|
إسقاط الشخصية على الآيات القرآنية
نافذ الشاعر
الحوار المتمدن-العدد: 3805 - 2012 / 7 / 31 - 00:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإسقاط غريزة فطرية في النفس الإنسانية، فأحيانا نتأمل الجدران الملطخة والأحجار المبقعة فنرى فيها صورا وأشكالا لبلدان متنوعة تزينها الجبال، وتجري فيها الأنهار، ونرى فيها الأحجار والأشجار والسهول الواسعة والتلال على اختلاف أشكالها. كما يمكننا أن نرى فيها معارك مختلفة وأفعالا متنوعة تقوم بها مخلوقات غريبة الأشكال، ونشاهد العديد من الوجوه والملابس وأشياء أخرى كثيرة لا يمكن حصرها هنا، ومن يتعامل مع تلك الجدران والأحجار، يشبه من ينصت إلى صوت الرياح فيسمع فيها كل اسم أو حرف أو كلمة يمكن أن يتخيلها"[1]
من هنا انبثقت الطرق الاسقاطية أو اختبارات إسقاط الشخصية.. فهي وسائل غير مباشرة لقياس شخصية الإنسان في شتى جوانبها السوية منها أو غير السوية، "وتتمحور هذه الفكرة حول عرض المواقف الغامضة والصور غير المكتملة بهدف دفع الإنسان لإيجاد التفسيرات والحلول على طريقته الخاصة. وهكذا يجد الإنسان نفسه مضطراً لاستعمال تجاربه، وخبراته، وخياله، ورغباته، وذاكرته وكافة عناصر لا وعيه.. وذلك بهدف إيجاد التفسيرات والحلول للمشاكل التي يطرحها الاختبار الإسقاطي. سواء كانت جملاً تعرض مشاكل محددة، أو صوراً تطلب إيجاد تفسيرات معقولة ومحتملة. وبهذه الطريقة يتيح لنا الاختبار أن نطلع على عناصر لا وعي الشخص، وأن نفهم شخصيته وميوله بشكل أعمق"[2]
والطرق الإسقاطية، مع تعددها، تعتمد على مفهوم الإسقاط الذي هو عملية دفاعية لا شعورية يعزو بها الفرد دوافعه وإحساساته ومشاعره إلى الآخرين، أو إلى العالم الخارجي. والإسقاط كما يستخدم في الطرق الإسقاطية يشير إلى منبه أو مثير غامض غير محدد يقدم إلى الفرد ويطلب منه تأويله وإعطاء معنى له، وتعكس إجابة الشخص، عند ذلك، دوافعه وحاجاته وميوله وذاته ونزعاته.. وهذه المنبهات الخارجية الغامضة أنواع متعددة مثل بقع الحبر، أو الكلمات، أو الجمل الناقصة، أو الصور، أو السحب.. الخ. ويُفترض أن يكشف الشخص في استجابته لهذه المنبهات وأمثالها عن تركيب شخصيته وقيمه ومثله العليا ومشاعره ودوافعه[3]
من هذا المفهوم وضع ما يسمى "اختبار تفهم الموضوع" T.A.T الذي يعتبر وسيلة لفحص ديناميات الشخصية. ويحتوي هذا الاختبار على 31 صورة غامضة بعض الشيء، وتحمل كل منها تأويلات شتى، ثم يطلب من الشخص أن يقص علينا قصصاً عن كل صورة من هذه الصور. بمعنى أن القصص التي يقصها الشخص عن كل صورة تعتبر إسقاطات من الفرد أثارتها تلك الصور. وهذه الصور، التي يحتويها هذا الاختبار، تتناول كل صورة منها جزءاً خاصاً من حياتنا نحن البشر. ومن مجموعها نكون صورة متكاملة عن حياة الشخص النفسية، لذلك من المفترض أن يتأثر كل إنسان بصورة واحدة من هذه الصور على الأقل. لأن كل صورة- وهذه أمنيتهم منذ البداية- وضعت على أساس أن تمس جانباً من جوانب النفس المختلفة، وعند ذلك نضع أيدينا على خفايا وسواتر الشخصية، كما يقولون!
هذه المقدمة عن الإسقاط سقناها لنقرر بعدها أن القرآن- بحسب هذا المفهوم- يعتبر اختباراً لإسقاط الشخصية، وقد سبق علماء النفس في هذا المضمار. ولا نقصد بالإسقاط ما يقصده النفسانيون تماماً، وإنما نقصد جانباً خاصاً في الإسقاط هو الاستجابة أو رد الفعل التي تصدر من شخص ما عند تعرضه لمثير ما. فكل قارئ للقرآن تجده يتأثر بآية قد لا يتأثر بها غيره، وقد تستثير فيه انفعالات وأحاسيس لا تستثيرها فيمن سواه، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن الآية التي لا تستثير فينا أي انفعال في وقت من الأوقات.. فإن هذه الآية تزلزل كياننا النفسي برمته في أوقات بعينها.. وهذا بحسب التجربة التي نمر بها في تلك اللحظات. "عند ذلك ، تتفتح الآيات عن رصيدها المذخور، وتتفتح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة. وهنا تتحول تلك النصوص من كلمات وسطور إلى قوى وطاقات، وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها. تنتفض خلائق حية، موحية، دافعة، دافقة، تعمل في واقع الحياة، وتدفع بها إلى حركة حقيقية، في عالم الواقع وعالم الضمير"[4]
ومن هنا، كانت فائدة قراءة المسلم جزءاً من القرآن يومياً على الأقل. لأن هذا الجزء لابد أن يصادف فيه القارئ، على الأقل، آية واحدة تمس جانباً مما حدث معه أثناء النهار، فتجعله يعيد حساباته، ويراجع أفعاله وتصرفاته!
وأضرب مثلا بنشأة النظرية الشيعية؛ فقد نتج عن توالي الإحباطات الشيعية لاسيما بعد مقتل الحسين في كربلاء، أن تقوقع آل الحسين على أنفسهم يتحسرون في الحجاز، وهنالك التف حولهم فلول من الأشياع درجت على ممارسة النقمة الصامتة، الأمر الذي تحول إلى مبالغة في التعصب يؤججها القهر والإحباط، وتؤجج هي بدورها لدى آل الحسين أشواقا دفينة للانتقام فضلا عن الوصول إلى حقهم المهضوم. ولكن الواقع كان شديدا وعاتيا، إلى درجة الإحساس باستحالة النيل منه، بل حتى التعامل معه، مما كرس في النهاية ذلك التوجه العجيب في إسقاط ما بداخل نفوسهم على فهم وتأويل آيات القرآن الكريم للتنفيس عن تلك الأشواق المكبوتة والتعصب المقموع..
وحين نمعن النظر في تأويلات الشيعة لآيات القرآن الكريم، نشعر كما لو كان إثبات الولاية لعلي وأبنائه هي قضية القرآن الكبرى؛ فأهل البيت هم "حبل الله" حين قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ). وهم الصادقون الذين عناهم الله بقوله (وكونوا مع الصادقين). وهم صراط الله المستقيم في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وهم "الهداة" الذين قال الله فيهم: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7،. بل هم المذكورون في فاتحة الكتاب، فالصراط المستقيم هو صراط محمد وآله. والمغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحا، لا تتحقق إلا بالاهتداء إلى ولايتهم؛ فذلك هو قول الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)؛ فاهتدى يعني اهتدى لولاية أهل بيته، وسوف يسأل الناس عن ولايتهم يوم القيامة؛ فذلك هو معنى قوله تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24 أي عن ولاية علي وأهل البيت، والمعنى أنهم مسئولون هل والوهم حق المولاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها فتكون عليه المطالبة والتبعية"[5]
------------------------------------------------------------------ [1] نظرية التصوير: ليوناردوادافنشي، ترجمة عادل السيوي، ص 100، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة [2] إسقاط الشخصية في اختبار تفهم الموضوع: محمد أحمد نابلسي وسعاد موصللي، ص6، دار النهضة العربية. [3] أصول الصحة النفسية: أحمد عبد الخالق، ص118، دار المعرفة الجامعية. [4] في ظلال القرآن: سيد قطب، جـ5/ 3836 [5] السلطة في الإسلام: عبد الجواد ياسين، ص222، المركز الثقافي العربي
#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم (ما تيجي نرقص)
-
مفهوم الشعر والسحر
-
عصر الردة الطبية
-
العمر الزمني والعمر البيولوجي
-
قراءة في قصص الكاتبة حوا سكاس
-
هل يترقى الإنسان روحيا مع الزمن؟
-
في الأزهر
-
ما كان خلف الطريق (نقد)
-
الوراثة والاكتساب
-
المرأة المصرية
-
رشة عطر وقصص أخرى (نقد)
-
انتهى عصر المعجزات
-
الخرافة في الأديان
-
يأجوج ومأجوج
-
الإسراء والمعراج إشارات علمية ونبوءات مستقبلية
-
ساعة بيولوجية تدق للصلاة
-
الإنسان وحرية الإرادة
-
مفهوم -اللوح المحفوظ- في ضوء العلم الحديث
-
تأملات في ملة الصابئة
-
ما هي الروح
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|