نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1108 - 2005 / 2 / 13 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طلقت الأحلام بالثلاثة ومن زمان , ولن أصاهر الأمل, أو أناسب الأماني, أو أسترق النظر من عورة المستقبل الحرام والمحظر كالخمر والزنا والقمار, أو أمارس التفاؤل والأماني العظام التي لقننا إياها الكذابون الكبار وسأبقى في الماضي أجتر الويلات والخيبات والمآسي والإندحارات.ولن أصدق أيا من القصص والروايات وأحاديث السمر في ليالي الشتاء, ولو رواها بنفسه لي البحتري والمتنبي وفيلسوف الشعراء أبو العلاء.وحين سألني صديقي الشاخر النعسان, هل ترى بصيص نوروأمل في نهاية النفق؟أجبته بأنني لا أرى النفق ذاته,ولا أعلم إذا كان هناك أية أنفاق أو سراديب, وضفاف للعبور والخلاص؟فلقد سدت كل الطرق وارتفعت الحواجز ونقاط التفتيش والمتاريس بين الإنسان وذاته ,قبل أي شيء آخر , وبين الإنسان ووطنه,وبين أبناء الشعب الواحد,وبين القبائل والقبائل ,وبين الطوائف والطوائف,والعشائر والعشائر ,والأفخاذ والأفخاذ ,والبطون والبطون, والعائلات والعائلات ,والأحزاب والأحزاب ,والزعامات والزعامات, وصرنا نتشظى ونتشرذم بأسرع مما تنبأ به أوبنهايمر وإينشتاين . ,فعن أي نفق تتحدث ياهذا السهيان القابع في غفلة عن الأنام والزمان؟ ,ورجوته أن يعود إلى سباته الأبدي الذي اشتهر به على مر الزمان في الكهوف مع أقرانه وخلانه الحبوبين الظرفاء من بني الطيش وقطعان الجهل السارحة في الفيافي والبوادي والوديان, وتركي وشأني أستمتع بهذا السيرك الرائع الفتان.
وكم سخرت وبمرارة قاهرة من أولئك الحالمين النصابين الدجالين الذين روجوا لأفكار الوحدة والدمج والإتحاد بين هذه الكائنات الهلاميات السارحات في الصحارى, التي مازالت تعيش في أوكار الجهل ,وكهوف الحضارة,وجحور الظلام, ومخابئ الحشرات ,ومازالت في محيط القبيلة ,والطائفة,والعرق ,واللون ,والعشيرة,والعائلة ,والفخذ , وتقدس وتعبد الكهنة والسحرة والأصنام, وتؤمن بالخرافة والبدع والزعبرات,بعد أن جرّمها الناس وحرّموا هذه العنصريات في كل البلدان والأمصار,وترويج خرافة الإعتزاز بهذه الهوية الملطخة بكل فصائل الدماء وألوان السواد والظلام. وكم شكرت الله العلي العظيم المتبصر العالم بالغيب والأقدار بأننا لا نملك أسلحة الدمار الشامل,التي كانت كذبة كبرى من كذبات و"نهفات الحجاج" وحبر الطغاة الأعظم ,ولم يمن الله علينا من فتات الحضارة سوى بالسيوف والعصي والفؤوس والبلطات, التي استعملناها على مر الأيام في حز الرقاب وقهر وإرهاب العباد.فتخيلوا الموقف معي لو كان لدى عتاة الظلاميين والإقصائيين الكبار والشموليين القساة وفلول الجاهليين الغلاظ والمتعصبين الغلاة قنابل ذرية ماذا كان هو الحال,وكيف كان انتهى بنا المآل؟ ولكان العالم تذكر هيروشيما وناغازاكي بابتسامة ,وهزة رومانسية من الرأس كونها كانت نكتة خفيفة ,ومزحة حلوة ولعبة من ألعاب الأطفال.وهل يستطيع الشاطرون الآن أن يتنبؤوا أين كانت أول ماستجرب تلك الأسلحة؟
وكم تمنيت على الوعاظ والخطباء والدعاة أن يدعو لهذه القوى العظمى بالبقاء ولايدعوا عليها بالفناء والزوال, بكل تلك الدعوات في الصلوات, والتي لم يستجب الله -لحكمته- لأي واحدة منها حتى الآن, ولم تستطع ولا واحدة منها أيضا رد أي توماهوك كان يتساقط على رؤوس الأطفال والنساء في عروس الفرات.وتأكدت بالدليل القاطع الذي لايقبل الشك والجدال كم هي رؤوفة وعادلة وحكيمة ولطيفة معنا تلك القوى العالمية التي تملك أسلحة الموت والدمار وتقدر على إبادتنا وهلاكنا بضغطة زر من صحراء نيفادا من إصبع مارينزي مراهق يشرب "البودوايزر" وهو متكئ على الكنبات وكراسي الخيزران, ودون أن تُحرك دبابة أو جندي أو مدفع ميدان, برغم تحرشنا الدائم بها, ودعوتنا إياها للنزال,بل على العكس تنظر إلينا بعين الرأفة والحنان,ولو تبادلنا معها الأدوار لفعلنا بها العجب العجاب. فادعوا لها جميعا معي بالبقاء لحمايتنا من أنفسنا, ومن بعضنا, ومن طوائفنا,وقبائلنا, وعشائرنا, وأفخاذنا, وبطوننا,وأحزابنا الثورية والظلامية السوداء ,ومخابراتنا , وفكرنا المجرم الأسود الفتاك. ولولاها, وفي بعض الحالات, لافترسنا بعضنا البعض كما تفتك الأسود الضواري بالغزلان وبالشاة, وكانت قصص الهوتو والتوتسي وهولاكو والجنجويد الأرقاء المساكين البسطاء, والخمير الحمر والسود والزرق نزهة جميلة في واحة وبستان,و"حتوتة" عذبة حالمة تروى للكتاكيت الصغار قبل المنام.
فحراب مشرعة في كل مكان,وأسنة مرفوعة وبدون نصوص سماوية وبدون محكمين ورواة وحكماء ,وبدون الأشعري هذه المرة أو ابن العاص, أو أي من المصلحين والوسطاء. فكل واحد منا جهبذ وفطحل وعبقرينو في فن الغلو, والحقد, والإقصاء ولا يحتاج لخبرة الدهاة الثقاة في التحكيم وفض المنازعات. فالسيوف دوما مشرعة ولا تستقر في الغمدان,ودساتير لأحزاب ثأريات, ووصايا معمدة بالدم والحديد والنار,متوعدة بسفك الدماء وزهق الأرواح والإقتصاص,وخناجر تتلألأ مرفوعات في رقصات الموت الأخيرة وعربدات الإستعراضات الغاشمات,وتباشير بحروب قادمة وويلات تتدفق من كل مكان.والمشهد العدمي الفاجر يوغل في التحدي والثأر والتأجيج والإنتقام.والكل يظهر مالديه من أنواع الحقد وألوان البغض وطرق الإستئصال , ونبوءات بحروب شعواء طاحنة وعلى كل الجبهات. ويستعد الجميع للجولة الأخيرة للإنقضاض حيث لن يبقى- بعون الله – أحياء وترتاح البشرية من عهرنا وفسقنا وفجورنا ومن هذا التيه والغطرسة والفجور والخيلاء.
ولعل أجمل وأمتع مافي حوارات العربان وكهنتهم وسحرتهم ومناطحاتهم بالرؤوس وترافسهم بالسيقان هو كمية السواد والكراهية والبغضاء التي تراها بين السطور وفي الفحوى ونبرة الخطاب وثنايا الكلام,وكل يغني ويغرد ويلحن على ليلاه,وبثناه,ولبناه. فيما يحتفل العالم كل يوم بانجاز, ومشروع ,وفتح ,وسبق, واختراق, ودمج ,وزواج ,ومصاهرة ,واتحاد ونحن مازلنا ندور في نفس الحلقات المفرغات,وتأجيج الصراعات وتصفية الحسابات.
والسؤال هل نحن فعلا مؤهلون للعب أيةأدوار حضارية على المسرح الدولي بهذه المومياءات وهذه الموروثات الجهنمية والعقليات المتخشبات؟وهل من شب على الشموليات الطالبانية والقومية يجب أن يموت تحت بساطير العسكروالديكتاتوريات ؟وهل لو رفعت القبضات الفولاذية والحديدية والنحاسية والمعدنية الأخرى والهراوات,سنتوجه فورا إلى الإتحاد وتناسي كل الخلافات والأحقاد أم تشتعل الحروب وتصفية الحسابات ونفترس بعضنا البعض وتتدخل القبعات الزرق والحمر والخضر وجنود من ليبيربا وزائير والهيمالايا والنيبال, لتفصل فيما بين هذه القبائل البدائية المتوحشة؟وماذا لو سرحت الجيوش الخضارم المهزومة في الميدان,وخلع العسكر العصمليون البزات,وشبع الجنرالات الموتورون من دم الفقراء,وحُلت فروع المخابرات وانزوت بأدب بعيدا عن التدخل في شؤون العباد,وغادر العسس والمخبرون والشرطة الأزقة والزواريب والحارات, وخوت المخافر والثكنات, واستقال وترجل طواعية فرعون وكافور والحجاج؟ هل ستتحول هذه الجحم المتقدة إلى واحات من التعايش والأمان ؟وهل كان من الضروري والمنطق والواجب تواجد حوالي ثلاثمائة ألف جندي أجنبي لإجراء أول انتخابات حرة في تاريخنا الديكتاتوري المليء بالأحقاد والثارات والسفالات, ومع ذلك عليها بعض الملاحظات,بعد رحيل مايسترو الجرذان,وفيها نسبة من الحردانين والزعلانين المقاطعين.وبعد أن شوّهنا الأديان والمبادئ والرسائل السماويات ,وكفرّنا كل الأفكار والنظريات,ورفضنا كل العلوم وفتوحات الآفاق التي ولجها الإنسان,فهل لم يبق حل سوىالعسكر والديكتاتورية والحراس في الميدان؟ من يملك الجواب؟
إنها الديكتاتورية..............ترياق العربان.
نضال نعيسةكاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟