أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - رولان"بيار بارانغو - الزراعة الهندية أمام امتحان منظمة التجارة العالمية















المزيد.....


الزراعة الهندية أمام امتحان منظمة التجارة العالمية


رولان"بيار بارانغو

الحوار المتمدن-العدد: 261 - 2002 / 9 / 29 - 03:22
المحور: الطب , والعلوم
    


 
ROLAND-PIERRE PARINGAUX

“في هذه البلاد من الصعب أن تكون فلاحاً. لقد حاولت كل شيء، لكني دائماً أمنى بالخسارة". ها أن سنوات مضت و”الأمور لا تسير على ما يرام" بالنسبة الى السيد غانغابا المزارع من قرية كالمالا الواقعة على بعد حوالى عشرين كيلومتراً من رايشور في ولاية كارناتاكا في جنوب الهند. والسيد غانغابا، في الثالثة والثلاثين من العمر وهو رب عائلة مؤلفة من زوجة وأربعة أولاد ولا يملك ما يؤمّن به قوته سوى ثلاثة هكتارات من الأرض يزرعها أرزّاً وفلفلاً. 
  ومثل الكثيرين غيره في هذه الناحية اللاهبة من هضبة ديكان، عمل السيد غانغابا لزمن طويل في زراعة القطن، وحقق أرباحاً. ففي العام 1996 وفي استثمار بقيمة 35000 روبية (٥٤٧ دولاراً) حقق مدخولاً قيمته 130000 روبية (2600 دولار) فقد كان كل شيء أرخص كلفة. البذار والمبيدات والماء والكهرباء والوقود وحتى الاعتماد المصرفي كان مدعوماً من الدولة. كانت كلفة الكيلوغرام من القطن 7 روبيات، وفي السوق يباع بـ26 روبية. أما الآن فقد انقلب الوضع، فكلفة الانتاج أصبحت 25 روبية للكيلوغرام الواحد وسعر السوق 17 روبية. وفي هذه الأثناء أغلق مصنع الغزل في رايشور أبوابه نتيجة سوء الادارة والمنافسة ونوعية القطن المحلي في آنٍ واحد. وفي العام 1998 كان من شأن محاولة زرع تشكيلة من القطن المطوّر جينياً في المنطقة أن فجرت ردات فعل عنيفة”(١).

   بعدها ارتد الكثير من المزارعين الى زراعة الأرزّ والفلفل. لكن في العام 2001 دفع في السوق 350 روبية ثمن القنطار من الأرزّ الذي بلغت كلفة انتاجه 400 روبية، اي نصف القيمة المدفوعة للنوعية نفسها في العام 2000. وقد خزن البعض محاصيلهم في انتظار تحسن الظروف أو ارتفاع الأسعار أو تدخل الدولة، فيما اضطر آخرون تحت ضغط الدائنين الى البيع بخسارة. اما السيد غانغابا فقد تخلى عن محصوله لأحد المرابين الذي اشتراه بسعر يقل 10 في المئة عن تعرفة السوق. وفي العام 2001 انخفض أيضاً سعر الفلفل، وفي هذه الظروف حقق غانغابا مدخولاً بلغت قيمته حوالى 80000 روبية (1700 دولار) مقابل تكاليف بلغت 90000 روبية (1915 دولاراً) أي بخسارة 10000 روبية (200 دولار) وضعته أيضاً تحت رحمة المرابي. 

  اما جاره السيد ييلابا، الذي كان يزرع نباتات زيتية (دوار الشمس والفستق) فهو أيضا كان في "وضع أفضل في الماضي"، ففي العام 2000 كان من شأن تراجع نسبة المساعدات ومنافسة البضائع المستوردة وارتفاع كلفة بعض المنتجات أن دفعته الى تغيير خياره. ويروي هذا القروي انه خلال سنوات تضاعفت عشر مرات أسعار بعض البذارات التي تبيعها شركات متعددة الجنسية هندية-أميركية، فارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من 20 روبية الى ما يزيد على 200 روبية. ويوضح قائلاً:"باستثناء الأرزّ نضطر الى شراء البذارات كل سنة لأن البذارات التي نستخرجها لا تنتج كثيراً في الموسم التالي”. وفي العام 2001 استثمر هو أيضاً في الأرزّ والفلفل مستديناً مبالغ طائلة. وغير بعيد من هناك نجد الوضع نفسه في القرى الصغيرة المنتشرة حول إحدى قنوات الري. فهنا أحد كبار مزارعي الأرزّ الذي ينام على مخزونه يشكو من "استيراد الأرز بأسعار رخيصة”. وهو بات يعمل بأجر يومي لكن بحسب ما يقول "إن هذا لا يكفي لتأمين العيش”. 

  ويُذكر أحد المدعوين ساتياه الذي لم يعد يقوى على الاستمرار. وإذ وجد نفسه بين مطرقة السوق وسدان المرابي فقد انتحر بشربه بعض المبيدات. وأحياناً تعوّض الدولة على العائلة، الا أن المال يذهب الى المرابي والا فإن هذا الأخير يستولي على الأرض وتنضم العائلة الى احياء الصفيح المتضخمة. 

  وعلى بعد آلاف الكيلومترات شمالاً وقعت راجستان، بلاد المهاراغا والقصور والصحراء، هي بدروها "ضحية" المحاصيل الجيدة، إن جاز التعبير. فهنا أيضاً توجّه المنظمات الزراعية وحركات المعارضة أصابع الاتهام الى منظمة التجارة العالمية ومبدأها الليبيرالي. فهي ترى أن الاتفاق الذي دفع الهند الى فتح حدودها واسعةً للتجارة الدولية هو السبب الرئيسي في الأزمة التي تعصف بالزراعة، ومعها بما يزيد على 700 مليون هندي يتدبرون أمر معيشتهم كيفما كان في المناطق الريفية. 

  وفي السنوات الاخيرة ضاعف معارضو حكومة السيد أتال فاجبايي وسياسته الليبيرالية من تظاهراتهم ضد منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي والشركات العالمية الغربية، المتهمة كلها بأنها تدفع آلياً وباسم الانتاجية الى زراعة من النوع الصناعي الذي يعتبرونه كلياً غير ملائم  لواقع الحال الهندي. وهي سياسة لا تكتفي بلعب دور الدول الغنية والشركات الزراعية العملاقة، بل تقود الى دمار اقتصاد يوفر سبل العيش ونظام أمن غذائياً سمح حتى الآن لعشرات الملايين من صغار المزارعين والعمال الزارعيين بالاستمرار، مع كل ما يمكن أن يستتبعه هذا الدمار من مآسٍ في بلد المليار نسمة. 

  ومنظمة التجارة العالمية، التي تحولت رمزياً نوعاً من فزاعة، ليست هي وحدها المسؤولة عن الصعوبات التي تواجهها الزراعة. ففي كانون الثاني/يناير عام 2001 لحظ تقرير رسمي حول تطبيق اتفاق منظمة التجارة العالمية مع ولاية كارناتاكا نقصاً في البنى التحتية والاعداد والتقنيات والنوعية والمنافسة والتربية والمعلومات، الخ (٢). انه واقع حال مروع لكنه ليس استثنائياً. في أي حال فإن إرشادات منظمة التجارة العالمية لم تأتِ أبداً على ذكر أساليب المعالجة التي جرى تلميعها لزعماء نيودلهي كوسيلة فضلى لاقناعهم بفتح اسواقهم. 

  في العام 1994 التحقت الهند بدورة الأوروغواي. والاتفاق الذي ستنشأ بموجبه منظمة التجارة العالمية نص وللمرة الاولى على تحرير التجارة من المنتجات الزراعية عبر خفض التعريفات والحواجز التي لا تخضع للتعرفة. وكان المستهدف بذلك ثلاثة مجالات: الانفتاح على الاستيراد وخفض إجراءات الدعم وإلغاء المساعدات في مجال التصدير. وكغيرها من الدول النامية كان امام الهند الوقت الكافي للتكيف، لكن وفق الطريق التي رسمت لها. 

  وكان من المفترض مبدئياً بقانون اقتصاد السوق ونتيجته الطبيعية المتعلقة بـ"السعر الصحيح" أن يجعلا الزراعة الهندية أكثر قدرة على المنافسة على الصعيد الدولي، على أن تحد في الوقت نفسه من تدخلات قطاع عام غني وواسع الانتشار. كانت هذه الطريقة الفضلى لاضفاء الدينامية على قطاع حقق بالتأكيد نجاحات لافتة سمحت له بالانتقال، في غضون بضعة عقود من الزمن، من الارتهان الى الاكتفاء الذاتي الغذائي وحتى الى التصدير، لكنه ظل منكفئاً على نفسه يتمتع بحماية بالغة بدعم رأس المال وفي نهاية الأمر بقي ضعيف القدرة على المنافسة. 

  وبمساحاته الصغيرة (بمعدل هكتار واحد) وبكلفة انتاج مرتفعة ومردود ضعيف، ظل القطاع الزراعي بعيداً عن التجليات التي حققتها الصناعة والخدمات المنساقة وراء انفجار وسائل الاتصالات ووراء طبقة وسطى مدينية متعطشة الى الاستهلاك. 

  وكان من المفترض بالقطاع الزراعي، بفعل الانفتاح والمنافع المقارنة المفترضة، أن يكون المستفيد الأول من الاتفاق مع منظمة التجارة العالمية. الا انه، وبعد الضربة القوية التي أصيب بها نتيجة انهيار الأسعار العالمية، غرق في الأزمة، وباتت الاجراءات المفروضة من منظمة التجارة تشكل غالباً عاملاً مفاقماً لها. ففي الثمانينات شهد النمو تباطؤاً واضحاً، إذ تراجع هذا القطاع في مجال البنى التحتية والاعتمادات، وتوسعت الهوة اكثر في المداخيل قياساً اليها في المدن، وأخيراً عاد الفقر المدقع الى التزايد بعدما تراجعت نسبته في السبعينات والثمانينات بين السكان من 55 في المئة الى 35 في المئة. 

  في تموز/يوليو عام 2000 لخّص كتيّب أصدرته وزارة الزراعة الوضع على الشكل الآتي. ”إن حركة النمو الزراعي مالت الى التراجع في التسعينات. وأصبحت الزراعة مهنة قليلة المردود نسبياً بسبب الأسعار غير الملائمة بشكل عام وبسبب ضعف القيمة المضافة، مما دفع المزارعين الى التخلي عنها وزاد من الهجرة خارج المناطق الريفية." ويضيف النص قائلاً. ”وسيزداد الوضع تفاقماً لدى إنجاز تكامل التجارة الزراعية مع النظام العالمي إذا لم يصر الى اتخاذ إجراءات تصويبية فورية” (٣). ويتحدث السيد جاين، مساعد وزير الزراعة "عن تآكل مدخول المزارعين بنسبة 15 في المئة" في العام 2001 . والحال، ان الكثيرين لا يكادون يكسبون يومياً ما يعادل اليورو الواحد ومعظمهم غارقون في الدين. 

  وفي الواقع انه منذ توقيع اتفاق العام 1994، نظر المزارعون في شكل عام الى النواحي السلبية من الأمور. حتى مع وجود بعض الفروقات بين ولاية وأخرى من الاتحاد، ومع وجود "قصص نجاح لافتة" هنا وهناك. ففي مجال الاستيراد رفعت القيود، ما بين العامين 1999 و2001، عن اكثر من 2700 سلعة. وقد بدأ العمل بالقائمة الأخيرة في نيسان/أبريل من العام 2001 أي قبل الموعد الأقصى المحدد بسنتين. وقد رأى البعض في هذا الاستعجال مبادرة تجاه الولايات المتحدة لحضّها على رفع الحصار عن نقل التكنولوجيا المفروض على الهند بعدما قامت بتجاربها النووية في أيار/مايو عام 1998 . 

  وكل هذا من شأنه أن يثير القلق في قطاع غير معدّ جيداً لمواجهة المنافسة. والاختبار الكبير الأول في مجال الاستيراد، والذي تناول الزيوت النباتية، ليس من النوع المطمئن. ففي السنوات التي تلت الانضمام الى منظمة التجارة العالمية خفضت الحكومة من التعرفة الجمركية على هذه السلعة المطلوبة كثيراً للاستهلاك الصناعي كما الفردي. وفي حينها كانت السوق الهندية عملياً مكتفية ذاتياً والأسعار في الأسواق العالمية مرتفعة. لكن هذه الأسعار انهارت ووجد المنتجون المحليون أن خسارتهم تضاعفت. وإذ اصبحت غالية اكثر في عمليات التصدير فقد خسروا جزءاً من السوق الداخلية. وفي بضع سنوات اكتسحت الزيوت المستوردة من ماليزيا واندونيسيا والولايات المتحدة والبرازيل بأسعارها المنخفضة جداً حوالى 40 في المئة من السوق. وهذا ما كان بركة بالنسبة الى البعض، لكن بالنسبة الى ملايين المزارعين والى الصناعات التحويلية المحلية، جاء الأمر بمثابة الكارثة. ففي كارناتاكا وحدها اغلق في السنوات الأخيرة، اكثر من 100 مصنـع للزيوت أبوابه من أصل 115 مصنعاً (٤). 

  وتحاول الحكومة أن تخفف من حدة الوضع. فبحسب السيد جاين أنه "باستثناء الزيوت، لم تجرِ في السنوات الأخيرة عمليات استيراد مكثفة ولم يكن هناك آثار سلبية على الزراعة بفعل عمليات الاستيراد”. ولفت من جهة أخرى الى أن الحكومة تمتلك عند الضرورة، في إطار اتفاقها مع منظمة التجارة العالمية، الوسائل لإعادة النظر في الرسوم والتعرفات على حوالى ثمانمئة سلعة. لكن كما لاحظ السيد ناغارا، احد المسؤولين النقابيين في مقاطعة بانغالور، فإن الحكومة لم تفعل ذلك، وإن فعلت ففي شكل خجول في مجال الزيوت النباتية. وهو مع كثيرين غيره يخشى أن يتكرر هذا الاهمال بالنسبة الى السكر ومشتقات الحليب، وهما قطاعان تؤمن فيهما الهند اكتفاءً ذاتياً، لكنها تواجه ضغطاً خارجياً شديداً. 

  أضف الى ذلك أن التوجه الليبيرالي يعوق تطبيق نظام الدعم وضمان الأسعار والمساعدات الغذائية التي طالما استفاد منها قسم كبير من السكان مع أن الحكم فيه كان أنه معقد ومكلف. وعلى هذا الأساس وضعت خطة لخفض إجراءات الدعم من القطاع العام للانتاج والتسويق والمداخيل، تماماً مثل التفكيك التدريجي لنظام التوزيع الرسمي، وهو كناية عن شبكة وطنية من مخازن الدولة التي توفر المعونة الغذائية بأسعار مخفضة لعشرات الملايين من الهنود.

  وقد قررت الحكومة أن ترفع أسعار الحبوب التي يقدمها نظام التوزيع الرسمي بغية زيادة مردوده. وهكذا ومع عدم توافر الامكانات توقف عن الشراء الكثير من المواطنين من فئة من هم دون خط الفقر (مع أقل من دولار كمدخول يومي)، فيما وجد آخرون أن أسعار السوق باتت أدنى. وفي كلا الحالتين خسر النظام قسماً من زبائنه، فأغلقت بعض مخازنه أبوابها. لقد خفض الدعم لكن في الوقت نفسه  وجد الملايين من الناس أنفسهم في وضع أكثر فقراً. 

  وللمرة الأولى منذ زمن بعيد يخف الاستهلاك الغذائي فيما تتكدس الحبوب في المستودعات. ويلحظ الاستاذ كمال م. شينوي، من جامعة نهرو في نيودلهي أن الأمر "يدعو الى التساؤل إن كانت حياة ملايين الناس تؤخذ في الاعتبار أو انهم يعتبرون، من وجهة نظر الانتاجية، كمية مهملة"، ليهاجم في الوقت نفسه "السياسات التي تفرضها قلة من أبناء المدن" الذين يجهلون واقع الأرياف أو لا يبالون بمصيرها. 

  وتحتفظ الدولة بمجموعة من إجراءات الحماية، لكن ناهيك بأنها تتعارض مع ذهنية منظمة التجارة العالمية فقد تبين أنها مكلفة وصعبة التطبيق. هكذا نجد ان حوالى العشرين في المئة من المنتجات الزراعية مغطاة بـ"سعر دعم بالحد الأدنى"، لكنه سعر يبقى في الغالب أغلى من أسعار السوق كما أنه ليس لدى الحكومة الامكانات لشراء جميع المحاصيل التي تباع بخسارة. ويوضح هذا الأمر أستاذ الاقتصاد ابهيجيت سن، الرئيس السابق للجنة الأسعار الزراعية. ”لقد تأثر المزارعون الهنود أكثر من أي وقت مضى بهبوط الأسعار العالمية، وذلك بالرغم من بقاء الضمان على 23 سلعة زراعية. ذاك أن نظام دعم الأسعار الذي كان يعمل ضمن حلقة مقفلة قبل انفتاح السوق، قد تلقى ضربة قوية من الأسعار العالمية. 

  كما يلحظ من جهة اخرى ان إجراءات الدعم هي "أدنى بكثير مما تسمح به منظمة التجارة العالمية”. ومن جهته يلفت ؟؟؟؟ جاين  الى ان"الهند ليست في وضع يسمح لها بتخصيص واحد في المئة من مجمل ناتجها المحلي لعملية الدعم في حين أن الاتفاق مع منظمة التجارة العالمية يسمح لها بالوصول الى استخدام 10 في المئة منه لهذه الغاية"، متناولاً بذلك الفصل الثالث من الاتفاق مع المنظمة والمتعلق بإلغاء الدعم لعمليات التصدير والذي يمكنه بدوره أن يكون موضع انتقادات. 

  وتحت ضغط منظمة التجارة العالمية لخفض المساعدات والدعم وعوائق التعرفات، استنتج الهنود بمرارة ان هذه الاجراءات لا تكف عن التزايد في الدول الصناعية في شكل أو في آخر فيما يبقى الوصول الى أسواقها صعباً في الغالب. ويكفي ذكر أرقام منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي لا تحتاج الى تعليق. 283 مليار دولار لدعم الزراعة في الدول الأعضاء في المنظمة في العام 1999 (منها 114 ملياراً الى الاتحاد الأوروبي، و54 ملياراً للولايات المتحدة و58 ملياراً لليابان) مقابل 7 مليارات فقط للهند. وهذه الأرقام تمثل 65 في المئة من مجمل الناتج المحلي في اليابان و49 في المئة منه في الاتحاد الأوروبي و24 في المئة في الولايات المتحدة و6.5 في الهند. اما من ناحية عوائق التعرفات فإن الهنود، اكبر منتجي الأرزّ، يوردون دائماً، على سبيل الصدمة للعقول، الرسم البالغ 2000 في المئة الذي يفرضه اليابانيون على الأرزّ الأجنبي. 

  هكذا شعر الكثيرون بأنهم انزلقوا الى نظام "الكيل بمكيالين" الذي يعمق التفاوت التجاري بين الأمم بدلاً من العمل على إصلاحه. مع ما رافق ذلك من جانب الدول الفقيرة، من خفض أشكال الدعم الحيوية أحياناً، ومن جانب الدول الغنية من زيادة سمحت لهم بالسيطرة على اسواق جديدة عبر سيرورة الليبيرالية. وأحياناً عبر تدمير النشاط التجاري حيث يفرض نفسه التوجه الليبرالي بمباركة منظمة التجارة العالمية. ومن هنا الشعور بوجود ظلم كبير، ولغة مزدوجة وعملية غش. يقول احد كبار الموظفين مغضباً: "ليس أن الغربيين وحدهم يضعون القوانين بل هم يعمدون فوق ذلك الى الخداع." وبديبلوماسية أكبر يستنتج السيد جاين أن "في منظمة التجارة العالمية نواقص جدية تلعب لمصلحة الدول المتطورة”. ويرى ذاك الموظف الكبير المحنك في المفاوضات أن من الواضح "إذا ألغيت أشكال الدعم في العالم أجمع فإن الزراعة الهندية تكتسب القدرة على المنافسة." 

  وقد ارتفع العديد من الأصوات بشكل مستمر مطالبةً برفض الاتفاق مع منظمة التجارة العالمية أو أقله بإعادة النظر في قوانينه. ويرى البعض أن المحصلة كانت سلبية وأن انعكاسها على الأمن الغذائي كان مدمراً. ويعتبر رئيس الوزراء السابق هاراداناهاللي دودي غودا أن الاتفاق "غير عملي" نظراً لحقائق الوضع الهندي، وخصوصاً للعدد المرتفع من صغار المزارعين الهامشيين. ويطالب رئيس وزراء  كارناتاكا السيد كريشنا بالتفاوض مجدداً وبتنسيق أفضل مع الحكومة المركزية. وهذه  الحكومة الواقعة ما بين قيود منظمة التجارة العالمية والتزاماتها في مساعدة أهل الريف ترغب تماماً في إعادة التفاوض. "نحن نكرر القول لمنظمة التجارة العالمية أنه لا يمكن أن نضع على المستوى نفسه الزراعة في الدول المتطورة، الموجهة الى التصدير، وزراعة الهند. فنحن في حاجة الى معاملة مختلفة والى إعفاءات خاصة لحماية مزارعينا." 

  ويوضح السيد جاين ان الهند تحاول الحصول على إجراءات حماية أكثر فائدة. وهي تطالب في نوع خاص بأن يسمح للدول التي يعيش قسم كبير من سكانها في حال الفقر بأن تتخذ إجراءات دعم للقطاع الزراعي من أجل مواجهة التحديات التي يطرحها الأمن الغذائي، وحماية البيئة والحفاظ على الوظائف في الريف. 

  ولا يتعلق الأمر هنا بقرارات تولد "التواء تجارياً"، وإنما إجراءات للصمود في الحياة. ومن هنا ضرورة قيام بعض المرونة بالنسبة الى المقاربة التقليدية لقوانين السوق. كما أن المبالغ الموظفة في هذه المجالات يجب الا تعتبر من ضمن إجراءات الدعم مجتمعة التي يجب ألا يتعدى مجملها بحسب اتفاق منظمة التجارة العالمية 10 في المئة من قيمة الناتج الزراعي في الدول النامية و5 في المئة في الدول المتطورة. 

  في اختصار. لا خلاص من دون توسيع المساعدة في القطاع الريفي. فالأمر يتعلق بحياة ملايين البشر. كما يتعلق الأمر أيضاً بالعمل على إبقاء أهل الريف فيه، هم الذين لا تنفتح امامهم أي فرصة أخرى للعمل والذين في نهاية الأمر يهددون البلد بنزوح كثيف الى المدن. فالموضوع متفجر والسلطات تضاعف من الاجراءات لتثبيتهم حيث هم. 

  والدكتور سواميناتان، الخبير الزراعي الشهير، ليس معارضاً لمنظمة التجارة العالمية في حدود ما. وهو ليس أقل مناداة بإعادة التخفيف كمياً من عمليات الاستيراد، عندما سيكون لها في طبيعة الحال  انعكاس سلبي وحتى مأسوي كما هي الحال بالنسبة الى الزيوت النباتية. ويتابع السيد سواميناتان أن "العمل ومستوى معيشة الشعب يجب ان يكونا المبرر الأساسي في جميع مفاوضاتنا التجارية"(5) ملمحاً الى أن الحال لم تكن كذلك على الدوام.


--------------------------------------------------------------------------------
*صحافي.

 

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 



#رولان"بيار_بارانغو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- 7 فوائد صحية لتناول الزبادى يوميًا
- انتبه.. هذا ما يفعله السكر فى جسمك عندما يرتفع
- الصحة العالمية: مقاومة المضادات الحيوية تسبب 39 مليون وفاة ب ...
- كيف نحافظ على المستوى الطبيعي للكولسترول في الدم؟
- ضحايا بإنهيار جسر الطبر في ميسان و(المدى) تتقصى الأسباب 
- احم ابنك من المخدرات.. تسبب البلاهة والنسيان وتدمر الذاكرة
- في الطقس البارد وتساقط الأمطار.. لهذه الأسباب لا تشرب الشاى ...
- مارس هذا النوع من التمارين الرياضية.. تحمى نفسك من الزهايمر. ...
- هاتثبت وزنك.. نصائح سهلة التطبيق تحميك من السمنة
- لقطات جوية ترصد جفاف البحيرة الطبيعية الوحيدة في صقلية


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - رولان"بيار بارانغو - الزراعة الهندية أمام امتحان منظمة التجارة العالمية