أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد العليمى - حول النقد الماركسى للقانون















المزيد.....


حول النقد الماركسى للقانون


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 3803 - 2012 / 7 / 29 - 22:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حول النقد الماركسى للقانون*

روبرت فاين وسول بيكيوتو

مَثَّل إحياء الماركسية فى أوروبا الغربية فى الستينيات والسبعينيات رد فعل ضد إخفاق كل من الستالينية، التى دعمت العقائد الجامدة وطغيان اشتراكية الدولة، من ناحية والليبرالية الراضية عن ذاتها التى تجاهلت أو تسامحت مع عدم المساواة والقمع فى ظل الرأسمالية، من ناحية أخرى. وعلى ذلك تميز النقد الماركسى بفعالية مزدوجة بتركيزه على حدود كل من الحرية البورجوازية فى أنظمة مؤسسة على الملكية الخاصة، والحرية "الاشتراكية" فى نظم مؤسسة على ملكية الدولة.
إن السؤال المركزى الذى يتعلق بدور القانون فى المجتمع الطبقى هو استقلاله الذاتى وحياده الظاهر. وقد أضفى التقليد الاشتراكى الديموقراطى طابعاً مثالياً على الشرعية القائمة فعدها نظاماً يمكن أن ندرج فيه أى مضمون اجتماعى، رأسمالياً كان، أم اشتراكياً. وقد جرى التعبير عن ذلك من خلال وجهة النظر الكلاسيكية التى عرضها كارل رينر Karl Renner ومفادها أن أشكال القانون لا تتغير وإنما وظائفها فقط (بوتومور وجوود، 1978، رينر 1949). فى هذا المنظور لا يمكن أن يتحقق حكم القانون تماماً إلا فى ظل الاشتراكية، مادام القانون تشوهه وتفسده المصالح الخاصة فى ظل الرأسمالية. وعلى ذلك يعنى الانتقال إلى الاشتراكية مقرطة مؤسسات الدولة، خاصة من خلال السلطة التشريعية، والتوسع التدريجى للتنظيم القانونى فى المجال الخاص بواسطة التشريع الاجتماعى (خاصة من خلال تأميم الصناعة وكذلك أيضاً بواسطة تشريع الرعاية حول التوظيف، التأمين الاجتماعى، حماية الطفل، إلخ).
انتقد الماركسيون المعاصرون هذه النظرة للأشكال القانونية بسبب إضفائها طابعاً مثالياً غير تاريخى على التعليل القانونى Legal reasoning، والإجراءات، والتعويضات وقبولها السطحى للإجراءات الإدارية للدولة. يعتقد أن أسباب الظلم لا تكمن فى القانون وإنما فى عدم المساواة فى السلطة فى المجالين الاقتصادى والاجتماعى. غالباً ما كان هذا المنظور وراء البحث عن القانون فى المجتمع، الذى يسعى إلى كشف المصالح الاقتصادية والسياسية وغيرها التى تعوق المؤسسات القانونية عن العمل كما ينبغى. وبؤرة تركيزه على الظل الذى يقع بين الاشتغال الحقيقى للقانون والشكل المثالى للقانون ذاته، وهو يميل لتصوير القانون كأداة وظيفية للتغيير الاجتماعى.
تعرضت نظرية رينر الوضعية للانتقاد بحدة من قبل الفقيه السوفييتى باشوكانيس Pashukanis، الذى مَثَّل مؤلفه فى العشرينيات محاولة هامة لتطبيق منهج ماركس فى نقد الاقتصاد السياسى على الفقه (بيرنيه وشارلت، 1980، باشوكانيس، 1983؛ شارلت، 1974). أصبح باشوكانيس واسع النفوذ فى السبعينيات وقدم نقطة انطلاق مثمرة للتحليل، خاصة للقانون الخاص. لقد عين القانون بوصفه شكلاً خصوصياً رأسمالياً للتنظيم أو الضبط. لقد جادل بأن القانون مؤسس على علاقات التبادل بين ملاك السلع حيث يظهر كل واحد منهم بوصفه ذاتاً قانونية مجردة والتى يتوسط العلاقات الداخلية بينها بالضرورة العقد والأشكال القانونية الأخرى. ما يسم القانون كشكل تاريخى للضبط، وفقاً لباشوكانيس، هو التجريد، العزلة، اللاتحيز المتبادل، إعادة إنتاج عدم المساواة الجوهرية/ المادية وإخفاء حكم الناس وراء حكم القانون. ومن وجهة نظره، يستتبع الانتقال إلى الشيوعية اضمحلال القانون البورجوازى، فالجماعة الحقيقية وراء القانون.
كان هذا النقد حافلاً بالمشاكل النظرية والسياسية. مادام باشوكانيس قد اعتبر القانون مؤسساً على علاقات التبادل، ومادام قد ساوى الرأسمالية ببساطة مع تعميم التبادل (بدلاً من علاقات الإنتاج الاستغلالية التى تشتق من تبادل قوة العمل) فلم يكن فى وسعه أن ينتهى إلا إلى أن كل تبادل كان تبادلاً رأسمالياً وأن كل قانون كان قانوناً بورجوازياً. كانت النتيجة نقداً أحادى الجانب استبعد إمكان الشرعية الاشتراكية وأهمل أية مسألة تتعلق بمقرطة وتشريك القانون. أفاد هذا النظام الستالينى الناشئ، الذى طرح نظريته حول أولوية التنظيم التقنى فى ظل الاشتراكية حتى يبرر سلطة البيروقراطية وعدم اعتباره للقيود القانونية. أعدم باشوكانيس ونظريته بوحشية من قبل المدعى العام فيشنسكى Vishinsky، الذى أدانه بوصفه عضواً فى "عصابة من المخربين"، و"العملاء الفاشيين تروتسكى وبوخارين" (أرثر 1977، بيرنيه وشارلت، 1980، بينس 1980، فاين 1984، نورى، 1983، ردهيد 1978).
كانت النظريات الماركسية فى القانون فى السبعينيات متأثرة أيضاً بالمنظورات البنيوية. وفقاً للماركسية البنيوية، فإن العلاقات الاجتماعية مقسمة بين المجال الاقتصادى للإنتاج، منظوراً إليه بالمعنى الضيق بوصفه العملية المباشرة للإنتاج، أو عملية العمل، ومجال إعادة الإنتاج الذى يشمل الأسرة، والقانون والدولة (ألتوسير، 1965، بولانتزاس، 1978). تقدم مثل هذه النظريات المجال الاقتصادى بوصفه المجال المهيمن فى آخر المطاف بينما تؤكد الاستقلال الذاتى النسبى، للبنية الفوقية القانونية والسياسية والأيديولوجية. ينظر للاستقلال الذاتى النسبى نفسه، على أية حال، إما وظيفياً فى علاقته بإعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية، وإن يكن كجزء فاعل فحسب من كل أكبر، أو أن الاستقلال الذاتى يجرى التأكيد عليه على حساب أية رابطة فعلية بالعلاقات الاقتصادية. انتقدت هذه النظرية من قبل الماركسيين لإضفائها صفة مادية على فصل الاقتصاد والسياسة وإيلاء الأولوية النهائية للاقتصاد كملمح طبيعى لكل تنظيم اجتماعى. لقد ظهرت البنيوية إما كصيغة منقحة للنموذج الميكانيكى المتعلق بالقاعدة والبناء الفوقى، أو كعودة للسوسيولوجيا التعددية (كلارك، 1982، هولوواى وبيكيوتو، 1977 و1978، تومبسون 1978). لمثل هذه الأسباب لم تساعد البنيوية على رصد/ التقاط أشكال السلطة الطبقية التى تتجسد فى القانون، فقد اعتمدت بدلاً من ذلك على تعارض غير تاريخى بين الإذعان والإكراه حيث أخفقت فى إدراك قوة النزعة الشعبية للجناح اليمينى حين أهملت تشكل الإجماع فى النظم التسلطية.
جادلت الماركسية النقدية بأنه ينبغى النظر إلى العلاقات الطبقية بوصفها علاقات إنتاج بمعنى أوسع مما تتيحه الحتمية الاقتصادية. حيث تقدم علاقات الإنتاج الرأسمالية نفسها بالضرورة فى شكلين أحدهما متوسط mediated غير مباشر والآخر متغاير، وينهض تعميم التبادل السلعى وتحوله إلى إنتاج رأسمالى سبباً لتشظى الحياة الاجتماعية ولنشوء مجالين للوجود منفصلين بوضوح: الاقتصاد والقانون. إن مجال الاقتصاديات مؤسس على ما يبدو أنه قوانين طبيعية فيما يتعلق بحركة الأشياء، ويظهر الناس بوصفهم حاملى سلع خاضعين لقوى اقتصادية خارجية كما يرتبط الواحد منهم بالآخر بالنقود. يجرى فى هذا المجال الموضوعى توسط العلاقات بالنقود ولكل شىء ثمنه، تحدده قوى السوق. ويظهر المجال السياسى القانونى من ناحية أخرى، أنه مؤسس على ما يبدو أنه خصائص طبيعية لأفراد البشر. كما يظهر الأفراد فى هذا النطاق الذاتى كفاعلين أحرار والأشياء بوصفها تعتمد على إرادتهم. تظهر الملكية الخاصة بوصفها تجسيداً مادياً للإرادة الحرة، ويتخذ الأفراد شكل ذوات قانونية، والعلاقات بين الأفراد يجرى توسطها بما يبدو أنه قوانين شخصية من صنعهم، وتبدو الدولة بوصفها تمفصلاً للإرادة العامة. إنه عالم الذوات القانونية والمواطنين الأحرار حيث تتأسس ما بين ذاتيتهم على الحقوق والواجبات المتبادلة. إن الأصول الاجتماعية للأشكال القانونية خفية مثلما هو الحال فى الاقتصاد (ساير 1987، وجريج سبال وارلاند فى هذا الكتاب).
بالنسبة للماركسية النقدية، فإن تشظى المجتمع إلى مظاهر أشكاله الاقتصادية والقانونية هو نتيجة لعلاقات إنتاج اجتماعية محددة. فالأفراد الواقعيون الذين يسكنون هذه المجالات المتشظية هم نفس الشىء. إنه نفس وذات الفرد الذى هو ذات حرة وضحية لأوضاع اقتصادية لا يمكن التحكم فيها. والعلاقات بين الطبقات هى علاقات قانونية واقتصادية فى آن معاً.
فى هذا التشظى المكوَّن تاريخياً، فإن العلاقات القانونية هى مظهر واحد من نظام دينامى للإنتاج وإعادة الإنتاج الرأسمالى، مؤسس على علاقات متغيرة بين رأس المال والعمل. تعنى هذه المقاربة الجدلية تجنب مخاطر اشتقاق الشكل القانونى على نحو منطقى محض من تصوير مجرد من علاقة رأس المال بالعمل (هولوواى وبيكيوتو 1978، هولوواى وبيكيوتو، 1979 ناقدين بالبوس 1977). ليست العلاقات القانونية محددة مسبقاً بمنطق شكل رأس المال، ولا بحاجات ومصالح ملاك رأس المال وحدها. إن مفهوم الشكل القانونى فى تفرده يجرى تجريده من تنوع الأشكال القانونية التى ظهرت تاريخياً حيث تتغير العلاقات بين رأس المال والعمل.
إن نقطة الانطلاق من علاقات الإنتاج كعلاقة اجتماعية بين الطبقات هى نقطة انطلاق حيوية. مادامت العلاقات الاجتماعية بين الطبقات قد تشظت، فإن التضاد الرئيس يتخذ شكل نزاعات نوعية عديدة، على سبيل المثال حول الإسكان، البيئة، الاضطهاد العنصرى والجنسى. إنه من الهام أن نؤكد على أن ما يسمى الصراعات الاجتماعية هى مظاهر طبقية بنفس القدر وليست أمراً عرضياً قياساً بالنضال حول الأجور وشروط العمل. فهى كلها متجذرة فى التطور الكلى للتراكم الرأسمالى، حتى وإن كانت لها ديناميتها، فهى لا يمكن أن تختزل إلى مصالح طبقية بسيطة، مادامت الوحدة الطبقية ليست شيئاً معطى مسبقاً وإنما ينبغى أن تصنع. وبالفعل يخلق تشظى العلاقات الاجتماعية دائماً كما أنه يعيد خلق تقسيمات ونزاعات المصالح.
تجسد الأشكال القانونية بوصفها أشكالاً لمظاهر العلاقات الطبقية كلاً من الهيمنة (إرادة الدولة) والعقل (حقوق الشعب). وكما طرح ذلك الفقهاء، هناك صلة لا تنفصم فى القانون بين voluntas وratio (السلطة والحقوق)، أى الأمر الوضعى والحرية الذاتية. يتطلب تحقق المكاسب الطبقية تجاوز الطابع الرأسمالى الخصوصى للقواعد القانونية والإجراءات. على أشد المستويات عمومية، فإن العلاقات القانونية البورجوازية قمعية بالقدر الذى تؤسس فيه على الذوات القانونية الفردية بوصفهم ملاكاً ولا تصنع تمييزاً شكلياً للملكية الخاصة الرأسمالية (التى تمثل السلطة على العمل) والملكية الخاصة الشخصية (التى قد لا تكون أكثر من قوة عمل).
وهكذا ففى القانون البورجوازى فإن الحق فى العمل يعترف به لا كحق للملايين من العاطلين، وإنما كحق لكاسرى الإضراب، أو غير أعضاء الاتحاد النقابى. ليس هناك حق فى السكن المناسب، وإنما حق المرء فقط فى ألا يزعجه أحد فى حيازة بيته، بغض النظر عما إذا كان قصراً أو كوخاً. هناك حقوق اجتماعية أخرى، مثل الحقوق الصحية ليس معترفاً بها بوصفها حقوقاً قانونية وإنما تعتمدُ على أهواء الحكم فى الدولة.
تبدو الحقوق القانونية وكأنها طبيعية، ولكنها فى الواقع أنشئت وشكلت من قبل الدولة. وهكذا ففى بريطانيا فى الاثنى عشر عاماً الأخيرة، أقامت التاتشرية بعض شعبيتها على خلق حقوق جديدة، بواسطة أشكال من الخصخصة، مثل حق المقيمين فى شراء منزلهم المستأجر councilhouse، بائعين للجمهور أو معطين العمال حصصاً فى الصناعات المؤممة، واضعين الخدمات العامة مثل تنظيف المستشفيات فى مناقصات للشركات الخاصة. ورغم أن التاتشرية ادعت أنها تستعيد قوى السوق، ففى الواقع فإن الأسواق مهيكلة بشكل عالٍ ومنظمة من قبل الدولة ورأس المال المالى، وهكذا فإن خلق ديموقراطية مالكة مؤسسة على حق امتلاك سكن أو حصصاً فى شركة يعتمد على التلاعب المالى، على سبيل المثال، الدعم الضريبى للرهونات وخطط ملكية الموظفين للحصص، بينما يتعين على الإسكان البلدى أن يدفع معدل فائدة أعلى، وقد رفعت الإيجارات لمستوى السوق. لقد استطاع اليمين الراديكالى من ثم أن يستخدم تدخل الدولة لخلق حقوق فردية ودعاوى بأنه يزيد مجال الحرية، بينما كان اليسار مجبراً أن يدافع عن القديم وعن أشكال غير شعبية من الأحكام العامة التى كانت بطيئة التكيف ولاميزة لها بشكل منهجى.
تهدف الماركسية فى ممارستها إلى أن تُشرِّك socialize وتمقرط شكل ومضمون القانون. تتأسس الأشكال القانونية الليبرالية ظاهرياً على ذوات قانونية حرة ومتساوية، وقواعد قابلة للتطبيق بصفة عامة ، وأحكام محايدة، فصل مرور المدة والإنفاذ بالقوة، هيئة تشريعية تمثيلية وخدمة مدنية محترفة. تكمن وراء ما يبدو أنه أشكال قانونية غير متحيزة، على أية حال، أشكالاً من الأحكام غاية فى السلطوية والتقنية، من الإنفاذ بالقوة والتشريع. ينظر إلى مقرطة هذه الأشكال من جانب الماركسية النقدية بوصفها ذات أولوية قصوى، كما أن تكوين، وإجراءات الهيئة القضائية ومدى الاعتماد عليها مسألة ذات أهمية.
وتعنى الماركسية النقدية كذلك بمضمون القانون ما دام مكيفاً بنيوياً نحو حماية حقوق الملكية لملاك رأس المال سواء كان خاصاً أم للدولة، وضد حقوق العمال. إن مشكلة الأشكال القانونية للتنظيم بصفة عامة هى أنها تشير فقط إلى حقوق وليس إلى حاجات الفرد. لن يعد المجتمع المؤسس على تحقيق الحاجات الفردية والاجتماعية ينظم بطرق يكون معترفاً فيها بمفهوم الأشكال القانونية البورجوازية. تقدم الأشكال القانونية البورجوازية حداً أدنى للدفاع عن الحرية والمساواة ولكنها مبنينة لحماية الملكية الخاصة. ليست المسألة هى أن نرفض الشكل القانونى فحسب وإنما أن نحارب من أجل أفضل شكل ومضمون ممكن للقانون. حينما يبدأ الحق والحاجة فى الاقتران ببعضهما فهذا هو المقصود بتجاوز الشكل القانونى ذاته. حتى فى البلدان الاشتراكية المتقدمة فسوف يشتغل القانون بحق فقط حينما يتغير مضمونه وإجراءاته لجعله أكثر ديموقراطية لحد بعيد فى الشكل وداعم لحاجات الناس فى المضمون.
يتعين أن ننظر للانهمام بالقانون بوصفه جزءاً يتكامل مع صراعات اجتماعية أعرض، وينبغى للتاكتيكات والاستراتيجيات القانونية أن ترتبط بالأشكال الأخرى من التنظيم والعمل. إذا ما عزلنا العمليات القانونية وحدها فقد تسبب شقاقاً وتضعف التضامن الاجتماعى. كيفما كان الأمر، فلا يمكن تجنب الأشكال القانونية مادام القانون يقدم وسيلة للدفاع وطريقة لتعميم مكاسب صراعات معينة. وليست هناك طريقة أخرى غالباً لتجاوز التعصب الإقليمى غير تشريع الحقوق التى تكسبها جماعات معينة فى أوضاع خاصة. ليس معنى إيجاد صلة بين الصراعات وشكل ومضمون القانون إضفاء صفة قانونية على السياسة وإنما تسييس القانون. هذا درس تعلمته جيداً كثير من الحركات عبر العقدين الماضيين. وحركة السلام مثل هام على ذلك، حيث كسب النشطاء فيها معارك هامة مارسوا فيها بشكل متكامل العمل المباشر والتاكتيكات القانونية ضمن استراتيجية شاملة (دوار وآخرون، 1986). قادت الشكوك حول القانون بين الاشتراكيين فى بريطانيا خاصة فى النقابات العمالية إلى محاولات لتجاهله أو تجنبه بدلاً من ممارسة استراتيجيات تكاملية حول القانون فى إطار أهداف سياسية أعرض. إلى الحد الذى جادلت فيه النقابات فقط لصالح عدم تدخل قانونى أو حصانة، أى، حتى يُغَّيب القانون عن العلاقات الصناعية، ولم يكونوا قادرين على تطوير استراتيجية مضادة ملائمة تواجه قوانين عمل الحكومة التاتشرية. والآن بعد أن تغيرت سياسة الـ TUC وغدت للدفاع عن "إطار إيجابى للحقوق النقابية " ، فلابد أن يكون هناك بعض التفكير العميق حول المضمون الفعلى لمثل هذه الحقوق والشكل الذى يقضى فيه بها وإنفاذها.
كان أحد دروس إضراب عمال المناجم فى 1984-1985 هو أن التضامن النقابى ذاته ليس دائماً بديلاً عن القانون. حينما كانت النقابات قوية، لم تستعمل قوتها فى أن تعمم وتؤسس فى القانون المكاسب التى أحرزتها بوصفها اتحادات خاصة، وهى سياسة كان يمكن لها أن تذهب باتجاه تجاوز ميول التعصب الإقليمى، لكنها بالأحرى تجاهلت القانون. حين أُضعفت الاتحادات من الناحية الاقتصادية أثبت افتقارها للأساس القانونى أنه عائق إضافى. وبرغم أن الحكومة نفسها لم تستعمل قوانينها الجديدة الخاصة ضد عمال المناجم، فقد شجعت الأعمال الفردية القانونية من جانب عمال المناجم المنشقين (المؤسسة على القانون العرفى common law) الذى عاظم الانقسام الداخلى حول الإجراءات المتبعة لاتخاذ القرار بشأن الإضراب. ساعد التضامن القاعدى ودعم الحركة الاشتراكية المنظمة من قبل الجماعات المحلية، وجماعات النساء واليسار المتطرف فى منع تدمير اتحاد عمال المناجم، ولكن لا مسائل الديموقراطية داخل الاتحاد ولا تلك التى تتعلق بالشرعية يمكن أن تصنف تحت إطار الدعوة إلى التضامن (فاين، ميلار، 1985). تتعلم الاتحادات ببطء كيف تنتظم سياسياً حول القانون، على سبيل المثال، الدعم والتنظيم حول حقوق العمال فى الانتخاب. والمسألة التى تواجهها ليست معارضة هذا الحق وإنما حقنه بمضمون وشكل أكثر ديموقراطية: على سبيل المثال، حين دعت للانتخاب، كم عدد الانتخابات التى جرى القيام بها وكيف يجرى إنفاذ هذا الانتخاب.
لقد ركزت النساء اللاتى ناضلن من أجل المساواة على حقوق كتلك التى تتعلق بالأجر المتساوى للعمل ذى القيمة المتساوية وقد سعين أيضاً لتجاوز حدودها. هنا كما فى مواضع أخرى من الميثاق الاجتماعى تسبب قانون الجماعة الأوروبية فى تعزيز الصراع؛ ما دام الضغط السياسى من أجل تأمين بُعد اجتماعى للتكامل الأوروبى قد أثمر برنامجاً، أياً كان محدوداً وغير فعال بصدد المساواة فى الحقوق الذى يقدم مساحة قانونية للعمال والجماعات المقهورة لتستغله. فى مناطق أخرى فضح السجل المرعب للحكومة البريطانية حول حقوق المسجونين، والمهاجرين، وحرية الصحافة إلى آخره النداءات الموجهة للجنة حقوق الإنسان الأوروبية والمحكمة فى ستراسبورج.
إن التنظيم بطريقة تربط الأشكال القانونية بمضمون وضعى اجتماعى وسياسى يفتح بالتأكيد إمكانية للنزعة الانتهازية. إنه يتضمن خيارات تاكتيكية ثابتة، مادامت القضية الفردية لا يمكن أن تكون أبداً قضية طبقية محضة. أحياناً يكون الإجراء القانونى فنياً أو يكون الجدال هو الأفضل، ويمكن أحياناً وضع مسألة سياسية كجزء من جدال قانونى. ومن المرغوب فيه أن نهدف إلى شكل مفتوح من التنظيم يزيل الانفصال بين القانونى المحترف والعميل العادى، ونكمل موهبة أحدهما بالإنغماس المباشر، والخبرة والارتباط التى يقدمها الآخر. ومن السخرية أن يكون النموذج المفيد الذى نقدمه لأفضل نوع من المحاماة لشركات الأعمال الكبرى التى تكيف وتطور القانون ليلائم احتياجاتها.
نأمل أن يكون هذا المختصر قد ساعد على أن يبين كيف أن الماركسية النقدية لا تعارض نموذجاً طوباوياً للشيوعية، يقوم على إلغاء كل أشكال القانون، بالنظم القانونية الفعلية وإنما يعرض بالأحرى التناقضات الاجتماعية المخفية تحت سطحها الناعم ظاهرياً (روزا، 1981). بعيداً عن بناء وهم تناغم اجتماعى، لابد وأن تفهم الماركسية بوصفها تكافح ـ فى عالم تمثل فيه الحرية طفلاً وحيداً معرضا للإخضاع وعدم المساواة ـ من أجل أشكال اجتماعية سوف تتيح حرية حقيقية شخصية وسياسية.
فى نقدها للنظم القانونية القائمة وطرحها أشكال جديدة من الديموقراطية، عادت الماركسية إلى جذورها التنويرية: دامجة الحقوق المدنية مع الحقوق السياسية للمشاركة الجماعية فى إدارة الدولة. بعملها ذلك، على أية حال، وجدت الماركسية أنه من الضرورى أن تدفع هذا المشروع (انظر فاين، 1984) ماوراء حدود شرعية كل من الليبرالية وما يسمى شرعية الدولة الاشتراكية، إلى المدى الذى يقيدان الحقوق ضمن الحدود الضيقة لعلاقات الملكية الفعلية وتسيئان عرض هذه الحدود الاجتماعية بوصفها طبيعية وغير قابلة للتجاوز.

* On Marxist Critiques of law, Robert Fine and Sol Piccioto. pp. 16-22. The critical lawyers Handbook, Edited by Ian Grigg-Spall and Paddy Ireland, Pluto Press, 1992.



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة القانون : نحو سوسيولوجيا للحقل القانونى بيير بورديو
- المسألة الدستورية فى روسيا * ليون تروتسكى
- النضال ضد الاوهام الدستورية ف . لينين
- الأزمة الدستورية فى بريطانيا ف . لينين
- تبدد الأوهام الدستورية ف . لينين
- المقاطعة والدستور الملكى البوليسى ف . لينين
- لاضمانة لدستور ديموقراطى سوى الانتفاضة الشعبية ف. لينين
- تصفية الثورة بالعنف فى اطار دستورى ف . لينين
- السوق الدستورى - ف . لينين
- ثلاث دساتير جديدة ف . انجلز
- كراس حول المسألة الدستورية فى المانيا ف . انجلز
- فخ الدستور البروسى ف . انجلز
- انتهاك الدستور البروسى ف . انجلز
- النص الدستورى والممارسة التاريخية ف . انجلز
- ماركس والدستور البريطانى - كارل ماركس
- دستور الجمهورية الفرنسية - كارل ماركس
- الدولة الدستورية النموذجية
- جدل العلاقة بين الدستور والوضع التاريخى
- دور البرلمان المصرى كأداة للقمع الطبقى التشريعى
- لينين وقضايا القانون -- يفجينى ب . باشوكانيس


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سعيد العليمى - حول النقد الماركسى للقانون