|
الرسائل الواضحة والمشفرة لخطاب العرش .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 10:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ألقى الملك محمد السادس خطاب العرش في الذكرى 13 لاعتلائه سدة الحكم . وهو أول خطاب في عهد حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي . وحرص الملك على وضع التغيير الذي يعيشه المغرب في سياقه التاريخي وشروطه السياسية ، مما يحافظ للمغرب على تميزه وتفرد تجربته السياسية ، على اعتبار أن التغيير والإصلاح اللذين يعرفهما المغرب ليسا وليدي ثورة ولا انتفاضة ؛ مما يعني أن المغرب انخرط بإرادة ووعي في عملية الإصلاح منذ 13 سنة ، تميزت بفتح أوراش كبرى على المستوى السياسي والاقتصادي والتنموي والاجتماعي والبيئي ،والتي تتطلب إرادة سياسية حقيقية لتجاوز أعطاب الماضي والتأسيس لدولة الحق والقانون . وفي هذا الإطار ذكّر الخطاب الملكي بالأوراش التي أرّخت لدخول المغرب إلى ما بات يعرف بـ"العهد الجديد" ، ومنها: ـ "تحقيق مصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم ٬ وذلك من خلال عمل هيأة الإنصاف والمصالحة ). ـ " رد الاعتبار للأمازيغية كمكون من مكونات الهوية ٬ورصيد مشترك لجميع المغاربة ". ـ "توسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان". ـ ـ هيكلة الحقل الديني من أجل تحصينه من الاختراقات المذهبية وتوفير الأمن الروحي للمغاربة ضد التطرف الديني . ـ "تخويل المرأة وضعا ٬ في إطار مدونة الأسرة ٬ يحفظ لها كرامتها وينصفها ويمكنها من سبل المشاركة في الحياة العامة". ـ "إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ سنة 2005 ٬ وفق رؤية شمولية لمحاربة الإقصاء والتهميش والفقر". ـ "فتح ورش المراجعة الدستورية ٬ وفق مقاربة تشاركية" . والملاحظ في الخطاب الملكي أنه إلى جانب التوجيهات يحمل رسائل واضحة ومباشرة إلى الحكومة ورئيسها . وهي المرة الأولى التي يتضمن فيها خطاب الملك رسائل مباشرة إلى الحزب الذي يقود الحكومة . ومن أبرز الرسائل وأكثرها دلالة : ـ العمل على استغلال التحولات الإقليمية والدولية لتفعيل اتحاد المغرب العربي ( ففيما يتعلق بمحيطنا المغاربي المباشر٬ فإن التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة ٬ تمنحنا فرصة تاريخية للإنتقال بالإتحاد المغاربي من الجمود الى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة) . فالتصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية سعد الدين العثماني في موضوع فتح الحدود مع الجزائر ، وأن المغرب لا "يستجدي" الجزائر ؛ تكشف عن قلة الخبرة والدربة بمجال العلاقات الدولية . ومن شأن مثل هذه التصريحات أن تزيد العلاقة مع الجزائر تأزما وسوءا . لهذا كان الخطاب الملكي واضحا في الحث على استغلال الفرصة التاريخية التي تتاح للمغرب بزوال نظام القذافي الذي ممولا رئيسيا للبوليساريو ، ووجود علاقة نوعية مع المجلس الانتقالي تستوجب تقويتها وتطويرها عبر دعم التجربة الليبية الفتية في شتى المجالات . الأمر الذي سيمنح للمغرب فرصة للعب دور رئيسي في تحديد مصير اتحاد المغرب العربي وإخراجه من حالة الجمود التي تفرضها الجزائر عليه بتحالفها السابق مع القذافي . الآن ، موقف المغرب من تفعيل الاتحاد مدعوم بقوة من ليبيا وتونس وموريتانيا ، مما يفرض على الجزائر مجاراة الديناميكية التي سيطلقها لقاء القمة المقبل الذي سيحضره الملك إلى جانب رؤساء الدول المغاربية . والدافع إلى بعث هذه الرسالة إلى الحكومة هو موقف رئيسها السيد بنكيران الذي صرح لقناة الجزيرة بأن المغرب لن يحضر القمة المرتقبة إلا إذا فتحت الجزائر حدودها مع المغرب . وأي مقاطعة للقمة المغاربية في ظل الشروط التاريخية المواتية للمغرب ستكون هدية على طبق من ذهب إلى الجزائر التي تشهد علاقتها بليبيا تدهورا لم تشهده طيلة حكم القذافي . ـ ضرورة احترام ثوابت المغرب في تعامله مع دول العالم ( ستظل الدبلوماسية المغربية وفية لثوابتها العريقة في التعامل مع العالم الخارجي ). وهذه رسالة قوية إلى رئيس الحكومة ووزير الخارجية بضرورة الالتزام بالثوابت في التعاطي مع القضايا الدولية . وتكفي هنا الإشارة إلى الأزمة السياسية التي كاد يتسبب فيها السيد بنكيران إثر الاستقبال البارد الذي واجه به المسؤوليْن الحكومييْن من بلجيكا حيث لم يكلف بنكيران نفسه طيلة اللقاء أن يتوجه بالحديث إلى وزيرة العدل ؛ واكتفى بالحديث إلى وزير الخارجة ، بل خاطب هذا الأخير بقوله (كان من غير المفيد اصطحاب مترجمة معه) ، الشيء الذي اعتبرته وزيرة العدل حينها إهانة شخصية في حقها ، حسب صحيفة "لا ليبر" . ـ التشديد على عقد البيعة بين الملك وبين الشعب ومواصلة العمل ( وبصفتنا أميرا للمؤمنين ٬ ما فتئنا نعمل ٬ بمقتضى البيعة المقدسة التي نتولى أمانتها العظمى) . وهذه رسالة مباشرة ورد حاسم على دعوة الدكتور الريسوني وأطراف من داخل حزب العدالة والتنمية بإلغاء حفل الولاء والاكتفاء بالبيعة الأولى التي تمت للملك عند توليه العرش . ـ التأكيد على النهج الوسطي السمح للإسلام السني الذي يتبعه الشعب المغربي منذ 12 قرنا ( تظل المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح٬ الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصب والغلو والانغلاق). والرسالة موجهة إلى وزير العدل السيد مصطفى الرميد الذي ظل يناصر التيار السلفي بكل أطيافه ـ الحركي والجهادي ـ أيام المعارضة ، وواصل مساندته للتيار بعد الاستوزار من خلال الزيارة التي قام بها للمغراوي في إحدى "دور القرآن" التي وعده من داخلها بالعمل على إلغاء قرار الإغلاق الذي اتخذته السلطات العمومية بسبب فقه الغلو وثقافة الكراهية التي تشيعها هذه الدور بين روادها ، في إشارة مساندة من الوزير إلى الشيخ المغراوي الذي رد على الزيارة بالتأييد المطلق لحكومة بنكيران والتمكين لها إلى يوم الدين . ـ التحذير من الاستغلال السياسوي للأوراش الكبرى وكذا برنامج المساعدة الطبية (رميد) . نستشف من رسائل الخطاب الملكي أن الحكومة مسئولة عن تدبير الشأن العام في إطار ما ينص عليه الدستور ، مما يلزم الحكومة باحترام المكتسبات التي تراكمت والعمل على توسيعها . فالحكومة لم تأت لمراجعة المكتسبات أو التضييق منها ، كما ليس من مسئولياتها تحديد التوجهات الكبرى ، سواء للسياسات العامة أو للسياسة الخارجية . ـ حث الحكومة على ( التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين ٬ مع الحرص على تحقيق حكامة جيدة للسياسة المالية لبلادنا ٬ بهدف تحصين قدراتها التنموية ٬ والحفاظ على مصداقيتها على الصعيد الدولي ). ـ التشديد على محاربة الرشوة والفساد (ينبغي ٬ إضافة إلى ذلك٬ إيلاء عناية خاصة لتفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد ٬ ذات الصلة بالحكامة الجيدة٬ ومحاربة الرشوة٬ وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ٬ بصفة عامة.) . وهذه رسالة إلى رئيس الحكومة الذي رفع شعار "عفا الله عما سلف" الأمر الذي سيشجع الفساد والمفسدين ؛ خصوصا وأن السيد بنكيران صرح أكثر من مرة بأن الملك يحثه ويشجعه على محاربة الفساد . فالإشارة/الرسالة هنا تخص التنزيل السليم والديمقراطي للدستور الذي تتحمل الحكومة ورئيسها كل المسئولية فيه .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب العدالة والتنمية يقرر الإجهاز على مجانية التعليم
-
تضامنا مع فتيحة التي قتلت مغتصبها .
-
المتطرفون يعدّون القوة والفتوى ، فهل من رادع ؟؟ !!!
-
حوار لفائد الصباح المغربية
-
حوار لفائدة جريدة الصحراء المغربية .
-
هل ستضع الحكومة -الإسلامية- حدا لشرعنة الاغتصاب ؟
-
حوار لفائدة يومية الصباح
-
ملف حول المرأة
-
حزب العدالة والتنمية من معارضة الحكومة إلى رئاستها .
-
ثورة تأكل الثورة والتاريخ والمستقبل
-
حوار لفائدة جريدة الصباح المغربية
-
حوار مع شيخ متطرف (9)
-
حوار مع شيخ متطرف (8)
-
سعي الأقليات إلى إقامة كيان سياسي خاص طلب للكرامة و الحرية و
...
-
منذ متى كان الإسلاميون يناصرون حقوق النساء ؟ !!
-
مطالب الفبرايريين وعقائد العدليين .
-
مستويات الصراع السياسي في المغرب .
-
حوار مع شيخ متطرف(7)
-
حوار مع شيخ تكفيري (6)
-
حوار مع شيخ متطرف(5)
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|