|
الأحزاب وحقوق الانسان
جورج طرابيشي
الحوار المتمدن-العدد: 1113 - 2005 / 2 / 18 - 20:55
المحور:
حقوق الانسان
" يولد جميع الناس احراراً متساوين في الكرامة والحقوق ، وقد وهبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم ان يعامل بعضهم بعضاً بروح الاخاء . " المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في العاشر من ديسمبر ( كانون الأول ) 1948 الأحزاب وحقوق الانسان بداية أقول ، اننى أتكلم عن الانسان داخل الأحزاب ، وليس عن الانسان خارجها أو موقف الأحزاب من قضايا الانسان في العالم . يحدث أن يتكلم المرء عن قضايا تهم الجميع وينسى نفسه . حدث ويحدث أن اهتمت أحزاب بالانسان المجرد، "الانسان الطبقي " ،" الانسان الايديولوجي" ولم تتعامل مع الانسان الملموس ، أي أنها لمتتعامل مع الانسان ، لأن الانسان ، مثل الحقيقة ، لا يوجد إلا ملموساً ، اما المجرد فهو صورة ، فكرة ، أو مبدأ .
سأشكر أي انسان يدلني على صورة ترتعش من البرد ، أوفكرة تجوع ، أو مفهوم يصرخ ، أو نظرية يرتفع ضغطها ، أو مبدأ ينتحر أو ينفجر . إذا تجاوزنا التشبيه البلاغي أو التعبيرات الرمزية أو الايحاءات السريالية ، فإننا لن نجد شيئاً من ذلك وإنما نجد انساناً يبرد، يجوع ، يصرخ ، يعاني ، يرتفع ضغطه ، يكتئب ، ينتحر أوينفجر ، علماً أن الحيوانات يمكن أنْتَ تتعرض لذالك لكنها ليست مجال حديثنا الان ، وتوجد كثرة من جمعيات الرفق بالحيوان ، بينما لا توجد جمعية واحدة للرفق بالانسان !
موضوع جقوق الانسان يمس ، ولو نظرياً ، جميع سكان كوكبنا الأرضي البشري الذي لم يصبح بعد انسانياً ، لكنني سالجأ ، عامداً متعمداً ، إلى تضييق الدائرة لأنتقل من الأحزاب العالمية إلى الأحزاب العربية إلى الأحزاب الفلسطينية ،انطلاقاً من أن " الذي يكبر حجره لا يصيب "، ولأن " من كان بيته من زجاج عليه ألا الناس بالحجارة"، ولأن " على الانسان أنْتَ يبدأ بنفسه ".
تتوجه اصابع الاتهام إلى الأ نظمة العربية بأنها تمارس القهر والاضطهاد والاستلاب ضد المواطن العربي ، وهذا الاتهام في محله . في هذه الحال فإن الأحزاب العربية المعارضة التي تنتقد الأنظمة العربية والواقع العربي تواجه مهمة و تطلباً و امتحاناً ، أن تكون في علاقاتها الداخلية ، في تعاملها مع أعضائها بالذات تقيضة للقهر والاضطهاد والاستلاب ، لا أن تمارس ذلك مع اعضائها .
فالمسألة في غاية البساطة : ان فاقد الشيء لا يعطيه ، المكبل بالقهر والاضطهاد والاستلاب لن يحرر الاخرين مما يكبلهم ، ولن يصدقك الناس بأنك ستكون جلاب الحرية إذا كانت روحك مجلببة بالعبودية ، وكان نهجك العقلي نهجاً استعبادياً لا يقبل الا الخضوع والامتثال والمديح والوصف والسطح ، ولا يطيق السؤال والتعليل والذهاب الى الجذور والنقد والاختلاف والمعارضة .
الأحزاب الفلسطينية ( سواء كان اسمها حزباً ، جبهة ، منظمة ، أو حركة . . . ) تتسم حقوق الانسان ازاءها بحساسية خاصة ، فالثورة الفلسطينية لن تكون منسجمة اذا لم تر حدي التضاد : عدو الثورة وانسان الثورة . والفلسطيني الذي تعرض ولا يزال ، لأربعة اضطهادات من الامبرالية والصهيونية واسرائيل والأنظمة العربية ، يرفض بشدة مضاعفة اضطهاداً خامساً يأتيه من ذاته وداخله وشقيقه ، سواء أطلق على هذا الشقيق اسم " أخ " أو " رفيق " لا فرق !!
الممارسة الحزبية يمكن أن تتحول الى ممارسة اضطهادية واستلابية باتباع اليات الاخضاع المراتبي البيروقراطي فتصادر العقل والرأي والدور ، وفي ظروف المقاومة الفلسطينية نشأ مصدر داخلي اضاف للقهر والاضطهاد هو : الارتهان الاقتصادي للمناضل السياسي ، وهي مسألة يطول الحديث فيها ، لكنها بدأت بقضية التفرغ والمتفرغين التي كانت في البداية مطلباً وسعياً [ وهي في الواقع خطأ وخطيئة لأنها مورست بمغالاة وعزلت المناضلين عن " مهنهم الأهلية " و " المجتمع المدني " ] . . ثم اصبحت عبثاً ومعضلة وغدت ابترازاً واذلالاً . .
قيادات أحزابنا بحاجةالى دارسة الانسان كقيمة عليا ، وبحاجة الى أن يحضر " بند الانسان " في عقلها بذات القوة والالحاحية التي حضر بها " البند السياسي " في اجتماعاتها الكثيرة والمطولة .
نحن بحاجة الى أن نهتم بحقوق الانسان داخل أحزابنا حتى نكون فعلاً أحزاباً انسانية ، وتحتاج قياداتنا أنْتَ تعي بأن مفهوم " الانسان " أوسع من مفهوم " مناضل " وأن الحياة ليست سياسة فقط ، وان الانسان ليس فقط الرفيق الحزبي أو الأخ الحزبي ، وأن العضو الحزبي ليس رقماً أو شيئاً أوبقرة حلوياً أو سلماً أو " كومبارس " يستخدمه " المسائل " ثم يستغنون عنه ، وهو ليس نسبة مئوية أو مقعداً في هذا المجلس أو ذاك .
اننا بحاجة الى أحزاب انسانية ، واننا في زمن الثورة راهناً ، وفي زمن الدولة لاحقاً ، بحاجة الى محاربة " صنمية القيادة " و " تشييء البشر " ، حتى يكون الفائز لدينا هو الانسان ، وليس الكرسي .
#جورج_طرابيشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف وضع 11/9 في تصرف بوش رأسمالاً ضخماً في -تسيير المخاطر
-
السجن الإيراني في عهد الخميني: تابوت واغتصاب
-
إيديولوجيا حقوق الإنسان إذ تصبح تهديداً للديموقراطية
-
شهادة نصير سابق للالتزام
-
دور أفغانستان ، ومتطرفي الهندوس والإسلام ، في تأجيج كشمير
-
كيف نصير كلنا أميركيين من دون علامات استفهام وتعجب ؟
-
الديموقراطية وحدها تجعل الحق في السياسة مدخلاً الى الحق في ا
...
-
العنوان: الاستغلال الرأسمالي لم يعد موضوع احتجاج الحركات الج
...
-
الدولة القومية التي نشأت بالحروب، بالعولمة تتصدع وتفني
-
سيغموند فرويد
-
كيف تخلي الغرب عن دعوته الحداثية في الشرق الأوسط ؟
المزيد.....
-
لبنان يتقدم بشكوى ضد إسرائيل إلى الأمم المتحدة بسبب تشويشها
...
-
بعثة إيران لدى الأمم المتحدة لـ -CNN-: اتهام طهران بمؤامرة ض
...
-
إسرائيل استهدفت 70% من مدارس الأونروا في غزة
-
منتدى الحوار الإقليمي حول حقوق الإنسان يوصي بضرورة تعزيز الو
...
-
غارة إسرائيلية استهدفت منطقة مكتظة بالنازحين في مواصي خان يو
...
-
تقرير عبري: خلافات بين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية بسبب صف
...
-
شاهد.. متطوعون بولاية القضارف في خدمة النازحين من سنجة وسنار
...
-
الهند تقدم 2.5 مليون دولار للأونروا من أجل رعاية اللاجئين ال
...
-
الأمم المتحدة: نزوح 10 ملايين سوداني والجوع يهدد نصف السكان
...
-
فرنسا تستنكر لاستهداف الاحتلال مدارس النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|