أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة















المزيد.....

العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3819 - 2012 / 8 / 14 - 18:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قيل أن العلمانية كانت نشأت أوروبيا بفعل حاجة مكانية وزمانية لا يمكن أن تتكرر في أوضاعنا العربية لكونها كانت تأسست هناك على صراع حاد أوجب الإنحياز لأحدى المؤسستين, أما بجانب المؤسسة الدينية أو بجانب حركة النهضة العلمية والفكرية.
من جانبي لم أقف مؤيدا هذا القول فحسب وإنما أكدت أيضا على وجود علاقات تفاعلية إيجابية كانت سادت بين الدين والدولة الإسلامية عبر مختلف عصورها, وقلت إن معركة من هذا النوع لم تكن نشبت إسلاميا وذلك لغياب نوع النشاط العلمي والفكري الذي يستوجب ذلك الصراع, إضافة إلى أن الدولة الإسلامية كانت حسمت منذ البدء طبيعة العلاقة ما بين السلطة السياسية والسلطة الدينية حينما زاوجت بين الخليفة الرئيس والخليفة الإمام وجمعتهما في شخص واحد فحالت, أو على الأقل ضيقت, من إمكانية نشوء صراع بين المؤسستين الدينية والمدنية اللتان كانت قد إتحدتا في شخص الخليفة الرئيس. وقد أتاحت هذه العلاقة لدرجة من التقدم تتناغم مع طبيعة هذا التزاوج بين الدين والدولة .

غير أن نهاية الدولة الإسلامية ونشوء الدول المدنية الوطنية كان وضع نهاية لذلك التزاوج بين المؤسستين, الدينية والمدنية, ومهد الطريق لنشوء تنافر بدأ ينمو ويتصاعد بينهما, ورافق ذلك ايضا نشوء حركات سياسية دينية رفعت بدورها شعار أسلمة الدولة والعودة إلى عصر الخلافة كما هي حال الإخوان المسلمين والحركات السلفية على الجانب السني ودولة الفقيه على الجانب الشيعي, ولأول مرة وبسبب نشوء الدولة المدنية التي تخلت عن نظام الخلافة تحول الصراع من شكله الأفقي الذي تحدد بين إجتهاد داخل مؤسسة واحدة إلى شكله العمودي الذي بدأ يتأسس بين فكرين ومؤسستين مختلفتين.

معنى ذلك أن الظرف الموضوعي, الذي أكد على غيابه شيخ الدين القرضاوي وشيخ الفكر الجابري, بدأ يتضح وينمو بالإتجاه الذي خلق مؤسستين منفصلتين لم يعد بالإمكان دمجهما في شخص الرئيس الخليفة, وصار واضحا بعد نزول الفكر الإسلاموي السياسي وتنشيطه لفكرة بناء الدولة الدينية أن العلاقة بين المؤسستين باتت تتحرك بإتجاه الخروج من حالة الهدنة إلى حالة النزاع, الذي تغذى بدوره بعاملين أساسيين, أولهما فشل أنظمة الدولة المدنية في خلق مجتمعات ناهضة وعجزها عن تطبيق الخطط التنموية التي من شأنها أن ترسخ كيان الدولة المدنية. بل أن هذه الأنظمة فرضت واقعا مترديا بكل المقاييس مما أدى إلى فشلها ونزوع الناس عنها باحثة عن خيار آخر بدت الحركة الدينية في لحظة اليأس والإحباط أنها قادرة على تجسيده. فالناس التي تفقد الأمل في دنياها باتت سعيدة على الأقل لمن يحقق لها ذلك الأمل في آخرتها حتى لا تخسر الدنيا والآخرة معا.
أما ثاني العاملين فيبرز من خلال التذكير بأن المجتمع الإسلامي المعاصر هو مجتمع تلقي لا إبتكاري, وتجميعي لا تصنيعي, وريعي لا إنتاجي بما يُغَيِّب الحاجة إلى الإختراع والإبتكار والإكتشاف والتحدي المعرفي ويعمل بإتجاه نفي إمكانية نشوء ظروف الصدام الذي يستدعي الحسم, وبهذا ورغم ما تؤدي إليه حالة التلقي والتجميع من غياب معرفي إلا أنها من جانب آخر قللت فرص الحاجة إلى نوع الصدام الذي نشأ هناك في أوروبا وأوجب تأسيس العلمانية.
لكن معنى الموافقة على ذلك يتضمن إقرارا أكيدا على أن المجتمع الإسلامي الذي لم يمر بعملية الصراع المعرفي والحداثي والفكري مطلوبا منه أن يرفع راية الإستسلام للفكر الديني ويتخلى عن العلمانية بدعوى عدم إمكانية إنتاجها لغياب الظرف.

وقد قلنا أن ذلك ليس صحيحا البتة لأن الفكر الإسلامي وهو يرفع راية غياب الظرف الموضوعي الذي يستدعي الحالة, وتاريخية التعايش الديني المدني, وإيجابية العلاقة ما بين الإسلام والدولة قديما إنما يضع بهذه الطريقة المستقبل في قالب لا خروج منه وهو قالب التبعية للآخر المعرفي, كما أنه يقرر حدودا لعملية المعرفة بالإتجاه الذي يجعلها خاضعة لفكر الفتاوى والتشريعات النصية, ويمنع عمليا نشوء أي ظرف منتج لعمليات الصدام, ويحجز على إمكانات هذا النشوء بكل السبل بما يؤدي إلى تسطيح الوعي وجعله في حالة تعايش توافقي تجهيلي قائم على التلقي والتلقين . فأوربا لم تصل إلى مراحل التصنيع والتكنولوجيا المتقدمة إلا لأنها حسمت معركة المعرفة وحرية الفكر وفتحت الطريق نحو الحداثة بعد أن نزعت سيوف المؤسسة الدينية المشرعة على أعناق المفكرين والمخترعين.
فنحن لا نتحدث هنا عن حالة تصنيع يقوم الغرب بسد حوائجه وإنما عن حالة المعرفة والحداثة ونوعية النظم السياسية التي بإمكانها أن تطلق سراح الفكر من قيود التبعية المقدسة للمرجعيات الكهنوتية وتحرس حقوق الإنسان وتؤسس لعمليات الإبتكار والبحث والتصنيع. وأيضا فنحن متأكدون أن الحرية والاستقلال لم يعد بالإمكان تحقيقهما وحراستهما ما لم يكن المجتمع جزء لا يتجزء من العالم العلماني المعاصر.
إذن حاجتنا إلى العلمانية هي حاجة سياسية وفكرية قبل أن تكون حاجة إلى تصنيع وإختراع وإبتكار, هي حاجة إلى ديمقراطية حقيقية وإلى نظريات بناء دولة ومجتمع وسلطة قادرة على توفير مستلزمات الوعي في عالم الحداثة.

ولعل الموافقة على طبيعة العلاقات الإيجابية التي كانت سائدة بين الإسلام والدولة قديما لا يتقاطع مع القول أن تلك العلاقات قد أنتجها نوع الظرف آنذاك مما يتطلب إعادة بناء علاقات جديدة من شأنها أن تضع أقدامنا على الخطوة الأولى على طريق الألف ميل بشرط أن يكون السير إلى الأمام سعيا وراء توفير حاجات النصر المستقبلي لا إلى الخلف بحثا عن أمجاد كان الظرف حينها قد سمح بإنتاجها.

لقد سمح لنا نظام الخلافة وفكر الدولة الإسلامية بإنتاج حضارة وفق قياسات ذلك الزمان.
ونتيجة لأوضاع أوروبا البائسة في حينها فقد كان بإمكان حضارة بذلك المستوى أن تكون هي الأفضل, فعبر المسلمون البحار والقفار بفضل الشجاعة والتضحية والبوصلة وعلم الفلك وجهل الآخرين.
لكن الإفتخار بأن المسلمين كانوا رواد حضارة وتنوير وهم من إكتشف الدورة الدموية الصغرى في وقت كانت فيه أوروبا تعيش عصور الظلام لا ينفي ولا يتقاطع مع حقيقية أن مستويات الحضارة الإسلامية كما كانت عليه لم يعد بإمكانها أن تحقق لنا في عالم اليوم واحدا بالألف مما حققته لنا آنذاك وذلك لأن العالم لم يعد إسلاميا, إنه ببساطة عالما أوروبيا علمانيا وعلينا أن ندخله من بواباته. وإن ذلك لا يفرض علينا أن نغير ديننا وأن نكون مسيحيين كما الأوروبيين لأن الأوروبيين أنفسهم لم يحققوا تقدمهم وحضارتهم لكونهم مسيحيين وإنما لأنهم علمانيون وكانوا حسموا معركتهم بدءا مع المؤسسة المسيحية السياسية..

وإن أمامنا طريقتان للتقدم.. الأولى أن يعاد إنتاج الظرف كما كان عليه سابقا فتعود أوروبا إلى عصور الظلام ومحاكم التفتيش لكي يكون بإمكاننا أن نغلبها بمستوى تقدمنا وحضارتنا آنذاك, وأن نفخر بأفضليتنا عليهم لأننا إكتشفنا الدورة الدموية الصغرى وقبلها العجلة والمكحلة والكتابة.
والثانية أن نظل فخورين بما حققناه سابقا من مستويات للتقدم لكن على شرط أن نفهم أن ذلك قد حدث في ظروف سمحت لنا به, وأن هذه الظروف لم تعد قائمة ولا يمكن لها أن تتكرر, وإن نختار بالتالي طريقنا الثاني..
وهو طريق يجعلنا نحب الحياة دون أن ننسى الآخرة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام السويسري *
- دولة الإسلامويين ومعاداة العلمانية
- الطائفية.. من صدام إلى بشار
- أن نتقاطع مع الدم السوري.. تلك هي المشكلة
- ثلاثة طرق طائفية للهجوم على الطائفية
- كيف تكره الأسد دون أن تحب حمد
- البصرة.. مدينة السياب والشاوي وأهلها الطيبين
- طائفيو المهجر
- ما الذي فشل مع فشل الاستجواب
- الخلل في الدستور أم في الرجال والنظام
- ديمقراطية بدون ديمقراطيين وعراق بدون عراقيين
- لماذا لا يقود المالكي المعارضة بدلا من مجلس الوزراء
- من هم الأشد خسارة في عراق الطوائف.. الشيعة أم السنة
- الطالباني ومخالفته الدستورية الأخيرة
- المالكي وسحب الثقة والورقة الكردية
- هل صرناالآن بحاجة إلى المنقذ
- عبدالله بن سبأ وقضية سحب الثقة من المالكي
- حكاية اللابديل.. فاقد الشيء هل يعطيه
- شيطنة الآخر.. من الاشتباك بالسلاح الأبيض إلى الاشتباك بأسلحة ...
- ليس حبا بعلاوي وإنما كرها بالمالكي


المزيد.....




- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - العلمانية.. أن تحب الحياة دون أن تنسى الآخرة