|
القاعدة في سوريا
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3807 - 2012 / 8 / 2 - 23:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وأخيراً، اعترف الإعلام الغربي بوجود تنظيم القاعدة في سوريا، وآخر تقرير في هذا الخصوص نشرته صحيفة الغارديان اللندنية *. في الحقيقة لم تكن علاقة منظمة "القاعدة" الإرهابية بسوريا جديدة، إذ دخلتها بدعوة "كريمة" من الحكومة السورية نفسها، في حلف غير مقدس لقتل العراقيين، والذي بدأ بين الطرفين، السوري والقاعدة، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ومع تحضيرات أمريكا لقيادة الحملة العسكرية الدولية لإسقاط حكم طالبان في أفغانستان، ومن ثم حملة تحرير العراق من حكم البعث الصدامي، وتهديد الرئيس بوش بأن إيران وسوريا ضمن محور الشر ولا بد أن يأتي دورهما. وعندها بدأت الحكومة السورية إيواء أتباع القاعدة ومدهم بالمال والسلاح والتدريب، وإرسالهم إلى العراق لقتل العراقيين الأبرياء لإفشال العملية السياسية على أمل إغراق أمريكا في المستنقع العراقي!! إلى أن أنقلب السحر على الشاطر السوري!!.
نشر السيد غيث عبدالأحد، مراسل صحيفة الغارديان البريطانية في 30/7/2012، تحقيقاً صحفياً وافياً عن تواجد القاعدة في سوريا، ومحاولتها سرقة انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد. ففي مقال سابق لنا بعنوان: (هل تعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟) أشرنا إلى ما تقترفه أمريكا من أخطاء ارتكبتها في أفغانستان يوم دعمت منظمات الجهاديين الإسلاميين، ومنها القاعدة وطالبان، لإسقاط الحكومة الشيوعية فيها وفق سياسة الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك. ثم دفعت أمريكا الثمن باهضاً، الأمر الذي أرغمها للعودة إلى أفغانستان وإسقاط حكم طالبان والقاعدة فيها. وها هي أمريكا تعيد نفس السياسة القاتلة في سوريا. فهل حقاً أمريكا بهذا الغباء لتكرار الأخطاء ذاتها؟ سأجيب على هذا السؤال لاحقاً.
التقى السيد غيث عبدالأحد، مراسل الغارديان، بالقيادي القاعدي (أبو خضر) في إحدى ضواحي دير الزور، المحاذية للعراق، ويطلق على أتابعه اسم (الغرباء)، وهم في منتهى الانضباط والطاعة. يقول المراسل، أن الجيش السوري الحر حاولوا في البداية إخفاء وجود أتباع القاعدة في صفوفهم خوفاً من أن يعرف الغرب بهم، ولكن صاروا أخيراً القوة الضاربة ضد القوات الحكومية. وقال القيادي القاعدي أبو خضر لعبدالأحد بحضور جمع من المعارضين:"إن مسلحيه قدموا المساعدة لمقاتلي الجيش الحر كعربون صداقة وزودوهم بشاحنتين مفخختين، وكانت النتيجة إنفجارات هائلة في القاعدة العسكرية أدت إلى جلاء قوات النظام عن البلدة في اليوم التالي." ويقاتل مسلحو التنظيم الجهادي المتطرف بسرية تامة تحت ألوية الجيش الحر خشية إحداث رد فعل عكسي لمعارضي ايديولوجيتهم." ويضيف أبو خضر: "في البداية كان عدد المجاهدين قليلاً، والآن، ما شاء الله، مهاجرون كثيرون من أصحاب الخبرة، رجال من اليمن، والسعودية والعراق والأردن. اليمانيون أفضلهم انضباطاً والتزاماً بالدين. أما العراقيون فهم الأسوأ في كل شيء وحتى في الدين". وهنا سأل أحد الحضور: "وماذا تنوون عمله في سوريا، هل أنتم مقدمون على قطع الأيدي وتقيمون نظاماً كما في السعودية؟ وهل هذه هي غاية الثورة التي نقاتل من أجلها؟" أجاب أبو خضر: "هدف القاعدة إقامة الدولة الإسلامية وليس الدولة السورية... الذين يخافون تنظيم القاعدة يخافون تطبيق شرع الله. إذا لم ترتكب إثماً فلا خوف عليك*
موقف الحكومة العراقية استغرب كثيرون من الكتاب من موقف الحكومة العراقية غير الداعم للانتفاضة السورية، بل حاول البعض اتهام المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم السيد نوري المالكي بدعم نظام بشار الأسد، وأن هذا تناقض في الموقف العراقي، خاصة وأن بشار الأسد كان يرسل الإرهابيين لقتل العراقيين وإفشال العملية السياسية. وراح البعض يتهم الموقف العراقي أنه استجابة لضغوط إيران حليفة سوريا.
الحقيقة، وحسب معطيات الواقع، وتصريحات المقربين من الحكومة العراقية ورئيسها السيد نوري المالكي، أن المسؤولين العراقيين ليسوا على علاقة حميمة مع نظام بشار الأسد، وأنهم مع حرية الشعب السوري، ولكنهم في الوقت الحاضر هم أمام خيارين، كلاهما شر، وفي هذه الحالة من الحكمة القبول بأقل الشرين. وبالتأكيد فإن نظام بشار الأسد هو أقل شراً على العراق وعلى الشعب السوري من حكم القاعدة على حدوده.
الموقف الأمريكي من القاعدة في سوريا والسؤال الآخر الذي نود الإجابة عليه هو: هل الإدارة الأمريكية بمخابراتها العملاقة مثل (CIA) غافلة عن وجود الجهاديين في الجيش السوري الحر؟ وهل حقاً أمريكا غبية إلى هذا الحد بحيث تسمح بتكرار السيناريو الأفغاني في سوريا؟
رغم أننا نلوم أمريكا على أمور كثيرة، وبالتأكيد ارتكبت أخطاءً بحق الشعوب، وخاصة في مرحلة الحرب الباردة، وما تمليه عليها مصالحها، ولكن يجب أن لا ننسى أن أمريكا هي دولة مؤسسات بغض النظر عمن في السلطة. وهي لم تصبح الدولة العظمى، وأكدت تفوقها العلمي والفني والعسكري والاقتصادي والحضاري من لا شيء. وتفوق أمريكا تشهد له جوائز نوبل في العلوم إلى الأوسمة والمداليات في الدورات الأولمبية. فهكذا شعب غني في جميع المجالات لا يمكن أن يكون غبياً وينتخب حكومة غبية كما يعتقد البعض. إن نعت أمريكا بالغباء ناتج عن النزعة العدائية للدولة العظمى وهو من تركة الحرب الباردة، وانعكاس للأفكار الرغبوية (wishful thinking). والسياسة لا تسير وفق التمنيات والأفكار الرغبوية، بل وفق تخطيط علمي رصين. وكما أشرنا أعلاه، أمريكا هي دولة مؤسسات، تديرها تنظيمات واسعة من الخبراء الأكاديميين المتخصصين الجامعيين في مختلف المجالات. لذلك فليس من المعقول أن أمريكا غافلة عن وجود القاعدة في سوريا، أوأنها تريد تكرار السيناريو الأفغاني في سوريا عن جهل.
إذنْ لماذا تتبع أمريكا هذه السياسية في سوريا؟ أعتقد أن أمريكا تطبق مبدأ: "أضرب رأس الحية بيد العدو". أي توظيف عدو لضرب عدو آخر. وبعد أن يتم القضاء على العدو الأقوى، يسهل القضاء على العدو الآخر مباشرة. وهكذا ساندت أمريكا الجهاديين الإسلاميين بأموال الدول الخليجية لإسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان، والذي بدوره استنزف طاقات الاتحاد السوفيتي الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي إلى انهياره. ولما انقلب الجهاديون الإسلاميون على أمريكا، أوقعوا أنفسهم في الفخ الأمريكي، خاصة وقد حضت أمريكا بعطف وتأييد العالم بعد كارثة 11 سبتمبر 2001، فشنت حملتها العسكرية على دولة طالبان وقضت عليها بالضربة القاضية وبسهولة. ونفس السيناريو يتكرر الآن في سوريا، فها هي أمريكا تستثمر الطاقات الضاربة والشراسة الكامنة في رجال القاعدة، والجيش السوري الحر وبتمويل من السعودية وقطر ودعم من تركيا لإسقاط نظام بشار الأسد، وعندها ليس من الصعب على أمريكا ضرب القاعدة في سوريا أو العراق أو أي بلد آخر. ومصير كل من تمرد على أمريكا بات معروفاً، ابتداءً من صدام حسين، مروراً ببن لادن ومعمر القذافي... وغيرهم. وبشار الأسد ليس استثناءً.
العنوان الإلكتروني: [email protected] الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * تقرير صحيفة الغارديان اللندنية عن وجود القاعدة في سوريا The Guardian: Al-Qaida turns tide for rebels in battle for eastern Syria http://www.guardian.co.uk/world/2012/jul/30/al-qaida-rebels-battle-syria?newsfeed=true
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رايح زايد ويه المالكي!!!
-
سوريا تحترق..اللهم لا شماتة
-
هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟
-
الديمقراطية المصرية أمام اختبار التحديات
-
دلالات فوز المرشح الإسلامي في مصر
-
هل الحل في حكومة الأغلبية؟
-
عودة للأزمة العراقية الدائمة
-
حول دور الأنصار في إسقاط الفاشية البعثية
-
مؤتمر أربيل وثقافة المسدس والزيتوني!!
-
هل مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟
-
اسباب عداء السعودية للعراق
-
هل المالكي مشروع إيراني؟
-
حوار مع النقاد حول الموقف من الأزمة العراقية
-
قاسم والمالكي بين زمنين، التشابه والاختلاف
-
الدعوة للتطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية
-
حول تزييف التواقيع ومداهمة مقر طريق الشعب
-
الإيمو، الوجه الآخر للحملة -الوطنية- لتدمير الدولة العراقية(
...
-
حول اضطهاد الحزب الشيوعي العراقي من قبل الاستخبارات العراقية
...
-
الحملة (الوطنية) لتدمير الدولة العراقية(1-3)
-
هل تعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|