|
بين الحماس والتهور بين النور والظلام / مثال الحارث الأعظمي
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1108 - 2005 / 2 / 13 - 11:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحرّم أسامة بن لادن على المرأة أن تشرب من إبريق الماء، لأن الإبريق مذكر، كما يقول، وهو في فتواه هذه ضد الزنا، أما لماذا لا يحرم ذلك على الرجل؟ فهذا شأنه هو، لكني حتى لو فكرت في الأمر منطقياً وذهبت إلى ما تفرضه المحاكمة نفسها، بأن ابن لادن ضد الزنا، ولكنه ليس ضد المثلية الذكورية .
أيضاً يعلن الزرقاوي بصراحة أنه ضد الانتخابات وضد الديمقراطية، ويعلن قاطع الرؤوس البشرية أنه ضد الحضارة والحداثة والإنسانية وكذلك أشباهه وأترابه من تلاميذ ابن لادن، وبقية صفوف المدرسة سيئة الصيت.
كل هذا يمكنني أن أفهمه، ولو بصعوبة، وبما أن مجمل فكر ابن لادن، والزرقاوي الخ بالنسبة لي، هو فكر معفي من الحوار، وغير قابل للوزن في ميزان المناقشة، لأنه بوضوح شديد، هلوسة عصابية يمكن للمحللين النفسيين أن يجدوا فيها مادة للبحث . لكن ما يشق علي فهمه، أن ينبري مثقفون متنورون إلى محاكاة وتأييد بل مباركة من حاول ضرب الانتخابات العراقية، ويعلنون بصوت أعلى من صوت الزرقاوي ذلك، كما فعل د. نوري المرادي مثلا . وكنت مررت على ذلك في مقالة سابقة بعنوان "الاسم والفعل".
واليوم وعلى الضفة المقابلة ، وفي الاتجاه المعاكس يصعب علي فهم كيف يتحدث مثقف متنور وهو د. الحارث الأعظمي عن السحل في الشوارع و تعليق الرؤوس على الأسنة، ولا يغير في الأمر كان من يكون صاحب الرأس المعلق، وحتى بوضوح شديد، لو كان رأس صدام أو الزرقاوي أو ابن لادن، فكيف أن يكون رأس الشيخ حارث الضاري، وهو من الصفوف المتخلفة وراء أولئك القتلة.
ومادمت أتكلم على كاتب متنور ومتحمس للديمقراطية، ولا يني يذكر بمبادئ ويلسون في حق تقرير المصير، وغيره من الرواد في حقول الحريات الإنسانية، ويغني بحماسة منقطعة النظير، الأناشيد التي يطرب لها كل عشاق الحرية والتقدم، وأنا واحد من هؤلاء، ولكني لا أطرب لأحاديث ولا لأغاني السحل وتعليق الرؤوس، ولو باسم الحرية والحداثة، فلست ممن يقرون أن الأعمال بالنيات، وأقتنع بالمثل الفرنسي الذي يقول بأن :"الطريق إلى جهنم مبلط بالنوايا الحسنة" ،بل لا يمكنني العبور بصمت، من أمام هذه المواكب، لأني أرى أن أي هدف لا يمكن الوصول إليه من طريق نقيض لطبيعته، وهكذا توجست من تلك الأورام التي مع الوقت بدأت تثير مخاوفي في خطاب الحارث الأعظمي، مثلاً لا حصراً، حيث ألفيتها وبكل أسف في سجالات وحوارات أخرى لكتاب متنورين أيضاً، ولهذا سأنطلق بداية من أن الحماس هو الذي أدى إلى التهور، والخروج عن السكة وحتى الابتعاد عن الهدف الذي تنشده الانتخابات والديمقراطية، أي من النور إلى الظلام.
بل أعتبر نفسي تأخرت كثيراً، بسبب منطلقي هذا، فقد مررت ومنذ مدة على ما كنت أعتبره هفوة هنا، وكبوة هناك، حتى بات الأمر في نظري أكثر من ذلك، وتجاوزت مخاوفي الهواجس من الخاص إلى العام، فلا أريد أن يكون في الخطاب الحديث، شيء من أدران الخطاب القديم، فما بالك بالممارسات الدموية؟ كان على الأعظمي، أن يهدد الضاري بالمحكمة والقانون، وأن يثقف أهل الضحايا الذين سينتقمون من الضاري وأمثاله، ليس بالسحل في الشوارع ورفع الرؤوس على الأسنة، ويصورهم ويتصورهم كوحوش ضارية مرعبة، فهذا لا يليق بهم ولا يليق به كمبشر بالحداثة والديمقراطية، وكمتحمس للدولة العصرية وإنما هو وصف يليق بأهل الماضي بفدائيي صدام وكتائب الزرقاوي وابن لادن ومن لف لفهم، نعم كان على الأعظمي أن يدعو أهل الضحايا أو يتصورهم أو يتمناهم على الأقل أن يتصرفوا كأناس متحضرين، كذوي ضحايا 11أيلول مثلاً وغيرهم حيث القانون والعدالة ....الخ .
للأسف لا يتوقف الأمر عند هذه النقطة، أو حتى هذه المقالة، لكني سأكتفي بمثال آخر، فالحماس الذي أخرج الأعظمي عن السكة المتحضرة، جعله يخلط في أمور سياسية وتاريخية، ولن أدخل في ديمقراطية عمر أو فيما فعله الإسلام سواء في العراق أو في بلاد الشام أو غيرهما من البلدان التي تشهد الأوابد على حضارتها، لكني ولأني مهتم بالحاضر أكثر بكثير من الماضي، كما أني منحاز بوضوح إلى ثقافة الحياة ضد ثقافة الموت، سأتوقف بحزم عند توجعات وعويل وبكاء الأعظمي على إخوانه المسلمين في حماة وغيرها، التي سحقها النظام السوري، وكان الأجدر به أن يبكي مثلنا جميعاً ضحايا المذبحة المشتركة لسوريا كلها آنذاك، والتي لم يكن النظام السوري وحده سببها، بل كان طرفاً فقط ، أما الطرف الثاني فهو من يبكيهم الأعظمي اليوم ويدعوهم أخوانه المسلمين، نعم كان خليقاً بالمتحمس لرؤية أهالي ضحايا الضاري يسحلون الضاري ويضعون رأسه فوق السنان، ألا يبكي أمثال الضاري ومن هم أسوأ منه، وأعني أخوانه المسلمين، كما قال ، وكأنه نسي أو تناسى أن الأخوان المسلمين كانوا مع عملاء صدام حسين زرقاويي سوريا آنذاك وحصان طروادة لملك الأردن السابق(حسين) والأنظمة التي يغدو النظام السوري بعد كل استبداده ليبرالياً أمامهم .
مع ذلك كسوري أرحب الآن وأدعو جميع مرتكبي مجازر الأمس من النظام والأخوان إلى تقويم أحداث الأمس ونقد الذات وفتح صفحة الحوار الوطني والمصالحة الوطنية على أرضية إدانة العنف والإرهاب وبناء الدولة العلمانية والعصرية، بدستور وجمعية وطنية منتخبة وطي صفحة الماضي الأليم إلى الأبد.
الكلمة شرف ومسؤولية بجميع المعاني، شكلاً ومحتوى، وينسب للإمام علي قول : "الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً " ، والحماس الأعظمي للحارث يقوده إلى الوقوع في التخلي عن جماليات الكلمة، وقواعد اللغة من نحو وإملاء ودقة في التعبير، هذه الأمور كلها من الجماليات في نظري، وتؤثر على مضمون الفكرة والموقف، لأن الشكل هو الطريق إلى المضمون، وعلينا أن نحترم قوانين أية لعبة نختارها بملء إرادتنا، وشروط أي عقد نقبله برضانا، واللغة في نظري، أكبر وأسمى من أي عقد وأية لعبة، لأنها الصورة الأرقى للتواصل الإنساني داخل الإنسان نفسه، وبينه وبين الآخرين . إني أحب وأحترم ولا مكان في قلبي للأوثان، ومن باب الحب والاحترام للفكر وللغة وللتواصل الإنساني، أدعو إلى التعامل الرقيق واللطيف مع الفكرة وتالياً اللغة، ولن يتم تقديم الجمال في قالب قبيح، ولن يتم الدفاع عن السلام والحداثة، بخطاب العنف والهمجية.
كان الزعيم عبد الكريم قاسم الذي على ما يبدو جاء قبل زمانه، فتنكر له زمانه وخذله كسائر العظام، يقف ويصرخ في الجموع : لا تطالبوني بالإعدام، طالبوني بالمدارس والمستشفيات والبيوت، وكان يرجو[نعم يرجو] الأحزاب السياسية والقوى العراقية، بأن تتحد وتبتعد عن العنف، وتعتمد خطاب الحوار المتحضر، وإذا لم تفعل اليوم هذه القوى ومثقفوها ذلك، فلا أميركا ولا أوروبا ولا أية قوة في العالم، ستمنع إعادة الديكتاتورية والدموية للعراق، وسيفرح البلهاء، ويتشدقون : قلنا لكم العراق لا ينفع معه غير الدم، العراق لا يحكمه سوى الحجاج وصدام حسين، وستصل رعشة الغرور إلى الديكتاتوريات القريبة والبعيدة، ممن تنتظر بفارغ الصبر هذه الجائزة. إن التغني بحمورابي وشرائعه العظيمة، وبآكاد وبابل وسومر، أمر عظيم، ولكن الأهم تمثل الحضارة الراهنة، الحوار الهادئ والمسؤول، وعدم الانجرار إلى المواقع التي دفع الشعب العراقي دمه للخلاص منها .
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بحبك أحببت
-
وحدة مقسومة بخيط
-
الأغنياء والفقراء /الجزء الثاني
-
الأغنياء والفقراء
-
العائلة الزرقاء
-
أشهدُ ألاّ أنتِ
-
الاسم والفعل/ كانوا دائماَ يطعنون بشرعية الانتخابات التي صوت
...
-
رغم أنف الارهاب
-
حصان الغفلة
-
الدائرة المكتنزة
-
نبضات الخليوي
-
أغنية نورس جريح
-
كؤوس الغربة
-
رؤى الرغبات
-
وأخيراً... تمخضوا وولدوا
-
الطريق الشاق والخطر
-
الحرية تأنيث للعالم
-
مسرحية صامتة جداً
-
رعشات مشروطة
-
ليس مسيحاً
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|