|
تشديد العقوبات على إيران وتغير النظام من الداخل
شريف نسيم قلتة
الحوار المتمدن-العدد: 3789 - 2012 / 7 / 15 - 13:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاءت العقوبات الأمريكية- الأوربية الأخيرة على طهران والتي تعد الأقسى ضمن سلسلة العقوبات الغربية على طهران منذ عام 2006، لتكون بمثابة الخيار الأخير أمام المجموعة الغربية لتشديد الخناق على إيران وإرغامها على التخلي عن طموحاتها النووية، قبل التفكير في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. تستهدف العقوبات الغربية الأخيرة على طهران إضعاف الاقتصاد الإيراني إلى أقصى درجة ممكنة وعزله عن الاقتصاد الدولي، وذلك بضرب الدعامتين الرئيسيتين للاقتصاد الإيراني وهما : النظام البنكي والمصرفي، قطاع النفط. ويشكل الأخير المصدر الرئيسي لما تحصل عليه إيران من نقد أجنبي. هذا في الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد الإيراني من ضعف شديد منذ أعوام جراء العقوبات الاقتصادية السابقة، هذا علاوة على ارتفاع معدلات البطالة، وغياب الاستثمارات الأجنبية، وتأكل البنية التحتية الإيرانية. ووفقاً لذلك فإن تشديد العقوبات الاقتصادية سيشل الاقتصاد الإيراني، ويحؤول دون تمكن الحكومة الإيرانية من تقديم السلع والخدمات الأساسية للمواطنين والذى من شأنه أن يزيد الفجوة بين النظام والشعب ويقود إلى التغيير من الداخل، هذا بالإضافة إلى ان الضعف الاقتصادي العام الذى سوف يصيب إيران جراء هذه العقوبات من الممكن أن يدفع إيران إلى الاستغناء عن برنامجها النووي، أو يحول دون حدوث أي تطور بشأنه. خاصة وأن معظم تقارير المخابرات الدولية تشير إلى اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي. وتنطلق العقوبات الأوروبية الأخيرة على طهران من حظر استيراد النفط الإيراني إلى الاتحاد الأوروبي، أو نقل البترول الإيراني من قبل أوروبا أو بالمرور عبرها. أما العقوبات الأمريكية والتي تتعمد بالأساس إلحاق اكبر ضرر بالنظام المصرفي الإيراني فتنطلق من حظر التعامل مع المصارف الإيرانية، وتجميد أرصدة أي مؤسسة مالية أجنبية أو شركة تعمل داخل الولايات المتحدة تقوم بتبادل تجاري مع المصرف المركزي الإيراني في قطاع النفط، ومنعها من العمل بداخل الولايات المتحدة. وشمل مشروع العقوبات الأمريكية أيضًا تشديد العقوبات على وزارة الدفاع الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وستة من كبار قادة الحرس الثوري، وعدد من المصارف الإيرانية مثل مصرف (ملت ، صادرات)، حيث تم تجميد كل الحسابات الأميركية لهذه الجهات، ومعاقبة الشركات والمؤسسات المالية سواء الأمريكية أو الأجنبية التي تعمل على الأراضي الأمريكية والتي لديها تعامل معهم؛ متهمة إياهم بالمضي في تمويل البرنامج النووي الإيراني وتصدير الإرهاب. وبالتزامن مع هذه العقوبات اعلنت "الهند وكوريا الجنوبية واليابان"، وهم من ابرز زبائن ايران في اسيا، نيتها خفض وارداتها من النفط الإيراني بنسبة10 الى 20% بعد ان كانت تفوق 800 الف برميل يوميا في 2011. وعلى الرغم من تقليل النظام الإيراني من خطورة هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني، والادعاء بأن الأوروبيين هم الخاسر الأكبر من خطر استيراد النفط الإيراني، إلا أن هذا الكلام يحتوى على مغالطات كبيرة نظراً لما يعترى الاقتصاد الإيراني من ضعف شديد، هذا في الوقت الذى يدور الحديث داخل إيران عن إخفاقات اقتصادية لحكومة أحمدي نجاد والذي يبدو واضحًا من الانتقادات المتزايدة من البرلمان الإيراني لأداء حكومة الرئيس "أحمدي نجاد" ولاسيما في ما يتعلق بتأخر الحكومة باتخاذ الإجراءات التي من شأنها التقليل من التأثيرات السلبية للعقوبات الأوروبية. فبدخول هذه العقوبات الأخيرة حيز التنفيذ يتوقع أن تنخفض الصادرات الإيرانية من النفط بنسبة 50%، أي أن إيران سوف تخسر يومياً أكثر من نصف مليار دولار، وهو ما سوف يكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد الإيراني في المدى القريب، والتي من أهمها على الأطلاق انهيار قيمة العملة الوطنية الإيرانية (الريال) أمام العملات الأجنبية الأخرى. فنتيجة للعقوبات السابقة على إيران فقد "الريال الإيراني" في عام 2011 نصف قيمته أمام العملات الأجنبية الأخرى، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 25%، ووصول معدلات البطالة إلى 15% ، والتضخم إلى 50% ، مما أضعف القوة الشرائية للمواطن الإيراني. ومن هنا فإن العقوبات الجديدة ستكون أكثر تأثيرًا على الحياة اليومية، وستتسبب بضغوط أكثر على موازنات الأفراد العاديين، لاسيما إذا ما تراجعت العملة الإيرانية أمام الدولار واليورو وهما العملتان المستعملتان في استيراد الكثير من السلع. كما أنها ستزيد من أعباء الحكومة الإيرانية الاقتصادية.
وهذا ينبئ بأن النظام الإيراني سوف يواجه خلال الفترة القليلة القادمة أزمة حقيقية، قد تهدد بقاءه وربما تضع نظام "ولاية الفقيه" في إيران على حافة الهاوية، ففشل النظام الإيراني المتوقع في الخروج من الخناق الاقتصادي الشديد المفروض عليه، من المحتمل أن يمهد الطريق إلى قيام ثورة احتجاج عارمة ضد هذا النظام لإسقاطه، فحالة الاستياء والسخط داخل إيران تتنامى يوما بعد يوم تجاه تلك النخبة الحاكمة في طهران والتي فشلت في إيحاد حلول عملية للمشاكل الاقتصادية المتراكمة خلال الاعوام السابقة.. هذا في الوقت الذى يقوم به النظام الإيراني من تقديم مساعدات مالية كبيرة لحلفائه في المنطقة ( حزب الله، حركتي حماس والجهاد الإسلامي، الجماعات السياسية الشيعية والمليشيات المسلحة في العراق). ولعل أبرز ما نتج من تداعيات اجتماعية سلبية جراء الفشل الاقتصادي للنخبة هو التوسع الهائل في الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل إيران. والذى كان أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات الشعبية الكبيرة في إيران عام 2009 والتي قمعتها السلطات الإيرانية بكل شراسة. وتأتى هذه الأزمة الأخيرة في إطار سياق داخلي وإقليمي مختلف قد يزيد الأمر تعقيداً للنخبة الحاكمة في إيران، حيث تتزامن هذه الأزمة مع موجات الربيع العربي التي تجتاح المنطقة ويبدو ان إيران ليست بمنأى عنه، هذا في ظل الصراعات الشديدة داخل إيران سواء بين المحافظين والإصلاحيين من جانب أو داخل التيار المحافظ نفسه، وتشكل الإخفاقات الاقتصادية للنخبة الحاكمة فرصة ذهبية للتيار الإصلاحي لحشد الشارع الإيراني ضدها. لكى تلحق إيران بقطار التغير في المنطقة.
وفى النهاية يمكن القول أن نظام "ولاية الفقيه" قد لا يصمد كثيرا أمام وطأة العقوبات الأخيرة عليه، والتي من شأنها أن تزيد من تعمق الفجوة القائمة بين النظام وشعبه. وتعجل بسقوطه مع أول موجة احتجاجات قادمة عليه، وليس النظام الإيراني بمنأى على الأطلاق عما حدث لنظام "مبارك" في مصر، ونظام "بن على" في تونس. حيث تتشابه الأوضاع والظروف بشكل كبير. وخاصة الوضع الاقتصادي المتدهور والذى كان السبب الرئيسي في سقوط تلك الأنظمة.
#شريف_نسيم_قلتة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من سيخلف خامنئى؟
-
الاستراتيجية العسكرية الصينية لتأمين الطاقة
المزيد.....
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
-
الجيش الإسرائيلي ينذر سكان 5 بلدات في جنوب لبنان بإخلائها
-
سحابة تسقط من السماء في إندونيسيا: سئمت من الطقس الممطر هناك
...
-
ترامب يستكمل تشكيلة حكومة باختيار بروك رولينز وزيرةً للزراعة
...
-
ترامب ينتهي من تشكيل إدارته باختيار وزيرة لتولي حقيبة الزراع
...
-
بوتين يوقع مرسوما: قاتل وسدد ديونك مع زوجتك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|