|
اليسار المغربي والانتقال إلى الهاوية
مصطفى بن صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 09:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
وهو الشعار الصحيح الذي كان على الجمع المنظم لإحدى الندوات بمدينة طنجة اتخاذه عوض صيغة "اليسار المغربي والانتقال الديمقراطي" ندوة أشرفت على تنظيمها مجموعة من الهيئات أغلبها لا علاقة لها باليسار، استدعيت لحضورها مجموعة من الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية.. غالبيتها كذلك لا علاقة لها باليسار ومنها من طلق اليسار بالثلاث معتبرا مواقفه وسلوكه وخطابه أي اليسار "أكل عليه الظهر وشرب". على أي، فما ذكرناه كمعطيات لن يشر علينها في شيء لاتخاذ موقف المقاطعة وعدم الإسهام بوجهة نظرنا في الموضوع، أو على الأقل توضيح موقعنا من هذا المشهد الذي قدّم نفسه باسم اليسار.. والحال أن اليسار موقف وموقع طبقي واضح، تشكـّل تاريخيا من خلال أول جمعية تأسيسية رأت النور بعد الثورة البرجوازية حين انتظم على يسار ممثلي البرجوازية من داخل قبة البرلمان الفرنسي، مجموعة من البرلمانيين ممن يمثلون الطبقات والفئات الشعبية، ضد البرجوازية وسياستها واقتصادها الرأسمالي ككل. كان اليسار اشتراكيا جمهوريا منذ التأسيس، قبل أن يُمسخ في بلدان عديدة وضمنها بلدنا المغرب، حيث لا يتوانى اشتراكيونا في الدفاع عن المَلكية والنظام خوفا على وضع عدم الاستقرار وعلى سمعة البلاد.. وقد اتخذوا لذلك مبررات الدفاع عن "الوحدة الترابية" و"الإجماع الوطني".. في فترات ما، تسهيلا لسياسة القهر والاضطهاد والقمع في حق الطبقات الشعبية وتنزيلا لشعارات "المسلسل الديمقراطي" و"السلم الاجتماعي"..الخ بالنسبة للندوة وما دار على منصتها وبالقاعة التي احتضنتها "مقر نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل"، يمكن اعتبار الحالة بمثابة رفع الراية البيضاء في وجه الحرب الطبقية التي تنتظر فيها القوى الطبقية الكادحة من يقودها لضفة النصر والخروج من دائرة القهر والاستغلال والمهانة والحرمان.. فلا يمكن أن تغيب عن أي متتبع للأوضاع السياسية وللنقاشات الفكرية المرافقة لها، الملاحظة التالية ألا وهي غياب محاضرين في المستوى المطلوب، أي مستوى الموضوع، ومستوى طبيعة المرحلة بما تقتضيه من مسؤولية سياسية، بمعنى غياب القيادات السياسية والفكرية لأحزاب اليسار داخل المنصة وخارجها، وإقحام عناصر لا تؤهلها إمكانياتها البسيطة والمتواضعة، لتشخيص حالة اليسار بما هي حالة أزمة وطرح المخارج من الأزمة وربطها بالمشروع المجتمعي البديل، إن كان لهذا اليسار حقا مشروعا يوجّه بوصلته.! ولكم ذهلنا بمستوى النقاش الذي هرٌب الموضوع "لحركة عشرين فبراير"، التي ما زال يتغنّى البعض بشعبيتها، وجماهيريتها التي تلاشت بعد انسحاب جماعة "العدل والإحسان" من صفوفها، وكم هو مخجل أن يقارن المرء بين صفوف الحركة قبل وبعد انسحاب الجماعة.. كم هو مخجل أن نبحث عن حل لأزمتنا من داخل "حركة 20 فبراير" علـّها تقدّم لنا بعض الإجابات لمعضلاتنا العضال والتي يعرفها الخاص والعام، والتي يعلم الجميع أنها سابقة عن ميلاد حركة العشرين. حركة العشرين التي دخلت للمتحف وأصبحت من المصنفات المقدسة في نظر البعض، وهو عنوان وإعلان عن الأزمة أو تفاقم الأزمة داخل حركة اليسار التقدمي، حيث كنا وما زلنا ننتظر حركة تصحيح ونقد وتقويم لاتجاه الحركة بعد انسحاب جماعة "العدل والإحسان" الظلامية.. إلاٌ أنه صدمنا لمّا لجأ البعض للتعويض بما هو أسوء، تفسّخت وتعهّرت لحد احتضانها لثلة من المخبرين والمخبرات ومروجي المخدرات.. بحثا عن الأنصار لملأ الفراغ وفقط! هذه النتانة التي لا تشرّف في شيء تضحيات العديد من المناضلين والمناضلات التقدميين الذين لا يمثلون أغلب الحساسيات اليسارية في المدينة، والذين غرسوا رؤوسهم في الرمال تشبثا بحركة غيّرت من جلدها بشكل شمولي، فالحركة ككل حركة لها ماضي وحاضر تتطلع منه لمستقبل أحسن وأرقى، حركة لا يمكن أن تصبغ باليسارية إلاّ إذا كانت يسارية فعلا، وليس لأن بداخلها بعض اليساريين حتى يحوّلون طبيعتها لليسارية أو التقدمية حتى.. ليس بالضرورة، فموازين القوى هي من تحكم، وقوة الخطاب اليساري وصدقية أطره، وظروف الصراع الطبقي، والحالة السياسية والاقتصادية العامة التي تعرفها مجمل بلدان المنطقة ومراكز القرار الإمبريالية..الخ كلها هذه عوامل مؤشرة يمكن أن تساهم في خلخلة أوضاع الحركات الاحتجاجية المطالبة بالتغيير وتوجيه وجهتها نحو اليسارية أو اليمينية..الخ على أي وكما أشرنا في بداية هذا التعليق المتواضع، انحصر النقاش في هذا المستوى وانتصبت الأصوات المدافعة عن المَلكية من داخل اليسار ومن داخل الحركة، ولم تعطى الفرصة لنقاش اليسار وموضوعات اليسار إلاّ من خلال المداخلات المقتضبة من داخل القاعة والمحصورة في ثلاثة دقائق حيث لا يمكن خلالها إلاّ الإدلاء ببعض الملاحظات البسيطة، وهو ما تم فعلا من خلال أنصار وجهة النظر الماركسية اللينينية التي أخذت حصة الأسد من المداخلات، عبٌرت من خلالها عن وجهة نظرها في اليسار الذي يجب عليه تحمل مسؤولياته تجاه الأوضاع الحالية بما هو يسار جمهوري اشتراكي مناهض للرأسمالية ومخططاتها، حيث يجب أن يتجلى ذلك ويتجسد في شعارات واضحة للكادحين المغاربة، بما ينتظرهم من غلاء وخوصصة وتقشف، ضمن برنامج نضالي تحضر فيه المسؤولية السياسية المنظمة في لجن وتنسيقيات وجبهات.. بعيدا عن الأوهام التي انبنت عن حركة العشرين التي يبدو وأنها استنفذت إمكانياتها، ولا يمكن إنعاشها بالطريقة السيئة التي ذكرناها. وفي سياق المداخلات، سجلنا الملاحظة التالية بصدد مداخلة ممثل الاشتراكي الموحد، وصدمنا ببهلوانيته السافرة والصارخة، بين الادعاء والدعوة للتغيير الجذري في بنية السلطة والدولة والاقتصاد..الخ وبين الإعلان بشكل متشنج، بعد انتقاد تصريحاته المتناقضة في أكثر من ندوة، بأنه ليس سوى إصلاحيا، ملكيا برلمانيا، لا يجد حرجا في اتخاذ اللعبة الانتخابية مسلكا له..! كذلك الشأن، بالنسبة لأحد قدماء منظمة "إلى الأمام" والذي لم يجد حرجا هو كذلك في التنكر لتاريخه، بإنكاره عن المنظمة، التي انتمى إليها قبل أن يعيش الاعتقال والسجن كشاهد على التعذيب والاغتيال في واضحة النهار في السجن وخارجه للعديد من رفاقه بمن فيهم أخت زوجته الشهيدة سعيدة.. صفتها الثورية التي أدرجت في برنامجها إلى جانب مكونات الحركة الماركسية حينها، نقطة العداء للنظام القائم والنضال من أجل إسقاطه لإقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية.. مدّعيّا أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو فقط من رفع هذا الشعار ولم يسبق لغيره وعبر جميع مراحل النضال أن اتخذه كشعار، بهذا الشكل المأساوي حضرت المحاباة لمتقاعدي "الاتحاد"، ضدا على الحقائق التي تفقئ الأعين، حقائق أربعين سنة من التنكيل والمطاردة والاعتقال والنفي والاغتيال.. في صفوف مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية بكل مكوناتها من الشباب والشيوخ، من الطلبة والتلاميذ، والعمال والمستخدمين.. نساءا ورجالا، أربعين سنة لم تخلو سجون ومخافر النظام الدموي القائم من هذه الطينة من المناضلين والمناضلات، الذين لن توقف مسيرتهم وعزيمتهم خطابات الإحباط والردّة والتراجع.. في شيء بهذه الملاحظات عن هذه الندوة التي لا تعبر إلاٌ عن الحالة المأساوية التي يعيشها اليسار بكل مكوناته، الإصلاحية والثورية، الصادقة والمنافقة، الميدانية والانتهازية..الخ ليس الهدف من هذا التقرير زرع الإحباط واليأس، فما زال في المدينة العمالية المناضلة، يساريون حقيقيون، قادرون على شق الطريق وربط العلاقات والانغراس في صفوف الجماهير المعنية بمشروع اليسار بما هو مشروع مجتمعي مناهض للرأسمالية ولكل أشكال الاستغلال والاستبداد والطبقية والعنصرية ودعوات اللامساوات..الخ ما زالت الطلائع متشبثة بحقها في الاحتجاج على هذه الأوضاع المختلة التي تعيشها الجماهير المحرومة من الشغل والسكن والتعليم والصحة.. مقهورة بالغلاء والقمع والسلب والنهب فإما نكون أو لا نكون.. وبطبيعة الحال لن نكون بالاختباء وسط الحركات الغامضة وعبر التملق للجماهير بالدعوات والتكبير وقراءة الفاتحة.. بل بالوضوح وإعلان الهوية والمطامح دون مواربة أو تردد.
#مصطفى_بن_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تزوير أم جهل بالمعطيات.!
-
وحدة النضال الطلابي مهمة غير قابلة للمزايدة
-
عن الحقوقيين بطنجة، مرة أخرى..
-
جمعيات -مناضلة- أم شاحنات لجمع النفايات؟
-
من -وحي الأحداث-.. نقد ذاتي محتشم..
-
عن معزوفة المؤامرة التي تتعرض لها الجمعية المغربية لحقوق الإ
...
-
بين تقبيل الكتف، وتقبيل اليد مسافة قصيرة، فقط..
-
في ذكرى الشهيد المعطي الذي اغتالته عصابة -العدل والإحسان-
-
من قلب الندوة الطلابية، وعلى هوامشها.. موضوعات للنقاش
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|