أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لماذا، وضد من يثور السوريون؟















المزيد.....

لماذا، وضد من يثور السوريون؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 21:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليس لأسباب مغايرة عما في مصر وتونس ومصر وغيرهما خرج السوريون ثائرين، عوز الحرية والعدالة والكرامة. لكن سورية تختلف عن البلدين، وعن ليبيا واليمن، في أنها تحولت بالفعل إلى مملكة وراثية قبل أكثر من عقد على الثورة، وفي أن أربعين عاما من الحكم الأسدي أورثت الطغمة الحاكمة ضربا من جنون السلطة، غير غريب عن أسر حاكمة كثيرة في التاريخ. على أن حافظ الأسد، وهو وزير دفاع حرب حزيران 1967، كان على ارتياب كبير بشرعية حكمه لا يضاهيه إلى تعطشه لسلطة مطلقة دائمة. كانت هذه دوافعه لبناء صروح أمنية كثيرة ورهيبة وكلية الحصانة. فضلا عن إنشاء تشكيلات عسكرية حسنة التسليح ومولجة بحماية النظام، سرايا الدفاع بقيادة أخيه رفعت حتى عام 1985، ثم الحرس الجمهوري بقادة من ذوي قرباه. أما الجيش النظامي فقد جرى تحطيمه بالإذلال اليوم لجنوده وضباطه وباختراقه أمنيا وطائفيا وبالفساد الكاسح. وفي هذا فارق مهم بين مصر وسورية. في مصر لم يتعرض الجيش للتفكيك والتخريب الذي تعرض له الجيش السوري، لذلك تصرف بصورة مستقلة نسبيا حيال الثورة، وهو يتصرف اليوم كطرف سياسي متميز. في سورية الجيش مخترق ومُستَتبع ومهان.
غير الصروح الأمنية، طور نظام حافظ الأسد صرحا إيديولوجيا لا يقل فاعلية. فإذا كانت وظيفة أجهزة الأمن منع تسمية الأشياء بأسمائها، فإن وظيفة الجهاز الإيديولوجي (تعليم، إعلام، "منظمات شعبية"، جيش من الإيديولوجيين السوريين والعرب، اللبنانيين خصوصا...) تسمية الأشياء بغير أسمائها. وهو ما ينصب حاجزين عاليين بين السوريين وبين إدراك شروط حياتهم ومحاولة التأثير على هذه الشروط.
تقول إيديولوجية النظام على إن سورية قطر عربي صامد، تناضل قيادته التاريخية من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة، وترفض تقديم تنازلات للعدو الإسرائيلي خلافا للبلدان العربية الأخرى، ولذلك فالبلد مستهدف بالمؤامرات الخارجية دوما، وبمشاركة منكرة من الدول العربية. تقول أيضا إن سورية تنعم بوحدة وطنية راسخة أرساها "القائد الخالد حافظ الأسد"، ويصونها اليوم "السيد الرئيس بشار الأسد"، وإن كانت مستهدفة بدورها بالمؤامرات الخارجية، التي يشارك فيها بعض "العملاء" و"ضعاف النفوس" في الداخل.
في واقع الأمر، لم تثمر المفاوضات بين النظام السوري وإسرائيل معاهدة سلام يصعب أن تكون عادلة في ظل اختلال موازين القوى بين سورية والدولة العبرية. لكن ليس بسبب تعذر العدل يعترض النظام السوري على التسوية، ولكن لأن من شأن تسوية مع إسرائيل أن تحرمه من منبع للهيمنة الداخلية وأداة مهمة للسياسة الخارجية، فضلا عن أن ضمير نخبته القائدة غير مرتاح لصفتها التمثيلية، وبالتحديد لاحتمال أن تعتبر مسؤولة بصفتها الطائفية عن تسوية غير مشرفة.
في حقيقتها، هذه الإيديولوجية الوطنية عالية النبرة مجرد وسيلة لتخوين المعارضين السياسيين ولتمويه الطابع العصبوي لنواة النظام الصلبة وتجريم الاعتراض عليها.أما الأولوية العليا للنظام السوري فهي البقاء في الحكم إلى الأبد، على ما كان فرض على طلاب المدارس ومجندي الجيش الهتاف كل صباح في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته. لكن من وجهة نظر البقاء في الحكم، ليس مفيدا أن يصدق النظام إيديولوجيته ويواجه فعلا العدو الذي يحتل أرضا سورية منذ 45 عاما. الواقع أنه منذ مايو 1974، كانت جبهة الجولان أهدأ الجبهات العربية مع إسرائيل، أهدأ حتى من الجبهتين المصرية والأردنية بعد أن جمعت البلدين معاهدتا سلام مع إسرائيل. من هذا الباب جرى تحوير إيديولوجية المواجهة مع العدو لتتحول إلى إيديولوجية "ممانعة"، يفترض أنها معنية بإحباط مؤامرات الأعداء وخططهم العدوانية. لكن الوظيفة بقيت نفسها: تجريم الانشقاق في الداخل وأداة للنفوذ الإقليمي.
ووراء إيديولوجية الوحدة الوطنية واقع أشد قتامة بعد، يتمثل في أزمة وطنية عميقة، بحيث يتبادل السوريون الخوف من بعضهم وعدم الثقة ببعضهم: يخاف الكرد (بين 8و10% من السكان) من العرب (85%)، ولا يثق العرب بالكرد، ويخاف المسيحيون (دون 10% اليوم) من المسلمين ويرتاب المسلمون بالمسيحيين، ويتبادل السنيون (نحو ثلثي السكان) والعلويون (10-12% من السوريين) الخوف وعدم الثقة، وهو ما يصح أيضا على العلمانيين والإسلاميين، ... وهذا كله مصنوع ومتعوب عليه، ووقائع العبث بوحدة السوريين لم تكن تنتظر الثورة حتى تكون معلومة للمتابع المتجرد. ما أراده النظام دوما هو أن يخاف السوريون من بعضهم أكثر من خوفهم المشترك منه، بل بحيث يكون نظام الخوف العام هو الحل.
في ظل البنيان القائم على الخوف والارتياب والكذب، عاش السوريون حياة مباحة، بلا حماية وبلا قانون من أي نوع، وبخاصة الأشد فقرا (37% تحت خط الفقر الأعلى عام 2007، وفوق 11 % تخت خط الفقر الأدنى عام 2004)، ومن لا تحميهم شبكات محسوبية مرتبطة بالنظام.
لكن ماذا وراء هذا البنيان القمعي والإيديولوجي الرهيب؟ ببساطة إنه ظهور طبقة جديدة من الضواري الشرسة، متمتعة بالامتيازات وبالغة الثراء، خرجت من مراتب الحكم البعثي الأسدي ذات المنشأ البرجوازي الصغير. هذه البرجوازية الجديدة تدين بثروتها وامتيازاتها لاستئثارها بالحكم، ولتحكمها الحصري بوسائل القوة والمعنى. وهي تستفيد من تعقيد الوضع الإقليمي لسورية ومن تعقيد التركيب الاجتماعي الثقافي للمجتمع السوري، وكذلك من ثمار قطع أية رؤوس سياسية مستقلة في سورية طوال أكثر من أربعين عاما من الحكم الأسدي.
ولقد جهد النظام لتحويل الثورة إلى مشكلة إقليمية لتوسيع دائرة المتضررين منها، وإلى مشكلة طائفية في الداخل لتضييق قاعدة المشاركين في الثورة. لكن السوريون أحبطوا هذه السياسة حين هبوا ضد النظام، وليس ضد بعضهم، رغم اجتهاد الطغمة الحاكمة في تحويل الصراع ضده إلى صراع داخل المجتمع.
شرعية الثورة السورية من نوع شرعية الثورات العربية الأخرى، ولعلها تفوقها شرعية لكون سورية أشبه ببلد محتل من طغمة تنظر باستعلاء لمحكوميها ولا تعترف له بحق أو حصانة. الشعار العدمي الذي يخطه شبيحة النظام أينما مروا هو: الأسد أو نحرق البلد! يكثف بالفعل سياسة النظام الفعلية حيال الثورة.
لقد فرض نظام الطاغية الوريث على السوريين صراعا قاسيا، كلفهم حتى اليوم نحو 16 ألف شهيدا، وعرات ألوف المعتقلين الذين يتعرضون لتعذيب تمتزج فيه وحشية متطرفة مع كراهية مفرطة، وفوق مليون ونصف المليون من المهجرين الداخليين، وقريب من 200 ألف لاجئ في بلدان مجاورة، ويحتمل أن تكلفهم الحرب الأسدية الثانية ضعف أو أضعاف عدد الشهداء الذين وقعوا حتى اليوم، على نحو ما سبق أن حصل في الحرب الأسدية الأولى قبل أكثر من ثلاثة عقود (ربما سقط فيها 40 ألفا).
خيارات السوريين تنحصر اليوم بين إسقاط النظام للحد من الخراب المادي والإنساني والفكري المهول الذي ألحق بالبلد، أو إسقاطه أيضا، لكن مع سقوط سورية في وهدة خراب لا يحد. بقاء النظام القاتل ليس احتمالا واردا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟
- في عالم انفعالات الثورة السورية
- الثورات العربية وصعود الإسلاميين السياسي
- إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- في جذور الحرب وامتناع السياسة...
- صعود العدمية المقاتلة في سورية
- ثلاثي الحرب السورية... دولتان قوميتان وطغمة
- أجساد سورية العميقة وأرواح سورية الظاهرة
- على مشارف الحرب السورية
- من الأبوات إلى الأنوات... جيلان من السياسة والثقافة
- نظام الأسد بلا... أسد!
- صورة -الشوايا- وحال منطقة الجزيرة السورية
- الثورة وإفلاس نماذج التحليل السائدة
- أنا والتلفزيون والثورة
- الثورة والسلاح: خطوط عريضة من القصة
- التجديد لغليون وحال المعارضة السورية
- في تمثيل الثورة السورية وواقعها (الثورة هي السياسة الصحيحة)
- حوار في شأن الثورة والسلمية والعسكرة
- عودة إلى النقاش حول الثورة والعسكرة
- حوار عالماشي حول الثورة السورية


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لماذا، وضد من يثور السوريون؟