|
الإخوانُ المصريون من الأيديولوجيا إلى الحكم (٢-٢)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3803 - 2012 / 7 / 29 - 09:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتحكم البُنيةُ الاجتماعيةُ في أي خطاب سياسي، وما حمله الإخوان من أفكارٍ وشعارات على مدى عقود يخضعُ الآن لقانونية البنية الاجتماعية المتحكمة في النصوص والسياسات المختلفة.
وأساس البنية الاجتماعية الراهنة هو حدوث جبهة شعبية واسعة تريد تحقيق تحولات في معيشتها الاقتصادية وأن تحدث نقلة في شؤون الإدارة والخدمات كافة.
وتضطر أي قوة سياسية حالية للاستجابة لمطالب هذه الجبهة الشعبية الواسعة، لكن كل قوة سياسية لها موقف ومصالح وشبكة تنظيمية وتاريخ سياسي اجتماعي تتحرك من داخله.
والقوتان التقليديتان الحاكمتان جماعةُ العسكر الحاكم وجماعة الإخوان، يحددُ سلوكهما السيطرة وتحلل السيطرة على جهاز الدولة، فهما قوتان متضادتان تضاداً ثانوياً، فهما نتاجُ صعود الفئات الوسطى نحو الغنى على مدى العقود السابقة، ويضرهما تنازعهما وانهيارهما عن سدة الحكم، وينفعهما تعاونهما.
لقد قامتا على ضربِ الإقطاع الملكي معاً، من خلال تنازعهما على السيادةِ في الماضي، وأنشأتْ إحداهما العسكريةُ رأسماليةَ الدولة، لكونهما فئتين من البرجوازية الصغيرة الشموليتين، إحداهما جعلتْ الوطنيةَ دكتاتوريةً والأخرى جعلتْ الدينَ دكتاتوريةً، وراحتا تتصارعان حتى كبُرت دجاجةُ رأسماليةِ الدولة وباضتْ كثيراً، وخلال هذا التنازع والعمل المختلف لم تغيرا النظامَ الإقطاعي القديم تغييراً كلياً، من حيث بنيته الصناعية الضعيفة، ومن حيث قواه الانتاجية البشرية المتدنية والعاطلة والمتغربة، وتسربت الفئتان لشرايين الدولة حتى غدت سلطة عسكرية عنفية محضة، وتغلغلتْ الأخرى في شرايين المجتمع دعوةً وشركات مالية، فكلتاهما لا تقدران على إحداث الثورة الصناعية وتغيير أحوال الشعب بشكل جذري.
لكن الشعب يطلب منهما وقد صارتا معاً أن تغيرا أحوال الشظف التي يعيشها وتشكلان دولةً حديثة ديمقراطية على غرار الغرب.
قانونُ الصراعِ الطبقي يحدد أن القوة التي صعدتْ للحكم سوف تواصلُ الزحفَ على مقابض السلطة كلها، وأن القوة الأخرى سوف تحاولُ التشبث بسلطتها، وليس للقوة الصاعدة الجديدة سوى طريقين لا ثالث لهما:
الأول هو أن تقبل بالتعايش مع القوة القديمة، وتتقاسما النفوذ وأن لا تتحرك القوة الجديدة نحو مفاتيح السلطة الأساسية خاصة الجيش الذي سيغدو هو حصن القوة القديمة التي لن تقبل التنازل عنها.
أي أن تواصل التوسع الكمي وأن تستفيد من المغانم الجديدة وأن تغيرَ وضع الجمهور فيما هو متاح، وتكرار للخدمات وتوسع بعض جوانب العمل والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الصغيرة وغير ذلك من أعمال لا تجعل القوى الجديدة الإخوانية تصطدمُ مع القوة القديمة، ومع القوى الرأسمالية البيروقراطية المتنفذة والمتغلغلة في أعصاب النظام.
وهذا طريق لا يرضي الجمهور الشعبي الذي صعد إلى مسرح التاريخ مطالباً بتغييرات جذرية في عيشه وظروفه ومكانته الاجتماعية السياسية، أي أن الإخوان المسلمين في حالة التوافق مع العسكر أو أن يحلوا محلهم سينضمون عملياً لنظام مبارك وقد جُدد بعض التجديد، وفي هذه الحالة سوف يكون زادهم الفكري معتمداً القراءةَ المحافظة الشعارية للدين ويواصلون عدم فهم الإسلام بشكلٍ نضالي ديمقراطي فيركزون على العبادات والممنوعات.
الخيارُ الثاني هو أن يواصلوا المشوار النضالي الديمقراطي مع الجمهور نحو دولةٍ حديثة متقدمة صناعية يقومون فيها بفرض ضرائب على الطبقة الغنية ورجال الأعمال، ويلاحقون الفساد في خلايا الإدارات المختلفة، أي أن يقوموا بجمعِ فوائض اقتصادية كبيرة لعمليات تجديد صناعية وتقنية وتعليمية عميقة لدولة مختلفة عن الدولة البيروقراطية الفاسدة المتخلفة السابقة، ويحدثوا التحول من خلالها لا أن يفرضوا العبء على الجمهور العادي وتظل ماكينةُ الاستغلال المتخلفة تشتغل، وفي هذه الحالة سوف يجدون من الفئات الوسطى التحديثية المختلفة تعاوناً.
من خلال ثقافة الإخوان المصريين يبدو لي أن الخيار الثاني صعب عليهم، لكنه هو خيار تلك الجبهة العامية المثقفة الواسعة التي سوف تضغطُ من أجل هذا الخيار.
وكانت ثقافةُ الإخوان المصريين خلافاً لثقافةِ الإخوان السوريين مثلاً تقليديةً إن لم تكن رجعيةً معادية للحداثة والقراءات العقلانية للتراث الإسلامي، وكان هذا بسبب شراستها في العداء للناصرية خاصة، حتى لقد تجاهلتْ الإرثَ الإسلامي التنويري في مصر ذاتها. ولهذا فإن هذا الخيار الثاني يتواكب مع إعادة نظر في قراءتهم المحافظة للدين.
لكن لابد لنا أن نصبرَ ونقرأ المعطيات الجديدة للحالة المصرية ومدى حدوث التحولات أو الانشقاقات في صفوف الإخوان وظهور تيارات مواكبة وطنية متعاونة لتحقيق مطالب الشعب وأهدافه في التحولات العميقة.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوانُ المصريون من الآيديولوجيا للحكم (١-٢)
-
تراجعُ الخيالِ الاشتراكي (٢-٢)
-
تراجعُ الخيالِ الاشتراكي(١-٢)
-
الثنائيةُ الحادةُ
-
تحديثٌ عربيٌّ جديدٌ
-
نقدُ المغامرةِ التاريخية(٢-٢)
-
نقدُ المغامرةِ التاريخية (١-٢)
-
بدأَ بالصراخ وانتهى بالصمت
-
الحريقُ
-
الإخوان المنشأ والتطور
-
صعوباتُ التراكمِ في الخليج بالقرن ال ١٩
-
صراعُ المحورين والثقافة الديمقراطية
-
المقارباتُ الديمقراطيةُ مطلوبةٌ
-
بين قطبينِ اجتماعيين مختلفين
-
الدينُ والاشتراكية (٢-٢)
-
الدينُ والاشتراكية (١-٢)
-
ديمقراطيةٌ من دون برجوازية
-
الطريقُ الجنوني للديمقراطية
-
التنويرُ الاجتماعي
-
مشكلاتُ الفوائضِ الاقتصادية في الدول الخليجية
المزيد.....
-
ارتداء عمدة شيكاغو الكوفية يغضب الجالية اليهودية
-
جريمة المسجد بفرنسا.. هذا ما نعرفه عن القاتل والمقتول
-
كرادلة الكنيسة الكاثوليكية يجتمعون في روما لانتخاب خليفة للب
...
-
الخطاط المبدع “علي عاشور” رحل تاركًا نبضات قلبه مزركشات وزخا
...
-
قرابة 300,000 شخص ألقوا نظرة الوداع الأخيرة على نعش البابا ف
...
-
بالصور: فتح أبواب كاتدرائية سانتا ماريا ماجوري أمام الجمهور
...
-
لقاء ترامب وزيلينسكي في الفاتيكان.. لمن كان الكرسي الثالث؟
-
ساكو بشأن -الترشيح- لمنصب البابا الجديد: تكهنات.. وعلى الكني
...
-
السلطات الأردنية تعتقل قياديا بارزا بجماعة الإخوان المسلمين
...
-
نتنياهو: رفض الاعتراف بالدولة اليهودية هو سبب النزاع القائم
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|