|
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
علي الحاج حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 10:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أي معارضة تكون الحارس الأمين لمصالح الشعب والرقيب غير الهياب على تصرفات السلطة وعبثها، وتعمل على تصويبها وتقويمها، وفي الوقت الذي بات فيه السعي من أجل إصلاح البالي في النظام وترميمه أشبه بالنفخ في قربة مقطوعة، وهو نفسه برهن للقاصي والداني أنه لن يتطور نظريا وعمليا وبالتالي يتحتم تفكيكه وحذفه لأنه منتهي الصلاحية ولا يقبل الإصلاح والترميم. والتطور الإيجابي عادة لا يتم من سيء إلى أسوأ، وليكون للمعارضة دور ريادي في هذه العملية يفترض أن تسير في مقدمة الشعب لا خلفه، تستحوذ على ثقة الجماهير الشعبية من خلال تبني مطالبها ورغباتها، تكسب ودها ومساندتها باعتبارها من يقع عليه فعل التغيير من جهة وهي أداة التغيير الحقيقي من جهة أخرى، أما معارضة المواسم والمراسم تستيقظ وتنام بحقن تخدير مسبقة الصنع وبمقاييس وفقا للحاجة، وتأتمر بفرمانات أباطرة وشيوخ وكهنة التعارض المتصالحين على مهادنة النظام ومتخاصمين على كل شيء آخر..، فلا أخالنها أكثر من صئبان تعتاش على جسم غريب. قد لا يكون ضرورة لتكرار القول أن هدف النظام هو الاستحواذ على مقدرات البلد ونهب خيراته، وما أسهل قيادة الشعب الفقير الجائع، يتقبل حقن التخدير دون كبير عناء، ويتم أشباع فقره بشعارات براقة مضمونها فارغ تدغدغ وتنمي حماسه وعواطفه، إذ يتعارض العلم والمعرفة والحرية مع بقاء الدكتاتورية. النظام الشمولي يدرك تماما أن الأمور تسير في غير صالحه فأظهر متصنعا رأفة ورحمة منقطعة النظير بحال المعارضة من عربية صرف ومزيج أو في أوساط القوميات السورية الأخرى وفجأة وظف جهوده لرتق مزقها، لتقف بصفه ضد الشعب وتنفخ معه في بوق التخدير ونجح في هذا أيما نجاح، فتتحمل "مخاتير" المعارضة قسطها من الوزر لشغلها مواقع ليست أهلا لها وأسهمت بتخلفنا، سواء أرادت أو لم ترد فالأمر سيان طالما النتيجة شاهد بيّن. إن زوال الفئة الحاكمة مرتبط بما تحذرنا وتخوفنا من حدوثه كل يوم. النظام الحاكم لا ينهانا عن شيء لأنه في صالحنا، فهو طيلة أربعين سنة لم يفعل شيئا سوى لصالح المتسلطين، السلطة تخوفنا وتحذرنا من تعاطي أي عمل من شأنه أن يطيح بآخر معاقل التوتاليتارية خشية ألا ينضب ضرع البقرة الحلوب، وسيقاومون الفطام ما وسعهم ذلك. يحاول النظام توظيف أطرافا مرهقة أكل الدهر عليها وشرب وشاخت كما ونوعا لتعزف على وتر الاستقواء بالأجنبي على الوطن ويهول للعولمة على أنها القيامة، ويتذرع بأن مشروع الشرق الأوسط الكبير واقع اليوم لا محالة لولا وجود هكذا نظام، ويتظلم من قانون محاسبة سوريا لإبعاد شبح قانون تحريرها من براثنه. لم يسطر النظام على السلطة ومقاليد الدولة فحسب، بل وعلى بوابة الانتساب للمعارضة أيضا، إذ هناك حرباوات تحاول جاهدة –وأفلحت- ارتداء الجلباب الإقصائي وهم فقط "مخاتير المعارضة" وأباطرتها يضعون قوانين اللعبة وفقا لرغبات النظام ويصدرون شهادات حسن السلوك "الوطنية" وتصادق منهم وفقط منهم كل صكوك الغفران. هذا الاحتواء الرسمي للمعارضة يشير بما لا يخضع للشك أن النظام يحتضر وتتبعثر على أعتابه شظايا ومزق معارضة "العذراوات الشريفة" ولن يتعاون معه أو يقف بصفه إلا من أراد لسوريا أن تحقق موضوعة البعث-سلطوية: "ليس مهما أن نخسر المعركة المهم ألا يسقط الحكم التقدمي" ومن ثم البعث الأبدي، القائد الأب الأبدي وتوريث التليد للوليد وجعلها مملكة لا قيمة للإنسان فيها والحبل على الجرار. وما اعتبار كل المعوقات أمام الوطن والمواطن على أنها نتيجة لتصريف مصطلح ساء نحته أم وفق الناحتون إلا تسجيلا آخر لعقم النظام وعدم جدواه وقدرته ومصداقيته أمام الناس. وصفة التخوين جاهزة تلصق بكل من يلح على ضرورة التغيير بأنه مستقو بالخارج، والبديل استجداءت التخويل للمصالحة.. مصالحة السلطة. إن كانت المعارضة السورية جادة في التغيير الديمقراطي وأن يستعيد المواطن السوري كرامته فلماذا لا تستعرض الواقع كما هو وفقا للمعطيات الراهنة وليس كما يتمنى البعثيون أن تكون؟. فهل سيتم التغيير بالبيانات والشعارات والابتهالات والصلوات أمام تماثيل وأضرحة القيادة الحية والميتة من رموز السلطة؟ ما زال العديد من المعارضين وخصوصا "العذارى" الشريفة منهم يراهنون على صلاحية النظام ويحثونه على مباشرة الإصلاحات، فهل يؤمن جانب البعث ونصدق وعودا قطعها ويقطعها منذ أربعة عقود ويبدلها ويحورها ويتملص من تنفيذها؟ هل سيلغي قانون الطوارئ الذي لا يخدم سوى بقاء البعث متسلطا؟ هل سيلغي البند الثامن من الدستور؟ هل سيبيح الحريات ويبيض السجون ويفتح باب الانتخابات الحرة والنزيهة ويلغي قوائم الجبهة؟ لابد وأن الجواب الشافي يقبع في جيب كل منا. أين تبخرت مشاريع المعارضة الحرباوية، وبدأت تتلكأ أو تميل صراحة لصف النظام، فهل كانت جادة أصلا بالإصلاح؟ وهل هي أفضل من النظام المتسلط نفسه؟ الحرس القديم بوجهه الجديد يمارس سياسة تخدير لم تعد تنطل على أحد. غايتها امتصاص نقمة الجماهير، ولا ينتظر أحد أن يغير النظام ما به ما لم نتفق جميعا على تغيير ما بأنفسنا. تحولت حرباوات المعارضة لأبواق تجميل وجه النظام القبيح وتمهد لقوننة الاستثناءات وجعل السنن والنواميس استثناءات. هل أدرك معارضونا الأكارم من "عذراوات" شريفة و"غانيات" براغماتية إن دورهم اليوم يختلف عنه في أي وقت سبق، والسلطة تبذل قصارى جهودها لترويض الجميع وتدجينهم، وتدس بينهم من يقوم بهذه المهمة، والحرباوات التي تتلون بألوان الطيف تتكشف وتنفضح لأن القعود بحضن النظام والتربع على عرش وحدة المعارضة السورية بآن واحد لا يمكن أن يكون تحصيل حاصل. لقد أصاب نظام دمشق الرعب من ضحالة حجته وتسليط الأضواء على بدائيته عالميا، وهو بأمس الحاجة لأنشطة وفعاليات "معارضجية" تملأ الدنيا وتشغل الناس كي تكون عونا له بسبب الظروف والضغوط الدولية التي لا يريد ولا يقوى ولن يثبت لمواجهتها بمفرده. جميع مؤتمرات المناغمة بشتى صنوفها لم تستطع ان تضيف شيئا على صعيد قيام السلطات بإلغاء الطوارئ أو إطلاق الحريات، وإنما كانت دوما تعبر عن رغبة في المصالحة ، ورغبة في الحوار مع النظام الذي يقابلها بالتجاهل أو السخرية، رغم أن جلّ هذه الملتقيات كانت أكثر راديكالية من الحكومة نفسها إزاء ضرورة التغيير والانفتاح على العالم الآخر وإشاعة الحريات والعلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي . وما قدمته المهرجانات والمسيرات هذه من التوسيع والامتداح ليس إلا محاولة اضفاء طابع الجدية على مثل هذه الفعاليات المعلبة المحنطة المصبرة يضعها الحاكم الدمشقي على الرف ويستلها كلما ضاقت به السبل. مازال الصراع على البقاء متصاعدا بين أطراف المعارضة أنفسهم، إذ طرف يريد التتويج على كرسي المعارضة وآخر يستجدي الاعتراف، وسواه يتملق منصبا هزيلا يضحي بالبقية حفاظا عليه. إن التخبط والعشوائية بلغت في بعض المواضع مبلغا لا يمكن التغاضي عنه، تجدها تستخدم في تكتيكاتها السياسية مهرجانات اثبات تواجدها آلام السوريين بحثاً عن دور لها في حاضر البلاد ومستقبلها، وبالتالي استثمار هذه الفعاليات وركوبها نحو مصافحة النظام. وبدوره نظام دمشق يحاول شق المعارضة من متوافقة ومتعارضة عبر وسائل عديدة، ولديه ستراتيجية بالتأكيد وإلا فلو كانت ستراتيجية المعارضة أفصح وأوضح فلماذا لم تتفوق؟ في النهاية يتبين للصم والبكم وفاقدي البصر والبصيرة أن: نظام أسرة الأسد وحاشيتهم عميل لمن يسانده ويمده بأسباب البقاء على السلطة، هدفه السلطة فحسب ليمارس القمع بهدف الإثراء.. جعل من سورية مزرعة خاصة ومن السوريين أقنانا... حكم طائفي دموي يسجن الأبرياء والمجرم الحقيقي طليق. مجوع للشعب وقاهر للحريات ومتاجر بالقضية الفلسطينية ودغدغ مشاعر الناس وعرقل حل القضية الفلسطينية أصلا. مارس كل الموبقات والتجارة السياسية لبقائه على كرسي الحكم ونهب ثروات سورية وكد سها في البنوك الغربية... الجيش السوري مترهل وصدقوني إن قلت أن هذا الجيش لايستطيع أن يدخل حرب مدتها نصف ساعة.... هل يصدق عاقل أو رشيد أن هذا هو صوت المعركة؟ استطاعوا في الخطب والمهرجانات تصوير الهزيمة نصرا وجعلوا من توارث الحكم قيادة حكيمة وطريقا للحرية والنصرالمزيف ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما وباعوا الجمل بما حمل منذ نشأتهم. حتى الصبية صاروا يدركون أن البعث زائل وسوريا باقية لكل السوريين. فهذا الذي زج بسوريانا الحبيبة في معارك حمقاء لاطاقة لنا بها وصراعات لا ناقة لنا فيها ولا بعير... تارة يحارب الأردن من حلب وحماة، وتارة يحرر الجولان من جنوب السودان وتارة يحرر فلسطين من البقاع، وينكل بالاستعمار والرجعية والصهيونية في القامشلي وعفرين، ويشغل السوريين بأمور ثانوية ودينه وديدنه أن يصرف نظرنا جميعا عن النهب والسلب تحت مسمى عهر به ودنسه أي: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. هل صوت نواح الثكالى واليتامى هو صوت المعركة؟ هل أنين المساجين على الكرسي الكهربائي والدولاب هو صوت المعركة؟ هل قعقعة السلاح وقتل المساجين العزل في تدمر هو صوت المعركة؟ هل بكاء يتامى تدمير حماة وحلب والقامشلي هو صوت المعركة؟ هل المعركة هي إرهاب المواطنين وإطلاق يد المقربين بأملاك الناس؟ هل امتلاك رامي مخلوف لسوريا هو المعركة؟ إذن المعركة مع من؟ طبعا صار بينا أنها معركة آل الأسد ضد الشعب السوري... يا لها من معركة وأم المعارك، بل وقادسية صدامية نذلة أيضا... هل يعتبر بشار من درس رفيقه صدام؟ بعيدا عن حذلقة السياسة والساسة، وبالمختصر المفيد.. سوريا تتلوى جوعا وفقرا وطوى.. وآل أسد وحاشيتهم يموتون من التخمة.. وكما يقول المثل الشعبي: صحيح اللي استحوا ماتو... فإن لم تستح من نفسك وزينت الموت على أنه حياة؛ فحري بك أن تخجل من الشعب الذي لا يمكن استغباءه طويلا واعتباره كائنا غير مفكر.. وإن لم تستح من هذا وذاك، فلا أخالنك مستح من الله وشرائعه.. وتمتص دماء الشعب باسمه.. أيها السوريون... هذا النظام أكثر من فاسد هذا النظام غير قابل للإصلاح والترميم والترقيع هذا النظام ينتظر جهودنا مجتمعة لإستبداله بخير منه.. تعالو نغيره...! وتظل مقولتي في هذا النظام سارية المفعول، أي: في كل بقاع الأرض تسن القوانين لحماية مصالح الشعب، إلا في سوريا الأسد تسن القوانين لحماية السلطة من الشعب. _____________________________ * مغترب سوري – بلغاريا - صوفيا
#علي_الحاج_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السجن السوري الكبير للجميع
المزيد.....
-
الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي
...
-
إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
-
طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
-
صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
-
هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
-
وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما
...
-
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر
...
-
صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق
...
-
يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|