مظلة سياسية لإخفاء مسؤولية النظام، ازاحت حكومة العدالة والتنمية قناع الديمقراطية والإصلاح عن وجه الملك وكشفت عن مسؤولية نظامه كعائق امام أي تحول ديمقراطي ولو تدريجي وجزئي. وهذا ما سيزيد من تعميق ازمة شرعية النظام ويعزز من امكانيات تطورالوعي الشعبي بضرورة اسقاط النظام للقضاء على الاستبداد والفساد والقمع. مكتسبات حركة 20 فبراير: لقد ساهمت هذه الحركة في اسقاط شعارات العهد الجديد، ووضعت حدا لأوهام المعارضة الاصلاحية حول امكانية الاصلاح بتوافق مع الملكية. كما برهنت بشكل عملي على امكانيات بناء حركة ديمقراطية شعبية للنضال من اجل الديمقراطية. والأكثر والاهم من ذلك أحيت الامل من جديد في جدوى النضال الشعبي. هذا الامل هو ما تسعى الحملات القمعية الحالية الى اجهاضه. وهذا ما يفسر توجيه القمع وتشديده ضد الجناح الراديكالي للحركة. فالانتقام من مغني الحركة الشاب الحاقد، ليس له من مغزى سوى حرص النظام على تجفيف كل منابع تشكل وعي شعبي جماعي وهذا ما يجسده شعار "استرجاع هيبة الدولة وسلطتها". فان يستعيد الكلام معناه يستعيد الشعب حرية التعبيرعن همومه ونقده لأوضاعه ومعاناته دون اعتبار للمقدسات، امر غير مقبول من قبل نظام شعاره الوحيد "الله الوطن الملك". ان الحملات القمعية التي يشنها النظام الملكي على الشعب ومناضليه هي حرب استباقية لمواجهة تداعيات ازمة سياسية واجتماعية لم تعد المناورات والتوافقات والشراكات مع القوى الاصلاحية كافية لامتصاص الغضب الشعبي. فالأزمة تتغذى من ازمة الرأسمالية العالمية ومن سياق اقليمي ملتهب، وهي عوامل لا يمكن التحكم فيها من خلال اليات الحوار والتوافق الطبقي. لقد شرع النظام في التحضير للحرب خوفا من انفجار شعبي، وقد شرع في تعبئة وتسليح وتدريب اجهزته الامنية والعسكرية وشبه العسكرية (البلطجية) تحضيرا للحرب خلال "مسيراتنا السلمية" نهاية كل اسبوع التي كم رددنا خلالها شعار"لاموس لا جنوية". وعلاوة على اهدافها الامنية تستهدف الحملات القمعية تحقيق عدة اهداف سياسية من بينها: - ردع كل اشكال المقاومة الشعبية وإرهابها عن طريق التدخلات القمعية الوحشية والاعتقالات الجماعية. - حرف النضالات عن اهدافها بإرغام القوى المناضلة على التنازل عن مطالب الجماهير والتقوقع حول مطلب اطلاق سراح المعتقلين. - فرض طوق امني على النضالات المحلية والقطاعية للحيلولة دون توسعها وانتقال عدواها الى قطاعات شعبية ومناطق تتمتع بتجربة نضالية وكفاح شعبي (الريف مثلا). - اضعاف القوى المناضلة وتفكيك الحركات الاجتماعية المناضلة بهدف عزل النضالات العفوية وتسهيل تفكيكها دون تكلفة سياسية. انطلاقا من هذه الأهداف، نستنتج ان الحملات القمعية ليست تدابير امنية ظرفية، بل تدخل ضمن استراتيجية هجومية بعيدة المدى تستهدف فرض طوق امني على النضالات والتحركات الشعبية للإبقاء عليها في وضع دفاعي. فالنظام يدرك قبل غيره ان المواجهة المباشرة مع الجماهير قادمة. تحت نيران العدو: يد في يد لمواجهة الدكتاتورية والقمع صحيح ان القمع لا يرهب القوى المناضلة ولن يثنيها عن مواصلة المعركة ضد الدكتاتورية، لكن علينا ان نجعل المعركة ضد القمع في قلب معركة التحرر الاجتماعي والديمقراطي. ومن اجل ذلك علينا تحرير النضال ضد القمع والاعتقال السياسي من قيود الرؤية الحقوقية الضيقة التي تحصر النضال ضد القمع في مطالبة العدو بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية وإلغاء عقوبة الاعدام واحترام حقوق المعتقلين. بدل مطالبة العدو بمنحنا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، علينا التوجه الى الجماهير الشعبية الواسعة بمطالب وأهداف تجعل المعركة ضد القمع والاعتقال مرتبطة بمعركة الجماهير من اجل انتزاع مطالبها وحقوقها الاساسية: لقد وحدنا القمع فلنوحد نضالنا ضد الاجهزة القمعية. وإذا كان العدو لا يملك غير القمع للجواب على مطالبنا الاجتماعية والديمقراطية المشروعة، فان كل اشكال مقاومة عدوان الاجهزة القمعية يجب ان تكون مشروعة، بما في ذلك حق الدفاع عن النفس ولو بالموس والجنوية. ففي وجه دولة بوليسية جوابها الوحيد هو القمع، علينا تطوير مطالب وأشكال نضال مختلفة تماما عن المطالب وأشكال النضال في ظل دولة برجوازية لا يشكل القمع وانتهاك حقوق الانسان الاساسية غير تدابير استثنائية وانفلاتات امنية معزولة. وفي قلب هذه المطالب، مطلب تفكيك الاجهزة القمعية وإلغاء كل الميزانيات الموجهة لتمويل اجهزة سلخ وجلد وتكسير جماجم المواطنين وإلغاء كل الاتفاقيات الامنية التي يتم بموجبها تدريب وتسليح الاجهزة القمعية من قبل الحكومات الامبريالية وإسرائيل وأنظمة الخليج الرجعية لقمع الشعب المغربي. لا يعني هذا بخس قيمة وأهمية مطلب اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الحركات الاحتجاجية الشعبية ومحاكمة المتورطين في جرائم القمع ضد الشعب، بل يعني ربط هذه الاهداف المباشرة بالأهداف العامة لمعركتنا الديمقراطية: وضع حد للقمع وتفكيك الاجهزة القمعية. لكن المعركة ضد القمع السياسي يجب ان تكون مسلحة بدراعين: دراع النضال الجماهيري الشعبي ودراع التضامن الاممي من اجل عزل النظام على المستوى الداخلي والخارجي وتحييد القوى الموالية والداعمة له. ------------------------------------------------------------ زورونا على موقعنا: [email protected]
#من_اجل_بديل_ثوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|