|
ما كنت أحلم به...(9)
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 09:48
المحور:
سيرة ذاتية
(إذا لزمنا الصمت أثرنا الضجر وإن تكلمنا ضحكوا علينا، قال أدغار: كنا قد أطلنا الجلوس أمام الصور على الأرض ومن الأطالة في الجلوس أحسست بخدر في ساقيَّ. متى تسكن الكلمات أفواهنا ندوس على أشياء كثيرة بذات القدر الذي تدوس فيه أقدامنا العشب، صمتنا وقعُه ثقيل أيضا.)* ولكن خلال زيارتي للمكتبة العامة في أربيل وأثناءعودتي إلى مقر إقامتي، سيراَ على قدمي، ترائى لي بأن أسبابا أُخرى قد تكمن وراء مقاطعة صديقي المستشار في مجلس الوزراء لي، وقد أكون تجنيت بحقه عندما فسرت دوافع وأسباب مقاطعته لي دون تدقيق أكثر، لهذا كنت مضطرا أن أفتح الملف مرة أخري، وأضع معدن هذا الصديق، الذي لازمني في كل الظروف الصعبة والخطرة كأخ لأخيه، تحت المجهر وأُعيد دراسة أهم المحطات التي مر بها خلال عمر صداقتنا، حيث كلما يتقدم الأنسان في العمر تزداد مسؤولياته و تجاربه وبموازاتهما مخاوفه وحتى حكمته: تذكرت ليلة من أواخر أيام عام 1975 كيف أبى أن يتركني لوحدي، بعدما قررنا أن ننهي مبكرا سهرتنا في فندق هورمان، عندما شعرت بحركات مبهمة من عناصر الأمن بإشراف مساعد مدير أمن أربيل، وفي الطريق بدأت مفرزة سيارة (ستة أشخاص داخل سيارة لاندروفر وسط) تتحرك على الشارع بموازاتنا، ونحن نسيرعلى الرصيف وحراب أسلحتهم تلمع في الظلام، كما ولم ينأى بنفسه عني عندما هددني عزة الدورى بأقصى العقوبات لأنني قلت له، بحضور العديد من رؤساء الدوائر المحلية في أربيل وكان هو واحدا منهم، إن الجيش يتصرف على ضوء المثل القائل" إبعد بيدرك عن حصاني". كما وإنني لم أتخلى عنه، في إجتماع أخر، عندما أراد سعدي عياش عريم، وزير الحكم المحلي، أن يستهين بجهوده ويقلل من شأنه ويرفع صوته بوجهه، في حضور الكثيرين، عندما فاجئتُ الوزير، من دون إذن، بكلام لم يكن يتوقعه أبداً: إسمح لي سيد الوزير إنت ماتفتهم. حيث لم أجد عبارة أبلغ لوصف الوزير بها وجها لوجه، رغم فجاجتها، وهو معلم رسم يتكلم بعقلية فلاح عن حلول لمشاكل فنية تستوجب دراستها وتحليل عناصرها تطبيق معادلات هندسية معقدة، بحضور مهندسين خبراء في المشكلة التي كانت بحاجة إلى موافقة الوزير لتخصيص الأعتمادات المالية وليست الأستشارات الهندسية بعقلية بدائية لحلها. تدخلت، نيابة عنه، لأنني كنت أعرف مدى رقة قلبه وعمق عواطفه وقلة خبرته ليدخل مواجهة، دفاعا عن كرامته وعن كرامتي أيضا بمفهوم أوسع، مع وزيرلا يحترم من هم أدني منه مرتبة في بلد لا يستطيع الأنسان أن يتوقع ماذا يحمل له الزمن من مفاجأت ونكبات من دون أن يفعل شيئا. وتذكرت بأن هذا الأنسان الرقيق القلب والمشاعر لحد البراءة قد تعرض إلى السجن مرتين: المرة الأولى كانت في أوائل عام 1973، كما أتذكر، عندما وقع مع زميلين له من أربيل، من نفس ذبته، في كمين للأمن في بغداد وكانوا على بعد شبر أو شبرين من حبل المقصلة، من دون وجود تهمة معينة لينالوا هذا المصير، إلا أن فشل مؤامرة ناظم كزار وهروبه كانت ورقة نجاة لهم وأعاد لهم الأمل للأستمرار في الحياة، وفتحت أمامهم أبواب الزنزانات الأنفرادية، بدون أية محاكمات، والمرة الثانية كانت بعد 31أب 1996عندما أعادت الحزب الديمقراطي الكوردستاني سيطرته على أربيل حيث أُتهم بقتل مهندس من أنصار هذا الحزب أُغتيل عندما كانت مدينة أربيل تحت سيطرة الأتحاد الوطني الكوردستاني، ولا أعرف بالتحديد كيف عاملوه وكيف أطلقوا سراحه لأنني كنت خارج العراق في تلك الفترة، ولكنني أعرف بأنه أصبح في وضع مادي شديد الضيق جداً بعد إطلاق سراحه. تصور قيمة حياة الأنسان وكرامته في ظل نظام يتهم مهندسا ليست لديه الجرأة، أقولها عن دراية ويقين كامل، لقتل طير أو جرح شعورأى إنسان بشتيمة أو حتى بكلمة خشنة بالقتل لزميل له. هكذا بدأت أفكاري تتوجه إتجاه أخر، وبعد مراجعة الكثير من الكلام التي سمعتها، من أوساط مختلفة، خلال هذه السفرة همساً، بدأت أتخيل بأنني حاضرفي وسط مجتمع محكوم بالخوف، والهامش المعلن لحرية الرأي للتضليل فقط، وإذا كان الناس يخافون من التحدث بما كانوا يقتنعون به في العهد السابق، ولكنني لم أشعر أبداُ بأن أحدهم نأى بنفسه عني، لكي لا يتكلم معي، ولكنني وجدت، أخيرا، ما لم أكن أتخيله. لفهم ما يجري تحت السطح، وجدت نفسي أمام مهمة جديدة معقدة بعض الشئ، التوغل في فكر الشخص الذي يُوجه دفة هذا المجتمع سراً وعلنا، وله جميع الوسائل والأدوات والأمكانيات لقولبته كما يُريد، والتحكم بمصائره وبثرواته بعيداً عن أية رقابة مباشرة أو مسائلة. وهذا الشخص هو مسعود البارزاني، والصعوبة في هذه المهمة تكمن في المحيط الضيق والمغلق الذي يُحيط به، والذي لا تترشح منه أية معلومة مهما كانت صغيرة خارج السياق المسموح به، ولكنني تذكرت بأنني قرأت كتابا له، في وقت سابق، وأكثر من ما أعجبني في الكتاب وقتها، تذكر المؤلف لشهداء الحرية في كل مكان وبحروف كبيرة إحتلت صفحة بأكملها**، ولكن الوقت قد حان لنرى كيف يتعامل، هذا الثائر بالأمس والحاكم على جزء من كوردستان منذ عقدين من الزمان، مع مفهوم الحرية بعد أن أصبحت مقدرات هذا الحلم بين يديه؟ ومن هم شهداء الحرية عنده؟ (يتبع) *مقطع من رواية(حيوان القلب) من تأليف الحائزة على جائزة نوبل هيرتا مولر، وترجمة: د. علي يحيى منصور. ** الصفحة الثالثة من كتاب مسعود البارزاني (البارزاني والحركة التحررية الكردية/ الكرد وثورة 14/تموز/1958ــ11/ أيلول / 1961): (الأهداء: ألى شهداء الحرية في كل مكان كردستان 15/12/1990)
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعقيبا على مقال...بمنظور غير سياسي (5)
-
22// بين عامي 1984 و1987
-
ما كنت أحلم به ...(8)
-
تعقيبا على مقال...بمنظور غير سياسى(4)
-
21// مابين عامي 1984 و1987
-
ما كنت أحلم به ...(7)
-
تعقيبا على مقال…بمنظور غير سياسي(3)
-
20// ما بين عامي 1984 و 1987
-
ما كنت أحلم به …(6)
-
تعقيبا على مقال ...بمنظور غير سياسي (2)
-
19// بين عامي 1984 و 1987
-
يا حمامة مهما طرتِ
-
ما كنت أحلم به…(5)
-
ركبت البحر
-
تعقيبا على مقال عبدالغني علي في الشرق الأوسط بمنظور غير سياس
...
-
18// بين عامي 1984 و 1987
-
ما كنت أحلم به…(4)
-
رسالة جوابية
-
17// بين عامي 1984 و 1987
-
ما كنت أحلم به ...(3)
المزيد.....
-
لحّن إحدى أغانيه الأيقونية.. محمد عبده يرثي ناصر الصالح بحفل
...
-
فرنسا: بايرو يعلن أنه سيلجأ للمادة 49.3 من الدستور لتمرير مش
...
-
مباشر: عمليات عسكرية إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية وأربعة
...
-
مشاهد منسوبة لأحمد الشرع في سجون العراق.. هذه حقيقة الفيديو
...
-
هل تتحول العلاقة بين ترامب والسيسي إلى -فاترة- بسبب غزة؟ - ن
...
-
تبادل الاتهامات بين روسيا وأوكرانيا بشأن قصف مدرسة في كورسك
...
-
إسرائيل تُعيّن إيال زامير خلفا لهاليفي.. ماذا نعرف حتى الآن
...
-
فيدان: ندعم بيان القاهرة حول مواجهة مشروع تهجير الشعب الفلسط
...
-
مراسلتنا: المستوطنون حرقوا مسجدا بالضفة الغربية ومطالب فلسطي
...
-
الشـرع يصل إلى الرياض في أول زيارة خارجية
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|