داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 3806 - 2012 / 8 / 1 - 19:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدستور عقد أو ميثاق بين جماعة من الناس يعيشون فى نطاق معيّن، يحدّد الأسس أو القواعد التى يتراضون على العيش معا بموجبها. الدستور على هذا يحدّد القواعد التى تحكم علاقات أفراد المجتمع فى الشؤون التى يتحتم بطبيعة الأشياء أن تكون مشتركة فيما بينهم، ويترك ما هو خاص بالأفراد للأفراد. هكذا ينبغى أن يكون فهمنا للدستور المدنى.
لكن الدين على العكس من ذلك يحكم أخص خصوصيات الفرد. الدولة المدنية والدين إذن يقومان على أساسين نقيضين، لا يمكن أن يجتمعا ولا يمكن المزج بينهما، وأى محاولة للمواءمة بينهما تنتهى حتما بنفى أو إقصاء الواحد أو الآخر. وحين تحايل الإسلاميون فحدّثونا عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية كانوا يكذبون كذبا خبيثا. وها هم منذ اغتصبوا الجمعية التأسيسة لصياغة الدستور يعملون دائبين على إنشاء دولة دينية صريحة.
لم يكتفوا بمحاولاتهم المستميتة لتطوير المادة الثانية – التى ما كان ينبغى أصلا أن يكون لها مكان فى دستور مدنى – ليجعلوا أخكام الشريعة الإسلامية، أو الشريعة الإسلامية على إطلاقها، المصدر الرئيسى للتشريع. ثم حاولوا النص على أن يكون الحكم على مطابقة القوانين للشريعة من شأن سلطة دينية تتمثل فى الأزهر، الذى هم ليسوا راضين عنه حاليا لكنهم يحلمون بأن يضعوه تحت سيطرتهم فى مستقبل قريب. إذا ما أجيز هذا النص – هممت أن أقول "لو أجيز هذا النص" لكنى عدلت عنها، فهم برغم استبعاد النص حاليا إلا أنهم لم ولن ييأسوا من محاولة العودة إليه – إذا ما أجيز هذا النص فإن هذا يعنى عمليا أن الحكم فى دستورية القوانين سيُستلب من المحكمة الدستورية لصالح السلطة الدينية.
والآن خرجوا علينا باقتراح مادة نصها: "الذات الإلهية مصونة ويحظر المساس أو التعرض لها، وكذا ذوات أنبياء الله ورسله جميعا، وأمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين". هذا النص يكمل أسلمة الدستور ويقضى تماما على حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الإبداع. كيف يمكن أن تكون هناك أى مناقشة فلسفية للدين فى ظل هذا النصّ؟ كيف يمكن أن تكون هناك أى دراسة علمية أو تاريخية لنشوء وتطوّر الأديان فى ظل هذا النص؟ كيف يمكن أن تكون هناك معالجة تاريخية أو فنية لأى شخصية ورد ذكرها فى التراث الدينى؟ هذا النص اغتيال لحرية الفكر وحرية التعبير وحرية الإبداع.
إما أن نحارب دستور الدولة الدينية هذا أو نستسلم للغرق فى مستنقع التخلف والجهالة. علينا أن نقاتل فى سبيل دستور مدنى حضارى لدولة مدنية حضارية.
القاهرة، 1 أغسطس 2012
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟