|
عودة إلى زعم المسلمين أن نظرية التطور الداروينية سقطت
مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 3790 - 2012 / 7 / 16 - 23:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طالعت في الأيام الأخيرة بعض المقالات التي حاولت إعادة إشكالية قبول أو رفض النظريات الداروينية عن التطور إلى واجهة موقع "الحوار المتمدن"، وكانت في معظمها مقالات فارغة لا أساس لها لأسباب منها أن كاتبها عبد الحكيم عثمان أظهر في مواقع كثيرة من تلك المقالات أنه لا علاقة له، لا من بعيد ولا من قريب، بموضوعه وأن جهله بأفكاره الأساسية يضاهي جهل ثعلب صحراوي بمعنى أن يتساقط الثلج من السماء. أبسط مثال أنه في مقاله "اثبات عدم صحة نظرية التطور الداروينيه علميا" إدعى أن "شارلز داروين" نمساوي، ثم زعم في تعليق لاحق أن ذلك كان نتيجة خلط لاواع بين داروين وفرويد... فكيف يمكن أن أعطي ثقتي لشخص تختلط عليه الأمور عندما يكتب؟ يمكن كتابة قصيدة شعر تحت تأثير المخدرات أو الكحول فتأتي جميلة وذات معنى (الكتابة عند شعراء السريالية Surréalisme وأتباعهم، مثلا)، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال كتابة مقال بنفس الطريقة: فالمقال يجب أن يقول شيئا ما ويوصل للقارئ أفكارا واضحة وصحيحة (حتى مقال عن موضوع غريب ولا منطقي يمكن أن يشد إنتباه القارئ ويجعله يحس بالإنتشاء: بعض كتابات السرياليين الفرنسيين من أمثال ألفريد جاري Alfred Jarry، وبوريس فيان Boris Vian أحسن أمثلةعلى ذلك) وإلا سقط وسقط معه كاتبه. يقول عبد الحكيم عثمان، الذي ليس إلا بوق دعاية لآخرين، أن نظرية التطور التي أنتجها "تشارلز داروين" و"ألفرد راسل والاس" سقطت، وهذا الإدعاء باطل منذ أساسه لسببين: الأول أن معظم علماء الغرب (والغرب هو مصدر النظرية ويجب الرجوع إليه وإلى هؤلاء العلماء عوضا عن الإستشهاد بعلماء مسلمين لم يكن لهم لا يد ولا ساق في الموضوع) مازالوا يقولون بثبات نظرية التطور، رغم أنهم يرون فيها بعض الهنات والنقاط الغامضة... والمهم في كل نظرية هو كسرها للسائد والمتعارف عليه من الأمور في المقام الأول، ثم تأتي الإثباتات والبراهين مع تقدم البحوث والإختبارات... ومن ينكر أن تقدم الإنسانية كان نتيجة لفرضيات قد يكون بعضها في زمنه أكثر جنونا من نظرية التطور نفسها بالحكم الديني... ثم أليست فرضية أن إلها غير مرئي ولا دليل على وجوده مجرد فرضية مجنونة لم تجد أدلتها إلى حد الآن رغم عشرات القرون التي مرت منذ أول الديانات "السماوية" ورغم مرور عشرين قرنا على بداية المسيحية وسفر التكوين ورغم مرور أربعة عشر قرنا على بداية الإسلام وآياته الغامضة المبعثرة التي تأخذ من الأديان التي سبقتها أكثر مما تضيف إلىها؟ أما السبب الثاني فهو أن النظرية الدينية نفسها والتي يضعونها كدليل على سقوط نظرية التطور والإرتقاء الداروينية لم يبين أحد صحتها... فكل ما يفعله من يتبنون نظرية الإله الخالق هو إجترار آيات قرآنية أو إنجيلية أو توراتية لا تدل على شيء ولغة ببغاوات تستلهم الخرافة والأسطورة. لن أخوض في الأدلة التي يقدمها المسلمون عن خطأ نظرية داروين، فبعضها تافه وبعضها مختلق لا أساس له من الصحة... لكنني أردت أن أعرج على رأي أحد الذين عارضوا النظرية من العرب، وهو مصطفى محمود، الذي كان يروج في برنامجه "العلم والإيمان" لإسلام على طريقة زغلول النجار: إسلام يعتمد على علم الكفار وإنجازاتهم وينسب كل ذلك بأثر رجعي للمسلمين على أساس أنهم "خير أمة أخرجت للناس"، إلخ. إسلام بنطبق عليه المثل الشعبي التونسي: النعجة تفتخر بكبر ذيل الكبش... يقول مصطفى محمود في أحد برامجه المخصص لنقد نظرية التطور أن علماء الغرب لا يريدون الإعتقاد بأن هناك إله خالق لأن ذلك سيجعل المشكل محلولا منذ البداية... فما غاية أن يتبنى عالم نظرية دينية تقول بوجود إله لا دليل عليه خلق العالم في فترة غير معروفة وبطريقة غير معروفة ولغايات غير معروفة؟ ما الغاية من إعتقاد كهذا يجيب على كل تساؤل بكلمة واحدة "حكمة إلهية"؟ أمن الحكمة أن يترك العالم التجارب والمختبر ليغرق مع الآخرين في تخاريف دينية وأساطير لا يستطيع أحد أن يبين صحتها؟ ويقول أيضا أن في عملية "التطوير" هذه (فقد سرق إسم نظرية التطور الداروينية وخلطها بعصير خرافة الآلهة مع قليل من الإيمان الأعمى وسماها "نظرية التطوير") هناك "إرادة ومشيئة وتوجيه ونوع من الهندسة الوراثية الإلهية"، كما سمى "الجينات" باللوح المحفوظ... فأي دماغ علمي هذا الذي يمرغ العلم والمنطق في وحل الشعوذة وبطريقة رجعية وينكر على العلماء بحثهم عن حلول منطقبة وعقلانية وعلمية؟ وينكر مصطفى محمود فكرة صحة نظرية داروين لسبب تافه هو أنه لا يتصور أن تأتي الصدفة والطفرات الوراثية بعالم جميل ومنظم وبه كل هذا التنسيق... ويضرب لنا مثلا: أن يرمي أحدهم مجموعة من الحروف في الهواء فتقع على الأرض لكنها لن تكون قصيدة لشكسبير... تفكير سطحي ضحل... لأنه يضع نفسه في مكانه الحالي (وهو يعرف قصائد شكسبير ولغته وقواعد الأنقليزية وقواعد الشعر) ويريد أن يرمي الحروف فتسقط مكونة قصيدة شكسبيرية وهذا لا يجوز منطقيا... فاللغة لم تكن موجودة وإنما خلقها الإنسان بحكم تعايشه مع أبناء جنسه لتكون أداة تواصل... واللغة مبنية على الإتفاق، فالناس إتفقوا على أن يسموا السماء سماء، وكان من الممكن أن يتفقوا على كلمة غير هذه... لكن لا أحد يمكنه أن يقول أن رمي مجموعة من الحروف من طرف رجل في العصر الحجري لن ينتج نصا قد يكون له معنى في عصرنا هذا... لكن الإشكالية تكمن في المرحلة الزمنية التي تحدث فيها التجربة والتي يجب أن تكون منفصلة (من ناحية الوعي والمعرفة) عن الزمن الذي يحدث فيه تقييم نتائجها... فالحكم على الماضي من منطلق الحاضر وبإستعمال المعرفة المتوفرة الآن في فرضية كهذه لا يجوز، بل هو إستبلاه للناس وضحك على عقولهم. فهو يريد من الصدفة مثلا أن تصنع له شيئا ذا معنى (في حين أن المعنى مرتبط به وهو معنى نسبي بطبيعة الحال) أو شيئا جميلا (وهذا الحكم نسبي أيضا)، أو متناسقا (والحكم بالتناسق هنا لا يمكن أن يأتي إلا تبعا لقواعد موجودة في دماغ المشاهد الحالي)، فمن أدراه وهو غارق في فرضية تغلب عليها النسبية أن النتيجة قد تكون ذات معنى وجميلة ومتناسقة لكن في منظومة قواعد لا يعرفها هو؟ لماذا لا يقول بأن النتيجة ذات معنى وجميلة ومتناسقة ولكن "لحكمة لا تعرفها إلا الصدفة"؟ خلاصة القول: نظرية معقولة ومنطقية وليست لها أدلة كاملة خير من نظرية غبية غيبية لا دليل عليها، وإن كانت إلهية.
----------------------
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة في تخاريف ومزاعم المسلمين: هل الشورى هي الديمقراطية؟
-
رسالة إلى عبد الحكيم عثمان حول تهافت مقاله - ساعدوني حتى اصب
...
-
تخاريف شيوخ الإسلام: داعية كويتي يقترح استبدال اسم أم كلثوم
...
-
خواطر وأفكار حول سيطرة عقدة المؤامرة على نفسية المسلمين
-
افكار على هامش مقال بصحيفة الوطن الكويتية عنوانه - فحص العذر
...
-
حديث على هامش خبر اكتشاف جسيم يعتقد أنه النواة الأساسية للكو
...
-
فتاوى آخر الزمان: لهذا سيبقى المسلمون متخلفين إلى أن ينقرضوا
-
الدليل على أن العرب المسلمين هم أكثر الشعوب إختراعا وأخصبهم
...
-
سياسة الكيل بمكيالين في موقع -مقالاتي-
-
أصول فكرة الدين وتطورها عبر التاريخ - الجزء الثاني
-
أصول فكرة الدين وتطورها عبر التاريخ - الجزء الأول
-
رد على مقال عبد الحكيم عثمان: إثبات ان النصوص القرآنيه ليس ل
...
-
نعم، الإسلام هو سبب كل مآسي الشعوب الإسلامية
-
ردا على مقال -إستفزاز- لآمال قرامي
-
ردا على مقال: لماذا يكره العقلاء والأحرار الإسلام؟
-
مقتطفات من دراسة حول ظاهرة التكفير في الإسلام - سلمان رشدي ن
...
-
آه يا دنيا - ثلاث رباعيات هدية لقراء الحوار المتمدن
-
مقتطفات من دراسة حول ظاهرة التكفير في الإسلام - مثال تكفير ا
...
-
المرأة والكلب الأسود والحمار يقطعون الصلاة أو الدليل على تكر
...
-
رسالة لأطفال اليوم وأوليائهم حول الأخلاق في الميزان الإلهي و
...
المزيد.....
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|