مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 3810 - 2012 / 8 / 5 - 00:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نتفحص العلاقات القائمة بين الإلحاد والإسلام نجد أنها كانت دائما علاقات صعبة وشائكة وذلك لأن معظم الدول الإسلامية تجعل من الدين مكونا أساسيا يدخل في صلب نسيج الدولة والمجتمع ويتماهى مع عناصرهما، وذلك راجع إلى أن القرآن "كتاب ديني اهتم بإرساء أسس مجتمع ديني". فلا وجود في معظم هذه البلدان للقانون الفرنسي القاضي بالفصل بين الكنيسة والدولة والذي يعود بنا إلى سنة 1905. وبالتالي فلا وجود للائيكية في المجتمع، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان النظر، من وجهة نظر دينية إسلامية، في مواضيع لا تقع داخل دائرة النظرة الإسلامية نفسها.
وتعود صعوبة الحديث عن العلاقات بين الإسلام والإلحاد خصوصا إلى عدم وجود أنموذج ثابت للمجتمع الإسلامي في نعامله مع مسألة الإلحاد. في المقابل نجد أن بعض الحكومات في الشرق الأوسط تكرس الديكتاتورية وتستعمل الإسلام في قراءة أصولية وهذا ينعكس على طريقة تعاملها مع الملحدين، في حين أن بعض الدول الأخرى تسير على طريق اللائيكية، لكن لا يجب أن يغمرنا التفاؤل فلائيكية هذه الدول أكثر غموضا من أي شيء آخر، وهي في أغلب الأحيان مجرد أقنعة تختفي خلفها أنواع أخرى من الديكتاتوريات.
ويرى البعض رابطا بنيويا بين انتشار الإسلام ومنع الإلحاد الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد صدور فتاوى بقتل الملحدين. فمعظم المجتمعات الإسلامية تطبق حكم الإعدام من أجل الكفر. وفي أيامنا هذه ما زال هذا الحكم موجودا في موريطانيا وإيران، رغم اندثاره في أغلب الدول الإسلامية الأخرى.
لكن لنعد إلى البداية، إلى اللغة، لتفحص المسألة بأكثر دقة. لغويا، ينظر القرآن بنفس العين لغير المسلمين (الذين يسميهم الكفار لأنهم يكفرون برسالة محمد) وللمنافقين ولكنه لا يتحدث عن الملحدين ذلك أن مصطلح الإلحاد في حد ذاته لم يكن موجودا في الجزيرة العربية في القرن السابع للميلاد بما أن الأحاديث النبوية والقرآن لا يتحدثان عنه.
وتختلف القراءات المتعلقة بمسألة الإلحاد في الإسلام باختلاف القراءات التي يخضع لها القرآن. في التفاسير الكلاسيكية والتي تتميز في أغلب الأحيان بالمباشرة والحرفية، فيعتبر ملحدا كل شخص يعيش في الخطأ ويحيد عن قواعد الإسلام الخمس. لكن هذه النظرة وقع التشكيك في صحتها من طرف بعض التيارات الإسلامية، خاصة من طرف المتصوفة، من خلال كتابات فقهاء صوفيين مثل الغزالي. فهذا الأخير يقول بأنه من العبث التظاهر بالإيمان والعبادة إذا كان الشخص غير مؤمن بما يفعله.
وهناك أيضا الشريعة الإسلامية (المأخوذة من القرآن والأحاديث) والتي تدرس في كافة جامعات العالم الإسلامي وتمثل نقطة إتفاق بين علماء المسلمين، رغم تباين واختلاف المذاهب والمدارس. في الشريعة نجد أن الحكم على الكافر (غير المسلم) يختلف باختلاف معتقده الأصلي، فتميز بين أهل الكتاب (أو أهل الذمة وهم معتنقو المسيحية واليهودية) وبين الآخرين (ومنهم الملحدون) الذين ليس لهم من خيار سوى اعتناق الإسلام أو الموت. وفي الشريعة أيضا نجد أن الحكم على تاركي الدين الإسلامي هو الموت، حتى لو كان ذلك لإعتناق المسيحية أو اليهودية. لكن رغم أن الشريعة يقع تدريسها في العالم العربي الإسلامي على أنها قانون إلهي إلا أن البلدان الإسلامية التي تطبقها بحذافيرها قليلة.
-------------
لقراءة المزيد من المقالات: http://chez-malek-baroudi.blogspot.com
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟