|
في بعض قضايا المعارضة السورية
عماد يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1109 - 2005 / 2 / 14 - 09:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يوم بعد يوم تتجلى مسألة فقدان طيف المعارضة السورية بكافة تلوينا ته إلى المنابر الحرّة التي يستطيع من خلالها التعبير عن طروحاته ، برامجه، ورؤيته المستقبلية للعمل السياسي في سوريا، وعن إمكانية التواصل مع المجتمع السوري الذي طال صمته عن قضايا الشأن العام، ومازال يُؤثر اللهاث وراء مشروع الخلاص الفردي ، برغم الثمن الباهظ لهذا المشروع ، إن كان على الصعيد الوطني، متمثلا بالفساد العام . أو على الصعيد المجتمعي ، حيث يكون هذا المشروع بالغالب قائم على تدمير الآخر وإلغاءه في صيرورة الصراع الفردي المبني على تضخم الأنا الذاتية التي تبتلع النحن . وبالرغم من مرور ما يقارب الخمس سنوات على الحراك السياسي في سوريا ، والمتفق على تسميته بالحراك الديمقراطي، نجد بأن الآليات التي يعمل بها هذا الطيف، مازالت آليات عمل فقيرة ، متواضعة، وبسيطة لا تمتلك أدواتها كقوى معارضة في مجتمع ذهب بعيدا عن المشاركة في صنع القرار السياسي، والمساهمة في البناء المجتمعي بكافة تجلّياته، و لاتصل هذه القوى إلى مستوى المسئولية المنوطة بها، كما أنها تحمل بين طياتها الكثير من مشاعر الخوف والخجل ، أكثر من مشاعر الشجاعة والجرأة حتى ضمن الثوابت والخطوط الحمر التي أصبح متفقا عليها بين السلطة وتلا وين هذا الطيف، ونقصد هنا هذا الهامش الضيق الذي تدير له السلطة الأذن الطرشاء،ولا تحاسب على ما يطرح فيه ! مثال ذلك قضايا الفساد، الإصلاح، التعليم، الإدارات، قوانين الأحزاب ،المطبوعات ، وقضايا البنى التحتية ، وما إلى هنالك من معطيات ، تتفق السلطة بوجودها ولو ببعض من الحياء الممزوج بالتحذير مع وجهات نظر المعارضة السورية ، هذا إذا لم نتطرق إلى البعد القومي والعربي ; قضية فلسطين ، العراق، القضية الكردية، معاداة أمريكا، و المشروع الصهيوني الأميركي . في كل هذا تلتقي السلطة السياسية بالمطلق بطروحاتها مع طروحات المعارضة السورية ، وهذه إحدى القضايا التي استثمرتها السلطة جيدا لتجد بأن هذه المعارضة المسالمة والوطنية بامتياز تقبع في خندق خلفي لها ، أفضل ما يمكن أن يقال فيه بأنه خندق لقوات صديقة . و لكن لم يشفع هذا كله للطيف الديمقراطي السوري الذي حمل راية الاصلاح حينا، و التغيير حينا آخر، في خطوات مازالت بعيدة عن النسيج الاجتماعي السوري كما ذكرنا و الذي أثقلته لقمة العيش ورهاب العمل السياسي لسنوات طويلة ،هذا المجتمع الذي اعتاد ثقافة الهروب في مواجهة الاستحقاقات الكبرى، والتي تجاوزتها الكثير من بلدان العالم بما فيها بعض بلدان العالم الثالث ، فالعمل في السياسة في مجتمعاتنا نقمة إلهية يدخل أصحابها السجون والمعتقلات وتدّمر عائلاتهم ، بينما في المجتمعات المتحضرة نعمة ربانية ، يدخل أصحابها التاريخ وتكّرم عائلاتهم . ليست منابر المعارضة السورية بمنأى عن أزماتها، بعض أدبيات المعارضة لا يمكن وصولها إّلا إلى شريحة متواضعة جدا من المجتمع السوري. والمفارقة بأن هذه الشريحة هي نفسها التي تنتج هذه الأدبيات! أما الصحف; فباستثناء بعض الصحف اللبنانية التي تجد في أقلام المعارضة السورية قضايا وطروحات تتشابه مع أزماتها و أزمات العالم العربي كله ، " هذه القضايا الفكرية والمجتمعية الساخنة التي افتقدتها الصحافة اللبنانية منذ زمن " فباستثناء هذه الصحف لا يوجد أي صحف تستطيع احتمال أقلام المعارضة السورية ، وكذا حال المواقع الإلكترونية ، التي تعاني إما التحجيب وإما المشاكل الفنية بسبب ضعف وندرة الكادر الفني المطلوب لدعم هذه المواقع وفقدان الدعم المالي لها ، ما يشكل عائقا أيضا أمام تطوير هذه المواقع والتي لاتصل إلاّ إلى شريحة قليلة من المجتمع السوري الذي يمتلك أجهزة الكمبيوتر . لا يختلف وضع المنتديات في سورية عن وضع بقية منابر المعارضة ، فقد أغلقت جميع المنتديات التي نشطت في سوريا في الفترة الأخيرة ، ومنها منتدى الكواكبي في حلب، وكذلك الحال بالنسبة لبقية المنتديات في المحافظات الأخرى ، وما بقي منها هو فقط منتدى جمال الأتاسي ، الوحيد الذي بقي ناشطا حتى هذا اليوم، وهذا المنتدى لم ينج من التأثير السلبي لأداء المعارضة السورية وجدلية العلاقة بينها وبين السلطة . حتى أنه بدأ يجتر ذاته !؟ فأسماء المحاضرين تتكرر كل فترة في دائرة مغلقة لا يستطيعون الخروج منها ، ولا يختلف الأمر بالنسبة للمداخلين فمن يداوم مرتين أو ثلاث على أعمال المنتدى ، يستطيع ببساطة أن يضع لائحة بأسماء الذين سيدا خلوا والمداخلات التي سيلقونها، وكذا حال الأدبيات المطبوعة الذي لا يسر أيضاَ، فهي نشرات لم تتجاوز في عمقها آلية النقد الذي حدد سقفاَ لا يتجاوزه وهي قد أصبحت مملّة حتى لمحرريها ربما . المعارضة السورية ليست وليدة الساعة، ولم تكن يوماَ كذلك، ولكنها عجزت بآليات عملها عن التواصل مع هذا المجتمع الذي يكمن في حالة سبات لايريد أن يتجاوزها إلى مرحلة ربما قد شعر بأنها ما عادت تجدي نفعاَ، ويعود ذلك إلى صعوبات الحياة الاقتصادية على جميع المستويات. ربما كان تأثير ثورة الاتصالات والمعلوماتية ونظام العولمة الجديد قد أثّرَ بطبيعة البشر وخاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى بلدان العالم الثالث، السبب بسيط ؛ وهو فقدان هذه المجتمعات لحصانتها أمام أي مشروع عالمي يتحكم باقتصاديات الدول وثقافتها وسياساتها ويفرض منظومته على القرار الدولي كالعولمة الاقتصادية بداية والتي بدأت تباشيرها في سبعينيات القرن الماضي، إلى العولمة الأمريكية التي نشهد جميعاَ اسقاطاتها في كافة ميادين حياتنا اليومية . إن تماهي مفهوم الانتماء الوطني بمفهوم العولمة، وتحول العالم بأسره إلى قرية صغيرة قد ضيّع على الدول وخاصة الصغيرة منها والمتخلفة فرصة الاهتمام بقضاياها الكبرى، وهذا ما لم يكن موجوداَ في بداية القرن العشرين وحتى بداية السبعينات منه، حيث بدأ نتاجات مفاهيم عصر الحداثة بالأفول لصالح مفاهيم وقيم العولمة للدول الصناعية الكبرى بداية، ومن ثم للعولمة الأمريكية بالمعنى المطلق للكلمة. سوريا كبلد من بلدان العالم الثالث لم ينج’ لا حكومة ولا شعباَ من فقدان القدرة على السيطرة على قرارها المستقل، الوطني، الذي يتجاوب مع مصالح هذا البلد الصغير الذي ’قدّر له أن يكون في يوم من الأيام لاعباَ كبيراَ أساسياَ في منطقة تتنازعها الصراعات منذ أقدم العصور وكانت على الدوام مفتاح الأمان للسلام العالمي والاستقرار الدولي، وكانت النتيجة أن فقد الناس في الشارع السوري المعنى الحقيقي لمفهوم التعاطي مع قضايا الشأن العام، حتى تحولت فكرة العمل السياسي إلى كابوس يجثو على كاهل كل فرد في الشارع السوري، وأصبحت السياسة لأصحابها وأصبح هناك حالة من الخلط في المفاهيم خطيرة جداَ قد تودي بأي مجتمع كان إلى التهلكة، من حيث أن هذه المجتمعات ’تسلّم رقابها لفئة قليلة من النخبة السياسية التي ستمارس القمع والديماغوجيا على البشر.. في المجتمعات المتقدمة، السياسة هي مهنة يمارسها الناس، ولكن حق المشاركة في السياسة العامة للبلد هي واجب وطني، وشأن من شؤون العامّة، كحق الانتخاب، الترشيح، المعارضة، الاحتجاج، التظاهر، صيانة الدستور، المشاركة بالمنظمات المدنية التي تمثّل شريحة كل فئة على حدة، كل هذا افتقدته سوريا بلداَ وشعباَ كما افتقدته ومازالت تفتقده جميع الدول العربية بدون استثناء، من هنا جاءت قضية الانتخابات العراقية تحمل بين طياتها صعوبات لم يستطع الجميع تخطيّها بالرغم من أنهم نظّموا حملات اعلانية بملايين الدولارات في أنحاء العالم لدعوة الناس للاقتراع على شيء يجب أن يقوم به المواطن على أنه من البديهيات في حياة البشر كما يغسلون وجوهم صباحاَ عند الاستيقاظ من النوم . أحد أهم أزمات المعارضة السورية هو عدم قدرتها على الوصول إلى الشارع، و عدم قدرتها على طرح مشروع مجتمعي عام، وشامل يستطيع أن يمنح المواطن السوري الأمان والإيمان بمستقبل مجهول لبلد يواجه الكثير من الاستحقاقات والتحدّيات المحلية والاقليمية والدولية، محلياَ؛ على مستوى المعارضة، أزمات المواطن السوري الخانقة، نقص المشاريع الانمائية، تضخم البطالة، بنى تحتية فقيرة ومتواضعة، تدنّي في مستوى معيشة الناس، تيارات أمنية وأخرى حزبية حاكمة تتجاذب القرار السياسي و الاقتصادي والاستراتيجي لهذا البلد، اقليمياَ؛ التهديد الإسرائيلي الحاضر أبداَ، دور سوريا في لبنان والوجود السوري فيها منذ ثمانية وعشرون عاماَ، قضية فلسطين وطرح رؤية جديدة لها والتسليم بقضاء أمريكا وقدرها في التعاطي مع هذه القضية، ثم الطّامة الكبرى في العراق والاحتلال الأمريكي له وسقوط النظام البعثي هناك نظير البعث في سوريا، عالمياَ؛ هوة كبيرة بيننا وبين التطورات العالمية المتسارعة، صعوبة في اللحاق باقتصاد السوق، عجز عن الدخول في تكتلات اقتصادية عالمية، مطالب أمريكية تهدف إلى تحقيق مشروع شرق أوسط كبير، اتحاد أوروبي متأثر بالقرار الأمريكي...الخ . من هنا كانت قضايا المعارضة السورية دوماَ تحمل تناقضات في طروحاتها وبرامجها المتواضعة جداَ التي طرحها بعض أطيافها، فنادت بداية بتعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه والتي تقول بأن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد للدولة والمجتمع، وهذا يعني ازاحة هذه السلطة القائمة وحتى دون وجود البديل السياسي لها، ولم تعترف المعارضة بهذه السلطة حتى واعتبرتها غير شرعية، ثم طالبت المعارضة هذه السلطة بالاصلاح من السلطة نفسها دون أن تتطرق إلى الاعتراف بها، وهذا يعني اعترافاَ بهذه السلطة وبشرعيتها وقيادتها للدولة والمجتمع، ثم انكفأت هذه المعارضة وتقاذفتها الخلافات الشخصية والفكرية والسياسية، ثم تطور هذا الشق لدى أطياف هذه المعارضة ليطال طبيعة وشكل وامكانية العلاقة مع الخارج، هل هي تعدّي على السيادة الوطنية وعمالة للغرب، أم هي خطوة أساسية لإقامة علاقات متينة تساعدها على تطوير ذاتها كما يقترح الأستاذ ميشيل كيلو في مقاله في النهار تاريخ 8/2/2005 بعنوان " سوريا تتجه إلى قفص مغلق" على الرغم من تحليله الذي يجانب بعض الحقيقة حول أزمة المعارضة السورية في هذا المقال، ولكن الأستاذ والصديق المحترم نسي أن يقول بأنه نفسه عجز عن لملمة جراح هذه المعارضة التي يعتبر قطباَ من أقطابها ويتحمل مع كثيرين مسؤولية كبيرة في ما طرحه نفسه من أزمات في مادته الصحفية . قد لا أتفق مع الأستاذ والصديق ميشيل كيلو في مقالته بأن المعارضة السورية ستتجه إلى الشكل الد يكوري للمعارضة وتدخل في قفص مع السلطة على شاكلة التجربة المصرية، وتصوري هذا يعود ببساطة إلى المناخ والظروف التي تميز حقبتي نشوء المعارضتين، في السبعينات كانت أمريكا بحاجة إلى مصر على الشكل التي هي عليه، فصراع القطبين كان في أوجه في ذالك الزمن، ولم تكن أمريكا تريد من السادات أو حسني مبارك أكثر من كامب ديفيد ثم تغدق عليها الدولارات لتبقى خارج خط الصراع العربي الإسرائيلي وخارج نطاق تأثير النفوذ السوفييتي في المنطقة، في سوريا الوضع يختلف كثيراَ، إن المتغيرات الدولية الهائلة لن تترك الفرصة لسياسات الدخول في القفص على مستوى الشارع على الأقل، فالنظام العالمي الجديد والمشروع الشرق الأوسطي الكبير سيحمل بين طياته ثمرة انتصار الليبرالية في تجسيد قيمها التي هي قيم العولمة نفسها، ولن تكون أمريكا بحاجة لأن تلعب ذاك الدور الذي لعبته في السبعينات مع مصر، هذا إذا لم نتطرق إلى الفارق الكبير في خطاب نيكسون وكارتر وهنري كيسنجر في ذالك الحين وخطاب بوش و باول وكونداليزا رايس اليوم الذي يعتبرون أنفسهم رسل الحرية لدول العالم المقموعة . لا يعني كل ما سلف بحال من الأحوال فقدان المعارضة السورية لآليات عملها ومبررات وجودها، فجيل العمل السياسي الهرم الذي يؤسس ولو بخطوات بطيئة ومتواضعة جداَ لهذه المعارضة سيصل في يوم من الأيام ولا أظنه بعيداَ إلى وضع برامج صحيحة ويناءة وتأسيس منظومة قيم لمفهوم المعارضة حتى يتم طرحها على الشارع السوري الذي تسعى هذه المعارضة إلى كسبه منذ خمس سنوات على الأقل، ولكن كان دائماَ ضباط المخابرات لهم بالمرصاد، لذلك ستبقى هذه المعارضة تقلّد السلحفاة في سيرها، فربّما تتحول مشية السلحفاة هذه إلى مشية غزال ’يلفت أنظار العالم إلى تخايله يوماَ ما
#عماد_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع المدني ودلالاته الوطنية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|