|
قطوف التسامح
نوري الدجيلي
الحوار المتمدن-العدد: 3794 - 2012 / 7 / 20 - 12:16
المحور:
حقوق الانسان
قطـوف التسـامــح........... يعد اغتصاب الحياة جرحاً عميقاً في جدار القيم وخطيئة عمياء تبنتها ثقافاتُ تقولبت على عورات المواريث والتاريخ المغلق وقوة الهزيمة أمام الذات وأعراف قامت على تمجيد الثار واحترام القوة في أحط تجلياتها ,تقبل استمراء فعل المشاكسة في الأرض المثكولة ,نوازع التعصب والتعنصر والتطرف هذه لازال البعض أفراد وجماعات تتوطنهم تلك الأحاسيس في زندقة أخلاقية فضة مثلت حالة العضال الاستعصائية للخروج من نمطية الحنين للماضي.هذه الإشكاليات التاريخية أنتجت فيهم وعياُ جمعياً مأزوما سقط من شرفة العقل, فأبوا إلا أن يعيدوه في محاولة بائسة لإنباته في عقل الحاضر .يدفعهم في ذلك هوس كبير بالترفع الأجوف ووهم امتلاك الحقيقة الأبدية والغايات العليا نرجسية وتضخم انوي قادهم إلى سلوك نحى نحوا الظلم والعدمية المفرطة لكبت الأخر المختلف والانقضاض عليه وسحقه عبر أثارة الفتن الدينية والطائفية والسياسية والعنصرية وصل غلوائها ذروته في التصفيات الجسدية وإهدار الدماء البريئة ليصبح كل شيء مستباحاُ ومنتهكاً باعتباره جزءً من فلسفة الخلاص وتحقيق العظمة والوصول إلى المبتغى باخس الطرق وأحقرها (عقلية الغاية تبرر الوسيلة ) .ثقافات طوية على هزيمة الحياة افتقرت لجوهر الفعل المتمدن في ظل غياب عقاب الضمير وتجاهل محاكمات التاريخ . أن المحطات التاريخية وإيقوناتها دونت أسس التسامح الديني بين أصحاب الديانات في المجتمع الواحد وفق محتوى الدولة المدنية بوصفها ضمانة لتحقيق مبدأ المواطنة الرامي لإشاعة الحرية والعدالة وحفظ الحقوق وقد تجلى ذلك في (دستور المدينة المنورة ).الذي كفل حرية المعتقد لليهود وحق ممارسة شعائرهم الدينية (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ). ولعل أفضل ما عبر عن القانون الأخلاقي للتسامح قول الرسول (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).وقد صدقت بلاغة القول عند الخليفة الراشد علي (ع) (أن لم يكن اخ لك في الدين فهو نظير لك في الخلق ). ولا يختلف الأمر في المسيحية فقد ورد في الإنجيل قول السيد المسيح (ع) (المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام ) وقوله (أحبوا أعدائكم وأحسنوا إلى مبغضيكم) .وقصد التسامح الديني يعني ليس من حق احد أن يقتحم باسم الدين الحقوق المدنية للأخر أو يهدد السلم الأهلي .فثمة فرق كبير بين معطى النص الديني المقدس وبين الفهم والاجتهاد البشري القابل للنقض والتأويل وهذا ما لا يستسيغه أصحاب العقول ذات الصخب العقائدي المسلح (أن التقرب لله زلفى بقتل الآخر المختلف ) .أن التقدم العلمي والعيش في زمن الوعي المتحضر هو الأخر لم يفلح في دفع البشرية من نبذ تعصبها بل تزايدت معدلات الجرائم والمذابح المتبادلة بشكل غير مسبوق في ظل بقاء الثقافات القاحلة المخجلة والتي توشحت بضحالة الوعي وضآلة الفكر. وقد أسهم الصراع السياسي والتناقض الاديولوجي الحاد بين المدرسة المثالية التي تبنت الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان وتكفلت بنشر التقاليد الديمقراطية نجدها تفتقر للمصداقية والتحمس لترجمة ذلك .فهي اليوم اقرب للمدرسة الواقعية التي تغلب المصالح والأمن على قضايا حقوق الإنسان وهذا ما ظهر جلياً وواضحاً في خريف السلاطين العرب أو ما عرف بربيع الشعوب العربية فمواقفها (أمريكا) انتقائية ومزدوجة بشكل سافر فنجدها مؤازرة لبعض الأنظمة والحكومات العربية على حساب شعوبها ومجتمعاتها الآمر الذي أسهم في تفشي ظاهرة التعصب والإرهاب والتطرف .أن إستراتجية الآخذ بتسامح وإعلاء قيمه دفع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (منظمة اليونسكو ) عام 1995 باتخاذ السادس عشر من تشرين الثاني من كل عام يوماً للتسامح العالمي . خطوة جليلة رائدة بكل معانيها وتجلياتها ولمسة إنسانية ثرية بالإيثار ونبضاً صادقاً للفعل النبيل والالتزام الأخلاقي ( فهناك الكثير من الجوع في العالم ليس للخبز بل للمحبة والسلام والتسامح ). واتذكر في ذلك قول الاديب المرموق اودونيس ( لا املك إلا روحي ومع ذلك احتاج دائماً لمن يطمئنني عليها باني امتلكها حقاً). أكيل أعجابا ودهشتاً للثورة التسامحية التي تبناها الثائر (نيلسون مانديلا)ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقا وصل حد تسامحه إلى أن عين سجانه سكرتير له بعد أطلاق سراحه (بعد 27) سنة بعد استقلال بلاده. ودولة الهند ذات الأعراق المتعددة والديانات المختلفة أمست أمثولة حسنة ونموذجاً رائعاً للتسامح الديني والعرقي فمعبد اللوتس في دلهي ضم في أروقته لواوين ورواقاة لجميع الأديان لتكون عنوان لاحترام الأديان المختلفة وفي مدينة كلاسكو أنشأ متحف ضم في أقسامه كل الأديان الكبيرة في العالم ليطلع عليها الشعب الانكليزي بكل أجلال واحترام . هذه السطور ليست بمرثية ولكنها دعوة لتشجيع الإخاء وإعلاء قيم التسامح وتكريس ثقافة التفاهم ودعم السلم الأهلي في العالم وخصوصاً بلدنا العراق العزيز الذي اكتوى بنار الطائفية الدخيلة فهو بأمس الحاجة للتوسل بالعقلانية وأدراك التسامح فهما معياراً وازناً لوضع الأمور في إطارها الصحيح فهو ليس واجب أخلاقي فحسب بالمعطى وطني وأنساني فذ . ولأجل أن يولد العراق قوي معافى وجب أن نعيد النظر بروافد الثقافة كي نشكل الوعي الاجتماعي الجديد .بدا من التعليم والإعلام وعقلنه الخطاب العام لفتح أبواب المحبة ونشيد جسور الإخاء وندق آخر مسمار في نعش الفتنة والتشرذم لتمتلئ كل سلالنا بقطوف التسامح .
نـوري الدجيلـي
#نوري_الدجيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين ذاكرتيين
-
في ضيافة الزعيم …… نبل يتحدى الزمن
-
رحيل بلا حداد
المزيد.....
-
اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا
-
اعتقال -سفاح صيدنايا- في طرطوس وحراك دبلوماسي سوري مع دول ال
...
-
منظمة حقوقية: أكثر من 10 آلاف مهاجر لقوا حتفهم بالبحر العام
...
-
استشهاد 3 أطفال رضع في خيام النازحين بغزة
-
الحرس الثوري الإيراني يعلن اعتقال جاسوس في مدينة أردبيل
-
الداخلية الأردنية تكشف عدد اللاجئين السورين العائدين إلى بلد
...
-
تعذيب أسر أورهان من قبل صوفيا.. احداث ناريه في مسلسل المؤسس
...
-
استخبارات حرس الثورة تعلن اعتقال شخص كان يتجسس لصالح دولة جا
...
-
سوريا: 17 قتيلا في اشتباكات بريف طرطوس أثناء محاولة اعتقال ض
...
-
احتجاجات أمام السفارة الأمريكية في بنما ضد تصريحات ترامب بشأ
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|