أوسلو 27-09-2002
بقلم : نضال حمد
جاء في قصيدة جميلة بعنوان " فلسفة الثعبان المقدس" للشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي:
" إن السلام حقيقة مكذوبة والعدل فلسفة اللهيب الخابي
لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب".
من جديد يطل الإرهاب الصهيوني برؤوسه المعدنية, الأمريكية الصنع والتكاليف والجودة, رؤوسه التي لازال العالم يغض النظر والطرف عنها, وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية. ففي ساعات الازدحام ووقت خروج طلبة وتلاميذ المدارس, وفي أحد أهم واكثر الشوارع اكتظاظا بالمارة هاجمت طائرات الاباتشي سيارة مدنية فلسطينية كانت تعتقد قوات الاحتلال أنها تقل المجاهد محمد ضيف أحد أهم المطلوبين للكيان الصهيوني والمعروف عنه دوره الهام في قيادة كتائب القسام.
فقتلت وجرحت العشرات ومن الجرحى هناك ستة عشر طفلا وطفلة, ستة منهم جراحهم خطيرة جدا. ومعروف أن قذائف الاحتلال الفاشي كانت يوم 26ايلول الحالي قتلت أيضا أربعة فلسطينيين آخرين في الضفة وغزة , منهم ابنة الأربعة عشر شهرا الطفلة الشهيدة غرام مناع , التي استشهدت اختناقا بقنابل الغاز الصهيوني الأمريكي الصنع والمصدر والتمويل. كما أن دبابات وجرافات الاحتلال لازالت تواصل هدمها لمقر الرئاسة في المقاطعة في رام الله, بدون التفات لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي يدعوها لوقف أعمالها التدميرية والتخريبية. هذه هي إسرائيل العظمى, تتصرف وكأنها أمريكا الصغرى أو سيدة الدنيا الوحيدة, لا تبالي بالعالم كله وترمي نفاياتها على العالم وهي مبتسمة, فظهرها مسنود بالنظام الأمريكي العتيد الذي استعبد الزنوج أباد الهنود وعادى العرب وصادق الصهاينة وأرتهن لأرادة اليهود.
تلك كانت إسرائيل الصهيونية وهذه هي الولايات المتحدة الأمريكية, وجهان لعملة واحدة, إرهاب واحد يجمعه العداء للعرب وللشرق وكذلك الأطماع الاستيطانية والنفطية والتوسعية والصهيوصليبية.
امريكا نصبت نفسها بدون سؤال الآخرين امبروطورا مطلقا, تحكم العالم بيد الفوضى وترهبه بعصا بوش السحرية. هذه الولايات التي اتحدت بالدم والنار والجماجم بعد حرب الجنوب والشمال وإبادة الهنود الحمر وعصر الاستعباد والعبيد من الزنوج والسود, تعيش هذه الأيام في أجواء إرهابية بحتة, فهي تسوق التهديد والوعيد لكل من يخالفها في حربها القذرة على العراق وتريد من العرب أن يكونوا يهودا وأمريكانا في حربها المفتعلة على شعب وأرض وثروات العراق. كما أنها تريد من الجانب الرسمي الفلسطيني أن يسلم بكامل أهداف شارون , ومن الشعب الفلسطيني أن ينتحر من اجل أن يعيش اليهود في سلام وأمان و أطمئنان على ارض فلسطين والجولان وجنوب لبنان وحيثما كانوا ووجدوا وسوف يذهبوا.
أمريكا تفعل كل هذا من اجل إسرائيل الفاشية, لكي تحافظ هي نفسها على بيتها الداخلي المبني من زجاج والمؤسس على أساطير وخرافات تشبه إلى حد بعيد الخرافات والأساطير التي قامت عليها دولة الكيان الإرهابي الصهيوني في فلسطين المحتلة. فكلا الكيانين الأمريكي الذي كشف عن وجهه الحقيقي بعد أحداث الثلاثاء العصيبة من عام البرجين الشهيرين, والكيان العبري المتأصل في لعبة القتل والذبح والتنكيل والمجازر مبنيان على أسس استئصالية استعلائية ودموية, كلفت في أمريكا حياة الملايين من البشر وإبادة شعب بأكمله ومحو حضارات متنوعة وتقاليد ولغات عديدة كانت موجودة وحاضرة وفاعلة في الحياة إلى أن جاءها اليانكي الغريب, فقتل ما قتل وسلب ما سلب ودمر ما دمر و أباد ما أباد من الحجر والشجر والبشر والخبر. هكذا ولدت أمريكا الحديثة, التي تتغنى بالقيم الديمقراطية وبالعدالة والمساواة, ولدت على أسس خرافية وأساطير لا إنسانية. ثم ساعدت إسرائيل في أيجاد ارض فلسطين كملاذ لليهود الذين عذبوا وأهينوا وقتلوا في أوروبا, فساعدوهم على احتلال فلسطين وقتل وتشريد الشعب الفلسطيني. ولم يكتفوا بهذا كله, بل لازالوا الممول والمصدر الرئيسي للسلاح والمال والدعم السياسي والديبلوماسي, في سبيل خدمة المصالح الصهيونية الأمريكية المشتركة. أمريكا اكثر دولة عضو في مجلس الأمن استعملت حق النقد الفيتو دفاعا عن إسرائيل واعتراضا على محاولة أدانتها وإيقافها عند حدها ووضع حد لممارساتها الغير أخلاقية والغير إنسانية والتي لا تمت للحضارة والعالم المتحضر بأية صلة. أمريكا كانت ولازالت الحليف الرئيسي والأساسي للإرهابيين في حكومات إسرائيل المتعاقبة, تزودهم بكل متطلباتهم العسكرية والمالية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على الرغم من ان الكيان الصهيوني لا صاحب له, فالإسرائيليون على استعداد لخذلان أمريكا وخيانتها إذا وجدوا في ذلك مصلحة لكيانهم وإرهابهم وفكرهم الصهيوني الاستعلائي المريض. ولقد اثبتوا في مرات سابقة انهم تجسسوا على سيدهم وسلبوه أسرارا هامة ومعلومات تقنية ونووية وعسكرية ودبلوماسية خطيرة, وعندما تم اعتقال الجواسيس اليهود في أمريكا, بقي اللوبي الصهيوني واليهودي يعمل ولازال يعمل من اجل إطلاق سراحهم. وللوبي اليهودي باع طويلة في الحياة الأمريكية, فهو من يضع النواب والشيوخ في مراكزهم حسب الولاء لإسرائيل أولا, ومن يخرج عن القاعدة فهم له بالمرصاد, يلاحقونه بالتهم والتجني والفضائح والأكاذيب و الأغراءات والترغيب والترهيب والتهديد والوعيد.وكتاب من يجرؤ على الكلام للسيناتور السابق بول فندلي خير كتاب يعرف القارئ بواقع الحياة السياسية والبرلمانية الأمريكية, فيه يعرض الكاتب للأساليب الصهيونية المتبعة في ابتزاز السياسيين وأصحاب القرار في امبروطورية الشر والنفاق, أمريكا الكذب والخديعة التي تعتاش على الدعاية الصهيونية التي جعلوها مرجعا للشعب الأمريكي.
إسرائيل الصهيونية تمارس عدوانها على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية بدعم أمريكي كامل متكامل من الأباتشي والفانتوم حتى مليارات الدولارات وقرار الفيتو الجاهز في مجلس الأمن كلما طلبت إسرائيل ذلك.
عندما تقوم القوات الصهيونية باستعمال السلاح الأمريكي المتطور جدا في حربها على البنى التحتية الفلسطينية والكوادر والقادة الفلسطينيين الذين تغتالهم الاباتشي بغض النظر عن النتائج والخسائر في صفوف المدنيين, فإنها لا تحسب حساب لمجلس الأمن ولا للعواقب التي عادة ما تكون قاسية بحق الدول والحكومات التي ترتكب مجازر ومذابح ضد الإنسانية كما حصل في يوغسلافيا السابقة. وفي حال جرب أحدهم التعرض لها سرعان ما ردعته أمريكا وطالبته إما بالكف عن ذلك أو بالصمت وألا أنها سوف تخلق له مشاكل وأزمات هو في غنى عنها.
كلنا يعرف ما حصل مؤخرا مع وزيرة العدل الألمانية السيدة هرتا دوبلر غملين التي شبهت سياسة بوش بسياسة هتلر ما قبل الحرب. فقد أقامت أمريكا الدنيا عليها ولم تقعدها حتى الآن. لكن ما عجز عن قوله الزعماء والملوك والرؤساء, قالته الوزيرة الجرئية وبدون خشية من رؤسائها الذين سارعوا إلى تجميل كلامها والاعتذار من الرئيس بوش, الذي قيل انه رفض الحديث مع المستشار شرويدير كتعبير عن الغضب الذي يعتريه نتيجة تصريحات الوزيرة الألمانية الشجاعة. بغض النظر عن أسف المستشار الألماني وغضب الرئيس الأمريكي,فالصحيح أن بوش اثبت فشل سياسته وحمقها وقلة حيلتها وعدم توازنها, كما انه اثبت للأمريكيين وللعالم أجمع بأنه فعلا وصل إلى مقعد الرئاسة أما بالصدفة أو بالتزوير أو عن طريق خطأ الاقتراع والدعاية الانتخابية الساذجة والسخيفة.
إن الإرهاب الصهيوني الحربي في فلسطين المحتلة الذي عرته اعترافات الجنود الصهاينة الذين شاركوا في حملة ذبح وتدمير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية خلال العام الحالي, حيث قاموا بالتنكيل المتعمد بالفلسطينيين وضرب من لا يحمل منهم هوية شخصية ضربا مبرحا وحتى الموت, وعبر تكسير وتدمير الممتلكات والأثاث وكذلك التحرش والاعتداء الجنسي على المراهقين من الشباب والشابات الفلسطينيين. هذا الإرهاب الصهيوني هو الرديف الملازم و المترافق مع الإرهاب الأمريكي السياسي والديبلوماسي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكذلك العسكري في العراق وأفغانستان حاليا وقريبا في كل دولة تعارض سياسة العدوان الأمريكي.
لم يعد أمامنا سوى المواجهة والصمود من اجل كسر الإرهاب المنفلت من بيت أمريكا الأبيض وكنيست إسرائيل العنصرية الصهيونية.
وأخيرا نسأل ونقول:
متى يفهم أبطال سلام المجانين أو الشجعان أن السلام لا يأتي من غير تعادل كفة الميزان وتوازن القوى وشعور الطرفان بالخوف والرهبة من قوة الآخر. مادمنا لا نملك قوة تضاهي قوة الخصم أو قوة تضعنا وخصمنا في كفة واحدة متوازنة من ناحية ميزان الرعب والهلع, فأن عدونا وصديق عدونا سيبقوا يتعاملون معنا مثلما هو الحال الآن. لذا علينا العمل على تثبيت ميزان القوة من خلال الحفاظ على القنبلة البشرية الفلسطينية , سلاحنا الفعال في وجه إرهاب الاحتلال بانتظار تصادم إرهاب إسرائيل مع إرهاب أمريكا؟ عل في تصادمهما ما يخدم السلم والسلام في العالم.
· نضال حمد باحث سياسي من فلسطين مقيم في النرويج