|
عمر الدراما و التاريخ
جقل الواوي
الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 19:45
المحور:
الصحافة والاعلام
عمر الدراما و التاريخ كسر حاتم علي تابو تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية و لكنه بقي "رغما عنه" أسير تابو عدم المس بعدالتهم و فضلهم ،تحيز النص لهذه التفصيلات و اظهرهم مبتسمين مستبشرين واثقين و متضامنين و هو بذلك برأ ذمته تجاه سيرة ابن هشام و أحاديث البخاري و الشهير المتداول في كتب الأخبار و التاريخ، و لم يخيب رجاء القرضاوي و بقية الأئمة الذين وافقوا على ظهور عمر و زملائه المبشرين بالجنة،أراد حاتم علي كذلك أن يمتص الهزات الإرتدادية التي قد تنشأ عن تجسيد عمر فأختار ممثلا لم يعمل “كممثل” من قبل و أشترط عليه ان لا يعمل إلا بعد خمس سنوات و كأنه أرتكب إثما و يريد أن يحفر حفره عميقة و يطمر إثمه فيها فلا يظهر له أثر بعد ذلك.
تتبع النص أخبار عمر و مزجها بأخبار البعثة النبوية و أخبار مكة، بدأ مع شباب عمر و بداية نبوة محمد و لم يشر الى ما كان قبلها و لعل قلة أو إنعدام المصادر التاريخية سببا في ذلك، ظهر عمر و منذ المشهد الأول متأملا ممسكا بعصا معقوفة النهاية و هي العصا التي لم تفارق "يساره" طوال المسلسل، كان يستمع كثيرا و يتكلم قليلا، لا ينفعل مع الحدث يكتفي بالمراقبة و الشرود، و هي حالة كاهن أكثر منها حالة صاحب موقف معارض للدين الجديد، لم يظهر عمر معاديا لمحمد “في صورة تعابير وجهه على الأقل” كما صورته كتب التاريخ بل كان حياديا "إيجابيا" و ربما متعاطفا الى حد كبير أفصحت عن تعاطفه نظرات عينية و تأملاته العميقة التي لا تنتهي و ساعدته موسيقا المشهد في تكوين صورة رجل تقبل روحه طرح محمد الجديد و ينتظر فرصة ما ليلتحق به. لذلك فشل مشهد دخوله في الإسلام الذي بدأه عازما على قتل النبي و أنتهى و هو مؤمن عميق الإيمان.و لعل حاتم علي كان أكثر توفيقا من ابن اسحاق فحاتم مهد لإيمان عمر بمجموعة مشاهد تظهر عمر متأملا و مفكرا الأمر الذي لم يظهره ابن إسحاق الذي لجأ الى ما يشبه الإنعطاف في سيره عمر عندما نقله من الكفر الى الإيمان بمجرد قراءته لعدة آيات من سورة طه.فشل المشهد لا يسأل عنه حاتم علي و هو الذي نقل عن ابن اسحاق و لكن المسؤول هو الخبر “غير المعقول” ذاته الذي أراد أن يضفي على عمر صورة الرجل المتأثر بالقرآن من “أول نظره” و كأن عمر يستمع الى القرآن لأول مره.
ركز المسلسل في بدايته على ما تصفه المصادر قوة عمر الجسدية تحت سطوة هذه الفكرة أظهر حاتم علي عمر في الحلقة الثانية كبطل في المصارعة الرومانية و هي حالة بدت نشازا وسط هالة الكهنوت التي لم تفارق عمر منذ المشهد الأول و حتى النهاية،شهرة عمر التاريخية لا تقوم على قوة جسدية و من هو مثله ليس بحاجه الى مثل تلك القوه مع ما يتمتع به من حسن تقدير و نظره ثاقبه و حضور طاغ، و لكن الخيال الشعبي الذي لا يقبل بطله إلا كاملا وضع في عمر قدرات المصارعين، و أعطاه شكلا غير متناسق بطول فارع يتجاوز طول الجمل مع سنامه وهي صورة غير معقولة و قد يثير مثل هذا الرجل الرعب اكثر ما يثير الإهتمام و الإنتباه.تعود شهرة عمر و نجاح فترة خلافته الى مقدرته “الإدارية” الفذه، و حاسة التنظيم العالية لديه فقد كان وراء مجموعه من الإجراءات التنظيمية ذات التاثير غير العادي منها التأريخ الذي لا يزال سار بتأثير عمر حتى هذه اللحظة و تبنيه لفكرة الدواوين لتسجيل اسماء المقاتلين و رواتبهم و رتبهم و جمع القرآن و تنظيم المدن، و الأدهى من كل ذلك حسن إختياره للولاة و القادة و عدم تردده في عزل غير المناسب منهم حتى غدت تعيناته مرجعا للعهد الذي تلاه.تقود تلك المواهب شخصية قوية حاضرة صلبه و مؤمنه بشكل عقائدي لا يقبل الشك، وفوق كل ذلك إلتزامه “البيروقراطي” الذي يدعو الى الدهشة حتى نُقل بأنه لم يجد داع لتقبيل الحجر الأسود ولولا مشاهدته النبي يقبله ما قبله ابدا.و هذه النقاط لم يلتفت إليها المسلسل إلا بالقدر الذي اتاحه ابن اسحاق و من تلاه من مؤرخي ذلك العصر الذين تناولوا الأخبار كما تبدو و لم يحاولوا عبور قشرتها الخارجية الى عمق نقدي يظهر منها وجوها غير مرئية..
إخلاص حاتم علي للتاريخ أضاع منه الدراما فمن يرى عيني عمر في المشهد الأول كمن يرى عينية في المشهد الأخير و الأمر ينطبق على كل قسماته زاد البياض في شعره و فقد القسم الأمامي منه و ما بقي منه ظل على حاله، لم نجد قصة تتصاعد أو تخبو لم نصادف تلك المشاعر و العواطف التي تستخدمها الدراما لتمسك مشاهدها أطول فترة ممكنه لم نجد إلا مشاهد متلاحقة تصور بالكاميرا و بأكبر عدد من المجاميع خبرا من أخبار الطبري أو ابن اسحاق بما يمكن تسميته تصوير التاريخ،لم تغب هذه النقطة عن حاتم علي فخلق بعض “الدراما” في قصص جانبيه كان التاريخ خلفية مضيئة لها كقصة حبشي قاتل حمزة و هي من اللمحات المضيئة التي برهن فيها حاتم علي عن فهمه لمهمته الدارمية و رضوخه لقسوة حضور التاريخ الذي قيد يديه بخلق واقع درامي لعمر كذلك الواقع الذي ابتكره لوحشي.
ممثل حاتم علي ذو طاقة تعبيرية جيده و لكنه لم يفلت من تقليديات قديمة صورت المشركين بشكل بشع و ألوان قاتمه و اسبغت على المسلمين ألوانا بيضاء رزينه و هو ما التزم حاتم علي بحرفيته و كثف البشاعة على وجوه “الكفار” باشكال الذقون و اللغة القاسية و الضحكات الهستيرية التي تصدر عن المهوسين،و كانت معاركه تقليدية رغم البذخ الواضح و أعداد الخيول و المقاتلين و الفيله. أما شقلبات الرجالة و مبارزات الفرسان فقد تكررت في أفلام و مسلسلات سابقة بشكل شبه مستنسخ و ظهر متاثرا الى حد ما بأجواء فيلم الرسالة بالملابس و القلادات، و كانت مي سكاف “هند بنت عتبه” مميزة و لكنها لم تتجاوز منى واصف قيد أنمله رغم مرور عقود بين العملين،بعكس فيلم الرسالة أختار حاتم علي أن يخفف الإضائة مما أضفى على الصورة شيئا من التعتيق عزز الصدق فيها، أما المرحى التي يسحقها كاتب و مخرج العمل و منتجوه فلأنهم أخرجوا عمر من بطن التاريخ المغلف بالتقديس الى وسط أضواء الدراما الرمضانيه حيث أمكن لمسه.
#جقل_الواوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رمضان الدراما و السياسة و الثورة
-
قراءة في فكر شريف شحادة
-
يلعن أبو هالدولة
-
تقتلك الفئة الباغية
-
أسقطت دمشق طائرة
-
الطريق الى الحفة -حرق نفوس-
-
طائفة بدل ضائع
-
المتجرده
-
مسيح الحميدية ....البيت بيتكن
-
المجلس الوطني و المناطق المنكوبة
-
كتاب مسموع
-
قائمة ....قاعدة
-
قربا مربط النعامة مني ...
-
جساس
-
غزوة جامعة حلب
-
عادل إمام ... -المشبوه-
-
إنشقاق عازف كلارينيت من فرقة موسيقا الجيش
-
من جهز غازيا .. بؤس العناوين
-
دروز بلغراد ... دروس في الهوية
-
أدب سجن تدمر 3/3
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|