|
البومديانية وتجربة التنمية الجزائرية المعاقة
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 3816 - 2012 / 8 / 11 - 20:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في 19 يونيو 1965 تحركت دبابات الجيش الجزائري على غير عادتها ، وفي وقت غير عادي ايضا ، نحو اهم البنايات الوزارية في الجزائر العاصمة ، بينما تتوجه مجموعة من الضباط والجنود الى بيت رئيس الجمهورية الجزائرية العدو رقم واحد للمغرب والذي يقف وراء حرب الرمال بين المغرب والجزائر في سنة 1963 ، والتي قامت مؤخرا بعض الفلول المحلية التي تحن للماضي البئيس ، بتكريمه على ارض يكرهها التي هي ارض المغرب المتسامح . ومن خلال البيانات الاولى التي اذاعتها اذاعة الجزائر ذلك اليوم المشهود ، يعرف العالم اجمع ان الدبابات تحركت لتطويق واحتلال ومراقبة المقرات الاستراتيجية التابعة لجهاز الدولة ، وان الضباط والجنود الذين تحركوا وتوجهوا الى بيت الرئيس احمد بن بلا ،قد ذهبوا لاعتقاله . هكذا اذن وفي رمشة عين تمت الاطاحة بأول رئيس للجمهورية في دولة الجزائر المستقلة . ان 19 يوليو ليس ولم يكن يوما من الايام العادية في التاريخ الجزائري ، بل يعتبر بالعكس اللبنة التي ستبنى عليها الدولة الجزائرية كما نشاهدها اليوم في ظل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سواء بخصوص السياسة الجزائرية في موضوع القطاعات الاستراتيجية الوطنية ، او في موضوع طبيعة النظام السياسي الجاثم على الحكم ، او من خلال تحديد وبناء العلاقات السياسية والدبلوماسية سواء بالنسبة لدول المحيط واخص بالذكر منهم المغرب بخصوص قضية الصحراء المغربية او بخصوص مسالة فتح الحدود التي يستعملها النظام الجزائري في الابتزاز ، او في ما يخص علاقة الجزائر الآرومتوسطية او العلاقات الدولية التي لا تزال تميل وتحت لتلك السنون الخوالي مع الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الاتحادية اليوم . اما العسكريون الذين قادوا تلك الحركة فقد كان على رأسهم رجل ترك بصماته محفورة على بنيان الدولة الجزائرية الحديثة التي شغل فيها الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفلقية وظيفة الدبلوماسية الجزائرية لمدة وصلت الى خمسة عشر سنة خلت . انه الرئيس المقتول : هواري بومدين . اذن ما هي الشروط التاريخية لظهور البومدينية : ان الاستعمار الكلونيالي للجزائر يختلف عن نظيره في بلدان الشمال الافريقي الاخرى . في المغرب مثلا كانت استراتيجية الاحتلال الفرنسي تقوم على سياسة مرنة تجاه الملاكين العقاريين والبرجوازية المغربية . فبالنسبة للملاك العقاريين عمدت ادارة الاحتلال الى الحفاظ على مصالحهم ونفوذهم ، بل اكثر من ذلك فقد عمدت الى تطوير ها وتقويتها ، حيث ساهمت مساهمة فعالة في خلق طبقة الملاكين العقاريين المتجانسة المصالح . ان التحالف بين قوى الاحتلال والملاكين العقاريين كان في المنظور الكلونيالي ، اللعبة السياسية الاكثر نجاعة لتسهيل وترسيخ الاستعمار ، كما انها كانت من ناحية اخرى ، الاقل كلفة للسيطرة على البادية المغربية . وبالنسبة للبرجوازية المغربية ، فقد عمدت ادارة الحماية كذلك الى احتواء ودمج الشرائح العليا من البرجوازية في الرأسمال الاجنبي ، ومن ثم منحها نوعا من شروط النمو والتطور لمصالحها الطبقية . في الجزائر الامر كان مختلفا تماما . ان الاستعمار الكلونيالي للجزائر ام يكن استعمارا تقليديا ، وإنما استيطانيا عميق الجذور لم تسلم من براثن استغلاله واضطهاده الطبقات المحتلة السائدة نفسها . ان حركة المعمرين الفرنسيين الكثيفة التي اجتاحت التراب الجزائري ، ادت في تهافتها على امتلاك الثروات الوطنية ، الى تدمير الملاك العقاريين والبرجوازية الجزائرية ، وتهميش ما تبقى منها . ان هذا الاختلاف في الطبيعة للاستعمار الفرنسي لكل من المغرب والجزائر ، وما ترتب عنه من تحولات اجتماعية مختلفة ، سيكون له بالغ الاثر في بروز اختلافات اخرى سواء تعلق الامر بطبيعة حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار في المغرب والجزائر ، او طبيعة الدولتين اللتين سيتم تشيدهما بعد دحر الاحتلال الاجنبي . في المغرب ، ادى ذلك الى تأهيل البرجوازية الوطنية المتحالفة مع فئة الملاك العقاريين التي لعبت دورا وطنيا معاديا للاستعمار الى قيادة حركة التحرر الوطني ، بحيث ان البرجوازية الصغيرة والجماهير الشعبية بوجه عام كانت خاضعة لتلك القيادة . ان هذا الواقع اذن لمسيرة حركة التحرر الوطني المغربية ، يشكل ركيزة موضوعية لطبيعة دولة ما بعد الاستعمار ، ويفسر في الوقت ذاته – موضوعيا – لماذا تم هدم القوى الراديكالية في السنوات الاولى للاستقلال ، ولماذا كانت الدولة المغربية الناشئة حينئذ قد قامت على تحالف البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين تحت حكم القصر . في الجزائر ، سارت الامور على منوال مخالف تماما . فبعد تدمير وإضعاف وتهميش البرجوازية الجزائرية والملاكين العقاريين ، ادت حركة التعمير الاستيطاني نفسها بالمقابل – موضوعيا – الى خلف فئات جديدة من البرجوازية الصغيرة العصرية المتعلمة من جهة ، والى تجدير مواقف الفئات الاخرى التقليدية المتضررة من الاحتلال من جهة اخرى . والحصيلة : وجود طبقة برجوازية صغيرة قوية شكلت – في غياب الطبقات الوطنية التقليدية – قلب الشارع النابض . ان كل الشروط الموضوعية والذاتية ، كانت تعمل اذن في اتجاه فرز نخبة من المناضلين في صفوف البرجوازية الصغيرة ، الذين تولوا مهمة تعبئة الشعب الجزائري ، وقيادة حركة تحرره الوطني ضد الاستعمار الكلونيالي الفرنسي . ولقد تشكلت معظم كوادر واطر " جبهة التحرير الوطني الجزائري " و " جيش التحرير " من تلك النخبة التي اهلتها ظروف الحال ان تتولّ قيادة التغيير الذي تجسد في نظام برجوازية الدولة المستبدة وغير العادلة ازاء مواطنيها كما ازاء جيرانها ، شعارها وعنوانها العنف من اجل العنف ، الذي استغرق طيلة الفترة التي تحكمت فيها الحرب الباردة في العلاقات الدولية . هكذا اذن يمكن القول ان حركة التحرر ضد الاستعمار الفرنسي ، كانت عبارة عن تحالف واسع يضم البرجوازية الصغيرة والفلاحين والعمال ، بينما كانت قيادة ذلك التحالف في يد البرجوازية الصغيرة . ان هذه الطبيعة في بنية التحالف الطبقي المناهض للاستعمار ، تفسر – موضوعيا – لماذا كانت مسيرة حركة التحرر الوطني تتميز بنوع من الراديكالية ، ولماذا كانت في المغرب تركز على المطالب وبتطبيق بنود اتفاقية الحماية . كما يفسر لماذا كانت المقاومة المدينية بعد تجدير سلوكها ، تختلف عن احزاب ( الحركة الوطنية ) ، ولماذا كان جيش التحرير المغربي ينسق مع القصر ويتفادى حزب الاستقلال التي تتحمل لجنته التنفيذية قبل انشقاق 1959 ، المسؤولية عن المجازر التي حصدت ابرياء المقاومة وجيش التحرير ، لفصلهم عن القصر ، ومن ثم اخضاعهما لمشيئتها وسلطتها . في سنة 1962 ، حين اضطر الاستعمار الفرنسي للاعتراف باستقلال الجزائر ، وحين اصبحت البلاد تحت السيادة الوطنية ، كان الوضع الذي نجم عن تلك الفترة مباشرة يتميز بما يلي : ان التوازنات السياسية بين مختلف الطبقات الوطنية التي استطاعت جبهة التحرير بناءها وترشيحها ابّان مرحلة النضال ضد الاستعمار ، قد استطاعت ان تستمر ايضا خلال السنوات الاولى من الاستقلال . ذلك ان تلك التوازنات السياسية قد خلقت لها انعكاسات وامتدادات على الصعيد السياسي والإداري . وكذا على الصعيد الاقتصادي تمثلت في التالي : بعد حركة الهجرة الواسعة والكثيفة للمعمرين الاجانب الذين عادوا الى بلادهم ( ما بين 1960 و 1962 وحدها غادر قرابة مليوني اجنبي التراب الجزائري ) ، اصبحت فجأة معظم الدواليب في جهاز الدولة وجزء هام من ممتلكات المهاجرين الفرنسيين شاغرة ، مما ادى الى : 1 – اجتياح البرجوازية الصغيرة لدواليب جهاز الدولة ، لأنها كانت اكثر الطبقات تأهيلا لذلك 2 – احتلال العمال والعمال الزراعيين بشك ل خاص ، للمعامل ولضيِعات المعمرين ، وإقامة نظام التسيير الذاتي 3 – استحواذ بعض الجنود الفلاحين الاصل والمنشئ والعائدين من جبهات القتال على اجزاء مهمة من الاراضي الفلاحية 4 – استحواذ بعض الملاك العقاريين كذلك على بعض الاراضي الفلاحية الرفيعة الجودة ، وكانت مخصصة لزراعة الكروم 5 –سيطرة بعض البرجوازيين على معامل فرنسية ان الميزة الاساسية لتكل التوازنات ، كانت تكمن في تعيش طبقي بين مصالح متنافرة ، وتطلعات طبقية متناقضة ، يمثل من حيث الجوهر قطبها الرئيسي التسيير الذاتي العمال المزارعين ذي النزوع الاشتراكي ، بينما يمثل القطب المقابل تطلعات الرأسمال الجزائري الخاص ان هذه القاعدة الاجتماعية غير المنسجمة ، قد عكسها سياسيا وعبر عنها الى حد كبير نظام احمد بن بلة . ذلك ان عجز هذا النظام على بلورة وتطبيق سياسة منسجمة واضحة وثابتة ، وسقوطه في سياسة بهلوانية مثل متقلبة من الطرف الاقصى الى الطرف الاقصى ( فهو تارة يقف الى جانب الملاكين العقاريين والرأسمال الخاص وأخرى ضدهم ، وهو تارة لصالح التسيير الذاتي وأخرى ضده ، وهو تارة مع الاستقلال النقابي للعمال واخرى ضده ، وهو تارة ينحاز الى الاسلام الاسلاموي والأصالة المفترى عليها وتارة ينحاز الى الاشتراكية العلمية ...لخ ) . اقول ان ذاك التخبط السياسي الذي لازم نظام بن بلة ، انما كان يترجم في حقيقة الامر واقع التعايش المتنافر بين المصالح والتطلعات المتناقضة للتحالف الطبقي الذي خاض النضال ضد الاستعمار ، وهو نفسه التناقض الذي سقط فيه عبدالاله بنكيران الآن في المغرب ( مرة مع الجماهير بالتصريحات ومرة وهو الغالب ضدها ) . بيد ان ذاك التعايش لم يكن سوى تعايش في السطح ، لان الاساس الذي كان يحكم العلاقة بين اطراف التحالف المذكورة ، هو الصراع من اجل تقوية الذات وإضعاف الخصم . فهشاشة كل التوازنات الطبقية التي هي في عمقها توازنات انتقالية ، كانت تحتم اذن حسمها لصالح الطرف القوي والأقوى في الساحة . ان جملة شروط موضوعية وذاتية كانت تجعل البرجوازية الصغيرة ممثلة بجبهة التحرير الوطني الجزائرية ، الطرف الاقوى ضمن التحالف المذكور . لذلك كانت ترشح عملية الحسم تلك لحسابها ولصالحها . اما ابرز تلك الشروط الاساسية التي اسست لجزائر اليوم فهي التالية : 1 – ضعف البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين الناجم تاريخيا عن التهّميش والضربات القوية التي تلقاها من طرف النظام الكلونيالي الفرنسي 2 – ضعف التنظيم المستقل ايديولوجيا وسياسيا للعمال والفلاحين 3 – قوة البرجوازية الصغيرة المتمثلة في تحكمها في المواقع الحساسة في جهاز الدولة من جيش وشرطة ودرك وحزب 4 – ان الاستغلال والنهب اللذين مارسهما الاستعمار الفرنسي ، كانا عميقين جدا ، مما اورث دولة الاستقلال العديد من المشاكل العويصة التي يتجاوز حلها امكانات الطبقات التاريخية التقليدية ( البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين ) ، بحيث تصبح تلك المهمة من نصيب طبقة اخرى تتميز بنوع من الراديكالية مثل البرجوازية الصغيرة 5 – ان طبيعة حركة التحرر الوطني الجذرية التي قامت على تعبئة واسعة للجماهير الشعبية ، قد ادت الى خلق الى قوة جماهيرية ضاغطة ومؤثرة في تحديد طبيعة الدولة المستقلة التي يراد بنائها 6 – الاقتصاد العصري الذي خلفه الاستعمار الفرنسي كان يتميز بدرجة عالية من التمركز ان هذه الشروط مجتمعة اهّلت اذن البرجوازية الصغيرة لان تكون الطرف الاقوى الذي سيؤول اليه مصير الدولة الجزائرية عهد الاستقلال . وبالفعل لم تكن سنوات 1962 – 1965 في حقيقتها سوى سنوات استكمال الحكم البرجوازي الصغير لمختلف دواليب جهاز الدولة ، ولمواقع الجيش والحزب ، واكتساح مواقع جديدة في الاقتصاد الاستعماري الفرنسي ( تأميمات تلك السنوات ) ، وإفراغ التسيير الذاتي من مضمونه الثوري ( التمهيد لتحويله الى قطاع راسمالي تابع لقطاع الدولة ) .. لخ هكذا اذن يمكن القول ان الشهور الاخيرة – بوجه خاص – من حياة نظام بن بلة ، قد شهدت احتدادا في التناقض ما بين سيادة البرجوازية الصغيرة في مختلف مرافق الاقتصاد الوطني وعلى صعيد اجهزة الدولة ، وبالتالي نزوعها الى نظام سياسي متماسك يتجاوب كليا مع تطلعاتها الطبقية ، وبين نظام بن بلة الذي اراد الاستمرار في التوفيق بين مصالح مجموع اطراف التحالف التاريخي . ان هذا التناقض كان لابد ان يجد له حلا . ولقد وجده في حركة 19 يونيو التي اطاحت بنظام بن بلة ، وفتحت الطريق امام صعود البومديانية مع ابرز رموزها عبدالعزيز بوتفليقة ان البومدينية لم تكن مجرد انقلاب عسكري فوقي اراد فرض توجه سياسي معين على المجتمع الجزائري ، بل كانت حركة ذات بعد تاريخي شكلت لحظة موضوعية في تطور المجتمع الجزائري ما بعد الاستقلال الى الخلف بدل التقدم الى الامام ، وهو ما يمكن تفسيره بالعجز وعلى كافة المستويات الذي تعني منه اليوم الدولة الجزائرية رغم فائض البترول والدولار ، وهو ما يفسر كذلك السياسة العداء للجزائر ( الثورة ) ازاء المغرب المحافظ ، ومعاكسة في حقوقه التاريخية على اراضية الجنوبية . فالبومدينية التي لا تزال تتحكم في الجزائر اليوم تستمد قوتها المستبدة من كونها استجابت وعبرت عن تطلعات طبقة اجتماعية ناهضة داخل المجتمع ، هي البرجوازية الصغيرة . البومديانية اذن تمثل النظام السياسي الذي ارادت من خلاله البرجوازية الصغيرة المتحولة الى برجوازية دولة تطبيق رؤاها ومشاريعها السياسية والاقتصادية . اذن ما هو مفهوم التنمية في الايديولوجية البومديانية ؟ . تقوم استراتيجية التنمية الجزائرية على نموذج اقتصادي ذي دعامتين اساسيتين : الاولى تتحدد في اسبقية التصنيع على التنمية الزراعية . والثانية في اسبقية تطوير قطاع وسائل الانتاج على قطاع وسائل الاستهلاك . اما شروط الترجمة العملية لذلك النموذج على ارض الواقع ، فهي نفسها تستند الى ثلاث ركائز رئيسية : 1 – جعل قطاع الدولة قطاعا حاسما في الاقتصاد الوطني 2 – تامين الثروات الوطنية 3 –التخطيط الممركز ان كل التخطيطات الاقتصادية التي نهجها النظام الجزائري ابتداء من التخطيط الثلاثي 1967 – 1969 كانت تطمح الى تحقيق استراتيجية التنمية تلك . لكن إن التقدم في انجاز البرنامج التنموي المسطر ، لم يكن ابدا بالأمر الهين او السهل ، إذ وجد مقاومة عنيفة من طرف مصالح الرأسمال الكلونيالي ، ومصالح الشركات الاحتكارية الفرنسية . لكن حزم وصرامة النظام الجزائري تجاه المصالح الاجنبية ، واستعداده لخوض كل المعارك السياسية ضدها ، ومهما كانت حدّة الضغوط الاقتصادية والسياسية الممارسة عليه ، جعلته في النهاية ينتصر على خصومه ، ويتمكن من تأميم كل الثروات الوطنية . وبذلك يكون قد بنى القاعدة المادية التي اقام عليها سياسة التصنيع . هكذا لم تمر سوى سنوات معدودة حتى استطاع النظام الجزائري بناء صناعة ثقيلة هامة تتمحور حول صناعة المحروقات والبتروكيماويات والميكانيك وصناعة الفولاذ والسؤال الآن : اذا كان النظام الجزائري قد استطاع فعلا تطبيق نموذجه الصناعي في مرحلته البدائية ، فهل استطاع ذاك النموذج ، بالمقابل حل مسالة التنمية المتأخرة والى الآن ؟ وهو ما يعني تناقض النموذج الجزائري مع ذاته ومع محيطه . ان اول تناقض جوهري سيفجر نموذج التنمية الجزائري ليبرز على صعيد المسالة الزراعية . ففي الوقت الذي كان فيه النظام الجزائري يسجل اهم انجازاته الصناعية ، كانت الزراعة تمر باعمق ازمة لم تشهد مثلها من قبل ، اي حتى في الحقبة الكلونيالية نفسها . لقد تمثلت ازمة الزراعة في المظاهر الرئيسية التالية : ا – انخفاض المردود الزراعي بالنسبة لأغلب المنتجات الزراعية وخاصة بعد عملية اقتلاع الكروم والجفاف والتصحر ب -- تزايد حجم هجرة الفلاحين الى المدن الكبرى مما اثر على المجال الجغرافي وخلق دور الصفيح ج – تصاعد نزوح الفلاحين الشباب الى اوربة خاصة فرنسا د – اضطرار النظام للرفع من حجم استيراد الحبوب والمواد الزراعية وعلف الماشية نتيجة ضعف الانتاج ه – ضعف القوة الشرائية لدى الجماهير الناجم عن الغلاء المتزايد للأسعار خاصة الموارد الزراعية الغذائية و – اعتماد الجزائر في سد حاجياتها من الغداء على الاستيراد من اوربة خاصة فرنسا ان ازمة الزراعة ليست مشكلا في حد ذاتها ، بالنسبة للنموذج الذي اولاها منذ البداية موقعا هامشيا بالمقارنة مع الصناعة التي خصص لها الجزء الاعظم من الاستثمارات ، ولكنها امست مشكلا فعليا حينما اصبحت تهدد استمرارية النموذج نفسه الذي هو حجر الزاوية في بنيان مشروع برجوازية الدولة كله . ذلك ان ازمة الزراعة تعرقل المشروع التصنيعي الجزائري من ناحيتين اساسيتين : الاولى – فيما ان مصدر التمويل الاساسي الذي تعتمد عليه الاستثمارات الصناعية الجزائرية يقوم على عائدات الغاز والنفط ، وبالتالي فان انخفاض الانتاج الزراعي الناجم عن ازمة الزراعة ، يفرض على النظام الجزائري اللجوء الى استيراد كميات متزايدة باستمرار من المواد الفلاحية والزراعية بأسعار مرتفعة جدا ، الامر الذي يقود الى تحويل نسبة ضخمة من عائدات النفط والغاز المخصصة اصلا لتمويل الصناعة ، لتغطية العجز الغدائي الثانية – ان احدى الشروط الاساسية للتراكم الرأسمالي الصناعي ، تكمن في ضمان اقل كلفة ممكنة بالنسبة لقوة عمل الطبقة العاملة الصناعية . لكن اضطرار النظام لاستيراد مواد زراعية بأثمان باهظة يجعل الكلفة ترتفع مما يؤدي الى انخفاض في معدل الربح اذا كانت المسالة الزراعية تمثل التناقض الجوهري الاول الذي يفجر نموذج التنمية الجزائرية ، فان التناقض الجوهري الثاني الذي يقود الى نفس النتيجة ، يكمن في طبيعة ذاك النموذج نفسه . فإستراتيجية التصنيع كما حددها النموذج تقوم على التكنولوجية المتطورة جدا والمستوردة من الغرب ، الامر الذي يدفع في نهاية المطاف الى مأزق كبير يصعب الخروج منه ، وهذا للاعتبارين التاليين : الاول -- ان التصنيع القائم على التكنولوجية المتطورة لن يكون من شأنه سوى تشغيل نسبة ضئيلة من العمال ، الشيء الذي يؤدي حتما الى تفاقم البطالة خصوصا في شروط ازمة الزراعة التي ينجم عنها تصاعد الهجرة من البادية والريف الى المدن الثاني – ان اعتماد التصنيع على التكنولوجية المتطورة جدا ، يجعل الانتاجية تكون عالية جدا . وفي شروط وجود سوق محلية متقلصة يصبح التناقض الاساسي هو ما بين تضخم الانتاج وضعف الاستهلاك اذن كيف حاول النظام الجزائري ، نظام برجوازية الدولة التكيف مع هذا الجديد المرهق ، وكيف حاول حل هذين التناقضين اللذين يهددان نموذجه التنموي المعتمد على التصنيع الثقيل ؟ في هذا المضمار حاول النظام الجزائري اللعب على صعيدين . داخلي وخارجي : 1 -- الصعيد الداخلي : محاولة النظام اليائس القيام ب ( الثورة الزراعية ) : في 7 نونبر 1971 ، الجميع يتذكر قيام الهواري بومدين بالتوقيع على قانون يقضي ب ( الثورة الزراعية ) . ففي تصور هذا القانون تقوم ( الثورة الزراعية ) على إجراءين اساسيين : الاول : تأميم اراضي الملاكين المتغيّبين ، وتحديد الملكية العقارية اما الثاني : فهو توزيع جميع الاراضي التي يتم جمعها من اراضي الجماعات والأراضي المأخوذة عن فائض الملكية المحددة ، على الفلاحين الفقراء والصغار بالمجان لقد كان النظام الجزائري يتوخى من تلك ( الثورة ) تحقيق هدفين رئيسيين هما : 1 – تحويل الملاكين العقاريين الى راسم اليين زراعيين 2 – خلق رأسمالية زراعية صغيرة في اوساط الفلاحين اما الهدف الرئيسي من كل ذلك فهو تطوير الانتاجية في الميدان الزراعي التي ستقود بدورها الى تحقيق الاهداف التالية : ا – عبر توزيع الاراضي على الفلاحين ، سيتمكن النظام من تخفيض الهجرة القروية نحو المدن ، وبالتالي التخفيف من حدّة ضغط البطالة ب – من خلال تطوير الانتاج الزراعي ، سيتمكن النظام من تخفيض حجم استيراد المواد الزراعية ، وبالتالي الزيادة في حجم استيراد وسائل الانتاج الصناعية ج – من خلال تطوير الانتاج الزراعي كذلك ، سيتمكن النظام من تخفيض اسعار المواد الزراعية المخصصة لتغدية الطبقة العاملة الصناعية ، وبالتالي تخفيض كلفة قوة عمل تلك الطبقة د – ثم ان وجود زراعة متطورة يشكل سوقا بالنسبة للصناعة الجزائرية ( آلات الزراعة ، الاسمدة ، مبيدات الحشرات ..لخ ) لكن الحصيلة العملية ( للثورة الزراعية ) كانت ضعيفة بالمقارنة مع ما كان ينتظره منه النظام للتخفيف عن فشله في جميع المشاريع ( صناعية وزراعية ) وعن ازمته المستفحلة والمستعصية عن الحل . ان السبب في هذا يرجع الى لمجموعة من العوامل نحددها كما يلي : 1 – الطابع الاداري البيروقراطي لتلك ( الثورة ) الذي عجز عن استنهاض حماس الفلاحين ، وتعبئتهم من اجل انجاح المشروع ( ولعل اسطع تعبير عن لا مبالاة الفلاحين ، هو موقفهم من " القرى النموذجية " ، ذلك انه رغم كل الامتيازات الاجتماعية التي كانت توفرها تلك القرى من سكن عصري وكهرباء ومستوصفات ومدارس وملاعب رياضية ..لخ فان الفلاحين كانوا يفضلون الهجرة الى المدن ) 2 – مقاومة الملاكين العقاريين ل ( الثورة الزراعية ) ( لنلاحظ مثلا انه في الوقت الذي كانت تجري فيه تلك ( الثورة ) كان قايد احمد الملاك العقاري الكبير الذي يملك حوالي ثلاث آلاف هكتار ، يتقلد رئيس الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني الجزائرية ) ان تطوير انتاجية الزراعة يتطلب تخصيص اعتمادات مالية هامة من طرف الدولة للاستثمارات ، والحال ان كل هموم الدولة المالية كانت منصبة على الصناعة 2 -- الصعيد الخارجي : ممارسة النزعة التوسعية كضرورة اقتصادية موضوعية لرأسمالية الدولة الجزائرية في افريقيا : ان الخط الطبقي الحازم الحريص على تأميم الثروات الجزائرية وتوظيفها لمصلحة البرجوازية الصغيرة التي اضحت تتحكم في كل شيء ، وهو الخط الذي نهجته برجوازية الدولة ابان مرحلة صعودها جعل هذه الاخيرة تصطدم بمقاومة لا تقل حدة من قبل راس المال الكلونيالي القديم ، ومصالح الاحتكارات الاجنبية الامبريالية التي ازعجها فقدان ما راكمته من ثروات منذ ازيد من قرنين من الزمن . فالتعارض العميق بين المصلحتين الوطنية الجزائرية والحكومة الفرنسية الاستعمارية ، وما تمثله من احتكارات ، يكون صراعا مريرا ادى في العديد من المناسبات الى تدهور العلاقات بين البلدين . ففي سنة 1971 وبعد ان تم التأميم الكامل للغاز الجزائري ، تكون البرجوازية الصغيرة الجزائرية قد صفت حساباتها نهائيا مع آخر اكبر رمز من رموز السيطرة الاستعمارية الفرنسية . ان هذه الانتصارات الباهرة المتوالية التي كانت تحققها برجوازية الدولة ضد المصالح الاجنبية خلال مرحلة صعودها وتشكلها ، مكّنت تلك البرجوازية التواقة الى تحقيق مشاريعها الاقتصادية ، من الانكباب بخطى حثيثة على تصنيع البلاد . هكذا توصلت برجوازية الدولة الجزائرية ، في حقبة زمنية قصيرة نسبيا ، الى تشييد صناعة ثقيلة ضخمة تعتبر الاولى من نوعها على صعيد القارة الافريقية ، بل على صعيد بلدان العالم الثالث كله الحديث العهد بالاستقلال ان هذه الانتصارات ، سواء تلك التي حققتها برجوازية الدولة ضد المصالح الاستعمارية او على صعيد معركة التنمية الاقتصادية الداخلية ، والمدعمة بحملات كثيفة من الدعاية المتمتعة بدينامية فعالة ، قد عززت موقع النظام الجزائري داخل المحافل الدولية ، ونصبته زعيما لبلدان العامل الثالث ، ونموذجا لتحررها الاقتصادي طيلة سبعينات القرن الماضي وحتى النصف الاول من ثمانيناته لكن ما يلاحظ في حينه ان برجوازية الدولة ما ان انتهت من عملية التراكم البدائي لرأسمالها الصناعي ، حتى وجدت نفسها امام سوق داخلية ضعيفة لا تستطيع استيعاب الانتاج المتولد عن تلك الصناعة القائمة على التكنولوجية المتطورة . فبطبيعة الحال ان الافق التنموي الضيق لبرجوازية الدولة ، المرتبط بفهم اقتصادوي للتصنيع قائم على اعتبار تطوير قوى الانتاج هو كل شيء ، وعلى نزعة تقديسية للتكنولوجية الغربية وكأن مجرد اقتناء آخر ما توصلت اليه الصناعة الغربية من تكنولوجية هو في حد ذاته كاف لردم هوة سحيقة من قرون التخلف المجتمعي . ان هذا الافق الضيق اذن هو الذي جعل الصناعة الجزائرية ترتطم بسوق داخلية محدودة بمجرد ما انتهت عملية التراكم البدائي ان السؤال الذي فرض نفسه على المسئولين الجزائريين حينئذ هو التالي : في شروط غياب سوق داخلية متطورة ، كيف يمكن الانتقال من مرحلة التراكم البدائي للرأسمال الوطني الى مرحلة التراكم الموسع ؟ الجواب واضح وسريع : ليس هناك من حل سوى اكتساح اسواق البلدان الافريقية الاقل تطورا من الناحية الصناعية . هكذا بدأ العالم فجأة يلاحظ حركة كثيفة تقوم بها الحكومة الجزائرية مع تلك البلدان ( الشقيقة ) . ان سياسة مد الجسور التي اصبحت وسائل الاعلام الدولية تتحدث عنها بشكل روتيني ، والتي تسميها وسائل الاعلام الجزائرية ب : روح توطيد علاقات التعاون الاخوية ، تتجلى فيما يلي : 1 – البعثات الاقتصادية المكثفة التي تقوم بها وفود جزائرية مختصة الى البلدان الافريقية من اجل عقد صفقات تجارية معها 2 – تطوير علاقات التعاون التجاري والمالي والتقني مع تلك البلدان 3 – تقوية شبكات الربط الجوي والبحري 4 – انشاء الطريق الصحراوي الشهير الذي يربط الجزائر ببلدان العمق الافريقي ...لخ هذه اذن كلها مؤشرات تصب في اتجاه تقوية النزعة التوسعية لرأسمالية الدولة الجزائرية الباحثة عن مجالات اقتصادية خارج نطاق مجالها الوطني الضيق . ان اصل النزاع الاستراتيجي الدائر الآن بين الجزائر والمغرب في موضوع الصحراء المغربية هو نفسه يدخل في هذا الاطار . ان المصالح التي تحرك الجزائر تجاه قضية الصحراء المغربية ، ليست مصالح عارضة ومحدودة ، حاجتها الى ممر بحري بالمحيط الاطلسي مثلا ،ولا حتى مصالح جيو- سياسية وإستراتيجية فقط ، بل ان ما يحركها ضد المغرب في حقوقه التاريخية ، يمس صلب بنية النظام الاقتصادي الجزائري البوّار، خاصة في هذه المرحلة من تطوره المعاق . وبعبارة اكثر وضوحا : ان اقتصاد الجزائر في هذه المرحلة يحتاج الى حل ازمة التراكم الموسع الذي عليه يتوقف مصير نموذج التنمية الجزائرية برمته . واذن فان خلق دولة صحراوية فتية بالجنوب المغربي تكون خاضعة لهيمنة الجزائر تمنح منفذا من المنافذ لتحقيق ذلك الحل . لهذا فان الموقف الجزائري من الصحراء لم يكن يمثل ابدا مجرد سياسة معزولة كان قد تورط فيها الهواري بومدين ومعه عبدالعزيز بوتفليقة والجيش والحزب ، بحيث انه بعد ان توارى عن الانظار اصبح من الممكن لخلفه تغييرها بسياسة اخرى ، بل هي سياسة واحدة ثابتة بالنسبة لجميع القادة الجزائريين ، وربما ان الرئيس الشادلي " المعتدل " سيكون – بالنظر الى المرحلة الدقيقة التي دخلها الصراع حول الصحراء – اكثر تطرفا من سلفه المعروف بالتشدد تجاه تلك القضية بيد ان الملاحظة العامة التي يجب التأكيد عليها هنا ، هي التالية : ان نزوع رأسمالية الدولة الجزائرية للاستحواذ على الاسواق الافريقية ، ليست متمه سهلة التحقيق ( يبقى حلم يراود اصحابه لتصريف ازمتهم الصناعية ) باعتبار ان تلك الاسواق تخضع بشكل او بآخر لسيطرة الشركات الاحتكارية العالمية خاصة الفرنسية منها . لهذا فما دام الاقتصاد الجزائري عاجزا عن منافسة تلك الشركات المتعددة الجنسيات بسبب ضعفه ، فالبتالي يبقى امامه خيار واحد : توطيد التحالف مع مع الرأسمال الاحتكاري العالمي . ان هذا التحالف بطبيعة الحال عملية مربحة بالنسبة للطرفين معا : 1 – ان الطرف الجزائري سيحظى بهامش واسع نسبيا يمكنه من خدمة مصالح الرأسمال الجزائري بوجه عام في شروط قسمة عمل دولية جديدة اكثر ملائمة 2 – والطرف الامبريالي سيتمكن من التستر وراء نظام لا يزال يدعي ، انه نظام تقدمي ، حريص على الالتزام بقضايا التحرر في القارة الافريقية وببلدان العالم الثالث ، وهذا ما سيدفع بنا الى مناقشة التوازنات السياسية الجديدة للنظام الجزائري في المرحلة الراهنة : ان شبح البومدينية المسيطر على الجزائر الى الآن ، بوصفها قد عبرت تاريخيا عن مرحلة التراكم البدائي للرأسمال الصناعي الجزائري الذي رافق صعود رأسمالية الدولة ، فقد اقامت – تمشيا مع متطلبات شروط تلك المرحلة – نظاما سياسيا يتميز بتمركز شديد للسلطة السياسية عبر الجيش والحزب . غير ان دينامية القوانين المرتبطة بذاك التطور نفسه ، قد افرزت عوامل تقضي بنفي شكل السلطة السياسية ذاك ، وتحتم تجاوزه نحو شكل اقل تمركزا من سابقه . ان هذه العوامل هي التالية : اولا : على صعيد الرأسمال الخاص الجزائري : من جهة ادى توسع القطاع الصناعي العمومي ، وما رافقه من تزايد في حجم العمال المرتبطين به ، وتوسع قطاع موظفي الدولة ، الى خلق سوق جديدة استغلها الرأسمال الخاص لإقامة صناعة تلبي الحاجات الاستهلاكية لتلك السوق . ومن جهة ثانية ، ان ظهور فئة جديدة من الاطر التكنوقراطية والبيروقراطية داخل برجوازية الدولة ، وما استتبعه من تزايد في حجم مداخلها ، الامر الذي خلق لديها ميولات استهلاكية ، تقارب العقليات الاستهلاكية لمثيلاتها في البلدان الاوربية ، قد تشكل حافزا بالنسبة للرأسمال الخاص لخلق صناعة تفي بتلك الحاجات الجديدة ، ومن ناحية ثالثة ، ان تطور الشركات الوطنية العملاقة مثلا " سون تراك " ، قد سمح للمقاولات الصغيرة والمتوسطة ، ان تعمل في الظل داخل المجال الصناعي الذي تركته تلك الشركات شاغرا ان هذه العوامل مكنت اذن الرأسمال الخاص بان يبرز في الساحة كقوة اقتصادية جديدة فارضة لنفسها ، كما مكن سياسيا حين اصبح مطروحا اخذ مطالبها بعين الاعتبار ( نلاحظ مثلا كيف ان الرأسمال الخاص اصبح اليوم يتجرأ على توجيه انتقادات لاذعة لسياسة الدولة الاقتصادية . وبالمقابل لقد تغير الخطاب السياسي للنظام الجزائري ، بحيث اصبح يؤكد على ضرورة تشجيع القطاع الخاص ليتحمل مسؤوليته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية . هذا دون اغفال تحول الدولة الجزائرية من نظام التأميمات الى نظام الخوصصة والسوق الحرة ) ثانيا : على صعيد الطبقة الحاكمة : لقد ادى تطور رأسمالية الدولة البرجوازية الصغيرة الى فرز فئة جديدة من التكنوقراط المتربعة على راس الشركات الوطنية الكبرى والمتحكمة في تسيير القطاع الصناعي العمومي . ان هذه الفئة الجديدة تحمل معها عقلية تكنولوجية مخالفة لإيديولوجية الفئة الاخرى داخل الطبقة الحاكمة المكونة من " النخبة السياسية " المتربعة على راس جهاز الدولة والجيش والحزب والنقابة . ان تطور الطبقة الحاكمة في اتجاه تعميق الانقسام بين فئة التكنوقراط ، وفئة النخبة السياسية ، وما يترتب عن ذلك من تنافس بينهما ، يفرض احداث تغيير في العلاقة بين اطراف الطبقة الحاكمة ان هذه العوامل ، مضافا اليها الضغط الجماهيري التواق الى الحريات الديمقراطية ، تستوجب صياغة سياسة جديدة تضمن نوعا من التوازن بين الاطراف المذكورة : الرأسمال الخاص ، فئة التكنوقراط ، النخبة السياسية ، الطبقات الشعبية . والصياغة السياسية الممكنة تكمن في اضطرار النظام للقيام بشيء من " دمقرطة " المجتمع المدني فهل هو افلاس المشروع الايديولوجي العام الذي وظفته البرجوازية الصغيرة منذ انطلاقتاها الاولى غداة الاستقلال السياسي ؟ الجواب هو ضياع اكثر من خمسين سنة من التجارب ، كان عنوانها ، تبذير الثروة الوطنية ، وإهدار الطاقات في حروب كانت بكل المقاييس عبثية . انها ازمة برامج واختيارات ابانت عن افلاسها الذي هو افلاس للطبقة التي قادت المشروع . والآن اصبح لزاما على الشعب الجزائري ان يتحرك لتصحيح الوضع داخليا ، وخارجيا بما يضع حدا لتهور القيادة الجزائرية المفلسة في عدائها المستميت ضد الحقوق المشروعة للمغرب في صحراءه .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقفون والصراع ( الطبقي )
-
(الايديولوجية العربية المعاصرة )
-
انقلابيو فتح وراء مقتل ياسر عرفات
-
انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 5/5)
-
انصاف الحلول : الارث الاتحادي الراديكالي ( 4/5 )
-
انصاف الحلول : المؤتمر الاستثنائي ( 3/5 )
-
انصاف الحلول 2/5
-
انصاف الحلول 1 / 5
-
يونيو شهر النكبات والنكسات المصرية
-
الانتظاريون ليسوا بمرجئة
-
ملف - المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها ،والعلاقات م
...
-
المثقف
-
العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 2 )
-
العراق بين مخاطر التقسيم والانقلاب العسكري واللّبننة ( 1 )
-
الشبيبة
-
ملف المراة : آفاق المراة والحركة النسوية بعد الثورات العربية
-
حقوق الانسان المفترى عليها في الخطاات الحكومية وغير الحكومية
-
اغلاق خمارة ( اسكار) بالدارالبيضاء
-
الرجعيون والتقدميون في الاسلام
-
القرامطة وافلاطون
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|