1- النظام وتعامله مع القضايا الداخلية العامة: الواضح لكل مواطن سوري عايش هذا النظام أن المعيار الأساسي والأهم في منطلقه تجاه المسائل والقضايا الداخلية هو مصلحة الاستقرار الداخلي واستقرار الحكم بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى، سواء كانت قومية أو دينية أو طائفية..الخ. ولذلك انتهج سياسة داخلية مختلفة المستويات والأشكال تبعا لدرجة خطورة القضايا المطروحة على استقرار الحكم بدءاً من القمع والعنف واسع النطاق مرورا بسياسة الترهيب والترغيب وصولا لسياسة الحوار والاحتواء ضمن استراتيجية احتواء الجميع وتجريدهم من عناصر القوة. مارس العنف ضد الاتجاهات التي كانت تستهدف قلب وتغيير نظام الحكم، بينما لجأ إلى سياسة الترهيب والترغيب مع الاتجاهات الأقل خطرا؛ أي التي لا تسعى بصــورة مبــاشرة إلى قلب النظــام، والحــوار والتفاهم مع الاتجاهات المعتدلة التي لا تطمح لقلب النظام. وكان المميز في سياسته خلال السنوات الماضية أنه كان يقدر وينتبه إلى عناصر القوة الداخلية ومراكز الضغط أيا كان حجمها وقوتها، طبعا باستثناء الاتجاه الأول، واستطاع وباستخدام كل الوسائل استقطابها واستيعابها، الأمر الذي أدى إلى تمكنه من تحقيق نوع من التوازن السياسي بين مختلف الأجنحة، ابتداء من قيادات الجيش مرورا بالأحزاب والتنظيمات البعيدة عن العنف والسياسات الانقلابية وصولا إلى زعامات العشائر والطوائف والأسر ذات الثقل الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الفعاليات. واستطاع أن يفرغ الساحة السياسية السورية من كل أنواع المعارضة المباشرة للنظام.وبما أن مصلحة استقرار واستمرار الحكم كانت دوما على رأس أولوياته فهو لم يوفر وسيلة للوصول إلى ذلك بما فيه التناغم مع كل الاتجاهات الإيديولوجية والدينية والطائفية والطبقية بغية تأمين أوسع قاعدة شعبية مؤيدة، وكان شديد الحرص على ألاّ يترك أي مجال لنشوء معارضة حقيقية، وكانت الظروف الدولية
والإقليمية مساعدة له لإنجاح مثل هذه السياسات.
2- النظام وأسلوب تعامله مع القضايا الخارجية: تعامل بنفس الروح البراغماتية مع القضايا الخارجية، ولكن ليس بالوضوح الذي تعامل به مع القضايا الداخلية؛ إذ كان يحاول دوما أن يلبس سياسته الخارجية الرداء القومي وبالأخص في علاقته مع المحيط العربي والقضايا العربية تحت شعارات ومنطلقات ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي، لكنه في مناسبات كثيرة لم يستطع أن يخفي تناقضه مع الشعارات والمنطلقات القومية، فعلى سبيل المثال كان الموقف السوري حيال الأزمة (الحرب) العراقية الإيرانية استثناء من مواقف مجموعة الدول العربية التي كانت تجد في هذه الحرب صراعا عربيا فارسيا، وبينما كان يقف جميع العرب إلى جانب العراق كان هو يقف إلى جانب إيران. وهذا الموقف الذي اتخذه مع إيران لم يقتصر على ظروف الحرب العراقية الإيرانية وخلافاته مع النظام العراقي، بل ينسحب على الموقف من خلافات إيران وعدد من دول الخليج، وبالتالي هذا يعني أن الهم القومي بالنسبة له ليس هو المحرك لسياساته الخارجية بل جملة مصالح سياسية واقتصادية وتحالفية والتي تعود بالدرجة الأساسية بالفائدة على استقرار الحكم وتقوية نفوذه والتي تسمح له بلعب دور إقليمي ودولي مؤثر رغم إن البعض اتهمه بأن العلاقة مع إيران كانت بدافع نزوع طائفي وخاصة كانت له علاقات مشابهــة مع القوى الشيعية في لبنان، ولكن لا نعتقد إن النـزوع الطائفي كان في أولوياته. قد تكون إيران والقوى الشيعية في لبنان تتعامل معه من هذا المنطلق ولكنه لم يكن لهذا النـزوع أهمية كبيرة لديه بقدر ما كانت تهمه كما قلنا استقرار الحكم والفوز بدور سياسي إقليمي ودولي مؤثر.
3- النظام والقضية الكردية: رغم أن القضية الكردية تشكل إحدى القضايا الأساسية في البلاد إلا أنها في الواقع لم تحظ باهتمام يذكر من قبل النظام كما حظيت القضايا الداخلية السياسية الأخرى، بل واجهها دوما بموقف عدائي داخليا وكردستانياً. أما السبب الرئيس لمعاداة القضية الكردية رغم إنه تعامل بإيجابية مع قضايا أقل أهمية وأقل خطورة في الوضع الداخلي يعود إلى أمرين:
الأول: غياب الدور الفعلي والمؤثر كعنصر ضغط للحركة الكردية في الساحة السورية رغم عراقتها بسبب انشغالها الدائم بالصراع فيما بين أجنحتها وعدم قدرتها على معرفة السبل التي يمكن أن تفرض من خلالها ذاتها على النظام كقوة رئيسية تمثل كتلة بشرية يتجاوز تعدادها المليونين لها ثقلها الكبير في الخارطة الديموغرافية في البلاد.
الثاني: يتبع الأمر الأول ويعتبر من نتائجه؛ وهو أنه طالما أن الحركة الكردية لا تشكل من القوة بحيث تصبح عنصر اضطراب وزعزعة لوضع الداخلي فلا داعي لتعكير صفو ذلك القطاع الواسع من القوميين العرب الذين ينهلون من الفكر الشوفيني لحزب البعث، ولذلك بقي ملف الشعب الكردي في سوريا وقضيته القومية من اختصاص القيادة القطرية لحزب البعث وأجهزة الأمن التي لم توفر وسيلة للإمعان في اضطهاد الشعب الكردي وإذلاله وتجريده من كل عوامل القوة والخطورة. وأصبح الشعب الكردي حقل تجارب للبعث يجرب فيه كل منطلقاته ومبادئه المفعمة بالتمييز والشوفينية والعنصرية.
الحركة الكردية والموقف من النظام:
بداية ينبغي أن نؤكد أن الحركة الكردية وبسياساتها السلمية والديمقراطية لا مصلحة لها ضمن المعطيات المتوفرة والآفاق المنظورة المساهمة في قلب وتغيير النظام على الأقل لاعتبارين اثنين:
أولهما: باعتبار أن أهداف ومطالب الحركة الكردية هي قومية لشعب يعيش على أرضــه التاريخيـة هي جزء من وطن الأكراد المقسم (كردستان) بالتالي ليس لديه طموحات أكثر من نيله حقوقه القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد، التي تتلخص في الاعتراف الدستوري بوجوده ورفع الاضطهاد عنه والاعتراف بحقوقه القومية.
ثانيهما: إن مصلحة القضية الكردية ضمن المعطيات التي يقدمها الواقع السياسي السوري لا تقتضي مشاركة الشعب الكردي في قلب النظام أو تغييره لأن السعي في هذا الاتجاه لا يكون صحيحا إلا في حال وجود بدائل حقيقية للنظام تستوعب وتعترف بالحقوق القومية للشعب الكردي. وطالما ليس ثمة بدائل تضمن بوصولها إلى السلطة حل المسألة الكردية، وليس في الوارد على المدى المنظور وجود هذه البدائل، فإن مصلحة الشعب الكردي تقتضي الابتعاد عن لعبة الصراع على السلطة لأن الدخول في هكذا لعبة سيدعم الاتجاهات الأكثر تطرفا والأكثر عدائية للشعب الكردي لأن البدائل المطروحة في الوقت الراهن إما بدائل إسلامية متطرفة أو قومية شوفينية متطرفة ليس للأكراد مصلحة معها لا اليوم ولا غدا.
*:معارض كردي سوري- ألمانيا