|
الأسلام بين الأصولية والحداثة
عامر الأمير
الحوار المتمدن-العدد: 1110 - 2005 / 2 / 15 - 11:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعد الديانة البوذية من أكثر الديانات ( سماوية كانت أم أرضية !) تسامحا و حثا على السلم الأجتماعي وربما هي الديانة الوحيدة التي لا تجبر معتنقيها على الأعتقاد أو عدم الأعتقاد بتعاليم بوذا ولا تكفر من يهجر البوذية الى ديانة أخرى كما لاتمانع في من يعتنق البوذية من الديانات الأخرى في التخلي عن معتقداته .. وتحث البوذية على أحترام كافة العقائد و لايدخل في منظورها مفهوم التكفير أو أحتكار الحقيقة والأيمان ونبذ الآخر !! ان من يدخل الى معبد بوذي يحس بجو من التسامح وبهالة من الروحانية المسالمة لاتدانيها في ذلك سوى تلك الروحانية والشعور بالسلام في معابد الديانات الآسيوية الأخرى كالتاوية والشنتو والهندوسية ...أو في كنائس مسيحية ( مابعد الحداثة ) والتكيات الصوفية والمراقد الشيعية المقدسة !! يعد موقف الديانة البوذية هذا موقفا حداثويا بالرغم من عدم تعرض البوذية الى النقد العلمي والتأريخي كما حصل للديانة المسيحية ... أن التاريخ البشري شهد صراعا مريرا على ما يسمى في الفلسفة الحديثة بالرأسمال الرمزي وهو الحقيقة الدينية التي يعتقد بها مجموعة من الناس و يقدسونها ومن ثم يضعون من حولهم اطارا فكريا لا يستطيعون الا النظر من خلاله الى الحقيقة والتي تعني لهم الحقيقة المطلقة وماعداها هو الكفر والهرطقة والضلال !!! ويطلق المفكر الكبير محمد أركون مصطلح السياج الدوغمائي المغلق على ذلك الأطار الفكري الذي يضعه البشر من حيث لايشعرون حول عقولهم تحت ضغط البيئة الأجتماعية التي نشأوا فيها والذي يعني أن كل عقيدة من العقائد تبني حولها سياجا دوغمائيا يمنعها من رؤية الجوانب الأخرى من الحقيقة أو الأيمان .. أي ان المؤمن المسيحي مثلا مسجون داخل عقائده الايمانية التي يعتبرها مطلقة وكل ماعداها خطأ و ضلال .. والأمر ذاته ينطبق على المؤمن المسلم أو اليهودي !! وحتى داخل الديانة الواحدة هناك أسيجة دوغمائية مغلقة فمثلا هناك الأسيجة السنية والشيعية والأباضية في الديانة الأسلامية .. وهناك الأسيجة الكاثوليكية والبروستانتية والأرثوذوكسية في الديانة المسيحية ... بل هناك أيضا الأسيجة الفكرية كالماركسية والليبرالية ...الخ لقد أستطاعت الكنيسة الغربية في أوربا أن تتحرر من سياجها الدوغمائي وذلك بعد سلسلة من الهزات الفكرية والصراع المرير والحروب الدموية التي شهدتها الساحة الأوربية حتى تحررت الى الأبد من ظلامية القرون الوسطى والتي كانت فيها الكنيسة تتحكم بكل تفاصيل الحياة الأجتماعية والأقتصادية والسياسية .. فهي وحدها من يمتلك الحق الألهي ويمنح المشروعية لكل نشاط أنساني ابتداءا من نظام الحكم وحتى أبسط التفاصيل اليومية الصغيرة لسلوك الأفراد في المجتمع ... واستمرت عملية تحرر الفرد البشري يوما بعد يوم بفضل الحرب الفكرية الشعواء التي شنها المفكرون الأوربيون على سلطة الكنيسة حتى أستسلمت في النهاية و دخلت آفاق الحداثة وقد بلغت عملية التحرير تلك أوجها في الثورة الفرنسية التي أحدثت القطيعة الكبرى والنهائية مع العقل الظلامي للقرون الوسطى .. و تحرر الأنسان من هيمنة رجال الدين لأول مرة في التاريخ الحديث ... ولم تكتفي أوربا بأحداث تلك القطيعة التاريخية بل أستمرت شعوبها تطالب بالمزيد من التحرر والأنعتاق و بدأ المفكرون التنويريون والفلاسفة يوجهون سهام النقد التأريخي والعلمي الى القداسة والمقدس الى أن حدث أنقلاب جديد ومهم في تاريخ الكنيسة عندما أعلنت في العام 1962 بأعترافها بالديانات الأخرى و عدم تكفير من لا يعتقد بالمسيح أو من يخرج من الأيمان المسيحي الى أعتقاد أو عدم أعتقاد آخر !!! أما من الناحية الأسلامية فلازال المقدس الأسلامي يتحكم بالكائن البشري الى درجة لاتطاق ولا زال الأسلام يمر بمرحلة من الجمود العقائدي والفكري منذ مايزيد على ألف عام .. حيث هيمن العقل التقليدي السكوني والتكراري على الشعوب الأسلامية و أوقعها في السجن الدوغمائي المغلق وفقا لتعبير أركون !!! ان تحرير الفكر الأسلامي من دوغمائيته هي عملية صعبة و معقدة وتحتاج الى هزات فكرية عنيفة .. ولا زال المفكرون التنويريون على الساحة الأسلامية مهمشين الى درجة كبيرة بفضل هيمنة رجال الدين الذين يتلاعبون بعقول الجمهور الواقع تحت تأثير سلطتهم الأيديولوجية وبالتالي من الصعب عليه ( أي الجمهور ) أن يتواصل مع المفكرين النقديين الأحرار .. ويرى هاشم صالح مترجم فكر أركون بأن الجمهور لا يستطيع حتى أن يفهم الفكر التنويري النقدي الحر ولا يستطيع أن يفهم لغته ومصطلحاته ورؤياه الجديدة للعالم .. لأنه لايمتلك الأدوات المعرفية الكافية التي تمكنه من ذلك .. لأنه لايزال أسير الرؤية التقليدية او الايديولوجية للتراث !!! أن عملية التحرير الفكري في ارض الأسلام لن تتم الا بعد تفكيك العقيدة ( أو العقيدة الصحيحة المطلقة ) من الداخل وبدون ذلك فان التحرير يبقى امرا مستحيلا ... ويعتقد أركون أن التحرير الفكري سوف يبتدأ حتما بتطبيق المنهج التاريخي على دراسة النص القرآني والذي هو موجود الان فقط في اللغات الأستشراقية .. و هذا لايكفي الا اذا حصل باللغة العربية من خلال الترجمة لهذه الدراسات أو تأسيس المنهج التأريخي في اللغة العربية ذاتها : لغة القرآن ... أو الأثنان معا ... فالرؤية التقليدية اللاتأريخية للنص القرآني هي المهيمنة والمسيطرة على الوعي الأسلامي سواءا على الجمهور أو حتى على عقول المثقفين ... ويرى أركون ان الحداثة أو العولمة سوف تكتسح كل البلدان والشعوب عاجلا أم آجلا وبالتالي لا يصبح للنقاش حول الأصولية والتزمت الدائر الآن أي معنى بعد فترة من الزمن حيث ستبدو تلك المواضيع بالية وقديمة بالنسبة للأجيال القادمة التي سوف تغطس في الحداثة المادية والتكنولوجية والمصرفية والأستهلاكية من أعلى رأسها الى أخمص قدميها .. وكما يرى هاشم صالح فأن ذلك لن يتم بسهولة ويسر .. فالصراع بين الأصولية والعولمة ( الحداثة و مابعدها ) سوف يكون طويلا و ضاريا ...
#عامر_الأمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التسامح واللاتسامح في العهدة العمرية
-
معركة حول الزنداني في موقع سعودي
-
المسلمون بين الشورى والديمقراطية
-
صباح الخير والحرية والديمقراطية
-
تحية للأمة العراقية ... بزوغ فجر الديمقراطية
-
أسطورة الحميراء
-
بريجيت باردو .. ونحر الخراف الآدمية
-
سادية أعراب الصحراء في نحر الأبرياء والتعامل مع النساء
-
أحلام المسلمين المقدسة
-
الكبت الجنسي .. بين الجنة والأرهاب
-
الأمم الحية ... وأمة العرب ... مقارنة
-
الأخلاق الصحراوية المقدسة
-
هل المجتمعات الاسلامية مجتمعات متسامحة ؟
-
جذور نفور اهل السنة العمرية من الانتخابات
-
العقل العربي الأسلامي ونظرية المؤامرة
-
الزنداني ... والأيدز ... وجائزة نوبل
المزيد.....
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|