لطفي حاتم
الحوار المتمدن-العدد: 1115 - 2005 / 2 / 20 - 11:31
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يدخل بناء الدولة العراقية طوره الثاني بعد الانتخابات الأخيرة , وإذا كانت سمات الطور الأول مصبوغة بطابع الاحتلال وهيمنته على القرار السياسي عبر تشكيله لمجلس الحكم , و الحكومة المؤقتة الأولى فإن الطور الثاني يحمل السمة الوطنية من خلال شرعيته الانتخابية التي أفرزت حكومة تتمتع بتأييد ومباركة أقسام واسعة من مكونات التشكيلة العراقية .
استناداً الى شرعية الحكم الجديد نحاول التعرض الى بعض إشكالات الطور الثاني من المرحلة الانتقالية التي تواجه السلطة العراقية الشرعية.
بداية نشير الى أن ما حدث في العراق يمكن توصيفه بالانقلاب ( الثوري ) وذلك بسبب من نتائجه على منظومة البلاد السياسية وتشكيلتها الاجتماعية , حيث أنتج الانقلاب العسكري الأمريكي جملة من التغيرات الجوهرية يمكن رصدها بالمحددات التالية : ـ
* تحطيم آلة الدولة الديكتاتورية , حيث جرى تدمير المؤسسة العسكرية , وتدمير الأجهزة الأمنية / الاستخباراتية , فضلاً عن تعطيل الشبكة الإدارية لجهاز الدولة البيروقراطي .
** : تدمير البنية الطبقية والقاعدة الاجتماعية لسلطة الدولة بعد تخريب مؤسساتها الاقتصادية /الخدمية الأمر الذي فتح الطريق أمام قوى طبقية جديدة ناهضة بمساعدة الحليف الوافد .
*** أحدث الانقلاب العسكري الأمريكي تمزقاً في البنية الاجتماعية لتشكيلة العراق الوطنية وما نتج عن ذلك من حراك كبير أعاد البلاد الى مكوناتها البدائية ( هنا تكمن السمة الرجعية للانقلاب ) .
إن تماثل نتائج الانقلاب العسكري الأمريكي في العراق مع مفهوم الثورة بمعناه الماركسي يتلازم والروح (الديمقراطية ) التي تشترطها المرحلة الجديدة من حركة رأس المال التوسعية.
والسؤال الذي يواجهنا هو هل نجح الانقلاب العسكري الأمريكي في وضع الدولة العراقية على طريق الديمقراطية والشرعية الانتخابية ؟ . وإذا كان الجواب إيجاباً فهل معنى ذلك ان الروح الهجومية للرأسمال الأمريكي قد حققت إنجازاً كبيراً في بناء مشروع الشرق الأوسط الكبير. وان كان الرأي سلباً فإننا إزاء استراتجيه أمريكية تعوزها السياسة الواقعية وتغلفها أيديولوجية براقة تخفي وراءها الأهداف الحقيقية للروح الانقلابية.
بهدف التدقيق في تلك الأسئلة دعونا نحتكم الى التجربة الفعلية التي أفرزتها الشرعية الانتخابية في العراق بعد الإطاحة العسكرية بسلطة الديكتاتورية .
في رؤية سابقة أشرنا الى أن العملية الانتخابية أفرزت هيمنة طائفية / قومية في الجمعية الوطنية المقبلة , وما سينتج عن تلك الهيمنة من التفرد في اتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة في بناء الأجهزة السيادية استناداً الى الشرعية الديمقراطية بغض النظر عن اعتماد مبدأ المساومات السياسية .
أن إحراز سيطرة فعلية على أجهزة السلطة التنفيذية سيلعب دوراً محورياً في تشكيل البنية الإدارية والتوجهات السياسية لأجهزة الدولة السيادية. بكلام آخر أن السيطرة على الوزارات الأساسية الدفاع / الداخلية / الخارجية / النفط/ الاقتصاد ( 1 ) سيحدد توجه العراق اللاحق والكيفية التي يجري من خلالها استثمار نتائج الانقلاب العسكري الأمريكي.
على أساس تلك الرؤية دعونا نحاول تحليل المشاكل الواقعية الشاخصة أمام إعادة بناء الأجهزة السيادية للدولة العراقية والتي أراها في :
أولاً: ـ بناء المؤسسة العسكرية :
من المعروف أن المؤسسة العسكرية العراقية كانت مهداً للتيارات الوطنية / القومية / الإسلامية أبان الطور الأول من بناء الدولة العراقية , إلا أن تلك المؤسسة تحولت وفي مجرى التطور الى أجهزة قمعية بعد أن حولتها الديكتاتورية الى مؤسسة فاقدة لروحها الوطنية تتزاوج في عقلية أطقمها البيروقراطية السمات العشائرية والطائفية .
إن انهيار المؤسسة العسكرية العراقية على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي وإعادة بناءها تطرح الإشكالات التالية: من هي الجهة السياسية القادرة على إعادة بناء الجيش العراقي ؟. هل هي تلك القوى السياسية الحائزة على الشرعية الديمقراطية ؟ . وإذا كان الجواب بنعم , ما هي استراتيجيتها العسكرية ؟وما علاقة تلك الإستراتيجية بالسياسة الأمريكية ؟ .
أسئلة كثيرة وروى متباينة ولكننا نحاول الانطلاق من نتائج الشرعية الانتخابية ونشير بهذا الصدد الى الإشكالات التالية:
أ : ـ بات معروفاً أن الكتل الحائزة على الأغلبية البرلمانية تمتلك قوات عسكرية كامنة وعلنية تقوم بمهام عملية في الظروف الراهنة والسؤال كيف ستتعامل السلطة الشرعية مع المليشيات المسلحة ؟.
ب: ـ كيف يجري التعامل مع القاعدة الاجتماعية والطواقم القديمة للجيش العراقي السابق ؟. هذا إذا علمنا ان الكثير من العناصر القيادية للمؤسسة العسكرية المنهارة تنخرط في أنشطة مناهضة للوجود الأمريكي والتطورات السياسية الناتجة عنه .
ج: ـ ما هي استراتيجية الجيش الجديد . هل استراتيجية دفاعية ؟ أم هي استراتيجية هجومية؟ . بكلام آخر هل تصبح المؤسسة العسكرية الجديدة جزءً من العقيدة الهجومية الأمريكية الهادفة الى محاصرة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة؟ .وفي هذا المسار لابد من التأكيد على إشكالية أخرى تتلخص في حدود مشاركة القوات الأمريكية في تدريب , وتسليح , الجيش العراقي وبناء عقيدته العسكرية
ثانياً : ـ بناء الأجهزة الأمنية .
كانت الأجهزة الأمنية أداة إرهابية في الدولة الديكتاتورية حيث امتدت أنشطتها الى مختلف مناحي الحياة اليومية , الأمر الذي أدى الى تحويل الدولة العراقية الى دولة بوليسية تتصف بوحشية ودموية أنشطتها الهادفة الى مكافحة خصومها من القوى السياسية والمكونات الاجتماعية للتشكيلة العراقية .
ان انهيار الدولة العراقية وأجهزتها القمعية تطرح قضية اعادة بناءها من جديد ارتباطاً بالوقائع والمستجدات المتمثلة بـ :
ـ امتلاك الكثير من القوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية أجهزة إستخباراتيه تترابط أنشطتها الداخلية مع أجهزة إستخباراتيه إقليمية / دولية .
ـ الوجود الفاعل لبقايا الأجهزة الأمنية للديكتاتورية المنهارة وتلازمها مع الفعاليات العسكرية المناهضة للاحتلال . ناهيك عن ترابطاتها مع المنظمات الإرهابية الوافدة .
ـ تعدد أنشطة الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية / الإقليمية / الدولية على الساحة العراقية الأمر الذي يعقد بناء أمن عراقي ناشط في الدفاع عن المصالح الوطنية.
إزاء هذه الإشكالات تثار أسئلة كثيرة منها : كيفية بناء الأجهزة الأمنية وعلاقتها بأمن ومصالح البلاد الوطنية ومنها : أساليب صهر الأجهزة الأمنية التابعة للقوى السياسية بجهاز واحد بعيداً عن الولاءات السياسية ؟ ومها :هل ستتحدد مسؤولية قيادة الأجهزة الأمنية اعتماداً على عنصري الكفاءة والإخلاص لمصالح البلاد العليا ؟.أم إنها تخضع لمساومات حزبية على ضوء الشرعية الانتخابية؟.
ثالثاً : ـ السياسة الخارجية.
من المعروف ان السياسية الخارجية لبلد ما هي مجموعة الوسائل الدبلوماسية/ المخابراتيه الرامية الى تحقيق المصالح الوطنية لهذه الدولة أو تلك . ورغم ذلك فإنها ـ الدبلوماسية ـ ترتبط بالعقيدة العسكرية ـ هجومية / دفاعية ـالتي ينتهجها هذا البلد أو ذاك . وبهذا المفهوم الواسع نشير الى طبيعة السياسة الخارجية للدولة العراقية, بمعنى هل تتجه السياسة الخارجية نحو التعاون مع دول الجوار ؟ . أم إنها ترتبط بتوجهات العقيدة الهجومية الأمريكية الهادفة الى محاصرة سوريا , وإيران , أو ما أصطلح على تسميته بالدول الاستبدادية وأخيراً ما هي إمكانيات السلطة الجديدة المنتخبة في تمايز سياستها الخارجية عن الحليف الوافد ؟ وما هي قدرتها على فك الاشتباك بينها وبين الرؤية الأمريكية الهادفة الى الشرق الأوسط الكبير .
ترتبط هذه التساؤلات بقضية بالغة التعقيد والمتمثلة بالموقف من إسرائيل وهمجيتها إزاء الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. بمعنى هل تقف السلطة الجديدة الى جانب هذه الحقوق انطلاقاً من الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ أم إنها تصطف مع مقولة ( مكافحة الإرهاب ) وتنظم الى المشروع الأمريكي الساعي الى بناء أمن إقليمي مبني على الهيمنة الأمريكية والقوة العسكرية الإسرائيلية ؟ .
إن الإشكالات الكبرى التي تواجه سلطة الشرعية الانتخابية يتعين حلها بروح ديمقراطية ومسؤولية وطنية انطلاقاً من اعتماد جملة من المعايير تتلخص في : ـ
1 : ـ حل كافة التشكيلات المسلحة وإدماجها بالجيش الوطني الجديد على قاعدة الولاء للوطن وتكريس ذلك في أطر ولوائح قانونية . مع التركيز على العقيدة الدفاعية للمؤسسة العسكرية العراقية وعدم ارتباطها بأية أحلاف عسكرية , الأمر الذي يتيح لها حرية اتخاذ قراراتها السيادية .
2: ـ تفتيت الأجهزة والمخابراتية التي أنشأتها القوى السياسية أبان كفاحها ضد الديكتاتورية والعمل على فك ارتباطها مع الأجهزة الأمنية للقوى الإقليمية / الدولية بهدف منع التأثيرات الخارجية على مصالح الدولة العراقية وأمنها الوطني. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تشكيل مجلس للدفاع الوطني يضم كافة الأجهزة الدفاعية والأمنية شريطة أن تناط قيادة هذا المجلس بقوى مشهود لها بالوطنية والكفاءة الفكرية / الإدارية.
3: ـ إتباع سياسة خارجية تستند الى عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى والعمل مع دول الجوار على بناء الأمن الإقليمي المستند الى توازن المصالح واحترام خيارات الدول الإقليمية في بناء أنظمتها السياسية.
4: ـ ان المتطلبات المشار اليها تترابط وقضايا أساسية أخرى أهمهما اعادة بناء وحدة التشكيلة العراقية المرتكزة على نبذ العنف والاحتكام الى الديمقراطية والشرعية الانتخابية.
ان الموضوعات والتوجهات السياسية التي جرى استعراضها تؤدي حسب ما أزعم الى وضع بلاد الرافدين على طريق البناء الديمقراطي الضامن لحرية ووحدة مكونات التشكيلة العراقية.
الهوامش
1 : ـ سنهمل قضايا الاقتصاد العراقي الى معالجة أخرى .
#لطفي_حاتم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟