أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - تصنيف وتقييم البغدادي للفرق والمدارس الإسلامية















المزيد.....

تصنيف وتقييم البغدادي للفرق والمدارس الإسلامية


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3801 - 2012 / 7 / 27 - 13:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن ما يميز موقف البغدادي من تقييم وتصنيف الفرق الإسلامية هو غلبة النقد والاتهام. إذ لم تعد الفرق الإسلامية عنده محصورة ضمن أسماءها المشهورة من شيعة وخوارج ومرجئة، بل واخذ يخضعها إلى تقييم موضوعاتي استنادا إلى اتجاهها السياسي والفكري والعقائدي والمذهبي. فقد أدت محاولته البرهنة على أفضلية "أهل السنة والجماعة" من بين الفرق الإسلامية إلى تضييق الإطار الذي وضع البغدادي نفسه فيه. مما اجبره على التعثر بتعقيدات التصنيف ومن ثم التعسف في إخراج ودمج الفرق. لكنه استطاع في نفس الوقت أن يطوّع تنوعها وتعددها بحيث أدرجها "بمهارة" ضمن العدد المشهور. فنراه يستعيض اسم الشيعة بمفهوم وتقييم الروافض، ويحصرها بعشرين فرقة. والشيء نفسه عمله تجاه فرق الخوارج والقدرية – المعتزلة، حيث ادرج ضمن كل منها عشرون فرقة أيضا. ثم أضاف خمس فرق من المرجئة وثلاث من النجارية، وواحدة بكرية وظرارية وكرامية وجهمية. بهذا يكون عددها جميعا اثنتان وسبعين فرقة، تقف فوقها وبالضد منها الفرقة الناجية "فرقة أهل السنة والجماعة". أما الفرق التي أطلق عليها أسماء الغلاة والمشبهة (مشبهة الذات والصفات)، فقد أخرجهم من فرق الإسلام رغم انتمائهم إليه.
يشكل تصنيف البغدادي هذا أهمية كبيرة بالنسبة لبلورة الأسلوب الجديد في تقييم الاتجاهات الفكرية، التي بناها على اساس موقفها من أصول الدين والمعتقدات الفكرية الكلامية والفلسفية، مما أدى بدوره إلى صنع قيما جديدة في التعامل مع إبداع المفكرين ومدارسهم. فنرى البغدادي يبني تقييمه عن انتماء الفرقة للإسلام على أسس مغايرة للمعيار القائل بكفاية الإقرار الظاهر بنبوة محمد والشهادة الإسلامية والصلاة صوب الكعبة. وذلك لان الإقرار بهذا فقط، يؤدي إلى اعتبار بعض الفرق اليهودية كالعيسوية (يهود أصبهان) والموشكانية فرقا تنتمي إلى الإسلام، لأنهما تعترفان بنبوة محمد وأن ما جاء به هو حق للعرب ولغيرهم دون اليهود. من هنا موقفه القائل، بان الفرقة المنتمية للإسلام هي ليست فقط تلك التي تقر بقواعد الدين وعباداته الظاهرة، بل والتي تتمسك به يقينا مع الإقرار بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه، وبصفاته وعدله وحكمته، ونفي التشبيه عنه وبنبوة محمد ورسالته إلى كافة الخلق وبتأييد شريعته وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة، والكعبة هي قبلة الصلاة مع عدم البدعة المؤدية إلى الكفر. وهو موقف وضعه في أساس إخراج من دعاهم بالغلاة (كالباطنية والحلولية والتناسخية) من الإسلام.
وقد لا تشكل أهمية جوهرية بالنسبة لنا الآن مناقشة ما إذا كانت أحكام البغدادي بهذا الصدد صحيحة أم خاطئة ومدى دقتها العلمية. إن ما هو جوهري بالنسبة لنا الآن هو أسلوب تقييمه العام لهذه الحركات. ولو تركنا جانبا موقفه النقدي - العقائدي تجاه الحركات جميعا، فإننا نعثر فيه على بذرة عقلانية تقوم في محاولته كشف المفاهيم الجوهرية لأفكار هذه الفرق. وهو موقف ضروري بالنسبة للتقييم العلمي. وذلك لأنه يساعد المؤرخ على تحديد الفكرة الحقيقية للفرقة والمدرسة الفلسفية بغض النظر عن انتمائها الظاهري لهذا الاتجاه أو ذاك. فعندما يتكلم البغدادي عن الغلاة، فإنه لم يتناولها من زاوية انتمائها التقليدي للشيعة، كما انه لا يحصرها ضمن إطار المواقف التقليدية من الإمامة والأئمة وما شابه ذلك، بل يتعداها إلى دراسة وتحليل من يدعوهم بالحلولية والإباحية والتناسخية. وهي تقييمات مبنية على أساس رؤيته لما يعتقده جوهريا فيها. مما جعل منها قيما جاهزة في نظام الرؤية العقائدية والفلسفية لتاريخ الأفكار في الحضارة الإسلامية. غير أن هذه النتيجة السلبية في مظهرها أدت عمليا إلى تعميق الرؤية العلمية، لأنها كانت تساهم في بلورة تقاليد الرؤية النقدية الفلسفية المبنية على أساس اكتشاف الجوهري في المدارس الفكرية، بالتالي إهمال ما هو ثانوي وعرضي فيها. وترتب على ذلك بالضرورة ترسيخ منهجية البحث لا نفسية الإدانة والاتهام. بعبارة أخرى، إن الرؤية العلمية تبلورت من خلال النفسية العقائدية. وذلك لأنها حاولت أن تبني مواقفها العقائدية من خلال التجريد والتعميم والبحث التاريخي المقارن. من هنا يمكن فهم سر إدخاله في فرق الغلاة بعض من أرجعهم إلى فرق القدرية مثل الحمارية والخابطية وفرق الخوارج مثل اليزيدية والميمونية وفرق المتصوفة مثل الحلاجية.
وتظهر صيرورة الرؤية العلمية من خلال النفسية العقائدية عند البغدادي في مواقفه من مفهوم "المشبهة". فقد أطلقه في البداية على من اسماهم "مشبهة الذات". وكان يقصد به غلاة الشيعة والحلولية. أما "مشبهة الصفات"، فقد أطلقه على الفرق التي أبقى عليها ضمن "ملة الإسلام" مثل بعض اتجاهات المعتزلة البصرية والكرامية وبعض الروافض مثل هشام بن الحكم (ت - 279). كما افرز إلى جانب تقييم الجبرية الخالصة (الجهمية) والمرجئة الخالصة، اتجاها يمكن دعوته بالمرجئة المتذبذبة، التي قسمها إلى قسمين، وهما المرجئة المتذبذبة بين القدرية والمرجئة كما هو الحال عند أبي شمر المرجئي ومحمد بن شبيب البصري، والمتذبذبة بين الجبرية والمرجئة كما هو الحال عند أتباع الجهم بن صفوان (ت - 128).
وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى التقييم الضمني، الذي توصل إليه البغدادي في مواقفه من الفرقة النجارية أتباع الحسين بن محمد النجار (ت – 230)، والذي يقترب من مفهوم النزعة الانتقائية. فهو لا يدرجها ضمن أي من أسماء الفرق والاتجاهات الكبرى. لأنه لم ير فيها مدرسة مستقلة بأحكامها ومبادئها. ومهما يكن من أمر هذا الاستنتاج، فإنه يعكس تطور منهجية التقييم وتحديد المواقف من تصنيف الفرق والمدارس تصنيفا علميا.
ولا يعني ذلك أن البغدادي هو الأول الذي ادخل هذا الأسلوب في تقييم الفرق وتصنيفها. إذ يمكننا العثور على بذورها الأولية عند الأشعري، لكنها اتخذت عند البغدادي صورتها المنهجية الأولى وعند الشهرستاني كمالها العلمي، بحيث تحول هذا الأسلوب إلى منظومة من المبادئ العامة.
لكن مأثرة البغدادي تقوم هنا في كونه أول من أعار الاهتمام الجدي لملاحظة الفروق الجديدة عند فرق الاتجاه الواحد. من هنا عدم إدراجه الفرقة النجارية وأمثالها ضمن أي من الاتجاهات الكبرى المعروفة. وفي هذا تكمن قيمته التاريخية الهائلة بالنسبة لتدقيق التصنيف والتقييم العلميين. إذ نراه يلاحظ "الانحراف" عن الاتجاه العام، مما يحدد انتقائية الفرقة في ىراءها، وبالتالي يضعف قدرتها على الدفاع المتجانس عن نفسها. ولعل فرقة النجارية نموذج حي لما اعتقده البغدادي تذبذبا بين "أهل السنة والجماعة" وبين مخالفيها. إذ نراها، كما يقول البغدادي، توافق "أهل السنة والجماعة" في القول بأن الله خالق أكساب العباد وأن الاستطاعة مع الفعل وفي الوعيد وجواز المغفرة لأهل الذنوب، وتوافق القدرية في نفي الصفات، وتنفرد بأصول خاصة في قضايا الإيمان وكلام الله.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصنيف وتقييم الفرق الإسلامية عند الاشعري
- الفلسفة والبحث عن الاعتدال العقلي (2-2)
- الفلسفة والبحث عن الاعتدال العقلي (1-2)
- الطائفية السياسية – الأفق المسدود (التجربة العراقية)
- المصير التاريخي للغلو السلفي السياسي في العالم العربي
- الكواكبي ومرجعية الدولة السورية
- الكواكبي- الإصلاح والثورة!
- فلسفة الإصلاح والحرية عند الكوكبي
- الخطأ والخطيئة في المعادلة السورية
- سوريا وإشكالية موقعها في الصراع العربي والعالمي
- الأبعاد الجيوسياسية في الصراع الروسي - الأمريكي حول إيران وس ...
- الفيتو الروسي والقضية السورية
- رد على مقال الطيب تيزيني (دبلوماسية في خدمة الجريمة)
- الوحدة والتنوع في الظاهرة الإسلامية في آسيا الوسطى
- -الإسلام السياسي- المعاصر في آسيا الوسطى
- إشكالية ومفارقة الظاهرة الإسلامية في آسيا الوسطى
- الظاهرة الإسلامية المعاصرة في آسيا الوسطى
- هادي العلوي - شيوعية القيم
- هادي العلوي أديب الفكر الحر
- هادي العلوي ومنهج النقد المتمرد!


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - تصنيف وتقييم البغدادي للفرق والمدارس الإسلامية