أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - سامي الذيب - مسلسل جريمة الختان (36): الختان في سنة السلف















المزيد.....


مسلسل جريمة الختان (36): الختان في سنة السلف


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 3806 - 2012 / 8 / 1 - 09:59
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


بالإضافة الى القرآن والسنة وشرع من قبلنا، يرجع المسلمون إلى سُنّة السلف، وخاصّة صحابة النبي، ليروا ما إذا كانوا قد مارسوا ختان الذكور والإناث. ورجوعهم هذا نابع من إقتناعهم أن السلف أقرب إلى منابع النبوّة وأبعد عن تأثير التيّارات الغريبة على الإسلام، خاصّة التيّارات الغربيّة.

1) اهمية سنة السلف
-------------
يقول أبو زهرة (توفّى عام 1974):
«الصحابة شاهدوا النبي (ص) وتلقوا عنه الرسالة المحمّديّة وهم الذين سمعوا منه بيان الشريعة. ولذلك قرّر جمهور الفقهاء أن أقوالهم حجّة بعد النصوص. وقد إحتج الجمهور لحجّية أقوال الصحابة بدليل من النقل وأدلّة من العقل. أمّا النقل فقوله تعالى: «والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين إتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه» (التوبة 100:9). فإن الله سبحانه وتعالى مدح الذين تبعوهم فكان إتّباعهم في هديهم أمراً يستوجب المدح. وليس أخذ كلامهم على أنه حجّة إلاّ نوعاً من الإتّباع. ولقد قال النبي (ص): «أنا أمان لأصحابي، وأصحابي أمان لأمتي». وليس أمانهم للأمّة إلاّ بأن ترجع الأمّة إلى أقوالهم، إذ أمان النبي لهم برجوعهم إلى هديه النبوي الكريم».
ويضيف أبو زهرة أسباباً عقليّة لضرورة إتّباع الصحابة نوجزها بما يلي:
- الصحابة أقرب إلى رسول الله (ص) من سائر الناس وهم أقدر على معرفة مرامي الشرع.
- إحتمال أن تكون آراؤهم سُنّة نبويّة إحتمال قريب.
- أثر عنهم رأي أساسه القياس، ولنا من بعدهم قياس يخالفه. فالإحتياط إتّباع رأيهم، لأن النبي (ص) قال: «خير القرون قرني الذي بعثت فيه».

وفي كتيّب عن ختان الإناث نقرأ ما يلي:
«نبت في زماننا أناس من جلدتنا، ويتكلّمون بكلامنا، ويعيشون بيننا أخذوا يتندّرون من سُنّة الختان للنساء، زعماً منهم أنها تؤذي المرأة، وتعرّضها لضياع شهوتها، ثم إنها في زعمهم تخالف التطوّر والحضارة والمدنيّة الحديثة. ولكن المؤمن الصادق في إيمانه يعلم أن الخير كل الخير في إتّباع من سلف، والشر كل الشر في إبتداع من خلف. لذا فنحن على طريق السلف الصالح نسير، ولن نمل من المسير. ورحم الله الأوزاعي الذي قال: «عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس. وإيّاك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول. فإن الأمر ينجلي، وأنت على طريق مستقيم». لذا فبالعودة إلى سلفنا الصالح نجد إنهم قد عرفوا ختان النساء، وكانوا يؤدّونه إتّباعاً للهدى النبوي».
فما موقف السلف من ختان الذكور والإناث قولاً وعملاً؟ هذا ما سنراه الآن.

2) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الذكور
----------------------------
قَبل أن نذكر موقف السلف من ختان الذكر علينا أن نرى ما إذا كان الختان عادة متعارف عليها بين العرب أم لا في زمن النبي.

ذكرنا سابقاً قول الجاحظ: «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا». وفي عصرنا يقول جوّاد علي: «من شعائر الدين عند الجاهليين الإختتان، وهو من الشعائر الفاشية بينهم، حتّى أنهم كانوا يُعَيِّرون (الأغرل)، وهو الشخص الذي لم يختتن». ويقول سعد المرصفي أن الختان كان عادة متأصّلة عند العرب توارثوها عن سيّدنا إبراهيم عليه السلام، ومن ثم كانت الغلفة من المستقذرات عندهم، وقد كثر ذم الأغلف في أشعارهم، فأمرؤ االقيس (توفّى تقريباً عام 540) إستهجن قيصر، وسخر منه حين دخل معه الحمّام، فرآه أغلف. حيث قال:
إني حلفت يميناً غير كاذبة لأنت أغلف إلاّ ما جنى القمر

ويضيف المرصفي أن العرب كانت تُدعى أمّة الختان ويعتمد في ذلك على رواية البخاري من حديث أبي سفيان عن هرقل (توفّى عام 610). تقول هذه الرواية:
«إن هرقل حين قدم إيلياء (القدس) أصبح خبيث النفس، فقال بعض بطارقته قد إستنكرنا هيئتك [...] وكان هرقل جزّاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمّة؟ قالوا: ليس يختتن إلاّ اليهود. فلا يهمّنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أُتِي هرقل برجل أرسل به ملك غسّان يخبر عن خبر رسول الله (ص). فلمّا إستخبره هرقل قال: إذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه. فحدّثوه أنه مختتن. وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمّة قد ظهر».

والواقع أنه لا يمكن تعميم الختان على جميع العرب. فسكّان الجزيرة العربيّة قَبل محمّد وفي زمنه كانوا ينتمون إلى ثلاث مجموعات دينيّة رئيسيّة: الوثنيّة واليهوديّة والمسيحيّة. ولم يصلنا أي نص عربي مكتوب قَبل القرآن الكريم يمكن الإعتماد عليه لمعرفة إذا كان العرب يمارسون الختان على مختلف دياناتهم أم لا. ولكن من المؤكّد أن يهود الجزيرة العربيّة كانوا يمارسون عادة الختان إتّباعاً لتعاليم التوراة. أمّا فيما يخص المسيحيّين، فمن غير المؤكّد أن يكونوا قد مارسوه. فقد رأينا كيف أفرِغ الختان من معناه الديني عندهم ولم يعد شرطاً لدخول المسيحيّة إلاّ عند من كان من أصل يهودي وبقي متمسّكاً به. والدكتور المرصفي ذاته يذكر أن الشاعر المسلم جرير (توفّى عام 733) قد ذم الشاعر المسيحي الأخطل (توفّى عام 710) معيّراً إيّاه بأنه أغلف:
في فتية جعلوا الصليب إلههم حاشاي إني مسلم معذور
والمعذور هو المختون.

وقد كتب الأب لويس شيخو (توفّى عام 1927):
«الشائع بين الكتبة المحدثين أن العرب قَبل الإسلام كانوا يختتنون. وفي زعمهم هذا نظر فإنَّ لنا عدّة شواهد تثبت أن كثيرين من العرب لم يألفوا الختانة ومن المحتمل أن النصرانيّة أبطلتها بينهم. روى صاحب الأغاني لحاجب يزيد بن المهلّب أبياتاً في هجو اليمن وممّا ينسبه إليهم أنهم غُرْل غير مختونين قال (51:13):
فللزنج خير حين تنسب والداً من أبناء قحطان العفاشلة الغرل

وجاء في التاج (324:2) بيت للفرزدق عن آل حوران غير المختتنين. ومثلهم النبط لم يختتنوا. قال في اللسان (63:7):
كأنَّ على أكتافهم نشْرُ غَرقدٍ وقد جاوزوا نيّان كالنبط الغلف

وكذلك هجا حريث بن عنّاب بني ثُعَل ودعاهم بالغُلف (أغاني 103:13). وممّا ورد في نقائض جرير والفرزدق (ص 669) أن بني عامر يوم شِعب جبَلة قتلوا ثمانين غلاماً أغرل. وفي أمالي القالي (46:3) ما يثبت رأينا قال: «روى الأصمعي عن سَلم بن قتيبة قال: كانت اياد ترِد المياه فيرى منها مائتا شاب على مائتي فرس بشيةٍ واحدة وكانوا أعدَّ العرب وأنهم إستقلّوا بعشرين ألف غلام أغرل فأوغلوا حتّى وقعوا ببلاد الروم». وقد ذكر إبن الأثير في تاريخه في وصف أيّام العرب أنّه كان 60.000 منهم غلفاً دون ختانة. فلا شك أن النصرانيّة بانتشارها في جزيرة العرب قَبل الإسلام كانت أبطلت تلك السُنّة بين كثير من القبائل».

أمّا بخصوص العرب الذين كانوا ينتمون إلى الوثنيّة، فمن غير المؤكّد بتاتاً أنهم مارسوا الختان. فالتوراة تعتبر العرب شعب غير مختون (أنظر أرميا 25:9). وكذلك
الأمر بخصوص الفلسطينيين في نصوص توراتيّة كثيرة ذكرناها سابقاً. ويذكر المؤرّخ اليهودي «يوسيفوس» أن ملكاً عربياً أراد الزواج من سلّومة أخت الملك هيرودوس، ففرض هذا الأخير عليه أن يختتن. إلاّ أن الملك العربي رفض ذلك معلّلاً رفضه بأن العرب تبغض هذه العادة وأنهم سوف يرجموه إذا ختن. وأمّا شعر أمرؤ القيس الذي إستشهد به الدكتور المرصفي فلا يمكن الإعتماد عليه كمصدر تاريخي أكيد. ونعيد هنا القارئ إلى كتابي الدكتور طه حسين «في الشعر الجاهلي» و«في الأدب الجاهلي» الذي شكّك في صحّة ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي.

وقصّة هرقل من الملاحم التي لا يمكن الإعتماد عليها. فالتاريخ يبنى على ما هو راجح وما هو في طبيعة الأمور وليس على ما هو خارق للطبيعة. وهذه القصّة تذكّر بقصّة أخرى جاءت في إنجيل متّى الذي يروي أن مجوساً من المشرق قد قدموا إلى القدس لأنهم رأوا نجماً فاعتقدوا أنه يشير إلى ميلاد ملك اليهود فأرادوا أن يسجدوا له. وقد فسّر كهنة اليهود ظهور هذا النجم بأنه إشارة إلى ميلاد المسيح في بيت لحم. فخاف هيرودس على عرشه وقرّر قتله. لذا طلب من المجوس أن يبحثوا عن الطفل ويخبروه بمكانه، ولكنّهم لم يعودوا له. فأمر هيرودس بقتل كل طفل في بيت لحم وجميع أراضيها من إبن سنتين فما دون ذلك.

ومن جهة أخرى، رأينا أن ختان النبي محمّد موضع شك بين المؤلّفين المسلمين القدامى أنفسهم. وما كان لهم أن يختلفوا في حدث كهذا لو أن العرب كانوا يختنون. وإذا رجعنا إلى إحدى الروايات التي تتكلّم عن ختان النبي محمّد، نجدها تقول إن جدّه عبد المطّلب بن هاشم هو الذي ختنه يوم سابعه. وتحديد يوم ختانه باليوم السابع (دون عد يوم مولده) يعني أنه ختن على سُنّة اليهود الذين يختنون في اليوم الثامن (مع عَد يوم مولد الطفل). ولا يمكن الوثوق في هذه الرواية (التي قد تكون من إختلاق اليهود) إلاّ إذا إعتبرنا أن محمّد ينتمي إلى قبيلة يهوديّة. والواقع أن قبيلته قريش كانت ذات أكثريّة وثنية تحوّل بعض أفرادها إلى المسيحيّة مثل القس ورقة بن نوفل (توفّى عام 610) الذي يقول عنه إبن هشام: «إستحكم في النصرانيّة واتّبع الكتب من أهلها حتّى علم عِلماً من أهل الكتاب». ولهذا القس صلة بالنبي محمّد. فقصي هو الجد الثالث لورقة والجد الرابع للنبي محمّد، وهو إبن عم خديجة زوجة النبي الأولى، ويرى البعض أنه هو الذي قام بمراسيم الزواج. وما كان لورقة بن نوفل أن يزوّجهما لو لم يكونا حين ذاك مسيحيّين، إذ إن رجال الدين المسيحيّين، حتّى يومنا هذا، لا يقومون بزواج من لا ينتمي لطائفتهم. ونعرف أن محمّداً بقي مع خديجة بمفردها ولم يجمع بين النساء إلاّ بعد وفاتها، وهو النظام المتّبع عند المسيحيّين.

ويسوق لنا مؤيّدو ختان الذكور أقوال لابن عبّاس عن ضرورة ختان الذكور. وابن أبي الدنيا يذكر حديثاً عن القاسم قال: «أرسلت إلي عائشة بمائة درهم فقالت، أطعم بها على ختان إبنك». كما يذكر عن عكرمة عن إبن العبّاس «إنه ختن بنيه فأرسلني بلعّابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم». وفي حديث ثالث: «حدّثت عن داود بن رشيد حدّثنا عيّاض بن محمّد الرقي قال: سألت عبد الله بن يزيد: هل رأيت وائلة بن الأسقع. قال: نعم كان في ختان إبنه حين صنع طعاماً ودعى الناس وكان مؤتزراً بسبتة غليظة معه صراحيتان فيهما طلاء على الثلث يسقيه الناس ويقول: إشربوا بارك الله فيكم».

يرتكز مؤيّدو الختان على هذه الشواهد للإستنتاج بأن هذه العادة كانت منتشرة في عهد الرسول وبين أصحابه. ولكن هناك شواهد أخرى تناقض هذه الشواهد نذكر منها ما يلي:

أ) «إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله»
-----------------------------
في مسند أحمد إبن حنبل نقرأ ما يلي: «دعي عثمان بن أبي العاص (توفّى عام 671) إلى ختان فأبى أن يجيب. فقيل له، فقال: إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله، ولا ندعى إليه».
وقد أورد هذا الحديث أيضاً إبن قدامة (توفّى عام 1223). كما ذكره إبن حجر بمعنى الدعوة إلى الختان وأضاف «أخرجه أبو الشيخ من رواية فبيّن أنه كان ختان جارية». أي أن الدعوة التي وجّهت إلى عثمان كانت لحضور حفل ختان جارية. ولكنّنا نحن نفهم كلمة «نأتي الختان» بمعنى «نُجري الختان». فهناك حديث نبوي يقول: «إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرساً كان أو غير عرس». ولو فهمت كلمة «نأتي الختان» بمعنى «نحضر حفل الختان»، لما كان لعثمان أن يرفض الدعوة.
ونشير هنا إلى أن الكتّاب المسلمين المؤيّدين لختان الذكور لا يذكرون هذا الحديث، ولم نجده إلاّ في هامش مقدّمة عصام الدين حفني ناصف التي كتبها لكتاب «الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية». وهذا الكاتب من معارضي ختان الذكور. كما نجده في كتاب سعد المرصفي الذي فسّر كلمة «نأتي الختان» بمعنى «نحضر حفل الختان».

ب) «ليس لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع»
--------------------------------------
هناك سؤال وجّه إلى الإمام حسن بن علي يقول:
«إنه روي عن الصادقين عليهم السلام أن أختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف، وليس جعلني الله فداك لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، وعندنا حجّامو اليهود فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا إن شاء الله؟» فوقع عليه السلام: «السُنّة يوم السابع، فلا تخالفوا السُنَن إن شاء الله».
ومن هذا السؤال نستنتج أن اليهود هم الذين كانوا يختنون، وأن العرب غير اليهود لم يكن عندهم من يحذق الختان ممّا يعني أنهم لم يكونوا يمارسونه فلا خبرة لهم فيه. وذكر اليوم السابع للختان علامة واضحة لتأثير اليهود.

ج) «أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتّش أحد منهم ولم يختتنوا»
----------------------------------------
يقول إبن قيّم الجوزيّة:
«قال الحسن البصري: قد أسلم مع رسول الله (ص) الناس: الأسود والأبيض، الرومي والفارسي والحبشي فما فتّش أحداً منهم، وقال الإمام أحمد، حدّثنا المعتمر عن سلم بن أبي الذيال قال: سمعت الحسن يقول: يا عجباً لهذا الرجل، يعني أمير البصرة لقي أشياخاً من أهل كيكر فقال: ما دينكم؟ قالوا: مسلمين. فأمر بهم ففتّشوا فوجدوا غير مختونين فختنوا في هذا الشتاء، قد بلغني أن بعضهم مات. وقد أسلم مع النبي (ص) الرومي والفارسي والحبشي فما فتّش أحداً منهم».
وقد رد إبن قيّم الجوزيّة على هذا الحديث:
«إنهم إستغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان. فإن العرب قاطبة كلّهم كانوا يختتنون واليهود قاطبة تختتن، ولم يبق إلاّ النصارى، وهم فرقتان: فرقة تختتن وفرقة لا تختتن. وقد علم كل من دخل في الإسلام منهم ومن غيرهم أن شعار الإسلام الختان. فكانوا يبادرون إليه بعد الإسلام كما يبادرون إلى الغسل. ومن كان منهم كبيراً فشق عليه ويخاف التلف سقط عنه».
ولكن رد إبن قيّم الجوزيّة يخالف رواية أخرى ينقلها إبن قدامة عن الحسن البصري «أنه يرخّص في ختان [الذكور]، فهو يقول إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتّش أحد منهم ولم يختتنوا» . أنظر الفقرة كاملة لاحقاً.

د) «ليس في باب الختان... سُنّة تتّبع»
-----------------------
ناقش إبن قيّم الجوزيّة السن الذي يجب أن يختن فيه الصبي. وقد ذكر في هذا المجال قولاً لابن المنذر: «ليس في هذا الباب نهي يثبت وليس لوقوع الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تستعمل». والنووي (توفّى عام 1277) ينقل عن إبن المنذر قولاً آخر: «ليس في باب الختان نهي يثبت ولا لوقته حد يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع والأشياء على الإباحة ولا يجوز حظر شيء منها إلاّ بحجّة ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيّام حجّة».

هـ) «إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً»
----------------------------------
نقرأ في تاريخ الطبري أن الخليفة عمر بن عبد العزيز (توفّى عام 720) كتب إلى الجرّاح بن عبد الله (توفّى عام 730) بعدما إحتل خراسان: «أنظر من صلّى قِبَلك إلى القبلة فضع عنه الجزية. فسارع الناس إلى الإسلام. فقيل للجرّاح: إن الناس قد أسرعوا إلى الإسلام، وإنّما ذلك نفوراً من الجزية، فامتحنهم بالختان. فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر: إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً».

وعليه يمكننا أن نقول بأن المجموعة الوحيدة التي مارست ختان الذكور بصورة أكيدة باعتباره واجباً دينيّاً في الجزيرة العربيّة هي الطائفة اليهوديّة، وأن الختان بين المسلمين لم يكن يعتبر واجباً. وقد رأينا سابقاً أن الأحاديث النبويّة حول ختان الذكور هي موضع شك بين الفقهاء المسلمين أنفسهم وقد تكون من الإسرائيليّات التي أدخلها اليهود ومن أسلم منهم في المجتمع الإسلامي أمثال كعب الأحبار. وإن صح أن (بعض) العرب كانوا يعيّرون غير المختون بكلمة «يا إبن الأغلف» فقد تكون هذه عبارة تناقلوها عن اليهود الذين يعتبرون غير المختونين نجساً.

3) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الإناث
----------------------------
رأينا سابقاً حديث «خاتنة الجواري» الذي يستدل به مؤيّدو ختان الإناث على ضرورته. وهم يردّون على من ضعّف هذا الحديث أن ختان الإناث كان معمولاً به عند السلف. وهم يذكرون في هذا المجال عدّة شواهد نذكر منها:

- حديث أم علقمة. هذا الحديث يقول: «إن بنات أخي عائشة رضي الله عنها ختن فقيل لعائشة ألا ندعوا لهن من يلهيهن؟ قالت بلى. فأرسلت إلى عدي فأتاهن. فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنّى ويحرّك رأسه طرباً وكان ذا شعر كثير. فقالت: أف، شيطان أخرجوه، أخرجوه». ويستنتجون من ذلك «على أن الختان كان موجوداً ومطبّقاً بالفعل على بنات أخي السيّدة عائشة. فلو لم يكن على الأقل سُنّة لما سكتت عنه السيّدة عائشة بل قد أيّدته السيّدة عائشة وأمرت باللهو في الختان».

- حديث أم المهاجر يقول: «سبيت وجواري من الروم، فعرض علينا عثمان الإسلام، فلم يسلم منّا غيري وغير أخرى. فقال: أخفضوهما وطهّروهما، فكنت أخدم عثمان».

- حديث دعوة عثمان بن أبي العاص: «دعي عثمان بن أبي العاص إلى طعامه. فقيل: هل تدري ما هذا؟ هذا ختان جارية. فقال: هذا شيء ما كنّا نراه على عهد رسول الله (ص) وأبى أن يأكل».

ويذكر الجاحظ في كتابه «الحيوان»: «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا». ويضيف: «والهند توافق العرب في كل شيء إلاّ في ختان النساء والرجال، ودعاهم إلى ذلك تعمّقهم في توفير حظ الباء». ويذكر أيضاً: «وقد كان رجل من كبار الأشراف عندنا يقول للخاتنة: لا تقرضي إلاّ ما يظهر فقط».

وفي عصرنا يقول جوّاد علي إن من الجاهليين، «ولا سيما أهل مكّة من يختن البنات [...] بقطع (بظورهن). وتقوم ذلك (الختّانة) (الخاتنة). وقد كانوا يعيّرون من تكن أمّه (ختّانة) نساء. فإذا أرادوا ذم أحد قالوا له: يا إبن مقطّعة البظور». ونحن نجد إستعمالاً لهذه المسبّة في مسند إبن حنبل.

وإن كان واضحاً أن ختان الإناث كان يعمل به في زمن النبي، إلاّ أن كتب التراث لم تذكر لنا أن النبي ختن بناته. فهذه العادة لم تكن عامّة. وابن الحاج يقول: «واختلف في حقّهن هل يخفضن مطلقاً أو يفرّق بين أهل المشرق وأهل المغرب. فأهل المشرق يؤمرون به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن». وقول إبن الحاج هذا يعني عدم إنتشار ختان الإناث بصورة متساوية بين المسلمين، بل هي عادة محلّية محصورة جغرافياً. وحتّى يومنا هذا نجد إختلاف في هذا الإنتشار فأهل المغرب (المغرب وتونس وليبيا) ودول إسلاميّة أخرى لا تمارس ختان الإناث في عصرنا.

ومن جهة أخرى يظهر أن ختان الإناث لم يكن يمارس على جميع الطبقات بالسواء. فإن كان صحيحاً أن بعض النصوص تتكلّم عن «ختان النساء»، إلاّ أن هناك نصوص أخرى تحدّد الختان بالجواري. فالحديث المشهور الخاص بأم عطيّة يقول بأنها «عرفت بختان الجواري»، وفي رواية أخرى بأنها «خفّاضة تخفض الجواري». والشيعة تنقل عن جعفر الصادق: «ختان الغلام من السُنّة وخفض الجواري ليس من السُنّة». وفي حديث آخر لجعفر الصادق: «خفض الجارية مَكرُمَة وليس من السُنّة». والباجي (توفّى عام 1081) ينقل عن مالك: «من إبتاع أمة فليخفضها إن أراد حبسها وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه». وكلمتا «االجارية» و«الأمة» تنطبقان عادة على طبقة معيّنة من النساء وليس على جميع النساء.

----------------------
سوف استمر في مقالي القادم في عرضي للختان عند المسلمين
يمكنكم تحميل كتابي ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين
http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic
وطبعتي للقرآن بالتسلسل التاريخي مع المصادر اليهودية والمسيحية
http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل جريمة الختان (35) : المشككون والرافضون للأحاديث
- مسلسل جريمة الختان (34) : احاديث متفرقة تحث على الختان
- مسلسل جريمة الختان (33) : المسلمون يتحججون بانجيل برنابا
- مبادرة الحق في سلامة الجسد
- مسلسل جريمة الختان (32) : ختان هاجر لتبرير ختان الاناث
- مسلسل جريمة الختان (31) : حديث خاتنة الجواري
- مسلسل جريمة الختان (30) : الختان وسنن الفطرة
- دعوة لزيارة مدونتي وموقعي
- مسلسل جريمة الختان (29) : الختان في السنة
- مسلسل جريمة الختان (28) : ختان الذكور والاناث مخالف للقرآن
- مسلسل جريمة الختان (27) : المسلمون يتحججون بأن الختان صبغة ا ...
- مسلسل جريمة الختان (26) : المسلمون يتحججون بختان ابراهيم
- مسلسل جريمة الختان (25) : الختان في القرآن
- صوم وصلِّي رزقك يُوَلِّي
- مسلسل جريمة الختان (24) : الخصيان في ترانيم الكنيسة
- مسلسل جريمة الختان (23) : الكنيسة بين الختان والخصيان
- مسلسل جريمة الختان (22) : تكريم ختان المسيح وغلفته
- مسلسل جريمة الختان (21) : موقف المسيحيين الامريكيين المعارضي ...
- مسلسل جريمة الختان (20) : موقف المسيحيين الامريكيين المؤيدين
- هوس الاعجاز الحسابي والعلمي والغيبي عند المسلمين


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - سامي الذيب - مسلسل جريمة الختان (36): الختان في سنة السلف