أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ليلى دورا - الإمام محمد عبده ورؤاه التنويرية وآراؤه الإصلاحية















المزيد.....


الإمام محمد عبده ورؤاه التنويرية وآراؤه الإصلاحية


ليلى دورا

الحوار المتمدن-العدد: 1107 - 2005 / 2 / 12 - 11:44
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


وقفة مع الأستاذ الإمام محمد عبده
يحتل الأستاذ الإمام محمد عبده مركز الصدارة بين رجال العرب ومفكريهم العظام في القرن التاسع عشر، وقد كانت حياته غاية في الثراء الفكري والنشاط الثقافي والاجتماعي ، نجد هذا كله واضحا غاية الوضوح طوال السنوات التي عاشها ، سواء في مصر ، أو في فرنسا ، حين عمل مع أستاذه جمال الدين الأفغاني على تأسيس الصحيفة الأسبوعية المعروفة باسم " العروة الوثقى " التي كان هدفها الدعوة إلى الجامعة الإسلامية والدفاع عن الشرقيين ، بالإضافة إلى محاربة التسلط والظلم والطغيان والدعوة إلى التخلص من الاحتلال الإنجليزي ، وكانت هذه الصحيفة ، أول صحيفة عربية تظهر في أوروبا .

لقد بهرتني أفكاره ورؤاه النقدية وآراؤه الإصلاحية الجريئة، واستشعرت فيها صدقاً ورغبة أكيدة من جانبه في إصلاح أحوال المسلمين والعرب ، وعجبت إذ لم أسمع أستاذا واحدا في كلية الشريعة التي درست فيها ما يقارب الخمس عشرة مادة يحيلنا إلى كتاب أو رسالة له ، لكنّا تعلمنا الكثير واستفدنا بصرف النظر عن اختلافهم معه في بعض الآراء التي ذهب إليها ، وبعض النقاط التي أثارها، فإن هذا الاختلاف في حد ذاته إن دل على شيء فإنما يدل على ثراء فكره وعمق اتجاهه ، كما يدل على أن الرجل قد ترك بصماته البارزة على مسار فكرنا العربي الحديث.

وربما أكون صدفت اسمه في أحد المراجع التي يعتد بها في كلية الشريعة وهو كتاب " حاضر العالم الإسلامي " حيث يعرّض المؤلف بالأستاذ الإمام الذي فسر بعض سور القرآن تفسيرا لم يرق له،وهو تفسير ينسجم مع ما اتفق عليه علماء المسلمين إلا قليلا ممن لا ينظر إليه ، من أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل ، وبقي في النقل طريقان طريق التسليم بصحة المنقول ، مع الاعتراف بالعجز عن فهمه ، وتفويض الأمر إلى الله في علمه ، والطريق الثانية : تأويل النقل ، مع المحافظة على قوانين اللغة ، حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل.

في هذه المقالة سأقف في عجالة عند بعض ما رأيت أنه يعبر عن ثراء فكره وجرأة آرائه ، من ذلك: تلك الحادثة التي وقعت له يوم أن أخذ في دراسة بعض كتب الفلسفة المنطقية والكلامية التي صنفها بعض علماء المسلمين ، لما أنه قد علم ـ كما هو الواقع ـ أن العلوم المنطقية إنما وضعت لتقويم البراهين وتمييزا للأفكار غثها من سمينها ، وأن العلوم الكلامية إنما هي أحكام لتأييد القواعد الدينية ، بالأدلة العقلية القطعية ، فلما سمع بذلك بعض أصفيائه وأقربائه، اهتز لذلك واضطرب وأخذه من الحزن على ذلك الطالب ما شاء الله أن يأخذه ، وأوسع له النصيحة، فيا لها من فضيحة أن يدرس علوم الضلال ويقع في الشبهات ، فما كان من محمد عبده إلا أن أجاب سؤاله " وطوى سجل علمه ، ونشر جهله "، غير أن ألسنة حساده التي لم تقتنع بانصرافه عن الاشتغال بعلوم المنطق والكلام وشت به إلى والده ، فتحرك في والده عرق الحميّة وأسرع ذاهبا إلى ولده ليصل إليه في الساعة الثالثة من الليل ، ومن آن وصوله أخذ ينذر ولده بالثبور والويل إن كان لتلك الأقاويل صحة ، ولم يصدقه حتى أحلفه بالله أن الناقل كذاب ، فلما أيقن أبوه بكذب ما نقل إليه حمد الله وأثنى عليه وأصبح من غده متوجها إلى بلده.
وقد أنكر الإمام على الفئة المقلدة المحافظة في جمود وخاصة رجالات الأزهر يومئذ ، اطراحهم العلوم الكلامية في الوقت الذي يعد فيه النظر العقلي لتحصيل الإيمان هو الأصل الأول للإسلام وبلغ هذا الأصل بالمسلمين أن قال قائلون من أهل السنة : أن الذي يستقصي جهده في الوصول إلى الحق ، ثم لم يصل إليه ومات طالبا غير واقف عند الظن ، فهو ناج ، هذا فضلا عن أن أكابر المحققين ومنهم الإمام الغزالي وفخر الدين الرازي قالوا أن تعلم العلوم الكلامية والمنطقية من فروض الأعيان وأطبق جميع العلماء على أنها من فروض الكفاية .

ولا بد أن تستوقفنا محاولات الإمام إصلاح التعليم في الأزهر حيث أراد أن يعلم في هذا الجامع شيئاً نافعاً بدلا من الشروح العتيقة البالية الخالية من المعنى فوجد نفسه وحيدا ليس له من الأساتذة من يساعده ولا من دعاة الخير من ينصره بل إن الدعوة إلى إصلاح الأزهر هوجمت ووصفت بأنها ترمي أن يحول هذا المسجد العظيم إلى مدرسة فلسفة وآداب تحارب الدين وتطفئ نوره .

فحين حاول إقناع شيخ الأزهر آنذاك بأن يأمر بتدريس مقدمة ابن خلدون في الأزهر بعد أن وصف له فوائدها ما شاء الله أن يصف ، فلم يصادف قبولا لأن العادة لم تجر بذلك!! وحين دعا إلى إدخال الجغرافيا ضمن علوم الأزهر توجهت نحوه الألسنة والأقلام بالاتهامات وأنه إنما يريد الغضّ من علوم الدين.

وحين قدم اقتراحاً لإصلاح المحاكم الشرعية قال فيه أنه ينبغي أن يعين القضاة في مصر من أهل المذاهب الأربعة لأن أصول هذه المذاهب متقاربة وقال إن الضرورة قاضية بأن يؤخذ في الأحكام ببعض أقوال من مذهب مالك أو مذهب الشافعي تيسيراً على الناس ودفعاً للضرر والفساد ـ قام كثير من المتورعين يحوقلون ويندبون حظ الدين ، كأن الطالب يطلب شيئاً ليس من الدين ، مع أنه لم يطلب إلا الدين ، ولم يأت إلا بما يوافق الدين؛ وما ذلك إلا لأن أنصار الجمود من المسلمين قالوا : يولد مولود في بيت رجل من مذهب إمام فلا يجوز له أن ينتقل من مذهب أبيه إلى مذهب آخر ، ليوقعوا الأمة فيما وقع فيه من سبقها من الاختلاف وتفرق المذاهب والشيع في الدين ، ولتكون حروب جدال بين أئمة كل مذهب لو صرفت آلاتها وقواها في تبيين أصول الدين ونشر آدابه وعقائده الصحيحة بين العامة ، لكنا اليوم في شأن غير ما نحن فيه . يجد المطلع على كتب المختلفين من مطاعن بعضهم في بعض ما لا يسمح به أصل من أصول الدين الذي ينتسبون إليه ، يضلل بعضهم بعضاً ، وبرمي بعضهم بعضاً بالبعد عن الدين ، وما المطعون فيه بأبعد عن الدين من الطاعن . ولكنه الجمود ، قد يؤدي إلى الجحود .

في حوار دار بينه وبين الشيخ رشيد رضا حول التصوف والصوفية ، يصرح الأستاذ الإمام بأن كل ما هو فيه من نعمة في دينه فسببها التصوف ، وأنه لم يوجد في أمة من الأمم من يضاهي الصوفيّة في علم الأخلاق وتربية النفوس ، وإنه بضعف هذه الطبقة وزوالها فقدنا الدين ، وإن سبب ما ألم بها تحامل الفقهاء عليهم ، وأخذ الأمراء بقول الفقهاء فيهم فأولئك يكفّرون وهؤلاء يعذبون ويقتلون حتى إنه قتل في القاهرة في يوم واحد خمسمائة صوفيّ، وهذا سبب لجوئهم إلى الاختفاء ، وكلامهم في عقائدهم واصطلاحاتهم وأعمالهم وما يحصل لهم من الذوق والوجدان برموز و إشارات لا يعرفها إلا أهلها الذين سلكوا هذه الطريقة إلى نهايتها ،فمن أخذ بظاهر أقوالهم ضل .

وحين يسأل الشيخ رشيد رضا الأستاذ الإمام عن الطائفة البابية يجيبه قائلا: " إن هذه الطائفة هي الطائفة الوحيدة التي تجتهد في تحصيل العلوم والفنون بين المسلمين ، وفيها العلماء العقلاء ، ولا أعلم حقيقة مذهبهم ، ولا أدري هل ما يقال عنهم من الحلول ونحوه صحيحا أم لا ؟ بل أستغربه جداً" .
وحين يسأله الشيخ رشيد عن عباس أفندي نجل البهاء منظم الدعوة البهائية والذي سمع عن براعته في العلم والسياسة يجيبه الأستاذ الإمام : " إن عباس أفندي رجل كبير ، هو الرجل الذي يصح إطلاق هذا اللقب ـ ( كبير ) ـ عليه .وفي الوقت الذي ينكر فيه الشيخ رشيد رضا على البهائية مسألة تعدد لزوجات حيث يبيحون الجمع بين امرأتين فقط ، يرى الأستاذ الإمام أن للتعدد والتسري مفاسد كان لها الأثر الأكبر في ضعف الأمة وسقوطها إلى الدرك التي هي فيه، بعد أن خرج بهما المسلمين عن هداية الشرع إلى الإسراف في استفراغ الشهوة بدون ملاحظة الغرض الديني. من هذه المفاسد التي تترتب على التعدد والتسري فساد البيوت بانتقال التعادي والتباغض من الزوجتين أو الزوجات إلى أولادهن فيتعذر معها تهذيبهم ... أما السلاطين والأمراء فإذا كان في قصر أحدهم هذا العدد الكثير من النساء فمتى يصفو فكره للإصلاح والنظر في شؤون الأمة؟!!
أما حين يقول الشيخ رضا إن البهائية يقولون بصحة جميع الأديان والكتب الدينية ، ويدعون جميع أهل الملل إلى دينهم لتوحيد كلمة البشرية فإن الإمام يرى أن التقريب بين الأديان مما جاء به الدين الإسلامي ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) .

ومن الجلي أنه ما كانت لتكون آراء الأستاذ الإمام المتقدمة على هذا النحو لولا إيمانه بأحد أهم أصول الأحكام في الإسلام ، وهو البعد عن التكفير ، فقد أوضح الإمام أنه مما اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم ، أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد ، حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر.

إن الأستاذ الإمام لا يكاد يخطّئ القائل بأن المسلم إنما استفاد اسم زندقة ، وتزندق ومتزندق وزنديق من فضل ما علمه من جيرانه ، إذ كانوا يقولون : هرتقة وتهرتق وهو هرتوقي أو ما يماثل ذلك ، ولا يكاد يخطئ من زعم أن قد فشت في المسلمين سرعة التكفير بطريق العدوى من أهل الملل المتشددة ، وأن الذي سهل سريان العدوى بتلك السرعة الشديدة بين المسلمين هو جهلهم بأصول دينهم ومقوماته , ولم يقف الجهل بهم عند تكفير من يخالفهم في مسائل الدين ، أو يذهب مذهب الفلاسفة أو ما يقرب من ذلك ، بل عدا بهم الجهل على أئمة الدين وخَدَمة السنة والكتاب فقد حملت كتب الإمام الغزالي إلى غرناطة وبعد ما انتفع بها المسلمون أزمانا هاج الجهل بأهل تلك المدينة وانطلقت ألسن المتعالمين بتفسيقه وتضليله ، فجمعت تلك الكتب خصوصاً نسخ " إحياء علوم الدين " ووضعت في الشارع العام في المدينة وأحرقت .
ويذكرنا الإمام بمحكمة التفتيش الكنسية الرهيبة التي أنشئت لمقاومة العلم والفلسفة عندما خيف ظهورهما بسبب تلامذة ابن رشد وتلامذة تلامذته خصوصاً في جنوب فرنسا وإيطاليا، فقد قامت هذه المحكمة بمراقبة المطبوعات ، وحتم على كل مؤلف وكل طايع أن يعرض مؤلفه أو ما يريد طبعه على القسيس أو المجلس الذي عين للمراقبة ، وصدرت أحكام المجمع المقدس بحرمان من يطبع شيئاً لم يعرض على المراقب أو ينشر شيئاً لم يأذن المراقب بنشره .
ولقد أوقعت هذه المحكمة المقدسة من الرعب في قلوب أهل أوروبا ما خيل لكل من يلمح في ذهنه شيئا من نور الفكر إذا نظر حوله والتفت وراءه أن رسول الشؤم يتبعه وأن السلاسل والأغلال أسبق إلى عنقه ويديه من ورود الفكرة العلمية إليه، ولقد قامت هذه المحكمة بأعمالها حق القيام فقد حكمت منذ نشأتها سنة1481إلى سنة1808 على ثلاثمائة وأربعين ألف نسمة ، منهم نحو مائتي ألف أحرقوا بالنار أحياء.
وإن المرء ليتساءل أين يصنف بعض " علماء " المسلمين أنفسهم اليوم وقد أصدروا قرارات حرمانهم بحق مفكرين وكتاب عرب (وأوقعوا من الرعب في قلوبهم ما خيل لمن يلمح في ذهنه شيئا من نور الفكر إذا نظر حوله والتفت وراءه أن رسول الشؤم يتبعه وأن السلاسل والأغلال أسبق إلى عنقه ويديه من ورود الفكرة العلمية إليه !!)



#ليلى_دورا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. الداخلية تعلن القبض على 4 مواطنين و3 من إثيوبيا و ...
- سوريا وسقوط الدومينو.. نحو إسرائيل الكبرى؟
- بعد وساطة تركية مع مصر.. عبد العاطي يعتزم زيارة دمشق ولقاء ا ...
- فيتسو: وقف الغاز الروسي عن أوروبا سيكلفها 120 مليار يورو
- القوات الروسية تتقدم غرب دونيتسك
- الحكومة الأذرية تقول إن -تدخلاً خارجياً- وراء تحطم طائرتها، ...
- محافظ دمشق: هناك أناس يريدون التعايش والسلام ومشكلتنا ليست م ...
- هآرتس: حماس تستعيد قوتها بسرعة وعمليات الجيش الإسرائيلي في غ ...
- الآلاف في بودابست يحصلون على وجبات العيد من محبي هاري كريشنا ...
- فيفا: منتخب مصر بقيادة -العميد- على أعتاب إنجاز تاريخي


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ليلى دورا - الإمام محمد عبده ورؤاه التنويرية وآراؤه الإصلاحية