|
مسلسل جريمة الختان (39): من يُختن في الاسلام؟
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 10:06
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
قلنا سابقاً أن الختان لم يكن معمولاً به بصورة شاملة في العصور الأولى. ولكن سرعان ما أعتبر الختان علامة للإسلام. وهناك من إعتبره واجباً على كل من يولد مسلماً أو يتحوّل إلى الإسلام. ومنهم من تسامح فيه فرفعه في حالة الخوف من الهلاك ومنهم من تشدّد وفرضه حتّى في هذه الحالة وبعد الوفاة ان مات غير مختونا. وقد رأينا أن موقف الفقهاء من ختان الإناث كان أكثر تسامحاً من ختان الذكور. ونحن نعطي هنا الإعتبارات المختلفة التي أخذ بها الفقهاء.
كل مولود مسلم؛ سن الختان ----------------- كل مولود مسلم يجب ختانه. والمسلم هو كل من كان أحد أبويه مسلماً. وإذا كان اليهود يفرضون الختان في ميعاد محدّد، فإن المسلمين إختلفوا في سن الختان. وفي أكثر الأحيان يذكر الفقهاء القدامى ميعاد الختان دون تحديد ما إذا كانوا يعنون بذلك ختان الذكور أم الإناث.
يقول القرطبي: «واختلفوا متى يختتن الصبي. فثبت في الأخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا: ختن إبراهيم إسماعيل لثلاث عشرة سنة، وختن إبنه إسحاق لسبعة أيّام. وروى عن فاطمة أنها كانت تختن ولدها يوم السابع. وأنكر ذلك مالك وقال ذلك من عمل اليهود [...]. وقال الليث بن سعد: يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر. ونحوه روى إبن وهب عن مالك. وقال أحمد: لم أسمع في ذلك شيئاً. وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال: سئل إبن عبّاس: مثل من أنت حين قبض رسول الله (ص)؟ قال: أنا يومئذ مختون. قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتّى يدرك أو يقارب الإحتلام». ونشير هنا أنَّ إبن العبّاس كان عمره عند وفاة النبي ما بين العاشرة والسادسة عشرة حسب الروايات.
وينقل لنا إبن حجر مواقف الفقهاء في هذا الأمر: «قال الماوردي: له وقتان وقت وجوب ووقت إستحباب. فوقت الوجوب البلوغ ووقت الإستحباب قَبله. والإختيار في اليوم السابع من بعد الولادة، وقيل من يوم الولادة، فإن أخّر ففي الأربعين يوماً، فإن أخّر ففي السنة السابعة، فإن بلغ وكان نضواً نحيفاً يعلم من حاله أنه إذا ختن تلف سقط الوجوب. ويستحب أن لا يؤخّر عن وقت الإستحباب إلاّ لعذر. وذكر القاضي حسن أنه لا يجوز أن يختتن الصبي حتّى يصير إبن عشر سنين لأنه حينئذ يوم ضربه على ترك الصلاة، وألم الختان فوق ألم الضرب فيكون أولى بالتأخير [...]. وقال إمام الحرمين: لا يجب قَبل البلوغ لأن الصبي ليس من أهل العبادة المتعلّقة بالبدن فكيف مع الألم [...]. وقال أبو الفرج السرخسي: في ختان الصبي وهو صغير مصلحة من جهة أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن فمن ثم جوّز الأئمّة الختان قَبل ذلك. ونقل المنذر عن الحسن ومالك كراهة الختان يوم السابع لأنه فعل اليهود. وقال مالك: يحسن إذا أثغر أي ألقى ثغره وهو مقدّم أسنانه، وذلك يكون في السبع سنين وما حولها. وعن الليث يستحب ما بين سبع سنين إلى عشر سنين. وعن أحمد لم أسمع فيه شيئاً [...]. وعن جابر أن النبي (ص) ختن حسناً وحسيناً لسبعة أيّام. قال الوليد فسألت مالكا عنه فقال: لا ادري ولكن الختان طهرة فكلّما قدّمها كان أحب إلي». ولا يذكر إبن حجر السن التي يجب فيها ختان الإناث إنّما يقول: «ولا يرد وجوب المدّة على الصبيّة لأنه لا يتعلّق به تعب بل هو مضي زمان محض».
ونشير هنا إلى أن بعض الفقهاء يستثنون المجنون من وجوب الختان لأنه ليس من «أهل الوجوب». وبعضهم الآخر قال بأن على ولي المجنون ختنه.
وفيما يخص سن الختان عند الشيعة، نقرأ عند العاملي: «سألت أب الحسن عن ختان الصبي لسبعة أيّام من السُنّة هو، أو يؤخّر فأيهما أفضل؟ قال: لسبعة أيّام من السُنّة، وإن أخّر فلا بأس». ويذكر حديثاً للنبي: «أختنوا أولادكم يوم السابع فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم». وحديثاً آخر عن جعفر عن أبيه قال: «سمّى رسول الله الحسن والحسين لسبعة أيّام وعق عنهما لسبع وختنهما لسبع وحلق رؤوسهما لسبع وتصدّق بزنة شعورهما فضّة». والمحقّق الحلي (توفّى عام 1277) يقول: مستحب يوم السابع ولو أخّر جاز. ولو بلغ ولم يختن، وجب أن يختن نفسه. أمّا العلاّمة الحلي (توفّى عام 1325) فيرى أن ختان المولود يجب أن يكون بعد البلوغ. ويرى الطوسي أنه يستحب أن يختن الصبي اليوم السابع، ولا يؤخّر. فإن أخّر لم يكن فيه حرج إلى وقت بلوغه. فإذا بلغ وجب ختانه ولا يجوز تركه على حاله.
وفيما يخص سن الختان في عصرنا يقول المرصفي بعد إستعراض آراء الفقهاء القدامى بأن الختان واجب بعد البلوغ حتماً. أمّا قَبل البلوغ فليس له وقت محدّد وأنه لا مانع من ختانه في أي وقت من حين ولادته إلى البلوغ ولكن الوقت المفضّل هو الأيّام السبعة الأولى لأن الوليد يكون قليل الشعور بالألم والجراح تكون أسرع إلتئاماً.
ويقول السكّري أنه يختار رأي الماوردي في ختان الذكر والأنثى لأنه «يتّسق وطبيعة الأمور. ذلك أنه يقسّم وقت الختان إلى قسمين: وقت إستحباب ويبدأ من يوم السابع من الولادة وحتّى البلوغ. وفي هذا تيسير على الناس بوجود هذه الفرصة التي يستطيعون فيها أن يختنوا أولادهم في إطمئنان لاختيار الوقت المناسب للطفل أو الطفلة من حيث إكتمال كل منهما، ومن حيث المناخ الذي يجرون فيه هذه العمليّة [...]. أمّا عندما يحين مشارفة الصبي أو الصبيّة للبلوغ فهنا يتعيّن الختان وجوباً إمتثالاً لأمر الشارع فيه، حتّى لا يفوت الأوان وتصبح هذه العمليّة من المشقّة بمكان. ولا يخفى ما لعدم ختان الذكر من أضرار صحّية خطيرة، وأخرى دينيّة حيث لا يستطيع أن يؤدّي عباداته في طهارة». وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكّري أنه يجب أن لا يقل سن البنت عن سبع سنوات إذا كانت بصحّة جيّدة وإلاّ فعشر حتّى تستطيع أن تتحمّل إجراء هذه العمليّة بخلاف الذكر فإنه يجوز يوم السابع من ولادته.
وقد جاء في إحدى الدراسات أن في مصر يتم ختان الذكور بين 7-40 يوماً، أو بين سنة وسنتين. أمّا ختان الإناث فيتم بين خمسة سنين إلى إثنا عشرة سنة. ويفسّر العامّة هذا الإختلاف بأن ختان الإناث أكثر ألماً ولذا يؤخّر ختانها حتّى تتحمّل الألم. ولهم أيضاً تفسير آخر يقول إن البظر يظهر في زمن البلوغ وأنه يكبر إذا قطع قُبل ذلك في الصغر. ولا يترك البظر لبعد سن العاشرة لأنه يحتك بالملابس. وبعض النساء أوضحت أنه تم ختانهن مرّتين وأن أمّها ختنت ثلاث مرّات. ونشير إلى أن هناك من يختن أولاده جميعاً في يوم واحد إقتصاداً لمصاريف الحفلة. فيكون بين الأولاد الكبير والصغير.
وقد سمعت عن عادة من أستاذ في جامعة عدن أنه في بعض المناطق اليمنيّة تجرى عمليّة الختان قَبل الزواج بقليل. وعلى الرجل أن يتحمّل هذه العمليّة بشجاعة حتّى يثبت رجولته للفتاة التي يريد أن يقترن بها. وقد فسّر الأستاذ المذكور سبب التأخير في إجراء هذه العمليّة بأن الشباب والشابّات قليلاً ما يتلاقون قَبل الزواج. ويكونوا في حالة هياج عند لقائهم لأوّل مرّة بعد عقد الزواج وقد يكون دخول العريس بزوجته في ليلته الأولى أشبه بالإغتصاب. لذا فإن عمليّة الختان التي تجرى قَبل الزواج تجبر الزوجين في أوّل أيّامهما الزوجيّة على التعارف والتلاطف حتّى يشفى جرح الختان قبل أن يمارسا العلاقات الجنسيّة.
وكتب الأستاذ أحمد محمّد جمال في كتابه «يسألونك» أن أحد الحضور في نادي جيزان الأدبي (في السعوديّة) قد ذكر له أن عمليّة الختان في هذه المدينة تجرى على الشاب بعد أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره، وتقام له حفلة أو مأدبة وتدّق له الطبول كأنه إحتفال بزواج. فاستنكر الأستاذ هذا التأخير في إجراء الختان ورأى أنه يجب أن يتم «كما هو مطلوب عند العلماء - في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين من عمر المولود، فذلك أفضل وأخف إيلاماً للطفل، وأسرع شفاءاً للجراحة الحاصلة بسببه».
الذي يعتنق الإسلام ------------ يستعرض الباجي أقوال الفقهاء فيمن يعتنق الإسلام فيقول: «أختلف في الشيخ الكبير يسلم فيخاف على نفسه من الإختتان. فقال محمّد بن الحكم له تركه وبه قال الحسن بن أبي الحسن البصري. وقال سحنون لا يتركه وإن خاف على نفسه كالذي يجب عليه القطع في السرقة أنه لا يترك قطعه من أجل أنه يخاف على نفسه. وهذا من سحنون يقتضي كونه واجباً متأكّد الوجوب والله أعلم. وروى إبن حبيب عن مالك من تركه من غير عذر ولا عِلّة لم تجز إمامته ولا شهادته ووجه ذلك عندي أن ترك المروءة مؤثّر في رد الشهادة ومن ترك الختان من غير عذر فقد ترك المروءة فلم تُقبل شهادته».
ويقول النزوي: «إن الختان واجب على كل مسلم لقول النبي (ص) لعبد الله إبن عبّاس حين أسلم، ألق عنك شعر الكفر واختتن. قال قتادة وسمعته يأمر من أسلم أن يختتن ولو كان إبن ثمانين سنة، ولمن أسلم أن يظهر فرجه لرجل أن يختنه، للرجل ذلك، لأنه ضرورة، إلاّ أنه يستر فرجه إلاّ موضع الختان. ومن أمر بالختان فلم يفعل قتل، ولا يقتل حتّى يبالغ في التأنّي به، وأمّا النساء فليس عليهن واجباً ويؤمرن بذلك إكراماً لأزواجهن وليس هن كالرجال فالختان للنساء مَكرُمَة وللرجال سُنّة وقيل فريضة». ويضيف النزوي: «من أسلم في وقت يخاف على نفسه من الختان أو لا يجد من يختنه فله تأخير ذلك إلى أن يأمن على نفسه، ويعلّم القرآن في حال عذره ويصلّى عليه إن مات».
ويقول إبن قدامة: «قال حنبل سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم ترى له أن يطهّر بالختان؟ قال: لا بد من ذلك. قلت إن كان كبيراً أو كبيرة قال أحب إلي أن يتطهّر لأن الحديث «إختتن إبراهيم وهو إبن ثمانين سنة». قال تعالى «مِلّة أبيكم إبراهيم» (الحج 78:22) ويشرّع الختان في حق النساء أيضاً ... وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه فهذا أولى، وإن أمن على نفسه لزمه فعله».
ونشير هنا إلى أن الصاوي (توفّى عام 1825) يسقط الختان عن البالغ إذا لا يستطيع ختان نفسه: «لا يجوز للبالغ أن يكشف عورته لغيره لأجل الختان، بل إن لم يمكنه الفعل بنفسه سقطت السُنّة، وسقوطها عن الأنثى أولى بذلك».
وفيما يخص الشيعة، يذكر العاملي حديثاً لعلي: «إذا أسلم الرجل إختتن ولو بلغ ثمانين سنة». كما يذكر عن المرادي أنه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية تسبى من أرض الشرك فتسلم فيطلب لها من يخفضها فلا يقدر على إمرأة. فقال: أمّا السُنّة فالختان على الرجال، وليس على النساء». ويقول المحقّق الحلي (توفّى عام 1227): ولو أسلم كافر غير مختتن وجب أن يختن ولو كان مسنّاً. ولو أسلمت إمرأة لم يجب ختانها واستُحب. ويقول زين الدين الجبعي العاملي: «يستحب خفض النساء وإن بلغن. قال الصادق: خفض النساء مَكرُمَة وأي شيء أفضل من المَكرُمَة».
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء السعوديّة بأن نصرانياً وزوجته أرادا الدخول في الإسلام فأمرهما مقدّم الإستفتاء بغسل البدن وبالنطق بالشهادتين عن طوع ورضا واستسلام والختان. فهل هذا صحيح أو لا؟ وكان رد اللجنة عن الختان ما يلي: «[...] وأمّا الختان فواجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء لكن لو أخّرت دعوة من رغب في الإسلام إلى الختان بعض الوقت حتّى يستقر الإسلام في قلبه ويطمئن إليه لكان حسناً خشية أن تكون المبادرة بدعوته إلى الختان منفّرة له من الإسلام».
وقد طرحت علي عام 2002 قضيّة شاب مسيحي يعيش في سويسرا أراد الزواج من بنت مسلمة من إندونيسيا فطلب منه أبوها إعتناق الإسلام ففعل. وقد قام بشراء تذاكر السفر له ولأهله للذهاب إلى بلد خطيبته لمراسيم الزواج. وعندها طلب منه أبو البنت أن يختتن فصدم لهذا الطلب لأن الأب كان يعرف سابقاً بأنه غير مختون. وأعتبر الخطيب هذا الطلب إبتزازاً، خاصّة أن إندونيسيا تتطلّب موافقة الأب على الزواج. وقد حاول إقناع الأب العدول عن مطلبه وفي حالة رفضه ذلك قد تترك الخطيبة بلدها للزواج في الخارج دون موافقة أبيها. وقد حاولت إرشاد الشاب وخطيبته في أن الختان مخالف للقرآن وأرسلت لهم المعلومات الضرورية ولا أعرف مصير هذه القضيّة.
من ولد أو أسلم مختوناً -------------- رأينا أن اليهود ينزلون ممّن يلد أو يتهوّد مختوناً نقطة دم من حشفته تدعى دم العهد. فما هو الوضع عند المسلمين؟ يقول النزوي: «وإذا خلق الله إحليل إنسان مكشوف الحشفة كالختان لم يجب عليه الختان لأن القصد بالختان إظهار الحشفة فإذا ظهرت فقد وجدت البغية».
ويقول إبن الحاج: «واختلف إن ولد مختوناً هل يختن أم لا على قولين: فمنهم من قال هذه مؤنة كفانا الله إيّاها فلا حاجة تدعو إلى فعلها ولأن كشف العورة من كبير وصغير لا يباح إلاّ لضرورة شرعيّة والضرورة معدومة والحالة هذه. وقال بعضهم لا بد من إجراء الموسى عليه ليقع الإمتثال».
ويقول إبن جزي إنه إختلف في من ولد مختوناً: «قيل قد كفى الله المؤنة فيه فلا يتعرّض له، وقيل تجرى الموسى عليه، فإن كان فيه ما يقطع قطع».
ويقول إبن قيّم الجوزيّة: «إن يولد الرجل ولا غلفة له فهذا مستغن عن الختان، إذا لم يخلق له ما يجب ختانه. وهذا متّفق عليه. لكن قال بعض المتأخّرين: يستحب إمرار الموسى على موضع الختان لأنه ما يقدر عليه من المأمور به. وقد قال النبي (ص): «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما إستطعتم». وقد كان الواجب أمرين مباشرة الحديدة والقطع. فإذا سقط القطع فلا أقل من إستحباب مباشرة الحديدة. والصواب أن هذا مكروه لا يتقرّب إلى الله به ولا يتعبّد بمثله وتنزّه عنه الشريعة، لأنه عبث لا فائدة فيه وإمرار الموسى غير مقصود بل هو وسيلة إلى فعل المقصود. فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى. ونظير هذا ما قال بعضهم: إن الذي لم يخلق على رأسه شعر يستحب له في النسك أن يمر الموس على رأسه، ونظير قول بعض المتأخّرين من أصحاب أحمد وغيرهم: إن الذي لا يحسن القراءة ولا الذكر أو أخرس يحرّك لسانه حركة مجرّدة. قال شيخنا: ولو قيل إن الصلاة تبطل بذلك أقرب لأنه عبث ينافي الخشوع وزيادة عمل غير مشروع. والمقصود أن هذا الذي ولد ولا غلفة له فلا ختان عليه».
وبعد أن ذكر الجدل حول ختان من ولد مختوناً يضيف الحطاب (توفّى عام 1547): «يجري على الأقرع في الحج». أي أنه يريد معاملته معاملة الأقرع الذي يمر الموسى على رأسه في الحج مع أنه لا شعر له.
وإمرار الموسى على من يولد مختوناً أمر متّفق عليه في المصادر الشيعة. يروي العاملي عن موسى بن جعفر أنه قال لمّا ولد إبنه الرضا: «إن إبني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهّراً. وليس من الأئمّة أحد يولد إلاّ مختوناً طاهراً مطهّراً، ولكنا سنمر الموسى عليه لإصابة السُنّة واتّباع الحنيفيّة». ويذكر حديث «إن صاحب الزمان ولد مختوناً وأن أبا محمّد قال: هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنا سنمر عليه الموسى لإصابة السُنّة».
وفي عصرنا يقول المرصفي «والذي نراه ونرجّحه سقوط الختان وعدم وجوبه على من ولد مختوناً كما نرى كراهة إمرار الموسى على موضع الختان منه لأن ذلك عبث لا فائدة فيه ويجب أن تنزه الشريعة عنه».
ختان الخنثى ومن له ذكران ----------------- الخنثى هو الذي يكون له جهازان تناسليان، خلق بهما كذلك، لكن العضوين لا يكونان في مستوى واحد. فلا بد أن يتميّز واحد منهما عن الآخر وبذلك يكون الخنثى مائلًا إلى الأظهر من العضوين وتترتّب الأحكام الشرعيّة عليه. فإن كان عضو الذكورة فيه هو البارز أخذ حُكم الذكر. وإن كان عضو الأنوثة فيه هو البارز أخذ حُكم الأنثى. ففي الميراث، يقول عمر بن الخطّاب إن الخنثى يورث من حيث يبول. فإن بال من المكان الذي تبول منه الأنثى أعطي ميراث الأنثى. وإن بال من المكان الذي يبول منه الذكر أعطي ميراث الذكر. ولكن ما هو حُكم الختان في الخنثى؟
يقول النووي: «أمّا الخنثى المشكّل فقال في البيان قال القاضي أبو الفتوح يجب ختانه في فرجيه جميعاً لأن أحدهما واجب ولا يتوصّل إليه إلاّ بختانهما». ويذكر النووي رأياً آخراً بأنه لا يختن الخنثى المشكّل لأن الجرح على الإشكال لا يجوز. وهذا حسب النووي هو الأظهر المختار.
ويقول المرداوي: «إن الخنثى المشكّل في الختان كالرجل. فيختن ذكره، وإن لزم الأنثى ختن فرجه أيضاً».
ويقول البهوتي: «وحيث تقرّر وجوب الختان على الذكر والأنثى فيختن ذكر خنثى مشكّل وفرجه إحتياطاً».
ويقول الحطاب: «قال الفاكهاني هل يختتن الخنثى المشكّل أم لا؟ فإذا قلنا يختتن ففي أي الفرجين أو فيهما جميعاً؟ لم أرى في ذلك لأصحابنا نقلاً. واختلف أصحاب الشافعي فقيل يجب إختتانه في فرجه بعد البلوغ وقيل لا يجوز حتّى يتبيّن وهو الأظهر عندهم. قلت: الحق أنه لا يختتن لما علمت من قاعدة تغليب الحظر على الإباحة».
هكذا نرى أن الفقهاء إنقسموا بينهم: - الرأي الأوّل يرى ضرورة ختان الخنثى في فرجيه قَبل البلوغ إحتياطاً، لأن أحدهما واجب، ولا يتوصّل إليه إلاّ بختانهما. - الرأي الثاني يرى أنه لا يجوز ختان الخنثى حتّى يتبيّن العضو الأصلي منه. - الرأي الثالث يرى أن الخنثى المشكّل لا يختتن لأن الجرح على الإشكال لا يجوز.
بعد عرض هذه الآراء يقول السكّري في عصرنا أنه يختار الرأي الأوّل «لأنه إن كان مائلاً إلى الذكورة فهو واجب لضرورة هذا الختان بالنسبة له. وإن كان مائلاً للأنوثة فختنه سُنّة وفيها أيضاً إمتثال أمر رسول الله (ص). والبناء على اليقين خير وأولى من البناء على الشك. ومن ثم يجب تغليباً لحال الخنثى ختانه في فرجيه، لا سيما وأنه بعدما يكبر سوف يتحدّد حاله تباعاً للتفاعلات الهرمونيّة فيه. فقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن ذكر ظهرت عليه علامات الأنوثة في شبابه، وانقلب بالفعل أنثى وتعامل معاملتها مظهراً ومخبراً. والعكس صحيح فقد إنقلبت بعض الفتيات ذكراً في سن الشباب، وانقلبت من أنثى إلى شاب ذكر. فكان الإحتياط لذلك أولى. وهو جدير بالإقناع والله تعالى أعلم».
وقد تعرّض الفقهاء أيضاً لحالة شاذّة وهي وجود ذكرين لشخص. يقول النووي: «لو كان لرجل ذكران قال صاحب البيان إن عرف الأصلي منهما ختن وحده. قال صاحب الإبانة يعرف الأصل بالبول وقال غيره بالعمل. فإن كانا عاملين أو يبول منهما وكانا على منبت الذكر على السواء وجب ختانهما». ويقول الأنصاري: من له ذكران عاملان يختتنان. فإن تميّز الأصلي منهما ختن فقط. فإن شك فكالخنثى، أي لا يختتن.
ختان الميّت ------- إعتبر المسلمون الختان وسيلة للتعرّف على من هو مسلم وغير مسلم. فلو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلّي عليه ودفن في مقابر المسلمين. ولكن ماذا لو أن مسلماً مات غير مختوناً. فهل يتم ختانه قَبل دفنه؟
رأينا في المقال السابق أن من يرفض الختان دون عذر يعرّض نفسه للقتل. فإذا قتل بسبب رفضه الختان أو مات غير مختون، فلا يعتبر من المسلمين ولا يدفن في مقابرهم. يروى الشيخ الصدوق حديث لأبي الجوزاء: «الأغلف [...] لا يصلّى عليه إذا مات إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه». ويقول النزوي: «من أسلم في وقت يخاف على نفسه من الختان أو لا يجد من يختنه فله تأخير ذلك إلى أن يأمن على نفسه، ويعلّم القرآن في حال عذره ويصلّى عليه إن مات [...]. وإذا كان عادة قوم أنهم إذا إختتنوا ماتوا، معروفين بذلك، فإنهم لا يختتنون ويتركون. وإن ماتوا صلّي عليهم، وحُكمهم الطهارة لأن هذا عذر».
وقد دار جدل بين الفقهاء حول إمكانيّة ختان من مات غير مختون وله عذر. يقول إبن قدامة: «إن شارب الميّت إن كان طويلاً أستحب قصّه وهذا قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد بن جبير وإسحاق. وقال أبو حنيفة لا يؤخذ من الميّت شيء فإنه قطع شيء منه فلم يستحب كالختان. واختلف أصحاب الشافعي كالقولين. ولنا قول النبي (ص): «إصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم» والعروس يحسّن، ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره ولأن تركه يقبّح منظره فشرّعت إزالته كفتح عينيه وفمه شرّع ما يزيله، ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرّة فيه فشرّع بعد الموت كالإغتسال، ويخرج على هذا الختان لما فيه من المضرّة. فإذا أخذ الشعر جعل معه في أكفانه لأنه من الميّت فيستحب جعله في أكفانه كأعضائه، وكذلك كل ما أخذ من الميّت من شعر أو ظفر أو غيرهما فإنه يغسل ويجعل معه في أكفانه كذلك [...]. أمّا الختان فلا يشرّع لأنه إبانة جزء من أعضائه وهذا قول أكثر العلم. وحكي عن بعض الناس أنه يختن حكاه أحمد والأوّل أولى لما ذكرناه».
ويقول إبن قيّم الجوزيّة: «لا يجب ختان الميّت باتفاق الأمّة. وهل يستحب؟ فجمهور أهل العلم على أنه لا يستحب، وهو قول الأئمّة الأربعة. وذكر بعض الأئمّة المتأخّرين أنه مستحب، وقاسه على أخذ شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وهذا مخالف لما عليه عمل الأمّة وهو قياس فاسد. فإن أخذ الشارب وتقليم الظفر وحلق العانة من تمام طهارته وإزالة وسخه ودرنه. وأمّا الختان: وهو قطع عضو من أعضائه، والمعنى الذي شرّع في الحياة قد زال بالموت فلا مصلحة في ختانه. وقد أخبر النبي (ص) أنه يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون. فما الفائدة أن يقطع منه عند الموت عضو يبعث به يوم القيامة وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى».
وفي عصرنا يقول السكّري أنه ليس على الميّت ختان ولا يشرّع في حقّه لفوات أسبابه الدينيّة والدنيويّة في حق الميّت، حيث لا فائدة تعود عليه بختانه في هذه الحالة.
ويقول المرصفي: «والذي نراه ونرجّحه سقوط الختان عن الميّت بسقوط التكليف عنه وفي الختان إنتهاك لحرمته. وإذا كان حد السرقة يسقط عمّن مات قبل أن يتم تنفيذه، فلا تقطع يده مع أن القطع عقوبة مقرّرة مفروضة مجمع عليها، فمن باب أولى يسقط الختان عمّن مات غير مختون، والختان مختلف في وجوبه».
وفي شمال فلسطين، ذكر «سونين» أن البدو قرب بحيرة الحولة في فلسطين يختنون الطفل قَبل دفنه إذا مات غير مختون. ويقوم بهذا الختان الخطيب، حتّى وإن كان عمر الطفل يوماً واحداً.
وهناك رواية جزائرية عن فرنسي قاتل مع الجزائريين. وعندما توفى رفض المسلمون دفنه في مقابرهم إلا بعد ختانه ميتا.
---------------------- سوف استمر في مقالي القادم في عرضي للختان عند المسلمين يمكنكم تحميل كتابي ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic وطبعتي للقرآن بالتسلسل التاريخي مع المصادر اليهودية والمسيحية http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل جريمة الختان (38) : عواقب عدم الختان في الاسلام
-
مسلسل جريمة الختان (37) : الفقهاء القدامى والختان
-
مسلسل جريمة الختان (36): الختان في سنة السلف
-
مسلسل جريمة الختان (35) : المشككون والرافضون للأحاديث
-
مسلسل جريمة الختان (34) : احاديث متفرقة تحث على الختان
-
مسلسل جريمة الختان (33) : المسلمون يتحججون بانجيل برنابا
-
مبادرة الحق في سلامة الجسد
-
مسلسل جريمة الختان (32) : ختان هاجر لتبرير ختان الاناث
-
مسلسل جريمة الختان (31) : حديث خاتنة الجواري
-
مسلسل جريمة الختان (30) : الختان وسنن الفطرة
-
دعوة لزيارة مدونتي وموقعي
-
مسلسل جريمة الختان (29) : الختان في السنة
-
مسلسل جريمة الختان (28) : ختان الذكور والاناث مخالف للقرآن
-
مسلسل جريمة الختان (27) : المسلمون يتحججون بأن الختان صبغة ا
...
-
مسلسل جريمة الختان (26) : المسلمون يتحججون بختان ابراهيم
-
مسلسل جريمة الختان (25) : الختان في القرآن
-
صوم وصلِّي رزقك يُوَلِّي
-
مسلسل جريمة الختان (24) : الخصيان في ترانيم الكنيسة
-
مسلسل جريمة الختان (23) : الكنيسة بين الختان والخصيان
-
مسلسل جريمة الختان (22) : تكريم ختان المسيح وغلفته
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|