|
واشنطن والحوار مع حركات الإسلام السياسي المتشدد
شريف نسيم قلتة
الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 01:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والجدل لا ينقطع داخل دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة، كذلك بين الكتاب والمفكرين ومراكز الأبحاث الأمريكية حول "الحوار مع حركات الإسلام السياسي" وخاصة فى المنطقة. وفى إطار ذلك تتنازع ثلاثة تيارات رئيسية داخل دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة حول هذا الشأن:
التيار الأول، وهو التيار المتشدد الرافض تماما لفكرة الحوار مع التيارات الإسلامية. ويرى هذا التيار أنه لا يوجد فرق بين إسلاميين معتدلين وإسلاميين متطرفين فجميعهم يتفقون على الأهداف وإن اختلفوا فى الوسائل والتكتيكات. فجميع حركات الإسلام السياسي بلا استثناء تريد فرض الشريعة الإسلامية، ولأتقبل بمبادئ وقيم الديمقراطية والتعددية بل تكتفى بتطبيق الديمقراطية الشكلية، ناهيك عن عدم احترم حقوق المرأة والأقليات. ولهذا فإن وجود أي جماعة إسلامية أو ذو مرجعية إسلامية على سدة الحكم فى أي دولة وخاصة فى المنطقة سيشكل تهديداً خطيراً للاستقرار بشكل عام والمصالح الأمريكية بشكل خاص. ويستدل هذا التيار بتجربة "الخميني" فى إيران، و"النميرى" فى السودان و"طالبان" فى أفغانستان.
التيار الثاني، وهو التيار المعتدل والمؤيد لفكرة الحوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة، على اساس أن صعود التيارات الإسلامية المعتدلة أصبح أمراً واقعيا لا مفر من التعاطي معه. ويرفض هذا التيار وضع جميع حركات الإسلام السياسي فى خانة واحدة حيث هناك حركات متطرفة تتبنى أفكار منغلقة متشددة ولا تقبل بقيم الديمقراطية والحداثة مثل "حركة طالبان". وحركات معتدلة تتبنى أفكار براجماتية وتقبل بقيم الديمقراطية والتعددية وتحترم حقوق الإنسان وتنبذ العنف والإرهاب بجميع اشكاله كما لديها رغبة شديد على الانفتاح على الغرب.. ومن ثم يحذر هذا التيار من خطورة استبعاد الحوار مع التيارات المعتدلة؛ لأن ذلك سوف يساهم فى زيادة العداء للولايات المتحدة . كما أن دعم حركات الإسلام السياسي المعتدلة سيساهم فى كبح جماح التيارات السلفية والجهادية المعادية للولايات المتحدة. ويستدل هذا التيار بالتجربة الأبرز والأنجح حتى الوقت الراهن وهى تجربة "حزب العدالة والتنمية" فى تركيا.
ويمكن القول أن التيار الأول هو التيار الذى رجحت كفته وبشدة خلال فترة الرئيس بوش "الأبن". ويكفى للتدليل على ذلك هو الرفض الأمريكي للفوز الذى حققته "حركة حماس" فى الانتخابات التشريعية عام 2006. رغم الضغوط الأمريكية الشديدة على السلطة الفلسطينية من أجل إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
التيار الثالث، وهو التيار البراجماتى المؤيد لفتح حوار مع جميع الحركات الإسلامية بما فى ذلك المتشددة طالما ذلك سوف يحافظ على المصالح الأمريكية. وينطلق هذا التيار من عدة معطيات رئيسية قد فرضها الأمر الواقع لعل أهمها: 1- الفشل الأمريكي الذريع على مدار عقد كامل فى القضاء على حركات الإسلام السياسي المتشددة.. والمثال الأهم هنا "حركة طالبان" فبعد عقد كامل من التواجد الأمريكي فى أفغانستان فشلت الولايات المتحدة فشلاً ذريعاً فى القضاء على هذه الحركة، بل والأكثر من هذا فإن فطالبان الآن تسيطر على مناطق كاملة فى أفغانستان وتحظى بشعبية واسعة بين الأفغان على حساب حكومة "كرزاي" المنتخبة ديمقراطياً. 2- التصاعد الملحوظ لتيارات الإسلام السياسي بعد موجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، "الإخوان المسلمون والسلفيون" فى مصر و"حركة النهضة" فى تونس. وهى حركات تصنف وفقاً للتعريف الأمريكي بأنها حركات متشددة.
ومن هذا المنطلق فأن وجود حركات الإسلام السياسي بكافة توجهاتها سواء كانت معتدلة أو متشددة أصبح أمراً واقعياً لابد من التعاطي معه. فالسياسة الأمريكية العدائية ضد حركات الإسلام السياسي المتشددة ساهمت بشكل أو بأخر فى وزيادة التعاطف الشعبة تجاهها، ومن ثم رفعت من أسهمها على حساب الأنظمة التقليدية المدعومة من الولايات المتحدة بل وحتى على حساب النخب الليبرالية واليسارية والقومية وما حدث فى مصر وتونس خير دليل على ذلك. ويؤكد هذا التيار أن جميع تيارات الإسلام السياسي بما فى ذلك المتطرفة لديها قدرا كبيراً من البراجماتية وتتفاوت بالطبع من تيار إلى الآخر. إلا أن لدى جميعهم قدرا من البراجماتية تجعلهم يتخلوا عن الكثير من الأفكار المتشددة والعنف أيضا؛ وذلك فى حال ضمان وصولهم إلى السلطة او بقائهم فيها خاصة إذا جاءوا عبر الوسائل الديمقراطية. أما فيما يتعلق بالموقف تجاه الولايات المتحدة الأمريكية فان وصول تلك التيارات إلى الحكم سوف تجعلهم أكثر انفتاحاً وأكثر رغبة للحوار مع الغرب والولايات لدعمهم خارجيا وداخلياً. لكن فى ظل توافر شرطين رئيسيين وهما: الشرط الأول، التخلي عن السياسة العدائية تجاه تلك الحركات والمبادرة بفتح الحوار معهم. فالكراهية الشديدة التي تكنها تلك الحركات تجاه الولايات المتحدة نتاج طبيعي لعدم الحوار وتشدد الموقف الأمريكي تجاه تلك الحركات. الشرط الثاني وهو الأهم، عدم التشدد والضغط على تلك الحركات وبخاصة الأكثر تشدداً. من أجل تبنى أجندة إصلاحات سياسية واجتماعية تتعارض مع التوجهات الأيديولوجية لهم وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
ومن هذا المنطلق فأن وجود تلك التيارات فى سدة الحكم مع الدعم الأمريكي الصريح لتلك الحركات والتي هي فى أشد الحاجة إليه لمنحها الشرعية الدولية، سوف يشكل ضمانة رئيسية للحفاظ على المصالح "الحقيقة" للولايات المتحدة وأهمها : تأمين إمدادات النفط- تحجيم نشاطات القاعدة، والأعمال العدائية ضد المصالح الأمريكية- الاستقرار فى أفغانستان والمنطقة بشكل عام - أمن إسرائيل .... إلخ، مقابل تخلى الولايات المتحدة عن المبادئ والقيم ( تحقيق الديمقراطية- حقوق المرأة والأقليات.. إلخ). والتي ليست إلا ذرائع تتذرع بها الولايات المتحدة من أجل التدخل فى شئون الدول. ويمكن القول أن هذا ما ارتاءت إليه إدارة الرئيس "أوباما". ومأ أدل على ذلك هو التحول الجذري الرهيب مع نهاية عام 2011 عندما بدأت الولايات المتحدة فى فتح حوار مع "حركة طالبان"، وهو تحول لم يتوقعه حتى أكثر المتفائلين بشأن الحوار الأمريكي مع الحركات الإسلامية المتشددة. هذا علاوة على الهرولة الأمريكية الواضحة تجاه "جماعة الإخوان المسلمين" فى مصر. برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون".
وأخيرا يمكن القول أن قيام الولايات المتحدة بالتعاون أو التحالف مع أنظمة أو حركات متشددة مقابل التخلي عن دعم الديمقراطية والترويج لاحترام حقوق الإنسان، هذا ليس بالجديد أو المستغرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فالسياسة الأمريكية تحكمها دائما المصالح والمصالح فقط حتى ولو على حساب القيم والمبادئ. وخير دليل على ذلك هو التحالف الأمريكي الوثيق مع كلا من النظامين السعودي والباكستاني فكلاهما نظامين متشددين ومستبدين ومع ذلك تعتمد عليهما الولايات المتحدة بشكل رئيسي فى تحقيق استراتيجيتها وأهدافها فى المنطقة. وبالمقابل يعتمد كلا النظامين وبشكل رئيسي على الولايات المتحدة فى دعم وتثبيت شرعيتها الداخلية والخارجية.
#شريف_نسيم_قلتة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشديد العقوبات على إيران وتغير النظام من الداخل
-
من سيخلف خامنئى؟
-
الاستراتيجية العسكرية الصينية لتأمين الطاقة
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|