|
جنازة الحريري إستفتاء شعبي لبناني على رفض الوجود السوري
أحمد أبو مطر
الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 11:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الجنازة الشعبية اللبنانية التي شهدتها العاصمة بيروت ، يوم الأربعاء السادس عشر من فبراير الحالي ، لتشييع رفيق الحريري ، بدون أية مشاركة رسمية لبنانية أو سورية ، بناءا على رفض عائلة الفقيد والمعارضة اللبنانية لهذه المشاركة ، هذه الجنازة كانت رسالة سياسية موجهة لسورية بقدر ما كانت تقديرا للراحل ، لأن المشاركين في هذا التشييع الجماهيري الواسع ، قاربوا على المليون حسب تقديرات العديد من المصادر ، في حين أن الحكومة اللبنانية عندما دعت قبل شهور قليلة لما أسمته مظاهرة المليون لدعمها في تغيير الدستور كي يسمح بالتمديد لإميل لحود حسب الرغبة والإملاءات السورية ، لم يشارك في تلك المظاهرة سوى عدة آلاف . لقد أرسلت الجنازة رسالة واحدة محددة واضحة شديد الوضوح ، مفادها رفض لبناني شامل ، إسلامي مسيحي درزي ، للوجود العسكري السوري في لبنان الذي يرقى من عام 1976 إلى مستوى الإحتلال العسكري والنهب الإقتصادي للثروة اللبنانية ، ونحن من عشنا في لبنان وسوريا ، نعرف من الحقائق الميدانية الموثقة ، ما لا يستطيع أحد نفيها أو إنكارها ، وهذه الحقائق تشكل إدانة واضحة للسياسة والممارسات السورية في لبنان ، من هذه الحقائق : أولا : كيف يستطيع العقل السوري والعربي أن يفهم أن النظام السوري لم ينظّم منذ عام 1967 أية مقاومة مسلحة لتحرير جولانه المحتل ، ولا حتى مقاومة سلمية للإحتلال الإسرائيلي ، وفي الوقت ذاته يحتفظ من عام 1976 بعشرات الآلآف من جيشه بكافة أنواع الأسلحة في لبنان ، وليس لهذه الآلآف مهمة خاصة بالدفاع عن لبنان ، بدليل أنه منذ دخول هذه القوات لم تتصدى مرة واحدة لأي عدوان إسرائيلي ، رغم أن إسرائيل قصفت العديد من المرات المواقع العسكرية السورية في لبنان ، والعديد من المدن والقرى اللبنانية ، ويكفي هذا النظام فضيحة قصف الطيران الإسرائيلي قبل شهور قليلة لمنطقة عين الصاحب قرب دمشق ، دون أي رد سوري لا أثناء القصف ولا بعده حتى هذه اللحظة . وفضائح النظام السوري وجيشه في مجال التصدي لإسرائيل ، لا تحتاج إلى إثباتات ، وأيضا نحن من عشنا في لبنان ، نتذكر أنه في حصار بيروت عام 1982 ، كان للنظام السوري حوالي خمسين ألف جندي في لبنان ، وطوقت القوات الشارونية بيروت على مرأى ومسمع الجيش السوري دون أن يطلق عليها رصاصة واحدة ، ونتذكر جيدا أنه في الإسبوع الأول من بداية حرب حصار بيروت ، ألقت الطائرات الإسرائيلية مئات الآلآف من المنشورات موجهة للجيش السوري في لبنان ، وحددت له طريق معين ، عليه الإنسحاب خلالها من بيروت إلى البقاع والحدود السورية ، دون التعرض له ، وفعلا إنسحب الجيش السوري علنا مستخدما الطريق الذي حدده الجيش الإسرائيلي ، ولم تطلق عليه رصاصة واحدة ، تقديرا لدوره الذي لم يطلق رصاصة واحدة على الجيش الإسرائيلي الذي حاصر بيروت . وفي سورية ذاتها ، كانت التعليمات للمقاومة الفلسطينية منذ إنطلاقتها في عام 1965 ، أنه ممنوع منعا باتا القيام بأية عملية ضد إسرائيل إنطلاقا من الحدود السورية ، وفعلا لم تنفذ المقاومة الفلسطينية أية عملية مسلحة ضد إسرائيل من الحدود السورية ، وهذا وضع طبيعي ، فمن لا يطلق الرصاص لتحرير جولانه المحتل ، لن يسمح لغيره بالمقاومة المسلحة من حدوده . وقد كانت تعليمات الضابطة الفدائية السورية ، المكتب المخابراتي الخاص بضبط المقاومة الفلسطينية ، واضحة وصارمة ، وهي ممنوع منعا باتا ومطلقا القيام بأية عملية مسلحة ضد إسرائيل إنطلاقا من الحدود السورية ، وكان مسؤول المكتب من عام 1983 وحتى 1993 ، العميد عبد الرحمن قاسمو، شديد الوضوح في تعليماته التي تقول : من يريد قتال إسرائيل عليه أن يتوجه إلى جنوب لبنان ، وكان فعلا يصدر تصريحات خاصة لسيارات المقاومة الفلسطينية ، لتسهيل مرورها إلى لبنان .
ثانيا : طالما أن الجيش السوري لا علاقة لوجوده في لبنان بالدفاع عن لبنان أو سورية ، فإن أهم وأبشع مظاهر وجوده هو النهب الإقتصادي الخاص والعام ، الخاص عبر التهريب بالملايين الذي يمارسه كبار ضباط ومخابرات الجيش من لبنان إلى سورية ، وكان شائعا أن يؤجر كبار الضباط الطريق الدولي الرابط بين الحدود اللبنانية والسورية إلى تجار دمشق لعدة ساعات بعدة ملايين من الليرات ، وخلال هذه الساعات يستطيع التاجر إدخال عشرات الشاحنات ، بكل ما ينقص الشارع السوري من مواد غذائية وأدوات كهربائية ، دون أن يتحمل الإقتصاد السوري عبْ الإستيراد بالعملات الصعبة..ومن مظاهر إستنزاف الإقتصاد اللبناني وجود ما لا يقل عن مليون عامل سوري غير قانوني في لبناني ، أفسدوا سوق العمل اللبنانية ، لأنهم لا يدفعون ضرائب ، وتبلغ تحويلاتهم السنوية لسورية مئات الملايين من الدولارات ، ناهيك عما يحتاجه هذا المليون من العمال من مساكن وتغذية وإستعمال للبنية التحتية اللبنانية ، فأصبح الوجود السوري العسكري والمدني في لبنان ، إحتلال عسكري وإستنزاف إقتصادي بمعنى الكلمة .
ثالثا : أصبح معروفا أن المفاوضات السلمية الإسرائيلية السورية ، كانت طوال الثلاثين عاما الماضية ، لا تحرز تقدما ليس بسبب التعنت الإسرائيلي ، بقدر ما هو المماطلة السورية ، لأن لإسرائيل كان دوما شرطا واضحا وهو تزامن الإنسحاب الإسرائيلي من الجولان مع الإنسحاب السوري من لبنان ، وهذا ما لا يرغبه النظام السوري بإرادته للإسباب المذكورة سابقا ، يضاف إليها أن إستمرار الإحتلال الإسرائيلي للجولان ، يعطي النظام السوري ورقة عاطفية يتلاعب فيها بعواطف الغوغاء العربية على إعتبار أنه يدعم المقاومة اللبنانية ، ومع إنسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو 2003 ، بدأ النظام السوري يستغل ورقة مزارع شبعا ، ليظل يتظاهر أنه يدعم المقاومة ، وهو النظام الذي لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل من عام 1967 .
على خلفية هذه الحقائق التي يدركها و يعيش المواطن اللبناني جحيم ممارساتها السورية في وطنه ، كانت جنازة الحريري رسالة شديدة الوضوح ، برفض الإحتلال السوري للبنان ، وللمرة الأولى منذ عام 1976 ، يتجرأ المواطن والسياسي اللبناني على التعبير الصريح عن رأيه إزاء الوجود السوري ، وتسميته علنا بأنه إحتلال ينبغي أن يزول فورا ، خاصة أن المواطن اللبناني يعرف سجل النظام السوري في الإغتيالات اللبنانية ، التي كان من أشهرها وأكثرها بشاعة إغتيال كمال جنبلاط والدكتور عبد الوهاب كيالي وسليم اللوزي ورشيد كرامي وبشير الجميل وآخرون ، لذلك كانت تعليقات المواطنين والسياسيين اللبنانيين ، مسيحيين ومسلمين ودروز جريئة للغاية لأغلب الفضائيات ، وكانوا يهتفون علنا ضد الإحتلال السوري .....ومن المهم تذكير الشعوب العربية التي تقف ساكتة على كافة أنطمتها الديكتاتورية وعلى الإحتلال السوري للبنان ، هل هناك شعب عربي يقبل بهذا الوجود الإحتلالي والإستنزاف الإقتصادي من طرف دولة عربية مجاورة له...حتى عام 1952 ، كان الملك فاروق في مصر ، يطلق عليه ملك مصر والسودان ، ورغم ذلك قبل الإطاحة بفاروق و بعده ، لم يكن هناك وجود عسكري مصري في السودان أو العكس ، لذلك ورغم الترحم على الفقيد رفيق الحريري ، فربما ما يعوض عائلته الصغيرة ووطنه لبنان فقدانه بهذه الطريقة الإجرامية ، أن موته فتح الملف الإحتلالي السوري للبنان على مصراعيه ، وما نتج عنه من ضغوط دولية سوف تجبر الإحتلال السوري على الرحيل وبسرعة ضوئية ، لأنه بدون هذه الضغوط الخارجية ، أيا كانت أهدافها ، لن يرحل الإحتلال السوري الذي يجثم على لبنان أرضا وشعبا وإقتصادا منذ عام 1976 ، أي منذ ثلاثين عاما ، بفارق تسع سنوات فقط عن عمر الإحتلال الإسرائيلي للجولان السورية ...خسارة لبنان لرفيق الحريري كبيرة ، لكن نتائجها ستكون كبيرة أيضا ، أهمها زوال الإحتلال السوري ، ومن بعده زوال النظام السوري نفسه ، إن لم يواكب رياح الحرية والديمفراطية والتغيير التي هبت على المنطقة العربية ، بعد سقوط أعتى هذه الأنظمة ، نظام صدام حسين، والنظام السوري البعثي هو الشقيق التوأم لذلك النظام. * كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو
#أحمد_أبو_مطر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول البرنامج السياسي لحزب الوحدة الديمقراطي في سوريا
المزيد.....
-
بيان من مجلس سوريا الديمقراطية بعد الإعلان الدستوري
-
لأول مرة.. السعودية تتفوق على مصر وإسرائيل في المقاتلات العس
...
-
اجتماع بين إيران وروسيا والصين في بكين لمناقشة البرنامج النو
...
-
بي بي سي تدخل قاعدة حميميم في سوريا التي تؤوي عائلات علوية
...
-
متى يعتبر نقص الحديد في الجسم مشكلة؟ وما أفضل طرق العلاج؟
-
الصين وروسيا تدعمان إيران مع ضغط ترامب لإجراء محادثات نووية
...
-
البرتغال تشكك في شرائها مقاتلات -إف-35- خشية من موقف ترامب
-
اكتشاف ينهي جدلا علميا واسعا حول المومياء المصرية -الحامل-
-
أوربان يعارض القرض المشترك للاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا وي
...
-
لوكاشينكو: منظومة صواريخ -أوريشنيك- الروسية ستدخل في الخدمة
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|