رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3802 - 2012 / 7 / 28 - 21:42
المحور:
عالم الرياضة
جرسٌ كبير دقّ وسط الملعب الأولمبي في ستراتفورد, مُعلناً بدء الحفل .
إنّهُ حفل إفتتاح العُرس الرياضي الكبير في اُولمبياد لندن ( 30 ) لعام 2012
بدأ هذا الإحتفال كما قرّر منظموه وهاجسهم الأوّل إعلاء شعار المساواة بين الجميع .
بالطبع , هذا لا يُخالف شعار المنافسة الأولمبية / أسرع , أبعد , أعلى .
فذاك يقتصر على الإنجاز الرياضي المرغوب , ولا يطال التفريق بين البشر .
كانت البساطة في الفكرة وقيمة الإنسان في كلّ مكان حاضرة !
والموسيقى الرائعة والرقص الجميل والقُبل المتبادلة بين جميع الأجناس حتى الحيوانات , تُعبّر عن أفكار منظمي هذا الحفل البديع .
الذين إهتموا أيضاً بعرضٍ مُلخص للتأريخ البريطاني في القرون الأخيرة . وكونها أوّل دولة ذات نظام ملكي برلماني ديمقراطي في العالم .
ملايين الأجراس كانت قد سُمِعَت في جميع أنحاء بريطانيا صباح نفس اليوم , في ما يشبه الإعلان عن التحدّي البريطاني الجديد .
حتى على المستوى الأمني , كانت الإستعدادات هي الأكبر على الإطلاق في زمن السلم .
بارجة حربية تموضعت في نهر التايمز , وطائرات عديدة سيطرت على سماء بريطانيا .
كل شيء كان مُميّزاً ومُبتكراً !
حتى الملكة إليزابيث قامت بدورٍ تمثيلي حسب طلب مخرج الحفل المُبدع / داني بويل .
خاطبت في قصرها في باكنغهام العميل السرّي 007 جيمس بوند / أهلاً مستر بوند , ثمّ رافقته بالطائرة الى الملعب الأولمبي .
قبل أن تُعلن (كما فعل يوماً جدّها وأباها ) عن إفتتاح الدورة الثلاثين للأولمبياد .
أرأيتم كيف بدت أرضية الملعب الأولمبي في ستراتفورد ؟
كانت , بشكل ريفٍ بديع أخضر , متكامل بإنسانهِ وحيوانهِ وزراعتهِ .
وفجأةً ظهرت أبراج المصانع كالأشباح من باطن الأرض .
فأعلنت عن الثورة الصناعيّة الأولى في هذا العالم , ثُمّ أزاحت وإحتلت بوحشية كلّ شيء .
وإمتّص الرأسماليّون دماء وعرق العمّال ليبنوا إمبراطوريتهم الصناعيّة الرهيبة .
كانت ثمّة ضريبة , لزيادة أعداد البشر وإنتشارهم على معظم سطح الأرض / لكن ما الذي حدث بعد ذلك ؟
*************
لن يصّح إلاّ الصحيح !
بعد التضحيات الكبيرة , بدأت مسيرات الإحتجاج والمطالبة بحقوق العمّال والمساواة بين الرجل والمرأة , وحقّ الجميع في العيش بكرامة .
وأخيراً بتحقيق حُلًم الوصول الى دولة الرفاهيّة .
نعم في المشهد الأخير في الملعب الأولمبي , كما على الأرض في العالم المتحضّر , إنتصرت كلمة الشعوب على الحكّام والمالكين الجشعين .
آهٍ .. لو كان ماركس حاضراً , لرقصَ طرباً وصفّق للإنسان .
ولو كانت السيّدة فيروز حاضرة , لغنّت لنا موّشح أندلسي تقول فيه / و تأنسنت .. لغةُ الرأسمالية , ولاحَ لي .. ما يُشبه الإعجاز !
**************
http://maktoob.sports.yahoo.com
روعة فكرة إخراج حفل الإفتتاح تكمن في بساطتها وإنسانيتها .
لقد أظهرت حياة البشر على طبيعتها / الجانب الصحّي والتعليمي والطفولة السعيدة وحكاياتُ جدّتي ,عن الجنيّاتِ في الغابة !
الموسيقى العالمية كانت حاضرة , والأغاني الإنكليزية إختتمت الحفل بوصلة آخر أعضاء البيتلز / بول مكارتي .
حتى (( مستر بن )) لم ينسوه , ظهر بقفشاتهِ الإنكليزية ( كما برنارد شو ) وهو المعروف بتهكمهِ المُميّز , على عادات شعبهِ المتأصلة .
لقد نجح المخرج / داني بويل ومساعدوه في عملهم فأمتعونا لأكثر من ثلاث ساعات .
****************
ملاحظات متفرقة
1 / في كلّ حفل إفتتاح هناك تتوالى وتصاعد المشاهد ومعانيها , حتى تبلغ الذروة تقريباً , في لقطة توّهج الشعلة الأولمبيّة والطريقة المُستحدثة لها يومذاك .
حتى هذهِ أذابها القائمون على الحفل وذبّوها وسط المشاهد , فخاب ظنّ المعلقين الرياضيين العرب , بإنتظار / اللحظة الحاسمة .
بينما هي كانت قد مرّت فعلاً ( في ظنّي ) دون أن ينتبهوا كثيراً لها .
إنّها لقطة ظهور الدوائر الأولمبية في سماء الملعب , وعند إلتحامها ببعض , كتعبير عن إلتحام وتعاون البشرية جمعاء , أمطرت شُهُباً ناريةً
رُبّما قصد بها القائمون على الحفل أن يقولوا لنا / هذا عطاء البشرية عندما تتحّد !
نعم , ربّما لم تكن لحظة توّهج المرجل الأولمبي , بالشعلة الأولمبية هي اللقطة الحاسمة , كما إعتدنا سابقاً .
فقد ساهم 8 أشخاص من كلا الجنسين وكلّ ألوان البشر بإشعالها .
لكن لا يمكننا سوى القول أنّ كلّ شيء كان جميلاً في هذا الحفل .
حتى العلم الأولمبي نفسه , والعلم البريطاني الجميل , ومشاهد أعلام جميع الدول تظهر على المدرجات , كان شيئاً لا يُنسى .
2 / ظهرت كلمة GOSHو لم أفهم معناها / هل هي ماركة لسلعة ما ؟
3 / العرب والأولمبياد
حصاد العرب منذُ بدء الأولمبياد قبل 116 عام , الى يومنا هو
82 ميدالية , بواقع 21 ذهب , ومثلها من الفضة , و40 برونزية .
هذهِ كلّها لا تُعادل إنجاز دولة صغيرة مثل هنكاريا ( المجر ) , ب 465 ميدالية , منها 159 ذهبيّة .
أين يكمن الخلل في ظنّكم ؟
في البنية التحتيّة الأساسية , والمرافق الرياضية ,والتدريب , والحكومات والفساد ؟
أم العيبُ في ثقافاتنا وأدياننا وسيطرتها على حياتنا وتحريمها الإنجاز عندما يقترن بالمتعة ؟
أم هي كلّ هذا وذاك ؟
لكن أنصتوا لغالبية المسلمين المُدلين برأيهم يقولون ما يلي :
لتذهب كلّ الميداليات الى الجحيم إذا كانت سترغمنا على عرض نسائنا بالمايوهات ؟
أرأيتم أين ينحصر تفكير المسلم عموماً ؟ في البؤبؤ أو مثلث الشرف لو شئتم .
لكن ما العذر مع الرجال ؟ هل أفكارمقتدى الصدر , وفتاوي السلفيين التكفيريين , حاضرة بالمرصاد ؟
4 / الإنجازات خلال كل دورات الأولمبياد
الأفضل تتويجاً بين الأفراد هو السباح الأمريكي / مايكل فيلبس ب 16 ميدالية منها 14 ذهبية و2 برونزية .
والأكثر تتويجاً بين الدول / هي الولايات المتحدة طبعاً , ب 2514 ميداليّة منها 1008 ذهبية .
ألا تشعرون أنّ تنوّع البشر هناك والديمقراطيّة وثقافة العمل والبحث العلمي التي خلقت أعظم وأقوى دولة في العالم / هي من بين الاسباب ؟
سيقول المؤدلجون / إن أنتَ إلاّ عميل تتجاهل نظرية المؤامرة الكُبرى !
5 / حوالي 70 ألف مُتفرج حضروا حفل الإفتتاح .
وأكثر من مليار شاهدوه عبر الشاشات .
ومن بين الحاضرين ملوك ورؤساء دول مع زوجاتهم .
ميشيل أوباما حضرت لوحدها ربّما لإنشغال أوباما بسباق الرئاسة مع ميت رومني / مع أنّهُ لم يشتد بعد .
ميشيل أوباما غستغلت وجودها في لندن فأطلقت حملة ضدّ سمنة الأطفال المفرطة , وشاركت باللعب معهم ونصحتهم بالأكل المفيد والرياضة والحركة الدائمة . طبعاً ديفيد بيكهام لم يُفوّت الفرصة وشاركها الظهور اليوم , فهو غالباً الأكثر حباً للظهور امام الكاميرات .
6 / عندما إختيرت لندن عام 2005 , لتنظيم هذا الأولمبياد للمرّة الثالثة
كانت المدن المنافسة لها من النوع الثقيل / نيويورك , باريس , موسكو , مدريد . فإنظروا جيداً لمقام لندن بين مدن العالم .
7 / ترأس اللجنة المنظمة / البطل الإنكليزي الأولمبي السابق , اللورد / سيباستيان كو . وثلاث أقسام تقسمّت لندن بالنسبة للألعاب
النطاق الأولمبي / حول الملعب الأولمبي في ستراتفورد
النطاق النهري / خمس مواقع مسابقات ,على إمتداد نهر التايمز
النطاق الثالث / وسط لندن , فيه ملاعب عديدة متفرقة لجميع الألعاب
8 / بعض مشايخنا المتشددين سارعوا لكتابة آرائهم عن أولمبياد لندن بأنّه أولمبياد صهيوني إمبريالي كافر .. إزاي ؟ معرفش !
ربّما ناقشوا شعار البطولة وهو LO12 , أحدهم جعلهُ شعار صهيوني .
9 / طبعاً بهذه المناسبة عند ظهور أعلام الدول الكلّ يفرح ويصفق ورئيس الدولة وزوجته يرسلون تحاياهم لرياضي بلدانهم .
لم أرَ مسؤول عراقي مهم / ربّما منشغلين بأشياء اُخرى .
لكن لاحظتُ الرئيس التونسي المنصف المرزوقي / وهو الذي كان مؤخراً , يبّشر بقرب الثورة الثانية لكن على المشايخ البغاة هذه المرّة .
10 / أوّل ميدالية ذهبيّة في أولمبياد لندن 2012 حققتها الصينيّة / يي سلينغ في الرماية , عقبال الجميع .
*************
الخلاصة
حفلٌ لا يُنسى , مهما مرّت السنين . هل يمكن لنا الإستفادة من معانيه ؟
أرأيتم كيف أنّ الرأسماليّة قامت وتوّحشت ,ثمّ ما لبثت أن عادت وتأنسنت ؟ أفلا ترون أنّ البشرية تحضّرت وإرتقت وترفهّت ؟
أزماتهم موجودة دوماً , لكنّهم يعالجوها بالعمل والإبداع لتستمر مسيرة العطاء .
ألم يواجه الإنكليز الواقع ؟ ورغبة جميع شعوب العالم في العيش والمساواة ؟
فتخلوا طائعين عن إمبراطوريتهم التي لاتغيب عنها الشمس . بينما إنهارت قهراً إمبراطوريات إشتراكيّة وإسلاميّة وشرقيّة وغربية .
فبايّ حديثِ العقل والعلم والعمل تكذّبون ؟
هذا التجمّع الرياضي كلّف أكثر من 9 مليار جنيه إسترليني . لكن هذه المليارات , لن تذهب سُدىً !
بالعكس هذه لها فائض قيمة .. كبير .
ليس فقط المليارات الإضافية هي ما أقصدها هنا , وهي ستتوفر حتماً .
لكن فائض القيمة سيكون / في حياة وسلوك وأخلاق وطبائع .. وحضارة البشر !
حظاً سعيداً للجميع
تحياتي لكم
رعد الحافظ
28 يوليو 2012
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟