مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 22:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقول المخرج "وودي آلن": "كانت لدي رصاصة في جيبي، شخص ما رمى إلى الإنجيل، الرصاصة أنقذت حياتي". بطبيعة الحال، هذا الكلام، مثل معظم تصريحات "وودي آلن"، يصنفه كثيرون على أنه من قبيل الهزل أو التلاعب بالألفاظ والمواقف، غير أن حقيقة كبيرة تظهر خلفه إذا ما أخذناه في معناه الحرفي المباشر مثلما نأخذ كلام "كارل ماركس" أو "إيمانوال كانط". هذه الحقيقة المتخفية تحت قناع الهزل اللعب هي حقيقة كل هؤلاء الذين لم تستطع كل الديانات إقناعهم باعتناقها على مر العصور والأزمنة، ومنذ أن اخترع الإنسان هذا الكائن الغامض الذي يسميه إله وبدأ بالتقرب إليه وعبادته. (هذا إذا اعتبرنا هذا الأمر اختراعا، غير أني أفضل استعمال كلمة "اختلاق" أو "اصطناع" لأسباب لغوية يطول شرحها رغم أنها جلية واضحة...) حقيقة الإنسان الذي حين يعمل عقله في موضوع الدين يجد نفسه سجين حلقة مفرغة من الأسئلة المتعلقة بالأسباب وأسباب الأسباب ويجد نفسه أمام خيارين: أولهما الرجوع إلى الإرادة الإلهية (وتفسيراتها عبارة عن مسلمات يجب الإقتناع بها دون أي تفكير...) أي اللجوء إلى "مخبأ الجهل" ( كما يسميه "سبينوزا" في كتاب "الأخلاق" وثانيهما هدم كل ما شيده الآخرون وكل ما أتت به الديانات ورفض كل المسلمات وإعادة النظر والتفكير في الأسباب والمسببات وإعمال العقل في كل كلمة ادعى الآخرون أنها من الكلام الإلهي وعدم التفريط في المنطق وجعله ميزانا لكل كبيرة وصغيرة (رغم أن العقل البشري نفسه لا يخلو من عيوب وثقوب قد تضيع بعض الأمور عن غير وعي...) وهذا الخيار لا يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى الهدم الكلي لفكرة الدين والرفض النهائي القاطع لفكرة وجود هذه الذات التي تتسم بالألوهية والسمو وبكل الصفات المثالية... والأمثلة أكثر من أن يستطيع حصرها مصنف مهما كبر حجمه وتكاثرت صفحاته، مثلما لا يمكن القيام بجرد مفصل وشامل لكل الكتب المتعلقة بالدين منذ بدايات التاريخ وحتى هذه الساعة. ثم في هذه الظروف المحيطة بموضوع الإلحاد لا يمكن أن نتحدث عن الآخرين دون السقوط في العموميات ودون إهمال الجزئيات سواء بسبب ضيق الوقت والمكان أو بسبب آفة النسيان، هذه التي تتعلق بالإنسان أكثر من ظله. لذلك اخترت أن أطرح هذا الموضوع من منظور شخصي باعتباره أحد أهم المواضيع في حياتي بسبب تواجدي في بيئة عربية إسلامية لا تقبله وانحداري من عائلة تونسية لا تملك تقاليدا في هذا المجال وأن أضع تجربتي مع الإلحاد على طاولة التشريح لفهم أسبابها ونتائجها والظروف التي قادتني إليها وعن أشياء أخرى كثيرة لا أريد فضحها الآن دفعة واحدة.
------------------------
لقراءة المزيد من مقالاتي: http://chez-malek-baroudi.blogspot.com
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟