|
الدين.. والبيئة..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3789 - 2012 / 7 / 15 - 17:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وديع العبيدي الدين.. والبيئة.. البيئة هي واحدة من أكثر المفاهيم غيابا وجهالة في حياة العرب، والتي –لم يلحظ أحدهم- أن غيابها الفكري والثقافي شكل فداحة بائسة، انعكست في وجوه التشوه النفسي والثقافي والاجتماعي التي التبست الفرد العربي وسكان غرب آسيا عموما. ومن داخل هذا الغياب البيئي الثقافي والانساني ظهر ما دعي بالديانات التوحيدية [نظام الرأي الواحد والسائد]، وقد تجللت بالاسلام الذي انقضّ على ما سبقه ولحقه بضربة واحدة وعقلية راسخة عصيّة على الحوار. تقوم ثقافة البيئة على مبدأ التوازن ما بين الداخل والخارج. فالانسان هو خالق الثقافة ومؤسس الأفكار الاجتماعية التي تؤثث جوانب الحياة في تفاصيلها الدقيقة والعامة. وعند الاطلاع على أحوال الجماعات البشرية وأخبارها، فأوّل ما يلفت الانتباه هو ملامح البيئة الثقافية [المادية والاجتماعية] الخاصة بهم. نلحظ مكانة الطبيعة النباتية، ومظاهر التمدن، وأشكال العمران في السكن والأبنية، ودرجة الأذواق في الثياب والأطعمة. بين عمران أوربا وحدائقها، وبين منازل الصينيين وألوان ثيابهم، وبين مزارع الأميركان وأشكال قبعاتهم وبين رقصات الأفركان وطرز ثيابهم في ظلال الغابات الكثيفة وبين.. ثياب العرب البيضاء [للرجال] والسوداء [للنساء] وامتداد صحاراهم القاحلة وإبلهم الكئيبة. ففي امتدادات الأسود والأبيض لا مكان للتلون والاختلاف والحيوية. ولذا اجتهدت المخيلة الشعرية (الشفاهية) عن إعادة انتاج الطبيعة الميتة في خطابها الثقافي.. وليل كموج البحر أرخى سدوله.. وأنك كالليل الذي هو مدركي.. وجعلنا لكم الليل سباتا.. ولكم في اختلاف الليل والنهار.. وهكذا تستشري سلطة الأسود.. الليل.. في العقلية العربية فتتجسد في اللغة والخيال والثياب.. ويلحظ ارتباط اللون الأحمر بالعنف والقتل واللحم والطعام والفروسية.. ولكن لا محل للورد والحديقة بينها. وهو لون أحمر قانٍ لا يعكره شيء.. وفي الشعر العربي أمثلة كثيرة لذلك.. أما اللون الأخضر.. رمز البيئة الزراعية فهو لون المستنقع الداكن.. [خضراء الدّمن]. هذا الجدب اللوني أصاب مخيلة الشاعر العربي بالتصحر الذوقي والفكري كما في يتيمة المتنبي.. وهو يصف الطبيعة في بلاد فارس المعروفين بثقافتهم البيئية وبيئتهم المثقفة.. مغاني الشعب طيب في المغاني.. بمنزلة الربيع من الزمان ولكن الفتى العربي فيها.. غريب الوجه واليد واللسان.. فسرعان ما انصرف عن أنواع الزهور وألوانها وهندسة السواقي ونافورات المياه المتداعية بأشكال وسرع متفاوتة، إلى أنانية الفرد البدوي وغربته عن تلك البلاد والطبيعة.. وذلك في ترجمة عفوية لعدم قبوله بالمختلف والمتلون. يذكر في هذا المجال تصنيف النقد العربي للبحتري أنه شاعر الطبيعة.. تمييزا عن عامة الشعر الغارق في الأسود والأبيض وذاكرة السيف والقبيلة. يعبر توينبي عن النشاط الانساني بمصطلح (تكنولوجيا).. ولا بدّ أن (تكنولوجيا) البيئة هي أرقى درجات التكنولوجيا وأهمها. فكان العرب – بحسب الاصطلاح الجاري اليوم- أفقر الناس وأجدبهم في التكنولوجيا حتى اليوم، بعدما صارت التكنولوجيا ترتبط بالصناعة والالكترون. إذا كانت الثقافة هي التي تنتج صورة البيئة [feed in]، فالبيئة تقوم كذلك بانتاج صورة الثقافة [feed back]، وتشكل اللغة والمنطق دعامة الثقافة. في هذا المجال أورد الاشارة إلى (لفظ الجلالة) الذي هو تكرار وترخيم لحرف (اللام). الحرف الأكثر أهمية مركزية في اللغة العربية، مقابل مركزية حرف (شين) في العبرية، و(الخاء) في الألمانية. لفظة (ليل).. تبدأ وتنتهي بنفس الحرف الذي هو (لام).. لفظ الجلالة في جوهره هو حرف واحد مكرر (للاه).. يقول البعض أن اسم نهر النيل في مصر هو حرف واحد، هو (ن)، وقد تم الحاق حرف النون بلفظ الجلالة (ل)، وأضيفت (ي) بينهما كحرف صوتي فكانت لفظة (نيل)، وذلك حسب نظام التسمية او الاعتقاد القديم بارتباط مصادر المياه/ الانهار/ الحياة بالسماء والألوهة. فنهر النيل، هو نهر السماء، تماما بنفس معنى نهر الأردن (يردنه) عند المندائيين، حيث اعتقدوا ان مياه نهر الفرات (الفسيح) تنبع من الأعالي (السماوية). فتدرج ألفاظ الجلالة (ل- ليل- لاه- ايل- إله- لات- اللات- الله).. هي في جوهرها تكرار وترخيم وتنغيم لحرف واحد هو (ل). [ل] هو أيضا حرف النفي والنقض والرفض في العربية، وهو حرف التعريف والابتداء والاستثناء والتعجب، ومنه حرف الشرط (لو/ لئن)، وأداة الوصل (الذي/ التي/ اللذين/ اللائي/ اللاتي/ اللواتي).. وهو من حروف (الابتداء) في القرآن.. [أ، ل، م]، وهو أساس لفظ الشهادة في الاسلام*. ويدخل حرف (ل) في البناء الأساس لأكثر المصطلحات وأسماء الأعلام والمفاهيم، مثل: (لغة، لون، لهو، لغو، لجة، لمزة، جهل، نزّل، تنزيل، أنزل، زال، زلزل، قال، مال، جال، سال، حال، دلّ، شلّ، هلال، جلال، كمال، خيال، وصال، جمال، سؤال، زوال، سلال، صلال، شمال). ولما كان (اللام).. حرف الليل بمواصفاته اللونية وجموده ولانهائيته هو اسم (الجلالة الالهية) فقد تم تحميل (الاله) كلّ مواصفات وخصائص حرف اللام والليل وليلائه. يتضمن صوت النبر (ل) قدرا مميزا من العنف والشدّة على صعيد النطق. ويلجأ العرب إلى تكرار اللام أو تضخيم صوته، مما يزيد درجة العنف. ويستخدم حرف اللام لهذا في الغناء والترنيم القائم على تكرار الحرف في حالة سكون أو جر أو اطلاق.. يا ليل.. ليل.. لالالا.. لالالالا.. لالالالا.. لالالالو..لوّه.. لو..لوّه.. لو..لوّه.. وأعتقد أن العنف في اللغة والشدّة في التلفظ والنطق والقسوة في التعبير، ترتبط بطبيعة البيئة ونسبة التنوع والنعومة في خصائصها ومكوناتها. ومنه أن التبغدد (من بغداد) بمعنى التنعم (من النعمة) وسهولة العيش. ويلحظ أن انتشار الاسلام خارج شبه جزيرة عرابيا، ساهم في نشر التصحر الجغرافي في بلاد شمال العرابيا وغربها الأفريقي، إضافة إلى انتشار الجفاف والقسوة في الطباع والتطبع والأخلاق الاجتماعية. العقيدة اليهودية خرجت من صحراء سيناء، والاسلام من صحراء العرابيا، وهذا يستدعي السؤال.. لماذا ظهرت الديانات [التوحيدية/ التوسعية] من بيئة القحط والجفاف ولم تظهر في واقع زراعي أو مدنية متحضرة؟.. ولماذا كانت الخشونة والعنف طابع ديانات التصحر؟.. منطق الواقع يعتبر البيئة نسبية وليست جامدة أو مطلقة.. وعلى مدى قرون.. كان لابدّ أن بيئة التصحر خرجت عن طورها وأضافت لخصائصها ألوانا جديدة.. وبالتالي.. تنعكس الملامح البيئية الجديدة على واقع الديانات القديمة أو صورها المعاصرة. المنطق يفترض أن الأجيال الجديدة من اليهود أو المسلمين المولودين في بيئات أكثر تحضرا وتمدنا وتنعما يختلفون عن أجدادهم والأجيال التي لم تخرج من الصحراء.. لماذا لا يتولى الدين صناعة البيئة الملائمة لنمو حياة طبيعية خالية من الأمراض والانحرافات.. طالما أن الانسان مركز اهتمام الدين أم.. لا..
ـــــــــــــــــــــــ • يلحظ أن منطوق الشهادة الذي يقوم على الابتداء بالنفي والاطلاق يوفر متوالية موسيقية ايقاعية يتواتر فيها حرفا (لا) و (الألف المدودة، الاطلاق).. لا.. إلاه.. إلا.. الللاه!.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين.. والمحبة..
-
الدين.. والاختبار
-
الدين.. والاختيار
-
الدين.. والاختلاف
-
الدين.. والتجارة..
-
الدين.. والتبعية!..
-
الدين.. والسيطرة*!
-
الدين.. والطبيعة
-
اللغة والزمن..
-
فيزياء الروح وروح الفيزياء
-
يسألونك عن الروح..
-
المفهوم المادي لسرعة الزمن..
-
الدين.. وعبادة الموتى
-
مصطفى سعيد الآن!..
-
الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
-
هل الدولة شرّ؟!!
-
عمال بلا عيد
-
الدين.. والحرية
-
الدين والسياسة
-
الناس بين الإله وموظفيه!
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|