أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد يوسف - في التفاصيـــل ؟















المزيد.....

في التفاصيـــل ؟


عماد يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1113 - 2005 / 2 / 18 - 12:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لطالما اعتقدت منذ زمن طويل بأن قضايا الحياة التي نعيشها تكمن في الكلّيات، لم أكن أدري قط بأن هناك أشياء صغيرة قد تفضي في لحظة ما، ساعة ما، أو حتى يوم ما إلى تدمير الإيمان بهذه الكلّيات، حتى أتت ساعة معينة عشت فيها بعض التجارب المرّة والتي انبثقت من تفاصيل صغيرة لم تكن إلاّ تجسيداَ لمبررات تعطينا المسوّغ لننفي عن أنفسنا، أو حتى عن الآخر تمكنه من القبض على هذه الكليات، أتت هذه القناعة التي لا أدري إن كان هناك أحد ما يشاطرني ما أطرح من بعض الخلافات الشخصية مع الآخر، والآخر هنا يعني كل من هو ذات مستقلّة عن كياننا الذي نعتبره بالغالب هو الحقيقة المطلقة الوحيدة في الحياة، بمعنى بأننا يمكن أن نخسر في لحظة ما أي شخص آخر، عشيق أو حبيب، ابن، أخ، أب ، عم، أم، جار، صديق، أو زميل عمل أو أي كائن آخر قد يكون على مسافة منّا قريبة أو بعيدة تحكمها قرابات من نوع ما، دم، عرق، صداقة، حبّ، أو أي علاقة أخرى تساهم في تكوين مشاركة روحانية وجدانية، تحتل مساحة وحيزاَ من آليات تفكيرنا وحياتنا اليومية والمديدة، الحقيقة الوحيدة التي تبقى تصارع حتى لحظة السقوط في الهاوية هي "الأنا" بمعنى هذه الأنا تتابع مسيرتها في صيرورة غريزة البقاء والاستمرار في الوجود ككائن يشعر بأنه مجبر على متابعة هذه المسيرة التي ما فتأت تزلزل كيانه بين الفينة والأخرى وتضعه في لحظات قد تمثل له نهاية الوجود في ساعة ما، بيد أن هذا الشعور سرعان ما يختفي ليحل مكانه صراع البقاء الذي تحركه غريزة قد تجانب بعضاَ من الفعل الارادي في بعض الأحيان ولكن هذا الفعل الارادي نفسه يكون بالغالب منبثقاَ من غريزة البقاء التي تتملكنا.. من هنا يمكن اعتبار الناس الذي يقضون انتحاراَ هم من أكثر الكائنات شجاعة في التاريخ البشري.. هؤلاء هم فقط من استطاع في لحظة ما؛ أن يغتال ما اسمه حقيقة الوجود ..!
ما أرمي إليه لم يصل بعد إلى جوهر الفكرة الأساسية القائمة على قضية التفاصيل في حياتنا، ما هي التفاصيل..؟؟! ولماذا نعيش التفاصيل..؟! لماذا لا نستطيع أن نعيش الأشياء بكليّاتها ؟!! ولنأخذ هنا مثالاَ عن بعض الكلّيات التي تشكل جزءاَ هاما من الحياة نفسها، بمعنى بأنه لا يوجد حياة أو مبررات لاستمرار هذه الحياة بدون هذه الكلّيات . الحبّ مثلاَ هو حالة كلّية في الحياة ، ولكن حتى نعيش هذا الحبّ يجب أن ندخل ونتمرغ في تفاصيله التي لا تنتهي، مع الحبيب، لقاءات، هدايا، قبل متبادلة، هيام، أشواق تزداد لهيباَ في كل لحظة، لغة مشتركة نستطيع التخاطب بها مع هذا الحبيب، أشياء واهتمامات مشتركة وحياة مشتركة وتصرفات مقبولة من الطرفين، هنا الحبيب ليس إلاّ ذاك الآخر الذي تجمعنا معه أشياء لم تجمعنا بغيره ..!
هل يمكن أن يتحول هذا الحبيب نفسه إلى آخر لايجمعنا به أي شيء بل وربما يصبح عدواَ مبين ؟؟ أتصور من وجهة نظري بأن هذا ممكن وممكن جداَ أيضاَ، والسبب في تحول هذا الآخر الذي كان حبيباَ يعني كل شيء فيما مضى إلى آخر هوأبعد شيء عن روحنا هو متاهة التفاصيل ..!!
زوجان محبّان؛ مغامران؛ تحدّوا العالم و ربما غير أحدهم دينه ليصبح مثل الآخر حتى يستطيعوا الزواج في مجتمع أهلي مثلاَ، وبعد الزواج تأتي الحقيقة المطلقة التي لا مفّر من مواجهتها، ألا وهي تفكيك هذه الكلّية التي تسمى حباَ بالمنى التجريدي هنا إلى تفاصيل حياتية يومية، مسئوليات منزلية، مأسسة علاقة بين اثنين ذكر وانثى ، بمعنى أن هذه المؤسسة يجب أن يكون لها رئيس، أولاد ، محاولة كل طرف أن يشغر موقعه بطريقة كاملة ، ثم بقية التفــــــا هـــــــــــا ت ...!
قد تكون طريقة تناول الآخر لطعامه هي مصدر تقزز للآخر، وقد تكون الطريقة في التعامل مع الضيوف في البيت، أو اسلوب وجود الشخص نفسه على سجيته، وراحته، و انفلاته من القشور التي تغلّف الخارج " العام" هي مصدر قرف لأحد الطرفين، مشاهدة التلفزيون بشكل دائم، عدم الاعتناء بالأولاد بالشكل المطلوب، بخل الزوج، الشخير في الليل، عدم ترتيب المطبخ بطريقة صحيحة ، أو غياب الزوج الكثير مع أصحابه عن البيت ، برود الزوج أو الزوجة الجنسي، شبق أحد الطرفين مثلاَّ، كل هذه وغيرها تفاصيل عملت على تفكيك كلّية المفهوم المجرد لكلمة الحب حين يتحول هذا المفهوم إلى مسار من مسارات حياتنا اليومية، وإذا ما تطرقنا إلى كلّية أخرى مثلاَ كالوطنية، ماهو مفهوم الوطنية ؟ كيف نكون وطنيين.؟ لماذا ننتمي إلى هذا الوطن أو ذاك ..؟ هذه كلَية أخرى في الحياة، وهي تبقى كلَية طالما لم تتحول إلى تفاصيل ، من هنا ربما يكون الحنين إلى الوطن والشعور بقدسيته هو أكبر عند المسنين والأطفال، لسبب بسيط هو أنهم يتجهون شيئاَ فشيئاَ إلى الابتعاد عن الحياة مع التفاصيل عند المسنين وعدم الدخول بها بعد عند الأطفال ، بمعنى أن هذا الانتماء الكلّي لمفهوم الوطنية بقي كلّياَ يشكَل مع كلّيات أخرى الخارطة الجغرافية والبيولوجية لمعنى الحياة، ومن هنا أيضاَ يأتي الدخول في تفاصيل هذه الكلَية للذين يتمرّغون في جزئياتها أضعف بانتمائهم من الأطفال و المسنين، فعندما أتعرض للأعتقال مثلاَ يذوب جزء مهم من انتمائي الكلَي لهذا الشعور الوطني، وعندما تعيش الناس الفقر والبطالة والقمع ، وتكون بلدانها متخلفة لا تملك مقومات الأوطان الحقيقية ، وعندما يكون المرء مظلوماَ في وطنه وليس هناك قانون يحميه أو سلطة ترعاه وتؤمن له حياة كريمة نجد بأن هذه الكلََية لللإنتماء لهذا الوطن قد ضاعت في تفاصيلها، فيهاجر الناس من أوطانهم، أو يذهبون بعيدا لتحصيل لقمة عيش كريمة . وهنا تماماَ تكون التفاصيل التي جزأت هذا المفهوم هي التي دمرته نفسها، ومن هنا يأتي اعادة تشكَل منطق المفاهيم الكلَية عند كبار السن إلى الوجود من جديد لأنه بكل بساطة قد ابتعد كثيراَ عن التفاصيل ..
لا ’يقصد هنا بحال من الأحوال بأن التفاصيل تدمّر الأشياء دوماَ، أو أنها النقيض لكلَية الأشياء ، المقصود هو أننا إذا لم نكن نعيش التفاصيل بشكل صحيح لانتفى معنا انتمائنا إلى احدى المفاهيم لكلَيات الحياة التي نعيشها، ولو جرّدنا مثلاَ الحياة من كلَياتها ؛ الأبوة، الأمومة، الوطنية، الحب، الايمان، الرحمة، الانتماء، الصداقة، العمل، كل هذه وغيرها على سبيل المثال ، فماذا يبقى من الحياة..؟؟! بكل بساطة سيتحول هذا المخلوق الذي يدعى إنسان إلى كائن سفيه تحكمه الغرائز والدوافع الحيوانية . وإذا ما أخذنا مثالاَ ثالثاَ على الكلَيات في معرض شرحنا وذلك لتحقيق نتيجة مثلى في جدلنا الذي يصبو إلى تبيان جدلية العلاقة بين ما هو كلَي في الحياة وما هو تفصيلي، أقدّم’ هنا مثالاَ في حياتنا اليومية وهو الأبّوة أو الأمومة، وقد تحولت هذه الغرائز بحكم التطور الحضاري الانساني من علاقة غرائزية، حيوانية إلى معاني ومفاهيم كلَية في التعاطي معها، المقصود هنا من التحويل إلى معاني ومفاهيم وكلَيات؛ هو تلك اللحظة التي حوّل فيها العقل البشري دوافع غريزية حيوانية ، إلى معاني عقلية مفكَرة، أي أخضعها لضوابط العقل، وممكنات التحكم العقلية، والمحاكمات المنطقية للأشياء، وذالك ما لا نشاهده عند الحيوان مثلاَ الذي ما زالت علاقته بالأشياء غير خاضعة لأي ضوابط عقلية أو منطقية و لذلك لا يحاسب الحيوان ابنه مثلاَ على تصرف أرعن، أو أخرق، أو هفوة ارتكبها أو غلطة قام بها. بمعنى آخر هذه العلاقة الغرائزية الحيوانية التي بقيت كلَية حيوانية لم تصل إلى مرحلة تتجزأ فيها إلى تفاصيل تحكم هذه العلاقة سلباَ أو ايجاباَ . بالنسبة للبشر دخلت هذه الكلَية في علاقتها الجدلية مع التفاصيل، فالأب قد يكره ابنه أو الأم ابنتها بسبب تصرفاتها الرعناء، وقد تصل علاقة الأب بالإبن والعكس بالعكس، والأم مع ابنتها والعكس بالعكس إلى حالة من العداء قد تصل إلى قطيعة أبدّية وكره أعمى جاء من تفاصيل عاشها الإثنان في أيام من حياتهم فكانت هذه التفاصيل السبب في اغتيال وقتل المفهوم الكلَي للأبوة والأمومة، من هنا نرى بأن ابتعاد أحد هؤلاء الأطراف عن الآخر، هجرة الأم مثلاَ، سفر الأب، زواج أحد الأولاد ، سفر الابن أو الإبنة لدراسة أو عمل يبتعد بهم عن الخوض في غمار تفاصيل هذه العلاقة وبالتالي يعود هذا المفهموم الأبوي الكلّي أو الأمومي إلى استعادة ماهيته الحقيقية ويتحول إلى علاقة وجدانية تشكل مفصلاَ من مفاصل حياتنا التي نعيشها..
السؤال الذي أطرحه على نفسي وعلى الآخرين هو هل نستطيع أن نحيا بدون تفاصيل، بدون تحويل هذه المفاهيم الكلَية المجردة إلى تفاصيل يومية ’معاشة ، هل يمكن أن نستمر بدون أن نعيش جزئيات هذه الكلَيات، لماذا يكره بعض المضطهدين أوطانهم ويدافع آخرون لم يعيشوا في هذا الوطن؟ لماذا يتمنى العاقر الأبوّة، ويلعن’ ربّ الأسرة الساعة التي تزوّج فيها، لماذا يتمنى المرء دائماَ أن يحب، وعندما يحب يلعن الساعة التي أحبَ فيها ؟ لماذا نعشق الحياة في لحظات السكون الروحانية والوجدانية، ونكرهها عندما ندخل في خضّم الحياة اليومية للأشياء، عندما نفشل، أو نفلس أو نطلّق، أو، أو ....؟؟؟!!!
في جانب آخر من الجدل المطروح قد نجانب الحقيقة إذا قلنا بأن تفاصيل الكلَيات قد تكون مثالية في أحيان كثيرة وخاصة مع الناس الذين يعيشون حياة تخلو من الهموم و المشاكل والأزمات النفسية والعائلية والاقتصادية، وهنا تكون تفاصيل الحياة مكملّة لهذه المفاهيم الكلَية، فالسعادة مفهوم كلَي مجرد، نقوم بتفكيكه إلى مدلولاته الأساسية ومقوماته الطبيعية.. فالفرح الدائم من مقومات السعادة، أن ننعم بالمال والبنون وجمال الحياة هو من مقومات السعادة، أن تكون علاقتنا مع الآخرين جيدة، نحب الآخرين ويحبنا الآخرون ، من مقومات السعادة، أن تتوفر لنا الحماية والكرامة الانسانية والحرية في أن نفعل ما نشاء هي من مقومات السعادة ، وهذه كلها تفاصيل المفهوم الكلَي للسعادة، ولكن ماذا لو انتفت كل هذه المقومات وانقلبت إلى ضدَها، أي لا حرية ولا كرامة ولا مال ولا بنون وعلاقة جميلة مع الآخرين ... هنا بالتأكيد سينتفي مفهوم السعادة ويبقى مفهوماَ كليَاَ مجرداَ لا يتجسد في حياتنا لأنه ببساطة ضاع في التفاصيل ....!



#عماد_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بعض قضايا المعارضة السورية
- المجتمع المدني ودلالاته الوطنية


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد يوسف - في التفاصيـــل ؟