نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1115 - 2005 / 2 / 20 - 10:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا بد أن كثيرين منكم قد لاحظ ,وشاهد ,في يوم ما ,بعض المجانين,يجوبون الشوارع بأسمال بالية,وأشكال غريبة,ويقومون بحركات غير طبيعية وتبدو مضحكة وسخيفة وأحيانا مخيفة ,وكان بعض الأطفال يركضون وراءهم ويضربونهم بالحجارة محاولين إثارتهم بشتى الأشكال,وغالبا ماكانت تمر تلك اللحظات بمشاعر مختلطة من الفرح والحذر والتأمل بهذه الأنماط.وقد مرت تلك الأيام وانزوت في الماضي السحيق,وعندما بدأنا نفهم ونراقب مسرح العبث والجنون اللامعقول الأكبر ,أدركنا كم كان أولئك طيبون وودعاء وبسطاء ولم يشكلوا أي خطر على البشرية وعاقلين بالمقارنة ممانراه من مجانين يحتلون الأخبار ويظهرون بشتى الملابس والأثواب والبزات والياقات ويتكلمون مختلف اللغات وكما أن خطرهم أكبرعلى البشر والحياة والكرة الأرضية بشكل عام,فيما لم يتجاوز "أذى"أولئك الأزقة والحارات في مدن الصفيح إحدى أهم إنجازات ومشاريع ومقاولات المجانين الكبار. وقد كان المجانين دائما عرضة للنقد والهزء والسخرية, ولكن هناك انواع من المجانين تنكس لهم الاعلام, وترفع لهم القبعات, ويحاطوا بالمرافقة والحراس و"الهيلمان",برغم كل مايتم ارتكابه من جنون وطيش وحماقات.
فمن يتتبع ويراقب أخبار هذا السيرك المفخخ من العالم,المليء بالمهرجين والحمقى و"الهبل" ,والأشقياء ,ويطالع مشهد الأدخنة ولواهب النيران المنبعثة بشكل لا ينقطع تقريبا ,ويعرف حجم الخطر الكامن تحت الرماد ,ويرى أولئك المسعورين من كل الأطياف يرتكبون الحماقات تلو الحماقات ,ويشعلون النيران في كل مكان ,يدرك أنه فعلا في جهنم الحمرا, وذلك قبل القيامة بزمان,وبما لم يأت به الأنبياء ,وأنه في عصفورية كبرىتتسع باطراد, وجل روادها من الحمقى والمجانين "الخبلان", الذين لم يتسن إخضاعهم للفحص الطبي الصحيح الذي سيثبت بالدليل القاطع بأنهم قٌد أضحوا بلا عقول ولا أدمغة وما يحركهم نوازع الشر ,وحمى القتل ,ومص الدماء ,ورؤية الضحايا والأشلاء ,ولا ينامون إلا على سماع نحيب الثواكل والأرامل وبكاء الأطفال,ولا يبنون قصورهم ,وحصنوهم إلا من جماجم الفقراء ,ويسقوها من دماء الأبرياء. ولكل أسبابه في إشعال هذا البركان ومبرراته الساقطة, حتى ولو تم فناء سكان الأرض جميعهم, ليبقى وحيدا في الميدان يغرد بسادية ويردد نفس الألحان والنغمات تماما كما فعل الأرعن نيرون عندما أحرق روما وجلس يعزف على الغيتار,متلذذا بمنظر الخراب ورؤية ألسنة اللهب تطاول عنان السماء. ولحسن حظه لم يكن هناك عصفوريات في تلك الأيام تأخذ المجانين من الأباطرة اوالرعاع إلى حيث يجب أن يكونوا,ولم يكن أيضا قد تطور علم النفس كما نراه الآن,وكان طبعا له تبريراته الإيديولوجية, والإستراتيجية ,و"العقلية",والنضالية الخرقاء. والآن هل لكم أن تتخيلوا كم من المجانين خارج العصفوريات؟
ولا يدري المرء كيف يبرر ارتكاب نفس الحماقات والشرور, من أي كان, في هذا العالم وبعد أن ولج الإنسان الألفية الثالثة بكل ثقة واطمئنان, وبعد تجارب مريرة من التناحر والإقتتال,وبعد أن تمادت قوى الشر وتجار الحروب في الإستمرار في الجنون والسعار والهيجان.وكم من نيرون يشعل النيران ,وفي أكثر من روما ويتأملها برغم وجود الكثير من "وسائل الإطفاء". ولكن كيف ستتجلى السادية والأنانية والنرجسية وعشق الذات؟.وعندما تسمع أو ترى أي عمل أخرق ومجنون وجبان ,لا يسعك إلا أن تتسائل من يقف وراء هكذا أعمال ,وأي مجنون ومغفل و"مصروع" تالف الدماغ يقدم على هكذا انتحار؟ وماهي المكاسب والأرباح؟ضاربا بعرض الحائط كل تجارب المجانين والمخبولين السابقين البلهاء الذين أشعلوا الحروب والفتن على مر الأيام, وكانوا هم أنفسهم من أولى ضحاياها,ومن طالهم لهيبها الحارق, وسط شماتة المجانين الآخرين والعقلاء على حد سواء.كما فشلت كل تلك الحماقات الكبرى,ورغم ما جلبته من موت وخراب ودمار, في تحقيق أي من الأحلام الشريرة والتهيؤات المريضة.وفي علم النفس والنماذج البشرية Typology هناك مايسميى بجنون العظمة Megalomania وهي اضطراب, أو حالة عقلية ,تراود بعض الناس ,ويمتلك صاحبها اعتقاد مبالغ به بأهميته وقوته وبأنه محور الكون ومحط اهتمام الجميع, ونصف إله يجب أن تنحني له الهامات والقامات,ويتمتع بميزات وقدرات خارقة ,وعند ذلك فقط يشعر هذا الأبله بوجوده وكيانه ,ولا يتورع عن ارتكاب أية حماقة لتحقيق هذه الخيالات المريضة التافهة, التي ظهر لا حقا, ومع جميع من عانى هذا الوباء الإجرامي, أن كل ذلك لم يكن سوى أوهام, ورؤى, وتخيلات بعيدة كل البعد عن الواقع,وانتهوا بمشاهد دونية وحقيرة وذليلة وكم كبير من المرارة والخذلان,لم يتخيلوها أبدا وهم في حالة النوبة الدائمة من الجنون والفلتان. ولكن من هو العاقل والشاطرالذي يستطيع تعليم هؤلاء المجانين هذه الألفباء؟
وعلى النقيض من هؤلاء يقف آخرون لديهم أيضا ,ومازلنا ضمن التصنيف السابق ,مايسمى في علم النفس عقدة النقص واحتقار الذات , Inferiority Complex,وهو اضطراب عقلي ونفسي آخر. وهم أولئك الذين يحبون الظهور وإثبات الذات,بكل السبل والأشكال, ولو على أشلاء وجثث الأبرياء, ولو سبحوا في برك من الدماء, وبكل أسف فإن من يسرح ويمرح على الساحة هذه الأيام ,ويصنع الأحداث في أكثر من مكان ,هم هاتان الفئتان ولا ثالث لهما على الإطلاق.فيما يقف الحكماء والعقلاء عاجزين عن القيام بأية حركة, وإصلاح ما تخربه "حركات المجانين"الطائشين والحمقى والصرعى والبلهاء. فهل من العقل أن يقوم شخص ما بحصد الأرواح البشرية بالجملة,ومصادرة الحياة البشرية التي وهبتها الطبيعة للإنسان وتصبح رهينة بيد المجانين, والخارجين عن القانون, والهاربين من شتى العصفوريات؟ ولا يوجد ضابط ولا رادع عقلي لسلوكه وفلتانه وهيجانه المسعور الدائم, وكل همه أن يبقى محور الإهتمام, ومحط الأنظار, ومهما أتى من أفعال و"خبل" وإجرام,غير آبه بما تجره من مآس وويلات على فئات عريضة وغير محددة من الناس. وهناك الفئة الثالثة الكبرى التي جنّت وطار صوابها من متابعتها لكل ذاك الجنون وتلك الحماقات ,وأصبحت تهذي في الطرقات من هول مارأته من أعاجيب ورعب وويلات يشيب لها الأطفال.أولم يحن الوقت لتتدخل "منظمة الصحة العالمية"WHO,لعلاج المجانين و"المصاريع" وأصحاب التهيؤات وكف أذاهم عن خلق الله في كل البلاد ,وإيجاد الأمصال واللقاحات اللازمة لإعادة هؤلاء الحمقى إلى رشدهم وصوابهم, وثنيهنم عن غيهم وبطرهم وفجورهم,وإيداعهم مشافي المجانين والعصفوريات مع أقرانهم وزملائهم ,وحيث لن يشكلوا بعد ذلك أبدا أي خطر على العاقلين, وقبل أن يفقد هؤلاء الأخيرون,أيضا, عقولهم وينضموا إلى جحافل المجانين والمعتوهين الذين تفرخهم يوميا ماكينات الممارسات المجنونة للحمقى والمجانين والأغبياء وتصبح العصفورية أكبربكثير مما هي عليه الآن.
فالمشهد ,إضافة إلى لا معقوليته وفجوره ومجونه وجنونه,يعج ويمتلئ بشتى أصناف المجانين "والمصروعين" والمغفلين وشتى ممارسات الجنون و بمختلف الأسماء والتبريرات التي "تطيّر" العقل من الرأس ,فهنيئا لمن حافظ على عقله واتزانه في هذه العصفورية الكبرى ومستشفى الشعوذة والجنون الهذيان, ولم "يسرح" حتى الآن مع أقرانه وخلانه في الزواريب, والشوارع, والحارات, والطرقات ويصفق , ويهلل ,ويصفر له الصغار والفتيان .
والجنون فنون, والله يثبت ,علينا وعليكم, العقل ياشباب
وإنها العصفورية الكبرى..........في سيرك العربان.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟