|
اللإخوان.. وصناعة الوهم
محمد دوير
الحوار المتمدن-العدد: 3821 - 2012 / 8 / 16 - 01:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تجربة الاخوان المسلمين في الحياة السياسية المعاصرة تحتاج الي تقييم علمي ومنهجي وفق قواعد وأسس علم السياسة ، لكونها تجربة تركت آثارا عميقة في إحداث قدر من الخلل في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية في القرن الأخير وقوضت الكثير من القواعد الراسخة واستحدثت أيضا أدوات عمل ومقولات ليست من السياسة في شيء ، فخلطت الواقع بالغيب ، والحلم بالوهم ، والسياسة بالدين ، والدولة بالمجتمع ، وحللت حراما فاستحلت أعرض وأموال ونفوس غيرها من المؤمنين ، وحرمت ما حلله الله لغرض في نفس مريضة بتحريف معاني ودلالات وأحداث التاريخ . والاخوان المسلمون تيار سياسي لم يأت بجديد في منهج الدعوة لاختلاط الحق بالباطل ، فقد امتلأت صفحات التاريخ الاسلامي بالعديد من الفرق والجماعات التي ارتأت في نفسها ظل الله علي الأرض والمكلفة بتسيير شئون العباد والتبشير بالاسلام وتطبيق شرع الله وإقامة دولة الخلافة الجديدة. والمهم هنا أن جميع هذه الفرق اعتبرت نفسها مجددة في الدين وانطلقت من ترسانة قيم ومفاهيم وأفكار وتفسيرات وتأويلات للقرآن والسنة كالمرجئة والقرامطة والحشاشين ... إلخ . ولعل جماعة الاخوان المسلمين هي امتداد أو نسخة معدلة لتلك الفرق التي خرجت عن إجماع الأمة وادعت امتلاكها للحقيقة المطلقة في مواجهة ما رأوه من اعوجاج اسلامي عن جادة الحق في تطبيق سنن الله وشرعه .. وتؤكد وثيقة الاخوان التي ظهرت مؤخرا ونشرتها جريدة التحرير علي ذلك حيث تقول : "... وقد تسلل الشرك الخفى فى قلوب المسلمين، وملأت مظاهر الشرك بالله الحياة السياسية، ومهمتنا الكبرى هى محاربتها ومواجهة أنصارها من العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين وأصحاب المناهج الأرضية، هؤلاء هم أنصار الطاغوت لم يقفوا عند حد رفض حكم الإسلام ولكنهم حاربوه وحاولوا بشتى الطرق خلعه من قلوبنا ليسهل لهم خلعه من بلاد المسلمين، العلمانيون هم الملحدون الجدد اختفوا وراء عباءة العلمانية وخدعوا العامة بأن علمانيتهم من العلم، ليسهل لهم تمرير أنفسهم فى مجتمعاتنا، والليبراليون ومن والاهم هم أهل الانحلال، سعيهم كله يدور حول نقل الليبرالية بمفهومها الغربى إلى بلادنا حتى ولو كانت هذه الليبرالية فى معناها هى عبادة الإنسان لذاته من دون الله، حيث تكون حرية الفرد هى الرب الأعلى، الذى من أجله تلغى التشريعات الإلهية من حياتنا، هذه الحرية هى شرك بالله، وأصحابها يعبدون أنفسهم من دون الله، ويعبدون الغرب الذى ينقلون عنه ... " هكذا يرون أنفسهم ويرون غيرهم .. وهذا هو عين الوهم .. بل صنم الوهم الذي يعبدون من دون وجه الله تعالي الذي هو الحق ولا شيء غير الحق. والناظر المتأمل في سيرة ومسيرة الاخوان وغيرهم من أنصار الحركة الاسلامية لا يجد سوي آلهة واصناما يعبدونها ويقدمونها إلينا لنعبدها مثلهم ومن بين هذه الاصنام ما يلي : 1- الخلافة : فسر بعض المحللين والمؤرخين أن من أهم أسباب نشأة حركة الاخوان المسلمين في 1928 هو أنها جاءت كمعادل موضوعي لسقوط الخلافة الاسلامية التركية علي يد أتاتورك ، ولذلك فإذا كانت فكرة الخلافة الاسلامية قائمة بالفعل قبل عام 1924 فإنها صارت قائمة بالفكر مع ظهور جماعة الاخوان ، وهي بالفكر الي أن ياتي اليوم الذي نشيد فيه اعمدتها الراسخة رسوخ الجبال الشوامخ كما قال أحد شيوخهم ، الذي اعتبر أيضا أن نجاح مرسي هو إيذان ببدء مشروع النهضة الي الخلافة الاسلامية التي استمرت في التاريخ ما يقرب من 1400 سنة كلها جور وظلم إلا بضع سنين في عهد العمرين. ولكن الأهم في هذا السياق أن الخلافة ليست من أصول العقيدة وحوار سقيفة بني ساعدة وطرق اختيار الخلفية تؤكدان علي عدم ركنية الخلافة في الدين الاسلامي علي الأقل في المذهب السني،ولا أي دين سماوي آخر. ولكن لماذا يتحدث المتحدثون عن أمر الخلافة رغم علمهم أنه مصطلح سياسي وليس دينيا ؟ وهذا هو أهم أصنام الوهم الذي يصنعونه ويدغدغون به مشاعر العامة من الناس ويحلقون به في سماوات الوهم التي اعتادوا عليها . 2- الاسلام هو الحل .. اعتدنا منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي علي مواجهة هذا الشعارفي كل محفل سياسي أو اجتماعي.. وهو شعار مطلق ، عام ، لا يقول شيئا واضحا ومحددا تجاه أي شيء .. شعار يرسخ التبعية وتغييب العقل والمبايعة والتواكل .. وحينما جاءت ساعة العمل .. لا الشعارات .. اختفي من الساحة شعارهم الأثير هذا .. تبخر من الواقع وكأنه كان وهما أو صنما انقضت الحاجة إليه .. وليس من دليل أكبر ولا أعمق من هذا علي أنهم قوم يخادعون في القول بمحسنات لفظية ثم يخدعون في العمل بتبريرات واهية .حينما تمكنوا من السلطة تحدثوا حديث غير الحديث وقالوا كلاما غير ما كانوا يلكونه من قبل .. وشعار الاسلام هو الحل من بين هذه الشعارات التي ظلت شعارا غير قابل للتطبيق لأنه طوال الوقت كان غير قابل للتفسير ، وما لا تستطيع تفسيره في المهد لا يمكنك تطبيقة في اللحد.يتضح إذن أن هذا هو فهمهم للاسلام .. كلمات وألفاظ لا أفعال وأعمال .. ولكننا لا نفهم الإسلام هكذا .. وليس – فيما نعتقد أن رسول الله كان ممن يقولون ولا يفعلون إن ما نفهمه من الإسلام ليس هذا الذي يدعون إليه، نحن نفهم صحيح الإسلام بكل ما يحمله من قيم العدل والمساواة والعقلانية والثورة علي الظلم, إنه المعبر عن حرية الرأي والتعبير والإيمان , وعن حقوق المواطنة والاختلاف والتباين بين البشر , وعن حق الجميع في الانتماء المذهبي والفقهي , لأهلية الإنسان علي نفسه ولا كهنوتية الآخرين , لاحترام البشر دون التمييز بينهم بسبب الدين أو اللون أو العرق . فبقدر ما يبتعد الأخوان بأفكارهم عن المجتمع بقدر ما يسمح بتفعيل حق الاختلاف بين البشر ، الذي هو سنة من سنن الكون. 3- الاسلام دين ودولة : وتلك هي المقولة التي اعتمد عليها الكثيرون من مفكري الحركة الاسلامية وتناولوها كأنها حقيقة ثابتة لا نقض فيها ولا ابرام ، رغم أنها مقولة وهمية غير صادقة صدقا كليا ولا تصمد أمام البحث العلمي المدقق . فالدين الحنيف والذي أراد به المولي عز وجل أن يكون رسالته للناس حتي يوم الدين هو الدين الخاتم رغم اختلاف الأمم والجماعات والاحلاف والدول والقبائل .. فالجغرافيا السياسية قد تتغير وتتبدل ، تضعف وتقوي ، تزول وتخلق من جديد ، تتبدل هيئتها وصورها . ولكن الدين باق ، فإن اقترن الدين بالدولة ، زال الدين مع زوال الدولة .. وإن ضعفت الدولة ضعف الدين ، وليس هذا من منطق الأمور ، فمن ربط الدين بالدولة كأنما يجري علي الدين ما يجري علي أمور الحياة من تبدل ، وحاشا لله أن يقصد ذلك وويل لهؤلاء الذين حشروا الدين في زمرة التغير من عقاب الله .فليس الاسلام دين ودولة لأنه أوسع وأشمل من الدولة ، وليس الاسلام دين وخلافة لأنه أسمي وأرقي. هو دين ومجتمع، دين وأمم ، دين وحياة ، ولكنه أبدا لا ولن يكون دينا ودولة ، فالدولة ليست في الاسلام لأنها قادمة عليه أي حادثة عليه .. والمحدث ليس من الأصل وهذا ما أكده رسولنا الكريم في حجة الوداع حينما قال " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " لم يقل المعصوم دينا ودنيا ، ولذلك نحن آمنا بالاسلام دينا وليس دولة . ومن ثم فالقول بأن الاسلام دين ودولة ينقص من الدين ولا يزيده .. يأخد منه صفة الثبات المقدسة .. ويهب الدولة صفة القداسة وهنا موطيء الاستبداد .. وهذا هو عين الوهم الذي يصنعه لنا الاخوان ومن تبعهم ..
#محمد_دوير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|