السيد سليم عبد الله الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 3789 - 2012 / 7 / 15 - 22:26
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تمخَّض عن الحروب الكونية التي شهدها العالم في منتصف القرن العِشرين وِلادة نظام جدولي جديد قائم على مفاهيم مُركُّبه تمزج بين العمل الدبلوماسي و العمل العِدائي , اللذان يشكلان دعامة لتشكيل منظومة هيمنة تتحكم في المسار الاقتصادي و الاجتماعي للبيت العالمي.وهذه الهيمنة ليست كُتلة واحدة جامدة فقد أخذت عدَّه أشكال و طبائع تتراوح بين الاحادية و التنافس المحموم أو الاتفاق بين مجموعة قوى على خريطة عمل تضمن استمرارية المصالح الحيوية التشاركية لجميع الاطراف , وبهذه الرؤوس الثلاث تنشط حركة السياسة الدولية و تتوجَّه بوصلتها بما يُقيِّد التعامل مع الأحداث او صناعتها بشكل حتمي في داخل هذا المثلث العتيد الذي تُغطِّيه سلسلة من الشرعيات تسمح له بمراعاة حد أدنى من المصداقية النّابعة من القيم التي تنادي بها الحضارة الجديدة " néo civilisation " وعمادها العولمة , ملغية حدود الدول الوطنية و تحولها الى كيانات متواصلة قابلة لاستقبال عوامل التأثير بنعومة و هنا نرى كيف أن الحدود الجغرافية التي وضعها الاستعمار بشكله القديم يُمكن ان تُزاح بشكل آخر لمنع تشكُّل اي هوية مناقضة لاساسات النفعية الميكافيلية التي يتعامل بها المجتمع الدولي .
ولا يُمكن أن نُغفِل دور التعاليم الدينية كفاعل ضمن المبررات الحقيقية أو الواهية في تشجيع بذور الاحتقان القائمة بين الشعوب و تطويرها لتُصبح اداةً لشرعنة تحركات راديكالية في العلاقات الدولية , مثلما هو عليه الحال في اُطُر الصراع العربي الاسرائيلي او التنافس السُّني_الشيعي بين القوى ذات الطابع الديني الاسلامي و لا ننسى أيضا دور التعاليم اللاهوتية في مشروع المحافظين الجدد في أمريكا .
وعطفاً على هذه المناحي تبدو منطفة الشرق الاوسط ميداناً حيوياً للعبة السيطرة التي سبق وان خاضتها الامبراطوريات الاستعمارية منذ العهد القديم فوضعت لنفسها موطأ قدمٍ في هذه البيئة و لكن سرعان ما زال تأثيرها بمجرد ان انتصرت عليها ارادة التحرر من الداخل
وجاء الدور في العهد المعاصر مع الدولة القوية التي أمسكت بزمام الامور بثالوث الانتاج _المال_ التفوق العسكري وهي الولايات المتحدة الامريكية التي بدأت تغلغلها التوسعي مع سياسة ما عُرف ب"ملئ الفراغ " الذي تركته فرنسا و بريطانيا في المنطقة العربية وظهرت الانطلاقة الحقيقية لهذا التوجه مع مشروع ايزنهاور لدعم انظمة صديقة غنية بالثروات الطبيعية بهدف حمايتها من الخطر الشيوعي المتنامي بشكل موازِ لها في دول اخرى مجاورة وبات هذا الانقسام بين محاور متضادة هو احدى الصور الرئيسية للحفاظ بشكل مستمر على حالة اللاحرب واللاسلم فتبقى كل مفاتيح المشهد في يد السياسة الاممية القائمة على الهيمنة سواءَ كانت بشكلها المنفرد او التوزيعي التي تضع سقفاً لكل الشعارات والآفاق التي يمكن الوُصول اليها .
فقرار الحرب في كل الأحوال لم يعُد مسألة وطنية و لا حتى اقليميُّة وان توفرت كل الظروف الموضوعية التي تدفع اليه و لكنه يفتقد لللمسة السحرية التي تؤدي الى تجسيده ونفس الشيء بالنسبة للسَّلام الذي يقترب من كونه حالة مستحيلة التحقيق بوجود عوامل مثبطة له فالمباركة الدولية لانظمة استبدادية شمولية تشجع على بروز التطرف ليس من قبيل الصدفة فهذا امر يُسهِم حتما في بقاء بؤر التوتر مشتعلة او مرشحة للانفجار في أية لحظة . و من منظور آخر ستؤدي القيادة الامنية للمنطقة القائمة على التنسيق لمكافحة فزاعة الارهاب الى مزيد من الانتهاكات و بالتالي مزيد من الكراهية و التشرذم أي مزيد من الوقود للاشتعال و مزيد من الارتهان لسياسات بعينها .
انها باختصار حلقة مفرغة ! اجبار الجميع على الانخراط بسذاجة في لعبة تؤدي الى نقطة البداية التي انطلقوا منها بعد ان استهلكوا قواهم و اصبحوا في النهاية أكثر حاجة للمساعدة الدولية مما كانوا عليه .. وباريحية يمكن اللجوء الى تبادل الادوار او انتهاج سياسة "اقتصاد النيران" للاطالة من عُمر الازمات التي وضعوا بذور اشتعالها منذ أمد طويل .
وأفضل مثال مرجعي يؤيد هذه القراءة للسياسة الدولية سيبقى دون شك هو المثال العراقي الذي ظهرت فيه تقريبا كل المفردات التي تحدثنا عنها , فمنذ انقلاب البعث التقت الطموحات الايديولوجية و الشخصية للنظام العراقي مع ما تريده امريكا للعراق وللمنطقة بكل و مُنِحت للقوة الشرقية الممثلة في روسيا و الصين ادوار هلامية لا تعدو عن كونهما مجرد ممول و داعم و محفز لعمل خطوات معينة تبدو في اطار تناقض دولي قائم فيما سمي بالحرب الباردة . ولما جاءت الثورة الايرانية استطاعت المصالح الدولية ان تكسر جميع الاواني الفخارية بضربة حجر واحد فاُدخل العراق ايران في حرب دموية تمكنت من ضبط حدود قوة كلُّ منهما و احداث شرخ في العلاقات العربية الايرانية سيتم التركيز عليه في مراحل مقبلة ومن النتائج المباشرة لهذه الحرب استدراج العراق الى فخ اكبر وهو احتلال الكويت الذي اعطى المبرر للهجمة الدولية ضد نظام صدام حسين من بداية التسعينات الى غاية سقوطه في 2003 أي ان غزوالكويت كان بمثابة ثغرة فتحت في العلاقات الدولية ستحجز المنطقة لعدة سنوات حتى يتم الحسم و بالتالي ستتحرك عدة اليات و مفاهيم منها دعم المعارضة الباحثة عن اسقاط النظام و ايجاد التفاهم الاقليمي الضروري الذي يدفع بهذا الهدف الى الامام .. كما أن صعود الصقور في الادارة الأمريكية ساهم في تسريع المعالجة الجريئة العدوانية للازمة العراقية بدلا من الاكتفاء بسياسة الموت البطيء وهذا العامل الذي يشير الى دور هام للافكار القومية في احياء الهيمنة المصلحية . وعلى عكس هذا النهج فضلت ادارة كلينتون مثلا ً أن تتعامل بروية في مشكلة البلقان ربما لانه لا توجد مصالح استراتجية لامريكا في ذلك الحيز الجيوسياسي بقدر ما هي موجودة في العراق ( السيطرة على خطوط الامدادات ) لكن هذا دليل على وجود مرونة و تنوع في النهج ولكن الهدف يبقى واحداً و ان تعددت المناورات فالدور الذي لعبته روسيا في أفغانستان او كوسوفو لحماية حلفاءها هناك ساهم بشكل لا ارادي منها في تقوية السياسة الدولية القائمة ولم يكن باي مقام محاولة جدية لمعارضتها او التصدي لها .
لكن التحديات التي تُطرح على المدى البعيد ستضع هذه السياسة الدولية على المحك فكما قال بول كيندي سنة 1990 "التوسع الامبراطوري هو اكبر خطر في حد ذاته على الأمم" وبالتالي سيكون بروز اقطاب حقيقية وفاعلة أمراُ لا مناص منه للابقاء على السياسة الحالية التي لن تصمد طويلا بقوة جهة واحدة بل ستتعدُّل نحو تفاهمات ندية بين قوى قادرة على مواجهة الاخطار المستقبلية سواء كانت اقتصادية او بيئية
#السيد_سليم_عبد_الله_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟