محمد حسن عبد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 09:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
.ليس الحديث النبوي - فحسب - الذي صار - عمليًّا - أقدس من القرآن نفسه، بل الحديث القدسي (المقدس أيضًا بالدلالة الشعبية لاسمه) تقدَّس خطابه أيضًا، بل يتمدد المقدس في خطب الآلاف من خطباء المساجد في أظهر الجُمَع، حيث تجدون العجب العجاب: قصص وروايات وخرافات ممتعة فنيًّا، أتشرف أن أدرسها بوصفها تراثًا وفولكلورًا جديرًا بالدراسة. لكن أن يتنزل منزلة النص المقدس. فهذا هو الخطر، وهذا مكمن الداء.
وأقول لكم: هذا هروب من مواجهة الأسئلة التي كان ينبغي على عقول المسلمين أن يواجهوها حيال النص الإلهي وعلاقته بالثقافة وبالتاريخ وباللغة، وعلاقته بالنصوص الإلهية الأخرى، والبحث والتمحيص في العلوم التي تأسست على النص القرآني في التراث: أسباب النزول ، المكي والمدني، المناسبة بين الآيات والسور، الناسخ والمنسوخ، ... إلخ. فضلا عن خطابات التراث الديني الأخرى: الفقه وأصوله - علم الكلام أو أصول الدين - الفلسفة - التصوف ... إلخ.
لقد هرب العقل الإسلامي من هذا كله ليركن إلى الاستسلام لتفسيرات قديمة جاهزة . وصار ما خارج القرآن مقدسًا من أجل أن تتسع دائرة المقدس، فدائرة التسليم بلا تساؤل، فدائرة الكبت الفكري، فدائرة قهر الاجتهاد، فدائرة التحريم، فدائرة الجور، فدائرة التكفير، فدائرة التخلف والتراجع الذي هو حقيقة وواقع نعيشه.
ليس تقديس ما هو خارج النص القرآني فحسب من خطابات أخرى ذكرتها، بل تقديس البشر ممن نسبت إليهم أو ارتبطت بهم، ثم توالى تناسل تقديس البشر، حتى جاء اليوم الذي نرى فيه شيوخ المساجد والفضائيات مقدسين منزهين معصومين لدى العامة، وإن برزت أخطاؤهم وتناقضاتهم، فإن جهاز الخطاب التبريري يعمل بلا توقف من أجل الدفاع عنهم. ولو بالكذب والتلفيق والتدليس. كلها مبادرات جائزة للدفاع عن السلفيين مثلاً، ليكونوا طريقنا إلى النور، فقد سجنوا، ونكل بهم، وحرضوا على الثورة، وحموها مع الإخوان.
لست ممن يهابون العنف المعنوي والرمزي - والمادي وهو أهون - الذي يمارسه الإسلاميون تهديدًا بالشطط وبالشطح وبالطعن وربما بالكفر. فلن أجبر على الصمت أو على قول ما يرفضه عقلي الذي خلقه الله لكي يكون حجة علي.
إنني حزين وأنا أرى وأسمع وأعيش هذا التخلف وهذا الكذب وهذا التلفيق بصورة يومية. حتى صارت لازمة، فعادة، فحقيقة لا تقبل الشك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
#محمد_حسن_عبد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟