|
على هامش الثورة المصرية (54): نظارة الإخوان فى رؤية أحوال مصر
عبير ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 3821 - 2012 / 8 / 16 - 09:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ الثورة ونحن نشهد فى مصر حالة واضحة من الانقسام فى الآراء بعضها صحى ومفيد من وجهة نظر التحول الديمقراطى والتعدد المطلوب فى الآراء والتوجهات، وبعضها الآخر محل تساؤل حول آثارها وما يمكن ان ينتج عنها من تطورات تتجاوز اللحظة للمستقبل القريب والبعيد. وفى قلب هذا الانقسام محل التساؤل قضية التكتل فى جبهات تتجاوز العلاقة بينها التنافس والتعاون إلى الصراع والاختلاف للاختلاف أحيانا فى صورة استقطاب حاد لا يمكن معه الحفاظ على النقاش الموضوعى المطلوب. وفى هذا السياق شهدت مصر تكثيف واضح لمفهوم غريب إلى حد ما فى عالم السياسة وهو مفهوم "التكويش" الذى ساعد على أنتاجه وترسيخه فى المشهد مجموعة من النخب التى تعددت مقولاتها وتبريراتها لمواقفها ولكنها اتفقت على تقديم نفسها بوصفها ضد ما اسموه "تكويش" الإخوان على الحياة السياسية وهو وضع لا اراه فقط متجاوز لقواعد السياسة وواقعها ولكن متجاوز للموضوعية المطلوبة ومتجاوز فى أحيان اخرى لمصالح مصر والثورة.
أصبحنا أمام حالة يرتدى فيها البعض نظارة لا ترى القرارات والتطورات السياسية فى مصر إلا من خلال الاخوان فهى نظارة مخصصة لرؤية الأمور من زاوية واحدة هى ارتباط القرارات والتطورات المعنية بالحركة. وهى نظارة مختلفة الوظائف فأحيانا تقوم بتكبير الاخطاء، وأحيانا أخرى تقوم بتهميش الانجازات وتصغيرها، وفى معظم الأحيان تنتقد كل ما يمس الإخوان دون أن تركز على الصورة الكبرى الخاصة بمصالح مصر ومدى تماشى القرار محل النقد مع التطور المفترض لحالة الثورة من عدمه. وساعد على تصنيع تلك النظارة مفهوم التكويش سابق الذكر والذى لا يختلف عن مرحلة مبارك وما سبقها من مواجهة الإخوان والصدام معهم أو استهدافهم وتهميش تواجدهم بقدر المستطاع من خلال ترسيخ صورة الحركة كجماعة منحلة أو جماعة غير شرعية عبر وسائل الإعلام المختلفة فى مرحلة ما قبل الثورة.
وتحول مفهوم التكويش بما يحمله من معنى سلبى إلى الشكل الجديد للأسلوب السلبى السابق فى التعامل مع الحركة وسياستها وتحركات أعضائها، ولكن فى النهاية يبقى مضمون تلك التحركات واحد وهو محاولة البعض أقصاء الجماعة عبر مقولات التخويف المختلفة حول أسلمة مصر وسيطرة الحركة على كل المؤسسات ودور حزب الحرية والعدالة الذراع السياسى للحركة فى رسم السياسات وتوجيه أو أرشاد الرئيس كما يتردد فى مغالطة سياسية أخرى تتجاوز دور الأحزاب وهدفها الأساسى وهو الوصول للسلطة، وحقيقة سعى كل حزب فى دول العالم المختلفة للوصول إلى كافة السلطات -عبر صناديق الانتخاب والاختيارات الموضوعية- من أجل تمرير القوانين وتنفيذ السياسات التى يتبناها الحزب. وضع لا يتحدث عنه أحد حول العالم بوصفه تكويش من حزب أو فصيل سياسى معين على السلطة، ولكن عدم حدوثه يعد فشلا للحزب ونقطة ضعف لا تمكنه من تحقيق سياساته.
وتم ترويج خطاب التكويش بطريقة لا نتجاوز ان قلنا أنها ممنهجة لدرجة أنها أصبحت ضمن الخطاب العادى والعام على وسائل التواصل الاجتماعى وفى تعليقات المواطنين على ما يرد فى الصحف من اخبار ومقالات كما يمكن متابعتها عبر صفحاتها الإلكترونية. وأصبح من السهل أن يتم انتقاد أى رأى مؤيد لأى قرار سياسى بوصف الشخص اخوان وداعم للحركة ولسياسات التكويش المتبعه من قبلها. وهو ما تكرر ترويجه بصورة واضحة اثناء الاستفتاء على الإعلان الدستورى والانتخابات تشريعية ورئاسية ولازال يتكرر فيما يخص قرارات رئيس الجمهورية وتحركاته. وفى حين ركز البعض على التعامل مع التطورات والنسب التى حصل عليها الإخوان بوصفها تكويش من الحركة، وركز البعض الآخر على مقولة عدم استعداد المواطن للديمقراطية، وقيام الإسلاميين بتحريك الجماهير "المغيبة" عبر مقولاتهم الشعبية والدينية لم يلتفت هذا الخطاب لحقيقة أساسية وهى أن مناخ الديمقراطية ومدى وعى الجماهير أو طبيعة الخطاب المستخدم قضية مختلفة عن صناديق الانتخاب ونتائجها. كما ان انتقاد خطاب الإسلاميين وكيفية توصيل خطابهم للجماهير ينبغى أن يتحول لقضية مطروحة على غيرهم من القوى السياسية وخطابهم وقدرتهم على التنافس فى مناخ يختلف عن مناخ مبارك المفتقد للتنافسية. فأن كان خطاب وتواجد الإسلاميين قد مكنهم من الفوز بنسب معينة وتحقيق تواجد أكبر من غيرهم، فأن السؤال هو ماذا فعل غيرهم على أرض الواقع وهل تواصلو مع الجماهير أم لا.
بشكل عام ظل خطاب التكويش ونظارة الاخوان ضمن المشهد حتى مع قرارات الرئيس الأخيرة عقب أحداث رفح والتى تم فيها إلغاء الإعلان الدستورى وتغيير بعض القيادات العسكرية. وركز البعض على ما تمثله القرارات من حلقة من حلقات تكويش الإخوان، وكيف أنها جاءت بما أسموه أوامر المرشد. لم تتوقف تلك الاصوات عن استخدام نظارة الإخوان والنظر لتلك القرارات من وجهة نظر مصر الثورة ومدى الحاجة لها فى مسار التغير السياسى من عدمه، ولم تتوقف أمام حقيقة ان ما حدث كان جزء من مطالب العديد من القوى الثورية فى لحظة سابقة واعتبرته سلبيا لأنه وفقا لهم يصب فى مصلحة الإخوان.
أقف أمام هذا الخطاب رافضة ليس لإنتمائى لأى تيار سياسى، ولا بحكم دعم جماعة الإخوان من عدمه ولكن من وجهة نظر الرشادة والموضوعية ومصلحة مصر. أعرف أن مقولة المصلحة أحدى المقولات الجدلية بطبعها ولكن عندما نتفق على الاحتكام لنظارة مصر فى المشاهدة والحكم قد تختلف الأشياء ولا يضيع الوقت فى الجدل للجدل والاختلاف للاختلاف، وقد نصل مع الوقت لتعريف واضح للأولويات وسبل تحقيقها وأن ندرك أن التنافس أصل العمل السياسى والوصول للسلطة أصل العمل الحزبى، وان الوصول لمؤسسات وضع القوانين وجهات اتخاذ القرار وتنفيذها تعد نقاط أساسية فى عمل أى حزب وفصيل سياسى من أجل وضع برامجه محل التنفيذ وإقرار التشريعات اللازمة لذلك... والأهم أن قضية مصر ليست الانتقام من فصيل سياسى ولكن بناء دستور قوى وديمقراطى يضمن التغير السلمى للسلطة عبر وسائل شرعية، ويؤكد أن المعركة بين القوى القائمة أساسها التنافس على أرض الواقع والوصول للجماهير.
#عبير_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش الثورة المصرية (53): الانتخابات الرئاسية وفرحة عبد
...
-
على هامش الثورة المصرية (52): ألغام العلمين والإنتخابات الرئ
...
-
على هامش الثورة المصرية (51): أبو إسماعيل ومسلسل إسقاط الدول
...
-
على هامش الثورة المصرية (50): عقبات على طريق الثورة (٤
...
-
على هامش الثورة المصرية (49): عقبات على طريق الثورة (3. التا
...
-
على هامش الثورة المصرية (48): عقبات على طريق الثورة (2. مصر
...
-
على هامش الثورة المصرية (47): عقبات على طريق الثورة (1.الفهل
...
-
على هامش الثورة المصرية (46): الحفيد وحديث الثورة
-
على هامش الثورة المصرية(45): مصر ما بين العبث والسخرية
-
على هامش الثورة المصرية (44): مصر الثورة والمرأة
-
على هامش الثورة المصرية (43): اليابان ومصر ما بين فوكوشيما و
...
-
على هامش الثورة المصرية (42): وقفات على هامش أحداث بورسعيد
-
على هامش الثورة المصرية (41): مقولات على الهامش
-
على هامش الثورة المصرية (40): مصر والحب فى اتجاه واحد
-
على هامش الثورة المصرية (39): تساؤلات على هامش ذكرى الثورة
-
على هامش الثورة المصرية (38): المحلف الهارب والمواطن المهان
-
على هامش الثورة المصرية (37): الثورة والأيام الضائعة
-
بشار وخطاب فى اللغة العربية
-
على هامش الثورة المصرية (36): محاولات على هامش الوطن والثورة
-
على هامش الثورة المصرية (35): التهمة امرأة
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|