|
سوريا و مستويات الصراع السياسي
قصي مسلط الهويدي
الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 17:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من زين لنا العنف في سوريا ؟ سؤال بسيط ، و ربما "ساذج" .
و مع هذا سينبري لك كثيرون ليلقنوك درساً في الوطنية ، و ربما درساً في التاريخ ، و قد يتمادى أحدهم ليوصل سقف التهم إلى الجهل أو ربما إلى الخيانة أيضاً ، و سوف يأتيك الرد الجاهز الذي يفسر كل ما هو "غير" قابل للتفسير : ( إنه النظام و عنفه وووو يا ....... ) .
مع أن السؤال كان عن "تزيين" العنف و ليس عن "سببه" ! .
قد تكون هذه بداية موفقة ، و لكنها غير مناسبة تماماً لما أريد أن أقول ، فما أردت قوله – ربما – يختلف كثيراً عن هذا . فغياب العقل "البارد" عن ساحة الثورة ، و قدرته على التحليل و "التنظير" – ( و هذه تهمة أخرى تمنحها للقارئ المشكك في النوايا ) – يشكل كارثةً لا نحسب أنها هينة .
لقد تم اختزال الصراع في سوريا في شكل بسيط جداً، ليظهر وكأنه صراع بين طرفين محددين ، متماسكين ، واضحي المعالم ؛ "شعب" و "نظام" ! . هكذا و بكل بساطة ، دون أدنى عناء .
إن هذا الاختزال – سواء أكان بقصد أو دونه – جعلنا نتعامل مع ذلك الصراع ، و كأنه مجرد نزاع بين طرفين ، نزاع واضح البنية و الأقطاب إضافة إلى المستويات . جعلنا ( أي الاختزال ) ننظر إلى أقطاب الصراع الداخلية – مع إغفال كل الأقطاب الخارجية – و كأنها كتل "صماء" متماسكة ، موحدة الرؤى و الأهداف ، كلٌ ضمن تشكيله الخاص ، الذي لا يقبل التفكك والتفكيك . وكأننا أمام "شعب" سوري تمتلك كل مكوناته و "زمره" ، نفس الرؤى و الطموحات و الاستقطابات ..... . و كأنها ( أي المكونات المجتمعية للشعب السوري و زمره ) عبرت "كلها" إلى حالة الدولة ، و تجاوزت حالة ما قبلها ، إضافةً إلى كونها ، متطابقة "كلها" – ديموغرافياً – مع واقعها "الجيوسياسي" .
لن نسهب كثيراً في هذا المقال – لعدم اتساع المقام – و سنقتصر فقط على رصد مستويات الصراع ، و التي تتشعب بدورها – كثيراً – هي الأخرى ، لذلك سيقتصر الكلام فقط على "مستويات الصراع السياسي" ، حيث يمكن أن نقسمها إجرائياً إلى :
"صراع على الحيازة" : وهو الصراع الذي ينشأ بين "خصوم" على حيازة شيء ما ، أما المستوى الثاني فهو "الصراع على التمثيل" : و هذا الصراع ينشأ عادةً بين "متنافسين" على تلك "الحيازة".
و هما مستويان متداخلان ، يكاد الفصل بينهما أن يكون مستحيلاً ، خصوصاً في المجتمعات "ما قبل المدنية" .
و غالباً ما يكون الأول معني بـ (رأس المال "المادي") ، أما الثاني فإنه دائماً يكون معني بـ (رأس المال "الرمزي") و عادةً يكون الصراع في المستوى الثاني أشد ضراوةً - بالمعنى السياسي - منه في المستوى الأول ، و غني عن البيان أن الشكل الذي يأخذه ذلك الصراع مرتبط بشكل مباشر ، بدرجة تطور المجتمعات ، حيث أنه يتراوح ما بين التنافس ( الانتخابي ) و النزاع ( المسلح الدموي ) ، إضافةً إلى أن صراع الحيازة يتراجع كثيراً في المجتمعات المتقدمة ، إذ أن الدولة و إدارتها تكون "تداولية" ، و لا يمكن الاستئثار بها أو "حيازتها" دون التشارك مع بقية المتنافسين ، أما في المجتمعات الأقل تطوراً ، أو تلك التي لم تقطع مع الاستبداد بعد ، فإن الصراع يأخذ طابع الحيازة حتى في المستوى الثاني ( أي التمثيل ) . و عليه فإنً الصراع في سوريا ، بين المتنافسين على من هو الممثل الحقيقي و "الوحيد" للثورة ، أهم بكثير من الصراع مع الخصم (النظام) ، و هو بالتالي أشد ، و بما أن المكونات المجتمعية في سوريا ماتزال ضمن "زمر ما قبل دولة" فإن التنافس بينها لن يكون سياسياً فقط – كما هو الحال في النظم "المدنية الحديثة" – إذ ربما يصل إلى درجة الصراعات المسلحة الدموية .
فهل سنفاجأ إذا ما ظهرت مليشيات و تنظيمات مسلحة ، خصوصاً بعد كل الذي بذل من جهد – و بكل ما أوتي البعض من قوة – من أجل "عسكرة الثورة" .
و ككل البشر ، نحن مختلفون و متباينون ، الأمر الذي قد يصل إلى درجة العداء أحياناً ، فهل سيكون من المفاجئ أن يشكل كل فصيل "سياسي" فصيله "العسكري" الخاص به و الذي يأتمر بأمره – و ذلك بعد أن تمت عملية عسكرة الثورة بالفعل – و أن يحتكموا إلى السلاح ، لحل خلافاتهم السياسية ، لتحديد من هو الممثل "الشرعي و الوحيد" للثورة . و من هو بالتالي الوريث "الحقيقي" للدولة . و إن حدث ذلك – لا قدر الله – فمن سيتحمل المسؤولية الأخلاقية عن ذلك ، أمام التاريخ .
بقي أن نضيف أخيراً ، أن الصراعات في المستوى الأول تكون بين (قديم) و (حديث) أما في المسـتـوى الثاني فتكون بين البــدائــل (الحديثة) نفسها ، و هنا مكـمـن الخـطـورة فــي "الاحتجاجات الشعبية" التي تنشأ دون إطار سياسي يؤطرها ، أو مخزون "معرفي جمعي" لدى تلك "البنى المجتمعية" المحتجة بشكل عفوي ، يجعلانها محصنة ضد التفكك و الإنهيار الذاتيين .
#قصي_مسلط_الهويدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مصدر سعودي: الرياض حذرت ألمانيا 3 مرات من المشتبه به في هجوم
...
-
تفاصيل جديدة عن هجوم الدهس في ألمانيا.. هذا ما رصدته كاميرا
...
-
طبيب ولاجئ وملحد.. من هو السعودي المشتبه به تنفيذ هجوم الدهس
...
-
ارتفاع حصيلة هجوم ماغديبورغ وشولتس يتعهد -بعدم الرضوخ للكراه
...
-
وزير الخارجية التركي لا يستبعد نشوب صراع بين إسرائيل وإيران
...
-
زاخاروفا: صمت الغرب عن الهجمات الأوكرانية على قازان مثير للغ
...
-
جائزة خالد الخطيب الدولية لعام 2024
-
سعودي ومعاد للإسلام... ما نعرفه عن منفذ الهجوم على سوق لعيد
...
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|