|
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغربية للإسبان؟ الجزء 3
التجاني بولعوالي
مفكر وباحث
(Tijani Boulaouali)
الحوار المتمدن-العدد: 1110 - 2005 / 2 / 15 - 11:48
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
إن العلاقات السياسية والدبلوماسية المغربية الإسبانية، لا تأخذ اتجاها ثابتا لا تثنيه بعض العواصف السياسية التي تهب من حين لآخر على أجواء المملكتين، وذلك يرجع إلى ترسبات تغطي الذاكرة التاريخية المشتركة بين كلا القطرين، من مثل الموقف الإسباني المتعاطف مع البوليساريو، والصراع البارد حول المدينتين المغربيتين المحتلتين من لدن الإسبان، وملف الصيد البحري الذي يخلق أحيانا بعض الاختناق في العلاقة الدبلوماسية للبلدين الجارين، والمنافسة التجارية القائمة بين المنتوجات الفلاحية الإسبانية والمغربية المعروضة على السوق الأوروبية، إضافة إلى مشكل الهجرة السرية التي تنطلق من السواحل المغربية نحو إسبانيا.
رغم كل هذه التحديات الكائنة بين هاتين الدولتين، وهي تحديات ليست في صالح المغاربة، لأنها غالبا ما تميل إلى الكفة الإسبانية، فإن السياسيين المغاربة يعملون كل ما في وسعهم قصد تلميع العلاقة الدبلوماسية التي تقرنهم بإسبانيا، ولو كان ذلك على حساب مصالحهم الوطنية والترابية، وهم يعون أن هذا الجار لا يبني ارتباطه بالمملكة المغربية إلا من منطلق ما تستوجبه مصلحته الاقتصادية، فلا يرى في المغرب إلا تلك اليد العاملة المتجلدة التي بمقدورها دفع عجلة الاقتصاد الإسباني إلى الأمام، كما دفعت عجلة اقتصاديات دول شمال وغرب أوروبا، أو تلك الثروة السمكية التي لا تسيل فقط لعاب البحارة الإسبان، وإنما كذلك لعاب المسؤولين والسياسيين الإسبانيين، أو تلك المدينتين السليبتين (سبتة ومليلية) اللتان تدران أموالا طائلة على الخزينة الإسبانية، من خلال التجارة السوداء التي تمارس عبر المدن المغربية المجاورة لتلك المدينتين رغم أنف الاقتصاد المغربي.
إذن، رغم كل هذه الحقائق المعلنة من الطرف الآخر، تسلك الدولة المغربية تارة سياسة السكوت على الحق المغتصب، فلا تعامل الإسبان معاملة الند للند، بقدرما تعتصم بحبال الصمت والتهدئة خشية فقدان بعض المصالح المشتركة، حيث شراكة المغرب لإسبانيا غير مبنية على المنافسة والتوازن وإنما على التبعية وطلب المساعدة، وهذا ما يتأكد بجلاء في تعامل الدبلوماسية المغربية مع ملف المدينتين المحتلتين، فهي لا تطالب بتحرر هذه الرقع ذات البعد الاستراتيجي والجيوسياسي، علما بأن إسبانيا شيدت عليهما قواعد عسكرية تشكل تهديدا للمغرب وفي عقر داره، إضافة إلى الأسلوب المتسلط الذي تدار به المفاوضات حول مدى استفادة الإسبان من بحر وسمك المغرب، والذي ينعكس على الشارع الإسباني الذي يكشف من فينة لأخرى عن بغضائه الخفي للمغرب، لا لشيء إلا لأنه لا يريد من أحد أن يستغل بحره بشكل استنزافي، فيسقط كل من المهاجر المغربي والتجار المغاربة، الذين يعبرون التراب الإسباني ببضائعهم نحو باقي الدول الأوروبية ضحية ذلك. وتارة أخرى تنهج السلطات المغربية سياسة الاستجداء، وهذا ما اتضح بشكل مخجل أثناء إقدام عناصر من الجيش الإسباني على احتلال جزيرة ليلى المغربية، وذلك صيف (يوليوز) 2002، حيث لم يتجاوز الموقف المغربي التنديد الشكلي والاستعطاف والاستنجاد بالدبلوماسيات الأجنبية، زيادة إلى موقف إسبانيا المتعاطف مع البوليساريو الذي يشكل شوكة في حلقوم الدولة المغربية.
هكذا يجد المغرب نفسه عاجزا أمام إسبانيا، التي يعتقد أنها تضمن له شتى المصالح الحيوية ابتداء من احتضانها لمئات الآلاف من المهاجرين المغاربة، وصولا إلى تفضلها بإنعاش الاقتصاد المغربي بعدد من الاستثمارات والمشاريع، لكن يغيب عن هذا الاعتقاد أن المصلحة المغربية من هذا الجار المتوسطي تقابله مصالح لا تحصى من المغرب له، فاليد العاملة المغربية لا تتلقى العملة الصعبة التي تعتبر متنفسا للاقتصاد المغربي بمثابة صدقة في سبيل الله، وإنما مقابل خدمات شاقة وتضحيات جسيمة يترفع السكان الأصليون عن أدائها، ثم إن السعي الحثيث للدولة المغربية خلف بريق الاستثمارات الإسبانية، التي يعتقد أنها بمقدورها تنمية العديد من القطاعات المالية والاجتماعية والخدماتية وغيرها، ما هو إلا مضيعة للوقت وهدر للطاقات، بالنظر إلى سياسة التخريب المقنن الذي تمارسه الدولة الإسبانية عن طريق التجارة السوداء، التي تشجعها عبر المناطق المغربية المتاخمة للمدينتين السليبتين، كذلك يجب ألا ننسى مدى الاستنزاف العاتي الذي تعرضت إليه الثروة البحرية المغربية طوال عقود طويلة، مقابل حفنة من (البسيطات) الإسبانية التي لا نعرف أين ذهبت ولا في ماذا استثمرت! في اللحظة التي يشهد فيها التاريخ أن حوالي المليون صياد إسباني كان يعيش من بحر وخير المغرب، الذي حرم منه أبناؤه الوطنيون وذووه الشرعيون.
استنادا إلى هذه الوقائع الملموسة يبدو أن المستفيد الأكبر من هذه الشراكة غير المتكافئة هو إسبانيا، أما المغرب فلا يحظى إلا بالنزر القليل من هذه المصالح الحيوية، وهذا النزر ليس من شأنه أن يحرك عجلة الاقتصاد المغربي في شيء، ما دام الذي يبنى بالاستثمارات يهدم بالتجارة السوداء، فيصبح المعول الإسباني ذا وظيفتين متضادتين؛ البناء والهدم! مما يكرس تبعية المغرب له، لا شراكته معه، لأن الشراكة الحقيقية لا تتحقق إلا إذا تكافأت كفتا العلاقة الرابطة بين البلدين.
التسوية القانونية باعتبارها جسرا نحو الإدماج اللغوي والثقافي
إن المهاجر السري، أي غير الشرعي، مثله مثل السجين، فالأول يظل باستمرار ينتظر فرص التسوية القانونية، التي يجود بها أحيانا قانون الدولة التي يوجد فيها، أما الثاني فلا يركن فقط لحساب الأيام التي قضاها في سجنه، بدءا من اللحظة الأولى التي أسر فيها، وإنما يترقب دوما المناسبات والأعياد التي قد تستثير سخاء الحاكم، فيصدر عفوا جزئيا أو شاملا عن بعض السجناء، فالمهاجر السري لا توهب له الحرية إلا إذا استوت وضعيته القانونية، وامتلك الوثيقة التي تعترف بأنه انتقل من دائرة غير الشرعي إلى نطاق الشرعي، أو من دائرة السري إلى نطاق العلني، كأنما الحرية هي الوثيقة، والوثيقة هي الحرية! فإذا انتفت الوثيقة صودرت الحرية، وإذا غابت الحرية صارت الوثيقة بلا قيمة! وهذا هو حال أغلب المهاجرين المغاربة الذين أتى بهم القدر إلى شبه الجزيرة الإبيرية، والذين كانوا في الغد القريب يحلمون بوضع ولو قدم واحدة على التراب الإسباني، وبعدها سوف تزهر الحياة في أعينهم، وتقول لهم: هيت لكم! لكن بمجرد ما تأتى لهم ما حلموا به، صدمتهم الحقيقة المرة، وتكسرت على صخرة الواقع آمالهم العريضة، فراحوا يحلمون من جديد بالوثيقة/الحرية أو الحرية/الوثيقة، التي قد تشرعن وجودهم غير القانوني، فيحظوا ولو بشكل نسبي ببعض الفرص في العمل والسكن والتنقل ونحو ذلك.
إن التسوية القانونية لوضعية المهاجرين غير الشرعيين التي دشنتها الدولة الإسبانية الشهر الحالي (فبراير 2005)، لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء رؤية تحليلية تتأسس على السؤال/المفتاح: ما الداعي إلى هذه التسوية القانونية التي تبادر بها الدولة الإسبانية؟ إن هذه الخطوة السياسية الجريئة التي اتخذتها حكومة ثباتيرو الاشتراكية الفتية، ليست حبا في عيون المهاجرين السريين مغاربة كانوا أم أجانب، كما أن انسحاب الجيوش الإسبانية من العراق، والذي تم على يد هذه الحكومة، لم يكن حبا في عيون العراقيين أو العرب، وإنما خشية تكرر العرس الدموي الذي كانت مدريد محفلا له. إن التسوية القانونية هذه، سوف تجني من خلالها الدولة الإسبانية نتائج إيجابية جمة، تمس مختلف المستويات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية وغيرها، فعلى المستوى الاقتصادي سوف يتحقق انتعاش لا يستهان به، علما بأن قطاعات اقتصادية ومالية شتى سوف تستفيد من "إعادة تأهيل الاقتصاد الإسباني والتخلص من التهرب الضريبي لأرباب العمل والعمال على السواء" كما أشار أحد المسؤولين الإسبان، أما على الصعيد الأمني فسوف يحكم الطوق على الأجانب الذين سوف يصبحون شرعيين، فيسهل على السلطات الإسبانية وضعهم تحت مجهر الأمن وعيون المخابرات، في حين سوف يكون المستوى الاجتماعي والثقافي ونحوهما محط الاهتمام، علما بأن هذه التسوية ما هي إلا جسر مهم نحو ما هو أهم، وهو قضية إدماج المهاجرين الأجانب، لغويا وثقافيا، في المجتمع الإسباني، فيتكرر بذلك نفس النموذج الذي سلكته تلك الدول الأوروبية التي يربطها تاريخ طويل وحافل بمشكلات الهجرة وقضايا المهاجرين.
في المقابل سوف يستفيد ما يقرب من 800 ألف مهاجر سري أجنبي، ومنهم حوالي 100 ألف مغربي من هذه التسوية، التي تمكنهم من الانفلات من الاستعباد المادي والمعنوي الذي عانوه منذ وطأت أقدامهم أرض الأندلس القديمة، لكن هل تعني هذه الخطوة أن باب الهجرة السرية سوف يوصد، أم أن مثل هذه التسوية سوف تتكرر ريثما يفد على إسبانيا العدد الكفيل بأن يحث الحكومة أو السلطة على التفكير من جديد في تسوية أخرى، تدر المال الغزير على الخزينة الإسبانية، وتعزز الأمن العام، وتفعل آلية الاندماج، ثم كيف يمكن تفسير الدور المغربي بخصوص ما يجري، هل يظل معتصما بصمته المعهود، أم يمتهن أسلوب الاستجداء الدبلوماسي عل يحظى عدد من أبنائه المغتربين بالحرية/الوثيقة، أو الوثيقة/الحرية، وفي هذا تفعيل ما لاقتصاده الذي سوف يستفيد من عملة رعاياه الصعبة، الذين سيصبحون شرعيين، لكن ألا يعني هذه التسوية، من وجهة ما، أن المغرب مطالب أكثر بتحصين حدوده الصحراوية والبحرية، واستئصال كل جذور الهجرة السرية، وهو بذلك يبتاع إسبانيا الاطمئنان والأمن والحماية مقابل أن تحرر مواطنيه غير الشرعيين، وفي نهاية المطاف إلى متى يظل المغاربة يحلمون بالعبور نحو المستقبل الذي يلوح لهم من على السواحل المقابلة، وهو عبور محفوف بمخاطر البوغاز التي لا ترحم، ألم تئن بعد لحظة الانفكاك من التبعية العمياء للآخر، ورد ماء الوجه للوطن، بالفعل الصادق، والتضحية المشتركة، والتوزيع العادل لثروات المغرب، والاعتراف الصريح بكل مكونات المجتمع، وبعدها يهرع الجميع وبين ناظريه هدف واحد وموحد: نحو مغرب متقدم، وهو نفس الهدف الذي رفعه الإسبان، فيحضن الوطن كل أبنائه المغتربين وغير المغتربين، وتنقلب الموازين، فينعكس اتجاه هجرة المغاربة من المنفى إلى الوطن، كما حصل بالتحديد للإسبانيين.
#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)
Tijani_Boulaouali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
!وطني.. أهجرك اللحظة
-
أغنيات التمـــــــــــــرد - شعر
-
حين صرخت.. كان اغتصابي
-
حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة
-
-حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1
-
الشعر داء
-
الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد
...
-
الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد
...
-
الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد
...
-
نشيد الغضب
-
أزمة الإعلام البصري الوطني وتحديات المستقبل
-
حوار مع المفكر العربي د. حسن حنفي
-
بنية الثقافة الهولندية والحضور الأجنبي
-
أيها الأفاضل؛ هنيئا لكم ولو كنتم حزانى!
-
رغيف الأسى - شعر
-
ثقافة الحوار أساس التعايش الإيجابي بين كل مكونات المجتمع
-
مقاربة موضوعية لكتاب انهيار الصنم للكاتب العربي د. خالد شوكا
...
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|