|
الإتحاد العام التونسي للشّغل ووهم دور التوازنات.
كريمة بوزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3816 - 2012 / 8 / 11 - 03:29
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
شٌنّت في الآونة الأخيرة حملة شرسة ضد الاتحاد العام التونسي للشغل بتعلّة انه وسّع من مهامه أو بالأحرى قد تجاوز دوره النّقابي و تدخّل في قضايا سياسية للبلاد. وكـأنّ الهم السياسي قد حُجز مسبقا لفئة اليكارشية متنفّذة لابد أن تكون منتمية إلى هذا الحزب أو ذاك، حتى صار العمل السياسي حكرا عليها وصار بذلك الاتحاد العام التونسي للشغل متطفلا على مجال اختصاصها.
1/ الإتحاد وموقعه من العملية السياسية
من يعود إلى تاريخ الإتحاد يلمس بما لا يدع للشك أن منظمة الشّغلية لم تهتم، فحسب، طوال تاريخها، بالشأن السياسي بل كثيرا ما كانت فاعلة ومؤثرة فيه أيضا. إذ كان الاتحاد منذ تأسيس دولة ما بعد الاستعمار شريكا فاعلا في بناء تونس الحديثة و في الخيارات السياسية والإجتماعية التي كانت تتبناها الدولة. ولقد فرض على النظام البورقيبي عديد القرارات والإجراءات الاجتماعية والسياسية التي لا تزال تؤثر في تطور الدولة والمجتمع التونسيين. ورغم محاولات إحتواء أو تفكيك الاتحاد العام التونسي للشغل مرارا عديدة من قبل نظام بورقيبة ثم بن علي فيما بعد، فقد احتفظ بأهمية دوره في العملية السياسية. ولئن كان تدخله مشوبا، طوال فترات من تاريخه، بتبعية جهازه البيروقراطي للنظام القائم وبمحاولة تدجين القواعد النقابية، فإنّ الاتجاهات الاستقلالية والمناضلة في صفوفه قد لعبت هي الأخرى أدوارا مهمة وطبعت عدّة آجال من الحياة السياسية للبلاد.
و قد تجلّى ذلك خاصة في فترة السبعينات والثمانينات عندما تشكل داخل الإتحاد تيارعمّالي من نقابيين هم بالأساس من اليسارالطلابي الذي التحق بساحات العمل وبنقابات الخدمات الاجتماعية وموظفي الدولة الذين التحموا أكثر فأكثر بقضايا سياسية لا تهم الشأن الوطني فحسب مثل الدعوة إلى الحريات الفردية والسياسية وضرورة فرض دولة القانون والمؤسسات، بل تتعداه الى قضايا التحرر العربي والعالمي مثل القضية الفلسطينية وغيرها. فتحوّل بذلك مركز الثقل في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل إلى نقابات وجامعات مثل التعليم والصحة والبريد. وهو ما أعطى محتوى سياسيا جديدا قطع مع الأفكار الدستورية الموالية للنظام ومع مفاهيم مثل "الوحدة الوطنية" و"السلم الاجتماعية" و"المسؤولية" ولعب دور "التوازن"... وبالمقابل، أدخل المسالة الطبقية كمسالة محورية في العمل النقابي موسعا إياه إلى مجال حريات ديمقراطية وقضايا قومية وأممية.
لقد ظلّت سياسة الاتحاد سياستين: واحدة رسمية معلنة مهادنة تتحرك تحت غطاء الشراكة والوحدة الوطنية وهو الدور الذي لعبته البيروقراطية النقابية أساسا. وأما الثانية فهي تقوم على سياسة معادية للنظام والدكتاتورية، متبنية قضايا شعبية حارقة، ومدافعة عنها وهو ما فرضته جزء من الهياكل الوسطى والقواعد النقابية التي تمسكت باستقلالية المنظمة وجعلت من شعار "الاتحاد مستقل ديمقراطي ومناضل" مركزا لها.
2/ الأحزاب اليسارية بين الأمس و اليوم من دور الفاعل إلى دور المعرقل
تبنّت الهياكل النقابية منذ الثمانينات خيارا مركزيا هو استقلالية الاتحاد عن الأحزاب بمعنى منع الجمع بين مسؤوليتين: قيادة حزبيّة مع قيادة نقابية.. لكن مع هذا القرار لم يفرض الاتحاد على مناضليه ضرورة فك ارتباطهم بتنظيماتهم الحزبيّة بل أكّد فقط على رفض الاتحاد أن يكون تحت وصاية أي حزب. إذ انتمى جل النقابيين إلى تيارات وأحزاب سياسية مختلفة، فشكلت المنظمة بذلك مجمّعا لهذه الأحزاب والايدلوجيات التي استفاد هو منها أيّما استفادة. إذ إستطاع المناضلون الشرفاء أن يدفعوا بالمنظمة إلى أن تنخرط أكثرفأكثر في نضالات الطبقة الشّغيلة وتُجذّر مطالبها ونضالاتها المنحازة لمطالب الجماهير الشعبية في كافة المجالات و كونت بذلك جبهة شعبية واسعة تضمّ إليها لا فقط عمال الفكر والساعد بل أيضا كافة الطبقات الاجتماعية معززة بذلك شرعيتها التاريخية والجماهيرية خلافا لبعض التكتّلات والمنظمات الأخرى.
إثر ثورة 14 جانفي لم يستطع النقابيون المتحزّبون أن يستو عبوا اللحظة التاريخية الراهنة الملقاة على كاهلهم وكاهل أحزابهم تجاه هذا الوطن وتجاه شعبهم. فاليوم أصبحت مسالة السلطة مطروحة وبشدة. فكان على مناضليه أن يدفعوا بالمنظمة على أن تنخرط سياسيا أكثر وبشكل واضح وجلي. لكن للأسف نراهم، وبدعوى الدفاع عن استقلالية الإتحاد وضرورة النأي بالمنظمة عن العمل السياسي والحزبي، يهمشون دور الاتحاد ويشتتون قوته عبرحصر دوره في ردود فعل جزئيّة وذات طابع دفاعي بحت. وفي ما عدى ذلك يكتفي بالدور الحيادي والوساطة بين السلطة والمعارضة، متخليا عن دوره القيادي لنضالات الشغالين من أجل الإطاحة بنظام الاستبداد والقمع وإرساء سلطة الشغالين والفئات الشعبية المحرومة. وهم بذلك يحجّمون دور الاتحاد و يبعدونه عن مسؤوليته في العملية السياسية متشبثين بدور التوزانات الزائفة والتي لا تخدم سوى عُرّاب الثورة المضادة من اليمين الديني و اليمين الليبرالي.
و للأسف ما يزال النقابيون اليساريون يمارسون النفاق و التّقية بتأكيدهم المزعوم على استقلالية المنظمة و إصرارهم علىعدم إقحام الاتحاد في اللّعبة السياسية خدمة لأحزابهم التي ينتمون إليها، رغم إدراكم أن تلك الأحزاب على قدر كبير من الوهن والضعف لتحمل مسؤولية "الحزب الثوري المنتظر" الذي سيقود الثورة لإستكمال مهامها. إن النقابيين المتحزبين الذين لهم حضور عريض داخل هياكل الاتحاد فضلا عن وجودهم داخل المكتب التنفيذي اليوم، وإن كانوا في زمن مضى مصدر قوة ودفع للإتحاد في اتجاه تجذير نضالا ته والإلتحام بقضايا شعبه، صاروا اليوم مصدر إعاقة وقوى شد إلى الوراء في اتجاه تدجين الإتحاد وسجنه في دور التوازنات المزعوم الذي يخدم في كل الأحوال الثورة المضادة.
3/ الدور المشترك للاحزاب والنقابة
إن الأحزاب والإتحاد العام التونسي للشغل لهما دور مشترك في العملية السياسية والاستحقاقات القادمة لإستكمال مهام الثورة ووضعها على الطريق الصحيح:
- على قيادي الأحزاب اليسارية و القومية والثورية أن يتخلصوا من نظرتهم الحزبية الضيّقة حتى لا يفوّتوا على أنفسهم وعلى شعبهم الفرصة ليكونوا الفاعلين الرئيسين في العملية السياسية.
- على الأحزاب أن تعطي سلطة أكبر لمنا ضليها النقابيين داخل الإتحاد الذين برهنوا أنهم الأكثر حضورا والأكثر شعبية ووزنا حتى من قيادييهم خلال الثورة و بعدها.
- على قيادات هذه الأحزاب أن تلعب دور قوة اقتراح بان تتصل بالقيادة المركزية للإتحاد الشغل و تقترح عليها أن تقوم بمبادرة و تكون هي الداعمة الرئيسة لها.
- على الأحزاب أن تكون قوة تصويت و توجيه لأنها قادرة على أن تقترح و تدفع عبر مناضليها و هياكلها الإدارية و قواعدها داخل الاتحاد لأجل نفس المشروع.
- على المناضلين النقابيين الدفع من داخل الاتحاد والضّغط على قياداتهم لفتح حوار داخل الاتحاد كي يتبنى مقترح أحزابهم حول تكوين جبهة حول الاتحاد العام التونسي للشغل.
- على المناضلين النقابيين أن يتقدموا بالمشروع في داخل الاتحاد ويدفعوا بهياكلهم والهيئة الإدارية الاتحاد العام التونسي للشغل لتصويت على المشروع المقترح حتى تكون المبادرة تنبع من صلب الاتحاد من أجل دفعه لتحمّل مسؤوليات سياسية في جهاز السلطة معبرا بذلك على مشروع وتطلعات طبقيّة ضد هيمنة الرجعية الدينية وسلطة رأس المال.
- على مناضلي الإتحاد والأحزاب أن يفتحوا حوارا وطنيا من أجل تشريك المجتمع المدني وجميع القوى والكتل خارج الاتحاد.
-إن تكوين جبهة عمّالية داخل الإتحاد العام التونسي للشغل لقادرة على تأطير المسار الثوري وهو الإطار الوحيد الممكن عمليا حيث تجتمع فيه كل أحزاب اليسار والقوى الثورية وهو وحده القادر على الوقوف في وجه الزحف اليميني بشقيه الديني واللبيرالي وهو القطب الوحيد الذي يمتلك الشرعية التاريخية والجماهيرية في الدفاع عن حقوق الشعب. إن المرحلة التاريخية الراهنة تتطلب دفع الاتحاد العام التونسي للشغل للإنخراط بحزم في قضايا الشعب الحالية لأنه القوة العمالية الوحيدة القادرة عمليا على رصّ صفوف الشغالين وعموم الطبقات الشعبية حول برنامج عمل يساهم مساهمة حاسمة في إنارة المسار الثوري بأهداف ملموسة وقابلة للتحقيق.
#كريمة_بوزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طارق رمضان و فقه الأقليّات: تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة؟
-
هل كانت تلك آخر الليالي؟
-
حلم ما
-
الاسلاميون و حقيقة الدولة الدينية: او في نفي - الدولة التيوق
...
-
نافذة على كتاب: الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر لكاتبه عبد
...
-
بنية الفضاء المقدس في الاسلام. الكعبة نموذجا.
المزيد.....
-
الأمانة العامة للجبهة العمالية الموحدة للدفاع عن الشعب الفلس
...
-
Resolution of the 4th World Working Youth Congress in solida
...
-
Resolution of the Working Youth Committee Commemorating the
...
-
قرار المؤتمر العالمي الرابع للشباب العامل للتضامن مع شعب فلس
...
-
قرار لجنة الشباب العامل للاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيس اتح
...
-
المذكرة الجوابية الأولية للاتحاد المغربي للشغل على رسالة وزي
...
-
موعد صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 بالعراق وحقيقة تط
...
-
في ندوة لقسم الحماية الاجتماعية :
-
جلسة مثمرة في مؤسسة “سبيبا”
-
شيكات: ماذا عن الأحكام الانتقالية الخاصة باصحابها محل التتبع
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|