ثائرة شرف الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1111 - 2005 / 2 / 16 - 11:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنت قد تلقيت ردودا كثيرة وتعليقات حول مقال نشرته , طرحت فيه فكرة التحرر من سيطرة العادات والتقاليد أو القوانين القديمة التي تتحكم بمجتمعاتنا , والتي جعلتنا آخر الأمم , نحن في واد والعالم يسير بواد, حتى بتنا مهزلة للأقوام والشعوب المتحضرة في كل شيء حتى بلباسنا المضحك وبرجال ديننا الذين اعتقدوا الإسلام عمة ولحية ومسبحة وحقدا على الأديان الأخرى ودونية للمرأة وعقلها , كانت بعض الردود لا تستحق الرد عليها لضحالة كتابها وجهلهم الذي دفعهم لكتابة شتائم وسب لا طائل من وراءه ولا فائدة ,رغم أن بعضهم وضع حرف الدال أمام اسمه دجالا على حصوله على شهادة عالية , وما اكثر الحاصلين عندنا على هذه الشهادات العالية التي لم أر أنها أفادتنا برفع مستوى مجتمعاتنا وحيواتنا بمستوى غيرنا من الشعوب المتحضرة والتي لا تمتلك كل هذا القدر الهائل من أصحاب الشهادات العليا التي ملكناها وبعض الردود بل أغلبها كان رائعا ومنتصرا للفكر الإنساني ومتفقا مع ما ذهبت أليه , أما الذي أثارني لكتابة هذا المقال هو أن البعض يعتقد أن أي مقال لا يدعم بإسناد من مصادر كتبت قبل اكثر من ألف عام فهو ضعيف , هنا أريد أن أقول كلمة لابد منها في هذا المقال وهي :
أننا نحن العرب أو المسلمين لازلنا لم نتحرر من سيطرة أفكار القدماء علينا رغم اختلاف العصور بيننا وبينهم , رغم انهم عاشوا بمجتمعات بسيطة لا يربطنا بها اليوم سوى بعض القيم والأخلاق التي توارثناها ولان طبيعتنا مصرة على البقاء دون تطور أبقينا عليها كما هي , أخلاقا بدوية , رجولية , مليئة بالتناقضات , تمجد الزيف والفخر القبلي الكاذب الذي كان يمارسه العرب بالجاهلية ذاته, وليس للإسلام علاقة به , كما أننا لازلنا لا نؤمن بعقولنا , ولا نؤمن بأننا يمكن أن نوجد ونخلق أفكارا لنا , وطرقا تنظم حياتنا , بل أسلوب حياة نستطيع أن نسير عليه يناسب مجتمعنا الحالي , دونما يتناقض مع بقية البشر على وجه الأرض , لذلك نعتقد أن كل ما يطرحه كاتب أو مفكر متنور لابد وأن يستند لفكر إنسان من زمن قديم , زمن الصحراء والخيام والبداوة , لازلنا ننفي أن العالم قد تطور وان فكر الإنسان الذي يعيش اليوم وقد استفاد من كل المخترعات الحديثة بالاتصالات , واستفاد من كل الأفكار القيمة للشعوب الأخرى بعد أن اصبح العالم صغيرا عن طريق وسائل المواصلات وعن طريق الانترنيت وسواه من كل ما يجعل العالم وحدة لا يمكن أن يتخلف عن ركبها سوى من يرغب بالموت والاندثار.
لا ادر لماذا يصر البعض على ضرورة أن نستشهد بأفكار آخرين عاشوا قبلنا بأكثر من أربعة عشر قرنا واستمدوا أفكارهم من مجتمعهم البسيط والخالي تقريبا من كل ما لدينا , لنأتي ألان ونسأل أنفسنا سؤالا منطقيا وواقعيا , بدون أن نتحدث عن مبادئ وأفكار عامة , لنعد إلى التاريخ ما قبل ثلاثمائة عام وليس أربعة عشر قرن , لنرى ما الذي سينفعنا مما بذاك الزمن لنستفيد منه اليوم؟
في الناحية العلمية
أن التطور اليوم بلغ حدا لا يمكن للإنسان معه أن يبقى متمسكا فقط بما كان لديه قبل ثلاثة قرون , فالمخترعات الحديثة لا تمت ولا بأي شكل من الأشكال بعلم القرون الماضية حتى وان كانت قريبة على زماننا فكيف بالقرون السحيقة بالقدم , هل نستطيع أن نجد بعلم ما قبل ثلاثة قرون شيئا عن علوم الكهرباء ؟ أو الهاتف ؟ أو العلوم الطبية الحديثة , أو علوم الهندسة الحديثة ؟ أو علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات سوى اللهم البديهيات التي اعتمدها العلماء كأوليات للانطلاق منها إلى المخترعات الحديثة, والبديهيات لا يمكن أن تنفع ما لم يستخدم الإنسان منها فكره الجديد واختراعه للاستفادة منها والاستناد عليها كأوليات
في الناحية الاقتصادية
هل هناك أنظمة بنوك توجد عند العرب قبل أربعة عشر قرنا أو حتى ثلاثة قرون ليستفاد منها ؟ أبدا كل التعامل الاقتصادي السائد بالعالم اليوم لا يمت بأي شكل من الأشكال بالتعاملات المالية سابقا سوى اللهم بالثقة والصدق وحسن النوايا الواجب وجودها بالتعاملات الاقتصادية والتي للأسف تفتقد لها اكثر التعاملات الاقتصادية بالعالم العربي
من الناحية العسكرية
أي نظام عسكري في تاريخنا القديم نستطيع اليوم الاستفادة منه؟ هل نستطيع أن نطور السيف لنحارب به القنبلة النووية؟ أم لابد من تدريب الحصان ليصبح أسرع من الطائرة النفاثة؟ لا أر أن هناك شيئا واحدا في التاريخ العسكري نستطيع الاستفادة منه اليوم , حتى الشجاعة التي تميز بها العرب سابقا والتي تمنح صاحب الحق قوة وقدرة على الانتصار لم تعد مهمة ألان لان المواجهة اليوم ليس مبارزة قتال بالسيف لينتصر الشجاع أو صاحب الحق ويهرب الجبان أو الغادر والمعتدي
من الناحية الاجتماعية والسياسية
كانت المجتمعات لازالت بسيطة تعيش بحياة القبيلة وكان الفرد لا يملك إلا أن يكون عضوا بجماعة تحميه وإلا قضي عليه , ألان المجتمعات تطورت واخذ الإنسان استقلاليته وأصبحت كل الأمور شخصية وليست جماعية كما كانت, ولم يعد حاكم القبيلة يتحدث باسم جموع من الناس , ولم يعد الإمام مسؤولا عن مجموعة من المؤيدين والتابعين , صار لكل إنسان صوتا ومن حقه أن يدلي به متى شاء وهو فقط من حقه أن يعطيه لمن يشاء , كما اصبح الإنسان لا يرض أن يكون فقيرا يتصدق عليه الأغنياء ,لقد ثار الإنسان وتمرد على الأفكار والأديان التي تجعل الفضل دائما للأغنياء على الفقراء اذ يتصدقوا عليهم طوال حياتهم , وقد أسست المجتمعات الحضرية نظاما للضمان الاجتماعي وللتضامن والتكافل , لا يشعر معه المرء أنه يعيش على فضلة الأغنياء بل اصبح له حق , وحقه لابد من أن تؤديه له الحكومة وهو واجبها كما واجبها حماية الناس من الأمراض وتطوير دور الطبابة والعلم والمعرفة وتعليم الناس القراءة والكتابة.
لم تعد الأنظمة السياسية اليوم ثيوقراطية , تقدس الملوك أو الولاة والأمراء وسواهم , عدا الملوك العرب إذ يدعون جميعا انهم من أنساب النبي وأهل بيته , ليسيطروا على السلطة حتى أبناء أبناءهم ويتوارثوها , وأن كان هناك ملكات وملوك ببعض بلدان الغرب فليس لهم في الدولة سوى منصبا صوريا لا يتدخل بكل ما تقرره البرلمانات المنتخبة من الشعوب, أما من ناحية دور المرأة فهي أصبحت متعلمة اكثر من السابق , حصلت على كل الشهادات ودرست كل العلوم التي درسها الرجل ودخلت نفس ميادين عمله , فلم تكن قبل ثلاثة عقود أو أربعة عشر عقدا امرأة طيارة , ولا امرأة خبيرة بعلوم الذرة والفيزياء والقانون الخ من كل العلوم والأعمال التي خاضتها المرأة اليوم
أخيرا هناك حقيقة لابد من أن نفهمها لنكون جزءا من هذا النظام الكوني السائر بالعالم, وحتى لا يسحقنا الزمن , وهي أن هناك قطع بتأريخ البشرية , وأن التطور الحاصل أخيرا جعل الحبال الرابطة بالتأريخ واهية , فما حصل من تطور في القرنين الأخيرين جعل الفائدة من التأريخ قليل جدا , إلا في مجال الفلسفة والحكمة التي هي أساس العقل البشري والتي تستطيع أن تبني القيم والأخلاق الإنسانية الحقيقية وأن تنتج إنسانا يستطيع أعمار الكون فعلا , لو انه تفهم ما يحيط به من تطور مستمر دون توقف وتفهم أن الحياة متجددة غصبا عنا, وعن كل رغباتنا بإعادة القديم , ففي كل يوم جديد , وللأسف أن كتب الحكمة والفلسفة أصبحت آخر ما يفكر به إنسان اليوم إلا الأقلية منهم , فمن اليوم يقرأ ما كتبه ابن رشد وابن خلدون وسقراط وارسطو وافلاطون ؟ كم قارئ اليوم يستعير كتب الفلسفة والحكمة ؟ إنها اقل بكثير مما يستعار من كتب الانترنيت أو كتب الأدب التي باتت اغلبها للتسلية وقضاء الوقت, أو كتب العلم الحديث الذي يذهل الكون بتسارعه, أو كتب التجارة التي أصبحت المتهم الأول عن خراب الذمم والعقول نحو الطمع وإدخال الناس في دائرة الربح المتزايد غير المتوقف والاحتكارات الذي يجعل التاجر فاغرا فاه دون كلل ودون أن يقول كفى, ولو علم أن نصف الكرة الأرضية يجوع بسبب جنون حب المال .
#ثائرة_شرف_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟