|
حقيقة الصراع السلمي حتى الآن على الوطن مصر
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 17:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فور إطاحة ثورة 25 يناير 2011 برئيس وحكومة وبرلمان النظام القديم وبعض رموزه البارزين، شخصت الأبصار كلها إلى دستور جديد يغير وجهة مصر ويقرر مصيرها لعدة عقود قادمة على الأقل. فكرة أن يكتب لمصر دستوراً جديداً أيقظت الأحلام وألهبت الحماس وذكت الطمع في الجميع، وظن كل فريق أن فرصة لن تتكرر أصبحت في المتناول الآن. على جانب، العلمانيون، من يساريين وليبراليين وقوميين وآخرين من غير المنتمين لمشروع الإسلام السياسي، أخذوا يمنون النفس بدستور جديد يساوي بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة أو العرق، يصون حريات وحقوق الإنسان، ويوصل إلى تداول سلمي للسلطة يحقق العيش الكريم والازدهار والرخاء للجميع. على جانب آخر، ذات الثورة بعث من مرقدها منذ مئات السنين تصورات ونظريات وممارسات تراثية قديمة ظن كثيرون أن مجرد تجاهلها ومجاملتها بحلو الكلام شكلاً دون التعرض لها أو أخذها بجدية من ناحية المضمون كافي لتجاوز تلك المرحلة القديمة بمساوئها ومحاسنها من عمر الوطن إلى عصر جديد أركانه الدولة الوطن والعلم والتقدم والحرية والمساواة والديمقراطية. هؤلاء المبعوثون ثقافة وفكراً من قبور الماضي هم تيار الإسلام السياسي بقيادة الإخوان والسلفيين. على جانب ثالث كان هناك، ولا يزال، طرف ثالث، الجيش، يسعى بحذر للمحافظة على امتيازاته منذ 1952، يتوسط العصا بين الطرفين العلماني والإسلامي، وفي الأغلب يمسك بها من مقبضها العلماني. في حكم اليقين، إذا لم تتوصل هذه الأطراف الثلاثة إلى الحد الأدنى من التراضي والتوافق على الدستور، هذا الصراع على مستقبل الوطن قد يستغرق ويهلك جيلاً بأكمله.
في واقع الأمر، الصراع الحاضر بين الأطراف الثلاثة يدور على المستقبل. مستقبل مصر يمر عبر بوابة الدستور. الدستور هو جوهر الصراع ومادته. هذا الصراع مر بعدد من الجولات ولا يزال يتكشف. في جولته الأولى، نجح الإسلاميون بقيادة الإخوان عبر لجنة المستشار طارق البشري للتعديلات الدستورية في الفوز بفارق النقاط، وفتح الباب عن آخره أمام الإسلاميين من كل المشارب ليغمروا المشهد السياسي ويكتسحوا البرلمان بمجلسيه. هذا الزحف الإسلامي المخيف على السلطة التشريعية حتماً أقلق الطرفين الآخرين، غير أنهم في الوقت نفسه كانوا على ثقة من أن المواجهة لا تزال طويلة وسيستطيعون تعويض جولة البداية الضائعة. شهدت الجولة الثانية تصعيداً خطيراً من الفريقين الرئيسيين، حيث تم الشروع في استعمال، أو بالأدق سوء استعمال، كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية كأداتين في الصراع المحموم للسيطرة على اللجنة التأسيسية. المعسكر الإسلامي أساء استعمال مجلسي الشعب والشورى، وفي المقابل المجلس العسكري والعلمانيين أساءوا بدورهم استعمال المحاكم وساحات القضاء. حاول الإسلاميون تكرار النصر الأول أيام البشري عبر الاستفراد بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور على هواهم. لكن رغم غلبة ومجاهدة وشراسة الإسلاميين، خسروا خسارة فادحة في الجولة الثانية بالضربة القاضية من المحكمة الإدارية العليا ببطلان تشكيل اللجنة. هكذا تكون نتيجة المباراة الأولى في الصراع على الدستور التعادل 1/1.
بدأت الجولة الثالثة بعودة الإسلاميين إلى السيطرة على تشكيل اللجنة رغم شدة المعارضة من الجهة المقابلة. أكثر من ذلك، أسرف الإسلاميون في تسخير البرلمان لخدمة أغراضهم الشخصية في السيطرة على اللجنة، ليسرف الطرف المقابل بدوره في تسخير المحاكم والقضاء لمنع الإسلاميين من الانفراد بالسيطرة على اللجنة وتمرير دستور على مقاسهم وحدهم. في هذه المرحلة، دخلت الانتخابات الرئاسية على الخط وزادت الصراع حدة وسخونة، لكن لب ومحور الصراع ظل دائماً هو محاولة السيطرة على اللجنة الدستورية. الإسلاميون، على عكس المتوقع، طمعوا في الرئاسة وتقدموا بأكثر من مرشح. عند هذه النقطة وجد الطرف المقابل من العسكريين والعلمانيين أنفسهم أمام هزيمة محققة ومنكرة في مواجهة المساعي الإسلامية المحمومة لاحتكار الدستور ومستقبل الوطن لأنفسهم. الإسلاميون، بهدف إحكام السيطرة على اللجنة الدستورية وكتابة الدستور، سيطروا على البرلمان بالكامل وأصبحوا في طريقهم للسيطرة على الرئاسة والحكومة كذلك. كان لابد من حل، هكذا فكر الطرف الآخر. جاء وقع هذا الحل كوقع الصخور السجيل من فوق جبل شاهق على رؤوس الإسلاميين. في ساعة واحدة، صدر ونفذ حكم قضائي بحل مجلس الشعب.
حتى بعد فوز الإسلاميين بالرئاسة، ظل الهدف الرئيسي هو الدستور. الرئاسة مجرد سلاح آخر لحماية اللجنة ذات الأغلبية الإسلامية. الدستور هو المطمع والمغنم الأهم على الإطلاق. تحت هذا الضوء، يمكن بسهولة فك شفرة المشهد السياسي المصري منذ البيان الأول للمجلس العسكري حتى إحالة الرئيس محمد مرسي للمشير طنطاوي وسامي عنان إلى التقاعد وهدم المجلس العسكري فوق رؤوس أعضائه. حتى هذا النصر التكتيكي الإسلامي الرائع الأخير هدفه ومبرره الأساسي حماية الانفراد الإسلامي بالسيطرة على اللجنة الدستورية. المجلس العسكري، بدعم من العلمانيين، يقف حجر عثرة أمام هذا الانفراد بشكل خاص والمشروع الإسلامي بشكل عام. هكذا، في جولة جديدة، نجح الإسلاميون، أو هكذا يظنون، في تأمين وضع يدهم على اللجنة، ومن ثم على دستور ومستقبل البلد. لكن اللجنة لا تزال لم تفرغ من عملها بعد، ولا يزال الدستور لم يستفتى عليه الشعب بعد. حتى هذا الحين، لا يستبعد أن تشهد الساحة جولات ومباريات أخرى، في صراع واحد مسعور على دستور ومستقبل هذا الوطن.
هذا الصراع على مستقبل الوطن لن يحسم سلمياً ولا حربياً لمصلحة أي طرف على حساب الآخرين. لن يستطيع الإسلاميون حسمه لمشروعهم، ولن يستطيع العلمانيون أو العسكريون كذلك. لابد من التوافق والتراضي، ولو في الحدود الدنيا، بين الأطراف الثلاثة. عندئذ فقط قد يحسم الصراع، ليس لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، إنما لمصلحة وطن يسع الجميع ويزدهر ويتقدم بهم كلهم. عدا ذلك، الصراع دائر وحتماً سوف يسخن ويحتدم ويتحول تدريجياً إلى العنف والمواجهة المسلحة.
دستور مصر لا يمليه الإسلاميون ولا غيرهم. دستور مصر يكتبه المصريون.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والديمقراطية والاستبداد
-
شهوة الجسد
-
حرية الجسد
-
حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
-
عدل ظالم...ومساواة حرام
-
مساواة في الدين؟
-
بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب
-
مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
-
يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
-
الديمقراطية كفر بالله؟
-
المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
-
-حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
-
الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
-
سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
-
نصف إله + نصف شيطان = مساواة
-
الحرية وتطبيق الشريعة
-
امسك...إسلامجية حرامية
-
آلهة شياطين
-
بسم الدين وبسم العلم...نخون الوطن
-
وماذا لو حكم الأخوان؟
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|